رسالة الملك خوان كارلوس والدروس المستفادة

رسالة الملك خوان كارلوس والدروس المستفادة
الأحد 23 شتنبر 2012 - 00:39

هناك حاجة إلى قراءة دلالات الرسالة التي وجهها الملك خوان كارلوس إلى الشعب الإسباني عبر الانترنت يحذره فيها من الفتنة ومخاطر مسايرة الأوهام، ويدعوه إلى توحيد الصوت والعمل الجماعي المشترك واستحضار النفس الوحدوي الذي قاد تجربة الانتقال الديمقراطي الإسباني في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر منها إسبانيا. فملك إسبانيا فاجأ الجميع لما فضل أن يبعث الرسالة، ولأول مرة، عبر الانترنت لمخاطبة كل أفراد الشعب الإسباني، لاسيما بعد المظاهرة المليونية التي اخترقت شوارع العاصمة الكاطلانية برشلونة، وهدد فيها المسؤول عن حكومة الإقليم أرتور ماس بالاستقلال في حالة عدم حصول اتفاق مالي مع الحكومة المركزية في مدريد يخفف من الضغط الضريبي المفروض على الإقليم.

المثير في هذا الوضع الحساس، ليس هو المظاهرات التي خرجت من إقليم كاطلانيا، ولكن هو حجمها ومضمونها، إذ لأول مرة تأخذ هذا الحجم المليوني، ولأول مرة أيضا، تصل فيها لغة التهديد إلى مستوى التلويح الصريح بإمكانية الاستقلال عن الحكومة المركزية، وذلك بسبب اللاتوازن في تعامل الحكومة المركزية مع إقليم كاطلانيا، إذ يعتبر الكثيرون في هذا الإقليم أنهم يقدمون أموالا كثيرة عبر الضرائب للحكومة المركزية تستفيد منها بقية الأقاليم، بينما لا يستفيد الإقليم من الحكومة المركزية، إلى درجة أن رئيس حكومة إقليم كاطلانيا حدد الفارق بين عملية العطاء والأخذ بخسارة عشرين مليار دولار!

هذه الوضعية الحرجة التي استدعت من الملك خوان كارلوس استثمار أحد مواد الدستور الإسباني للتدخل لدعوة الشعب الإسباني إلى الوحدة لمواجهة ظروف الأزمة الاقتصادية، أصبحت تستدعي التوقف مرة أخرى على تجربة الانتقال الديمقراطي الإسباني لالتقاط الدروس والدلالات التي يمكن أن يتم استصحابها في عملية الانتقال الديمقراطي بالمغرب، لاسيما وأن التجربة الإسبانية كانت محطة مفصلية في هندسة بعض الرهانات الرئيسة في مسارنا الديمقراطي وخاصة ما يرتبط بالجهوية الموسعة:

1- أن أي تجربة للانتقال الديمقراطي لا يمكن الحكم على نجاحها في فترة الرفاه والاستقرار الاقتصادي فقط، فوضعية الأزمة خاصة منها الاقتصادية، تعتبر محكا أساسيا لاختبار القواعد والأطر السياسية التي وضعت لبناء هيكل الدولة ونظامها السياسي. وفي ضوء هذا المعنى، يمكن أن نفهم جوهر النقاش الذي انطلق في إسبانيا يطالب بضرورة إعادة النظر في هذه الأطر، حتى صار يمين الوسط، الذي تعبر عنه جريدة abc، ينتقد “الأخطاء التي ارتكبت” لما تم إعطاء 17 إقليما حكما ذاتيا في الوقت الذي لم يكن فيه إلا إقليمان يطالبان بذلك.

2- أن البعد التضامني في بناء تجربة حكومات الأقاليم لتوزيع الثروة الإسبانية بالعدالة على كل الأقاليم، تحول إلى تذمر الأقاليم الغنية واستعمالها لكل الأوراق في الضغط على الحكومة المركزية بما في ذلك استخدام ورقة الانفصال. وهذا ما يتطلب التفكير عند صياغة القانون المؤطر للجهوية في منهجية واقعية لتدبير التفاوتات الصارخة الموجودة بين الجهات. صحيح، أن عناصر الاختلاف قائمة بين الجهوية الموسعة وبين نظام الحكم الذاتي المعمول به في التجربة الإسبانية، لكن جوهر المشكلة واحد، وممارسة الضغوط باستعمال ورقة إنتاج الثروة والاستفادة من جانب واحد أمر وارد حتى ولم يصل الأمر إلى السقف الذي وصل إليه في إسبانيا.

3- إنه مع أن المغرب استفاد كثيرا من التجربة الإسبانية، لاسيما ما يتعلق بحصيلتها على مستوى تدبير العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم وبشكل أخص مشاكلها والتحديات التي طرحتها، إلا أن هناك حاجة ماسة اليوم إلى إعادة قراءة هذه التجربة في ضوء تداعيات الأزمة الاقتصادية، والانتباه عند صياغة القانون المؤطر للجهوية الموسعة، إلى مخاطر السقوط في بعض أخطائها.

4- إن عناصر التشابه الكثيرة التي تقاطعت فيها تجربة الانتقال الديمقراطي في المغرب مع إسبانيا، سواء على مستوى الدور الملكي، أو اختيار نموذج الإصلاح بدل القطيعة، أو الوصول إلى توافقات في إطار من التفاوض السياسي السلمي، أو الارتكاز على ثوابت وطنية في عملية بناء النظام السياسي أو تحديث هياكل الدولة. إن عناصر التشابه هذه في ظل التطورات التي تشهدها إسبانيا، تستدعي التعامل مع حصيلة التجربة الإسبانية بمنطق نقدي وذلك لاستخلاص أخطائها والمآزق التي انتهت إليها، وإعادة تقويم الأطر والقواعد التي قامت عليها، وخارطة الطريق التي استحدثت لبناء النظام السياسي لاسيما وأن أهم رهانات المغرب في هذه المرحلة، هو تحديث هياكل الدولة وتقويتها لمواجهة الاستحقاقات التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.

‫تعليقات الزوار

5
  • عبد الرحمان
    الأحد 23 شتنبر 2012 - 15:13

    مقال مهم يستحق التنويه و الإشادة من اجل جهوية فعالة تراعي مصالح الجميع

  • HAMID
    الأحد 23 شتنبر 2012 - 20:46

    دروس دروس و ذر الرماد في العيون … يا سيدي الفاضل لا يمكن فاي حال من الاحول مقارنة بلد ديمقراطي كاسبانيا مع بلد تحكمه الزبونية و الفساد مستشري في اعلى هرم السلطة و ليست الديمقراطية فيه سوى وهم .؛ فلنكن و اقعيين خوان كارلوس الملك ان شئت كاد يفتقد بل فقد احترام شعبه بمجد انه قام بنزهة صيد في وقت تشهد فيه بلاده ازمة اقتصادية حادة ، اما نحن فماموال الدولة بين قوسين تنهب في وضح النهار عبر الدستور نفسه دون ان نحرك ساكنا… يا اخي الكلام الحلو و المزكرش لم يعد ينطلي على احد، اش جاب لجاب اسبانيا للمغرب ، سبحان الله ننافق انفسنا و نحاول تغطية الشمس بالغربال في عصر التكنولجيا و الاقمار الاطناعية و الانترنت..

  • Al idrissi achegdali
    الأحد 23 شتنبر 2012 - 21:30

    انا لست محلل استراتيجي وجيوسياسي، ولكن واقعي وبركماتي، من الناحية السياسية وجه الشبه الوحيد بين المغرب واسبانيا انهما مملكتان ، لكن بفارق شاسع مع اقاف التنفيذ، اسبانيا دولة مؤسسات والمغرب دولة افراد ولوبيات، فالدولة في اسبانيا في خدمة الشعب وفي المغرب الشعب في خدمة المخزن. فالجهوية الموسعة في اسبانيا لتوزيع شبه عادل للثروة وفي المغرب طريقة سادجة لاقتسام الغنيمة بين ليات الفساد. مقاربة غير مقبولة

  • Atlasson75
    الإثنين 24 شتنبر 2012 - 09:42

    You're comparing a democratic kingdom with a medieval one! how come? seemingly, based on the speed we are traveling with, we still have ahead of us at least several decades before reaching the level of Spanish democracy. Do not forget that 70% of Moroccans are completely illiterate, and a significant portion of those who went to universities are not politically mature. Therefore, who do you think will lead to change in our country? a king who is a ruler, a judge, a businessman, a commander of believers? or his corrupt entourage and political parties created by Al Makhzan itself? Dig deeply in the history of medieval France to locate one of their kingdoms similar to ours in order to make a logic and valid comparison.

  • لا مقارنة مع وجود الفارق
    الإثنين 24 شتنبر 2012 - 15:02

    أخي بلال أصبح منطق التبرير الذي تغرق فيه العدالة والتنمية طاغيا على كتاباتك التي لم تكن كذلك من قبل
    .
    1-إن سبب الأزمة بالمغرب هو الفساد المستشري في كل مناحي الحياة والذي لا يدع أخضرا ولا يابسا إلا أهلكه والذي قررتم العفو عنه
    .
    2-وكأني بك في مقالك هذا تدعو المناطق النائية المهمشة التلويح بالإنفصال على شاكلة إقليم كاتالونيا

    3- توجه صديقنا الملك خوان كارلوس إلى شعبه عن طريق الأنترنيت كواحد من الشعب ولم يستعمل أي مؤسسة في ذلك ولا ارتمى على صلاحيات راخوي

    آسي بلال لا مقارنة مع وجود الفارق

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات