حرب السفن..

حرب السفن..
الجمعة 5 أكتوبر 2012 - 14:17

قبل ثلاثة أشهر ونصف قامت السلطات المغربية بمنع دخول سفينة ضخمة ( نيو أمستردام) الى المياه المغربية، كانت في طريقها الى ميناء الدار البيضاء، تضم على ظهرها زهاء 2100 من الشواذ الجنسيين يحملون جنسيات أوروبية وأمريكية، في رحلة سياحية كانوا ينوون من خلالها القيام بزيارة مسجد الدار البيضاء والمآثر التاريخية لمدينة مراكش، وصلة الرحم ـ التي قطعوها لما خالفوا الطبيعة ـ مع إخوانهم في الغي والضلال الذين تمثلهم جمعية “كيف كيف”.

وهذه الأيام تمنع السلطات المغربية دخول سفينة ثانية، هي “سفينة الإجهاض” التي تؤطرها منظمة “وومنز اون ويفز” الهولندية (نساء على الأمواج) غير الحكومية، حيث أعلنت قبل أيام نيّتها زيارة المغرب بدعوة من جمعيّة “مالي” (الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية) المغربيّة، وذلك بهدف إجراء عمليات إجهاض علاجية على متن السفينة، إذ تلجأ ما بين 600 إلى 800 امرأة مغربية للإجهاض غير الآمن يومياً، وفق التقديرات.

وجدير بالذكر أن القانون المغربي يجرم كل علاقة جنسية غير شرعية، كما يمنع الإجهاض ويعاقب عليه، مما يدل على أن هناك نية لانتهاك السيادة المغربية من خلال هذا الضغط الحداثي، وإرباك الحكومة التي يقودها حزب إسلامي معروف بعدائه الإيديولوجي لمثل هذه المبادرات المناقضة لمرجعية المغاربة الإسلامية.

وقد تفد علينا غداً “سفينة الحريات الجنسية” بدعوة من الديالمي أوالغزيوي وشيعتهما، على ظهرها علماء في التربية الجنسية، يستقبلون المتحابين من الشباب الذين لا يجدون فضاءات لممارسة حقهم المشروع في الجنس بشكل آمن، بعيدا عن أعين السلطات التي تطاردهم أينما حلوا وارتحلوا، فيتلقون على ظهرها دروسا نظرية في الحب والجنس والأمراض المنتقلة وكيفية تفاديها، ثم يمرون إلى الدروس التطبيقية.

ولن نستغرب أيضا إذا رست غداً “سفينة للتعميد المسيحي” على ظهرها قساوسة ورهبانا، بشواطئنا الجميلة، بدعوى أن هناك مغاربة مسيحيون مضطهدون، محتاجون للتعميد من أجل طرد الشياطين عنهم.

وهكذا يتم تعويم النقاش حول هذه القضايا التي تخص المغاربة، وتهريبها من أجل تحقيق أجندة خارجية، واستدعاء سفن “حربية” تقصف القيم وتستهدف هوية المغاربة، فالمعركة اليوم معركة قيم، الدين حاضر فيها بقوة، والمتأمّل في خطاب المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية “رومني” هذه الأيام، لا يجد صعوبة في كشف الحضور القوي للعامل الديني في صلب معركته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض، حيث انتقد منافسه الديمقراطي أوباما بأن حزبه يريد شطب عبارة ” بالله نؤمن” من العملة الأمريكية، وقال رومني : “لن أشطب الله (…) من برنامجنا… لن أزيل الله من قلبي، نحن امة كرمها الله”، وصرح أيضا ان الاميركيين يحتاجون رئيساً “يلتزم لأجل أمة (…) تعترف أننا، الشعب الأميركي، حصلنا على حقوقنا ليس من الحكومة لكن من الله نفسه”.

بينما نحن المسلمين، يراد لنا أن نتنازل عن قيمنا ونمسخ هويتنا ونحصر الدين بين جدران المسجد ونبعد الله عن شؤون دنيانا، واليوم بعد تصدر الحركة الإسلامية الحكم في العديد من الدول التي زلزلها الربيع العربي/الديمقراطي، ترتفع أصوات العلمانيين بقوة من أجل إبعاد الدين عن الحياة، تقول نوال السعداوي أياما فقط بعد انتخاب الرئيس مرسي على رأس أكبر دولة عربية، وهو من الإخوان المسلمين الذين ذاقوا مرارة السجن زمان مبارك: (مطلوب أن تخلو خطب رئيس الدولة،

وأي خطب سياسية، من الآيات المقدسة في الكتب الدينية، القرآن أو أي كتاب ديني آخر، لأن اليقين الديني يتعارض مع القدرة على الشك والنقد، وبالتالي يمنع الحوار الحر والنقاش السياسي أو العلمي أو الاجتماعي أو الأخلاقي، وقول الرئيس إنه رئيس لكل المصريين يقتضي منه عدم التحيّز للمسلمين المؤمنين بالقرآن، فهناك الملايين في مصر يؤمنون بكتب دينية أخرى، أو ينتمون إلى عقائد فكرية وفلسفية مختلفة عن دين الإسلام؛ هذا التناقض ظهر بوضوح في خطب رئيس مصر الجديد، وقد ردد من آيات القرآن الكثير…) .

وهذا كلام متهافت، وإلا لمنعنا الحاكم الليبرالي من الاستدلال بمرجعيته لأن في البلاد اشتراكيون وإسلاميون، ونفس الشيء مع الحاكم الماركسي الذي يستدل بمرجعية الاشتراكية العلمية لأن في البلاد ليبراليون وإسلاميون، ونمنع الحاكم القومي العربي من الحديث باسم مرجعيته لأن في البلاد أكراد أو أتراك أو أمازيغ..إلخ؛ أما القول بأن هذه مرجعيات بشرية نسبية تقبل النقد، ولذلك يمكن التحاكم إليها ونقدها، بينما المرجعية الدينية مرجعية مطلقة تحتكر الحقيقة التي تتعارض مع القدرة على الشك والنقد وتمنع بالتالي الحوار الحر والنقاش السياسي، فكلام متهافت وإلا كيف نفسر تعدد المذاهب الفقهية في الإسلام وتعدد الفرق الكلامية في العقائد وتعدد الجماعات الإسلامية في الدعوة وتعدد الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية سواء المسيحية أو اليهودية أو الإسلامية ؟

فإن قلت إن التعدد داخل المرجعية الدينية يؤدي إلى الاقتتال لأن كل فرقة تدعي التأويل الصحيح للنص الديني، قلنا هذا غير صحيح، وإن وقع شيء منه في تاريخ الجماعات الدينية، فإنه يمثل الشذوذ وليس القاعدة، كما يجري مثله في سائر المذاهب البشرية الأرضية، وقد التزم كبار الأئمة الفقهاء قولتهم المشهورة : “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”، وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول “من لم يعرف الخلاف لم يشمّ رائحة الفقه”، وقد تتلمذ على الشافعي وخالفه في أشياء، وكان يعظمه ويجله، ويقول عنه ” الشافعي للناس بمنزلة الشمس، لا يستغنى عنها” والشافعي تتلمذ على الإمام مالك تسع سنوات، وقرأ عليه الموطأ، وخالفه في أصول وفروع، ومالك ناظر أبي حنيفة وخرج يتصبب عرقا، وقال “إن صاحبكم لفقيه، ولو شاء أن يقيس هذه السارية بالمسجد على أنها من دهب لفعل” لقوة دليله، مع ما بين المدرستين من فروق : مدرسة الأثر ومدرسة الرأي…فالخلاف من داخل المرجعية الإسلامية كائن أغنى التنوع الثقافي ولا ينكره إلا جاهل، فكيف لو كان من خارج المرجعية؟

‫تعليقات الزوار

7
  • احمد
    الجمعة 5 أكتوبر 2012 - 16:39

    كل السفن الى زوال وسفينة الاسلام حق لا يركبها الا سعيد وما نزلها احد الا اشتاقها وما يمنعه من العودة لها الا كبر او جهل. المغاربة ولله الحمد اختاروا سفينتان مهما كانت الأمواج عاتية ومثل هذا المقال لايزيدها الا تعلقا باشرعتها. جزاك الله خيرا ورزقك الثبات.

  • احمد
    السبت 6 أكتوبر 2012 - 00:18

    هذه المنظمات التي تدعي حماية الحقوق الفردية من سلطة العادات والموروثات الدينية انما تهدف لخلق البلبلة والفتنة واعطائها الاهتمام الذي لا تناله حتى في دولها.اين هذه المنظمات من الحقوق المغتصبة للفلسطينيات في السجون الاسرائلية او الحق في العيش بالنسبة لنساء القرن الافريقى او الاستغلال الجنسى للصغيرات في كمبوديا واللائحةطويلة . ولكن مع دلك تقع الملامة على جو الفوضى الدي يسمح بمثل هذه الجمعيات في بلادنا ليتم استدعاء مثل هؤلاء القوم بهدف التوعية ويالها من توعية فلا حول ولا قوة الا بالله ففي المغرب من الغرائب والعجائب والفواحش مايندى له الجبين ولكن هناك تكتم على الاقل في بعض هذه الظواهرالتي تمس اسس عقيدتنا

  • منْ تلوم؟
    السبت 6 أكتوبر 2012 - 11:30

    الاخ الاستاذ أحمد،
    السلام عليك وعلى قُراء مقالاتك "المميزه" او ان اطرح سؤال لنُجيب عليه اجابه جماعيه ، بعد قراءة مقالك اليوم،
    السؤال "منْ تلوم او نلوم؟ وهل هذه السفن لها غَرأم مع الموانى المغربيه دون غيرها؟".
    الاجابه التى نُجمع عليها نحن جميعاً < لا >، بل اكيد سنختلف فيما بعد كلمة <بل> .
    لا اود ان اتعمق ولكن اري الجميع مسئول، وهذا ليس من باب تقسيم المسئوليه او الوزر وتفتيته، ولكن الكل سياتى يوم القيامه وعلى ظهره مثل جبل اُحد من الاوزار ما لم نتصدري نحن المسلمون لهذه السفن.
    والله المستعان،
    ومن الخرطوم سلام

  • dwl
    السبت 6 أكتوبر 2012 - 15:06

    السي الشقيري، لقد كنت كتبت لك تعليقا حول نفس الموضوع منذ سنتين و سألتك أن لا تكرر أرقامهم 600 أو 800 حالة يومية لأن ذاك هو مبتغاهم و عرضت أمامك مقارنة لذلك الرقم ' لو صح ' مع أرقام 8 دول الإجهاض فيها سهلا و آمنا و مباحا ،و هي دول تفوقنا سكانا و تسامحا مع الجنس و عواقبه سلوكا و بيئة ، دول من أوربا الشرقية و الغربية و تصنفها منظمة الصحة العالمية ضمن الدول الأكثر ممارسة للنشاط و تصنف المغرب ضمن الدول الأضعف ممارسة له عالميا،الأرقام على النت لمن شاء و لأن المجال لا يسمح فرقمهم يجعلنا نضاعف فرنسا بمرة و بريطانيا بنصف مرة ( الإثنان 65 و 60 مليون نسمة) و 3 مرات ضعف إسبانيا (45 مليون نسمة) و 15 مرة ضعفا لتونس الأقرب بيئة و ثقافة !!!،ذلك الرقم معناه أيضا أن هناك طبا بكل شمولية الكلمة يمارس في الأقبية دون علم أحد حتى السلطات و لمقدمية و عموم الناس و أنت تعلم استحالة ذلك عندنا و العجيب أنهم يقولون أن الخطورة هي في ممارسته سرا و لم نسمع عن حالة وفاة واحدة ناجمة عن 600 أو 800 عملية سرية خطيرة تمارس في الغرف المضلمة!! فمن أين أتوا برقمهم بينما وزير الصحة نفسه ينفي توفر الدولة على معطيات؟ يتبع

  • dwl
    السبت 6 أكتوبر 2012 - 15:31

    تتمة. هؤلاء يلقون أرقاما فلكية تهويلية يزايدون بها على المجتع في الداخل تمهيدا لفرض مشاريعهم و يسهل الأمر عليهم إن ابتلع الناس تلك الأرقام و كرروها فيما نسميه بيننا بعملية ' اللبس بالمقلوب ' و ثانيا فهي أرقام يبيعونها للخارج حنقا و حقدا على مجتمع مسلم يكرههم و يكرهونه و من أجل دريهمات من جهات في الخارج تستغلها ككلام 'شاهد من أهلها ' في حربها على المغرب المتفقين عليها داخليا و خارجيا و التى التعهير و التفسيق أحد أبرز جوانبها و انتبه له حتى العميان , و هم أصلا رعاتهم يملكون إعلام الداخل . فوجب سيدي فهم خطوات هؤلاء و تقليب كل ما يصدرمنهم من أرقام على 70 وجها و ليس تمريرها على الناس و الإستعانة بمن يتقن الإنجليزية ليغوص في الموضوع و أرقامه عالميا كي تتضح لكم الصورة بشموليتها قبل الكتابة حول هذا الموضوع أو غيره و إلا فإن الكتابة ستأتي متكررة متشابهة في خطابها و نسقها حول كل موضوع ، تُمرر عبرها حتى سموم القوم و مايبتغون (كرقمهم ) و تصبحون كمن ينافح عن قضيتهم دون أن تشعروا . و شكرا لتقبل التعليق .

  • زياد المغربي
    السبت 6 أكتوبر 2012 - 15:49

    لابد ان يعلم المتشددين بأنه لا يمكنهم توجيه الناس و كل انسان حر, لا ادافع عن الشذوذ و لكن ذلك لا يزعجني وجوده و يدخل في الحرية الشخصية اما الاديان التي تزعجوننا بها فهي من صنع البشر

  • إلى متى أيها الفقهاء؟؟
    الأحد 7 أكتوبر 2012 - 00:19

    الموضوع أكبر وأعمق بكثير من سفينة الإجهاض، بحيث أريد هنا فقظ أن أوجه سؤالا بسيطا لكاتب هدا المقال؟ وأقول له مارأيك في الأمراض المنتشرة والمتفشية بكثرة وخصوصا في المجتمعات المحافظة في عالمنا العربي والإسلامي مثل الشدود الجنسي والسحاق وزنا المحارم الدي حطموا فيه كل الأرقام القياسية العالمية بسبب مرض الكبث والحرمان الجنسي الدي تعانيه كثيرا مجتمعاتهم، وأحيل هدا الشيخ لعلماء الإجتماع وعلماء النفس لكي يتلقى الجواب الدي سيصدمه إدا لم يكن عنده جواب شافي حول هده الأمراض الخطيرة التي تعاني منها هده المجتمعات!
    الإسلامويون ادن يحاولون دائما تغطية الشمس بالغربال ويتجاهلون هده الأمراض الخطيرة التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية ولايريدون التطرق لها، بحيث يجعلون فوقها غطاء ويحيطونها بالسرية الكاملة، ومن جهة اخرى نراهم في كل مناسبة ينعثون المجتمعات الغربية كذبا بالفسق والفساد علما أن اتهامهم هدا بعيدا عن الحقيقة! لايصدقه إلا الأغبياء والأميين من الناس.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة