الرسول في كتابات الحداثيين

الرسول في كتابات الحداثيين
الإثنين 24 شتنبر 2012 - 15:39

في مقال للصحافي عادل حمودة انتقد فيه تحريك السفارة المصرية بالولايات المتحدة الأمريكية دعوى قضائية ضد صنّاع الفيلم المسيء للرسول الله صلى الله عليه وسلم، معللاً ذلك بأن النبي كان لا يحمل الجنسية المصرية. وفي نفس الوقت تقريبا، تناقلت الصحافة الوطنية الحكم الصادر على المدعو ” زين العابدين”، المتابع بازدرائه للدين الإسلامي عندما رصد الأمن مجموعة من الصور المسيئة للرسول محمد (ص)، على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك. هذه الأحداث والعبارات المتتالية تدعونا للتساؤل عن حقيقة الهبة الشعبية ضد الإساءة إلى النبي الأكرم. فهل الهبة ضد الإساءة في حد ذاتها أم لكونها صدرت من جهات محددة في دائرة الاستكبار العالمي؟ ولماذا تغيب هذه الهبة عندما يكون المسئ أحد من أبناء جلدتنا؟ والسؤال المرعب ــ حسب تعبير علي حرب وهو يفكك القول الأركوني ــ هو : هل يطال النقد الذي يزكم النصوص الحداثية للتراث يقف عند حدود الهوامش أم يطال النص والسيرة النبوية؟.

إن استنطاق مشروطية القول الحداثي تكشف عن رؤية مخالفة لرسول الإسلام. فمحمد “ص” لا ينظر إليه باعتباره مبلغا عن رب السماوات أو أفضل خلق الله، أو حتى نبيا له من عناصر المفارقة ما ميزه عن باقي الكائنات، بل هو بشر عادي عانى من ظروف واقعية مثل اليتم والفقر، ومن شروط وجدانية حين تلقي الوحي. فمعاناته تثبت انتماءه الزمني من خلال نسبيته باعتباره ناقلا للرسالة وليس من خلال طبيعته الملكوتية التي تحيل عليها بعض القراءات التراثية والتفاسير المختلفة. “ومحمد بن عبد الله ــ كما يقول الجابري ــ واحد من البشر يعتريه ما يعتري البشر .ولذلك نجده يعاني حين نزول الوحي عليه حالات خاصة من الاضطراب تحدثت عنها الروايات”. ويذهب آخرون ، مثل بسام الجمل، إلى أن حتى هذه الحالات الخاصة مناقضة لشروط التبليغ ، لأنها تثبت للرسول صفات لاعقلانية هي أقرب إلى الجنون والهذيان .”ولذلك فإن ما نقله لنا المفسرون وعلماء القرآن وعلماء الحديث عن حال الرسول إنما يعكس عند الفحص تمثلا معينا لذاك الطور المتميز . ومن أبرز خصائص هذا التمثل أن فهم الوحي فهما ماديا لا مجازيا .وعندئذ تحدثوا عن ثقله وشدته على النبي والذي بدا في نظرهم كأنه يعاني من حالة مرضية “. لذا يدعونا إلى ضرورة الاحتراز من الروايات المتحدثة عن المشاعر النفسية والعلامات الجسدية المصاحبة لاستقبال الوحي ، لأن “ذلك يصطدم بما ينبغي أن يكون عليه المتلقي للوحي من ثبات وهدوء نفسي حتى يستوعب التنزيل ويتمكن من تبليغه بتمامه دون تصرف في صياغته بالزيادة أو بالنقصان”. لذلك اختلف الإسلام عن باقي الديانات التي تمنح الرئيس الأول أو المستقبل الأول مرتبة بين الألوهية والبشرية وأحيانا ترفعه إلى مرتبة الألوهية حتى تبقى النصوص الدينية خاصة ومرموزة وتحتاج دوما إلى من يفك شفرتها. “وفعلا فإن القرآن يقدم الرسول في صورة تاريخية واقعية بعيدة جدا عن مظاهر التضخيم والمبالغة وذلك على خلاف ما ترويه كتب السيرة النبوية حيث أسندت غليه صفات خارقة ونسبت إليه معجزات سواء قبل البعثة أو بعدها”.

وإمعانا في استحضار البعد البشري للرسول، يعتبر الحداثيون أنه ليس إلا مبلغا يعطى له دورا سلبيا في النسق الرسالي بغية نزع كل صفات التقديس والمفارقة عنه. لذا كان الإصرار على حضور الانتماء الواقعي من خلال التفسير التاريخي لاستعداد النبي لتقبل الوحي وإدراجه في الزمن الذي أنتجه. من ذلك مثلا أن علماء السيرة نزهوا الرسول، قبل نزول الوحي، عن الشرك وعبادة الأصنام وهو ما يرده الشرفي بقوله :” لئن كان الوجدان الإسلامي يستنكف عموما عن الإقرار بأنه كان في طفولته وشبابه على دين قومه فإن قوانين الاجتماع الإنساني لا تفرض سوى هذا السلوك العادي الذي يجعل الطفل قبل بلوغه مرحلة التمييز مقلدا لما يرى الآخرين يفعلونه ومتبعا إياهم في كل أمورهم ومنها دينهم”.
وفي إطار نزع القداسة عن تاريخ الرسالة يتم توجيه المسار الدعوي من خلال مقاربة اجتماعية تستحضر الأبعاد الإنسانية بدل المثاليات والميثيات المطلقة من خلال التأكيد على أن الرسول نال النبوة باستعداد بشري وليس باصطفاء إلهي. وبهذا اعتبر زواجه بخديجة العامل الحاسم في نجاحه في الدعوة لأنه وفر له الاستقرار النفسي والعاطفي وأبعد عنه الفقر وضنك العيش ومكنه حين دعاه داعي السماء من التفرغ لرسالته. بنفس المنطق الواقعي يمكن تفسير إسلام النجاشي وهجرة المسلمين إلى الحبشة بالعلاقة العائلية التي ربطت ملوك الحبشة برجالات بني هاشم من جدود الرسول. كما أن تحويل القبلة نحو الكعبة قد فسر بدوافع تجارية لعبت لصالح الدعوة. ويصل الأمر مداه حين تفسر الفتوحات الإسلامية بدوافع وأهداف دنيوية لأن الإسلام ــ كما يقول الشرفي ـــ ليس في حاجة إلى العنف كي ينتشر.

تنزع القراءات الحداثية إلى نزع صفة المفارقة عن رسول الأمة كمقدمة لنزع القداسة عن النص وتقديم قراءة مشككة في تماميته وصدقيته، والنتيجة واحدة: سواء بالرسوم الكاريكاتورية أم الأفلام السينمائية أم الدراسات المشككة في قيمة الرسول التي ترسخت عبر الأجيال هو حذف الرسالة وصاحبها من موقعها المحوري في الأمة.

‫تعليقات الزوار

4
  • عبد الحق
    الإثنين 24 شتنبر 2012 - 18:53

    إن هذه النظرة "الحداثية" تًجاه نبينا صلى الله عليه وسلم تخفي نزعة إلحادية لم يفلح دعاتها في إخفائها تحت شعاراتهم البراقة، يحاولون -كما قلت- نزع صفة القداسة عن النص القرآني والسنة النبوية، لكن محاولاتهم مآلها الفشل، لأن الكتاب والسنة معجزان في ذاتهما والله تكفل بحفظهما، ولك أن تطلع على موافقة بعض الاكتشافات العلمية الحديثة لما جاء فيهما بشكل دقيق يبهر العقول ويهز القلوب,, طبعا لمن كان له قلب وعقل.
    صحيح أن الرسول بشر ييفرح ويسعد يضحك ويبكي، يمرض الخ ’’’ لكنه فيما يخص الوحي "كتابا وسنة" فإنه معصوم -في تلقيه- من الزلل قال تعالى في سورة النجم " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"
    كما ان الحِكم من جعل الرسول بشرا يأكل ويشرب كثيرة منها: تمكن أتباعه على الاقتداء به من غير مشقة، والمؤمنون يا أستاذ هداهم الله سبحانه بفضله فما كان لملك أو رسول أن يهدي أحدا من البشر لم يأذن الله بهدايته قال تعالى ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) يونس/99، وقال أيضا: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) القصص/56
    يتبع إن شاء الله

  • khalid
    الإثنين 24 شتنبر 2012 - 19:22

    شكرا جزيلا على هذا المجهود ونريد المزيد من الكتاب المخلصين لدينهم ووطنيتهم واصول ابائهم عكس بعض المراهقيين الكتاب الشاذين ويتشدقون بالحرية والشمولية والكونية.. الخ من الكلمات الذخيلة المشحونة بالنفق والكذب و الانحلال الاخلاقي ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً

  • احمد
    الثلاثاء 25 شتنبر 2012 - 00:23

    اللهم صل و سلم على سيدنا محمد و على آله و أصحابه الطيبين الطاهرين

    ان الله و ملائكته يصلون على النبي

    يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما

  • عاشق النبي
    الثلاثاء 25 شتنبر 2012 - 08:35

    نستنكر ما يقوم به هؤلاء الاعدإء الامريكان والاوروبيين والصهاينة الملاعين لكن يجب ان نكون واقعيين الا يجب علينا ان نستنكر ما يخرج به بنو جلدتنا مرارا باشد الاساءات عن ديننا ونبينا فكفانا نفاقا صراحة كم من مسيرات نحتاج اسبوعيا وتنديدات باساءتنا للنبي مسيرات ضد السياحة الجنسية ضد الزنا واللواط ضد الرشوة ضدالميوعة والعراء واستحالة الخمور والقمار في بلاد المسلمين ضد الفاسدين والمفسدين والضحك على الشعب . .و..و..اننا تسيء صباح مساء للنبي واكثر في بعض الاحيان ممإ يسيء اليه الغرب فكفإنإ امراضا وتجاهلا وتعاميا اننا محاسبون وكلنا سيقف بين يدي الله فعذرا يا رسول الله عليك الصلاة والسلام وهدإنا الله الى الطريق المستقيم اسإلكم الدعاء

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين