لكلٍّ أشباحه وعفاريته وغرابته

لكلٍّ أشباحه وعفاريته وغرابته
الخميس 13 شتنبر 2012 - 10:58

يلاحظ المتتبع وغير المتتبع للخطاب السياسي المغربي، حاليا، ظاهرة تستحق الانتباه، إذ يتجنب تسمية الأشياء بمسمياتها، ويلجأ إلى الرمز والاستعارة، واستثمار المخزون الشعبي الحكائي، في وصف خصومه أو في تبرير مواقفه، أو تجسيد العوائق التي تواجهه، ويوظف معجما ينأى عن العبارات والمصطلحات الأكاديمية المجردة الباردة، ويستعمل عبارات حيوية، تنشط خيال المتلقين، وتحرك مخاوفهم الدفينة، وتضفي على الخطاب شيئا من الإثارة والتشويق. هكذا تسربت إلى المعجم السياسي عبارات مثل العفاريت والأشباح والتماسيح، والساحرات، لتصف قوى سياسية غيبية خارقة، تحمي الفساد وتقاوم التغيير، وتمنح في نفس الوقت إمكانيات حكائية هائلة تغري بالمتابعة. غير أن إحجام الكائنات المتكلمة عن الدخول في صراع مع هذه الكائنات المزعومة، واكتفاءها بدور الراوي، جعل الحكاية مملة والفرجة باردة، وجعل هذه الكائنات مجرد افتراضات، ورموزا بدون مرموزات، تفتح المجال للتأويل والمغالطات، وتضيع الحقيقة الواقعية.

وفي انتظار تحديد الدلالات وكشف المستور، نترك لغة وألغاز السياسيين، ونُيمِّم وجهنا نحو قاموس وحياة البسطاء، بحثا عن دلالات وإحالات أقرب إلى معيشنا وإدراكنا. فماذا تعني عبارات العفاريت والأشباح والتماسيح في المعجم الشعبي؟

عفاريت الشعب لطيفة ظريفة، مغلوبة على أمرها، لا تتحرك إلا في الظلام. إن بحثت عنها تجدها في “سوق العفاريت” الشهير في الأدبيات البيضاوية. يقام هذا السوق في عز الليل، حيث تتبادل العفاريت البشرية، على ضوء مصابيح يدوية، نقودا صدئة وسلعا متآكلة: ملابس مبللة من السطوح، أشباه أحذية، أوانٍ مملوءة طعاما ساخنا، سُرقت لتوها .. لا تُرى إلا الأصابع، ولا تُسمع إلا الهمهمات ..عفاريت تبيع وتعيش على ما تبقى، وتغلق بورصتها مع آخر خيوط الليل، على مؤشر أزلي بدون زيادة أو نقصان، وتنسحب دون أن تترك نارا ولا رمادا.

أما أشباحنا، فهم فئة عريضة ممن يعيشون تحت معدل الفقر، بقايا كائنات شاحبة اللون، مقوسة الّظهر، غائرة العيون، مهشمة الأسنان، ضامرة الجسم، تقضي نهارها هائمة في الشوارع، متراكمة في المقاهي، مكدسة في الحافلات، مرمية فوق الأرصفة. وتبيت ليلها في أكواخ الصفيح والإسمنت غير المسلح، أو في الزوايا المظلمة والأزقة الباردة. تولد ميتة، وتعيش عمرها في انتظار الذي لا يأتي، بدون حلم ولا كابوس، بدون أمل ولا يأس، بدون حزن ولا فرح. تقتات على اليسير، وترضى بالقليل، وتموت قبل الموت. فقدت كل شيء، ولم يعد لديها ما تفقده.

أما التماسيح، فهي كائنات طفيلية، آلات ساحقة، تطحن الناس والحجارة، ولا تتوقف عن الدوران. تطالعنا في اللوحات الإشهارية مختلفة الأحجام والأبعاد، أو في الوصلات المتلفزة، أو على صفحات الجرائد، بعيون دامعة وأفواه فاغرة، كلما هلَّ دخول مدرسي، أو أطل كبش العيد، أو ألحَّت حاجة من حاجاتنا التي لا تنتهي. ندخل مستنقع قروضها حالمين، ثم نعود إليه مُدمنين، ولا نخرج منه إلا عفاريت وأشباحا. هذه كائناتنا الغريبة، فهاتوا كائناتكم إن كنتم صادقين.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين