الدين والديموقراطية..

الدين والديموقراطية..
الخميس 6 دجنبر 2012 - 01:10

هل يمكن اعتبار العلمانية شرطا لبناء الديموقراطية؟ وهل كونية حقوق الإنسان تنصرف للدلالة على ضرورة إلغاء الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب؟

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سنة 1948 لا يشير لمصطلح العلمانية ولا حتى لمصطلح الديمقراطية لكنه يعتبر في المادة 21 أن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، كما يشير في المادة 18 إلى حرية المعتقد بما في ذلك حرية تغيير الدين..ولا يفهم من هذه المبادئ أي نزعة علمانية لفصل الدين عن الدولة لكن يستنتج منها الحق في المشاركة، الحق في الانتخاب، الحق في تولي المسؤوليات العامة، الحق في اختيار المعتقد الديني…

وبالرجوع إلى بعض الدراسات الدولية التي تعنى بقياس مؤشرات الديمقراطية في العالم لا نعثر على مؤشر العلمانية أو فصل الدين عن الدولة، من ذلك على سبيل المثال الدراسات العلمية التي قامت بها كل من مؤسسة فريدوم هاوس ومؤسسة بيرتلزمان بحيث قامتا برصد تطور الديمقراطية في العالم استنادا إلى المعايير المعتمدة من طرف تقرير التنمية البشرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتقرير منظمة الشفافية الدولية، ومعلوم أن هذه المؤسسات تشتغل في إطار مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا…

قامت مؤسسة فريدوم هاوس قبل أربع سنوات بقياس مؤشرات الديمقراطية في 193 دولة في العالم، وصنفت 89 منها كدول حرة و62 دولة حرة جزئيا بينما صنفت 42 دولة بأنها دولا ليست حرة.. من بين الدول الحرة: الهند، لأنها تعيش في ظل ديموقراطية انتخابية حقيقية، علما أن حضور الدين في الحياة العامة داخلها حضور أساسي.
الدولة الديموقراطية بامتياز هي السويد وكذلك دول أوربا المجاورة لها: النرويج وإيسلاندا وهولندا والدنمارك وفنلندا. وهي كلها ملكيات ديموقراطية لا تنص في دساتيرها على العلمانية الشمولية وتتواجد بها العديد من الأحزاب الديموقراطية المسيحية.

وبغض النظر عن السياقات التاريخية والسياسية التي مرت بها أوربا والتي فرضت الاتجاه نحو فصل المؤسسة الدينية(الكنيسة) عن المؤسسة السياسية (الدولة)، وليس فصل الدين عن الدولة كما يتصور البعض، فإن الواقع يثبت حضورا قويا للدين في الحياة السياسية للعديد من المجتمعات.

إن من المميزات الأساسية للديمقراطية كما تقرها العديد من المؤسسات الدولية هي إجراء انتخابات حرة ومنتظمة، وإقرار تعددية الأحزاب وتنافسيتها، ووجود حكومة قائمة على قاعدة الأغلبية، وتمتيع البرلمان بسلطة مراقبة الحكومة، ومساواة الجميع أمام القانون..وليس هناك أي اهتمام من طرف هذه المؤسسات بضرورة فصل الدين عن الدولة أو فصل الدولة عن الدين..

بمعنى أن شرعية الحكم تتأسس على الإرادة الشعبية وأن السيادة للأمة تمارسها عن طريق الانتخاب وليس عن طريق “الحق الإلهي” كما كان سائدا في أوربا في عصر الظلمات..

إن مطلب “فصل الدين عن الدولة ” فضلا عن كونه مطلبا سياسيا فهو مطلب غير واقعي ولا يساير مؤشرات قياس الديموقراطية كما هي متعارف عليها دوليا..

إن المطلوب هو فصل القداسة عن السلطة وليس فصل الدين عن الدولة، ذلك أن الدين يسكن وجدان المجتمع كما يسكن وجدان من يمارس السلطة، ولذلك لا يمكن الفصل بينهما..
لكن في نفس الوقت، لا يمكن قبول ممارسة السلطة المغلفة بالقداسة والتي لا تقبل المحاسبة والمراقبة..

دعونا نتفق على هذا المستوى الذي يقترب مما كان يسميه أستاذنا الراحل عبد الوهاب المسيري “العلمانية الجزئية”، أما العلمانية الشاملة فهي منزلق تاريخي لا يمكن إلا أن يكون مرفوضا في مجتمعاتنا الإسلامية..

‫تعليقات الزوار

4
  • محمد ابو زكرياء
    الخميس 6 دجنبر 2012 - 09:39

    أعتقد ان الديموقراطية باختصار هي: حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق ممثلين يختارهم بكل حرية و نزاهة,,,و الشعب المغربي شعب مسلم اختار الدين الاسلامي مند قرون, و اختار في الانتخابات الأخيرة حزبا اسلاميا كدليل على انه ضد العلمانية, و عليه فإني أدعو العلمانيين الجدد إلى احترام اختيارات الشعب

  • السوسي
    الخميس 6 دجنبر 2012 - 10:42

    العلمانية المطبقة في الدول الغربية هي تطور لهذه المجتمعات التي خرجت من سيطرة الكنيسة والكهنوت بعد اعادة قراءة النص الديني المسيحي من طرف زعماء الاصلاح لكن هذا التطور لا زال مستمرا حتى يصل الى علمانية جد متطورة ومتعالية وانا على يقين ان العقل البشري بدأ يتوصل الى هذه الحقيقة والمفكرين والعلماء والفلاسفة توصلوا اليها هذه العلمانية المتطورة جدا والتي بدات البشرية تتجه اليها هي الاسلام
    يقول الحق سبحانه اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا
    وقراء المواثيق الدولية لحقوق الانسان تثبت ما قلناه وكذا التطورات العلمية والتكنولوجية المعاصرة
    فاللهم ارنا الحق حقا ووفقنا لاتباعه وارنا الباطل باطلا ووفقنا لاجتنابه واهد الناس كافة للحق والىطريق مستقيم امين امين
    ودمتم طيبين

  • رضوان بوبكر
    الخميس 6 دجنبر 2012 - 12:20

    مرجعية كل باحث يريد الخوض التقليدي في مفهوم علاقة الدين بالدولة يستند اما بفصل الدين عن الدولة انطلاقا من مرجعية القرون الوسطى باستغلال الكنيسة للدين للهيمنة على سلطات الدولة . وهناك اعتقاد اخر بملازمة الدين للسلطة حفاظا على الهوية الاسلامية احكاما وتشريعا.
    والواقع انه لا يمكن فصل الدين عن الدولة مطلقا باعتبار قضايا الميراث والاحوال الشخصية. كما انه لايمكن تطبيقه حرفيا باعتبار التطور التاريخي والا كان لزاما ان نقطع يد السارق أو تطبيق حد الزنى بالرجم حتى الموت ..
    السلطة السياسية لا يمكن بتاتا فصلها عن السلطة الاقتصادية . وعلم الاقتصاد يستند على الملاحظة والتجربة تم التطبيق ومن تم لا تتدخل كثيرا المعطيات الدينية كالربى مثلا والا حدفنا الابناك.
    باختصار فان توظيف الدين في السياسة لخلفيات ايديولوجية اذا اخطأت مسارها فانها تؤدي الى الفتنة والفتنة كما هو معروف اشد من القتل.

  • marrueccos
    الخميس 6 دجنبر 2012 - 17:27

    السياسي يشرع لما يفرزه المجتمع من ظواهر وتشريع القوانين مكانه معروف وبالتأكيد ليس داخل القرويين ولا رابطة علماء المغرب وقد يأتي علينا يوم تكتض فيه بوابة بناية البرلمان بالمرضى المطالبين للترخيص بالتداوي بما يحرمه الفقهاء !
    التداوي بزراعة الخلايا الجدعية هو أمل البشرية في القضاء على أمراض يستعصي علاجها بالأدوية التقليدية ! كل مختبرات الدول المتقدمة المتخصصة في الجينوم تتلقى دعما من الحكومات وشركات الأدوية ولا نسمع عن ڤيتو حكومي على عمل المختبرات السالفة مع العلم أن المادة الخام هي الإنسان من الأجنة إلى العجزة !
    الدول الإسلامية لم تطأ قدمها هذا العلم وحرمة الإنسان قد تجرم هذا النوع من الطب !
    موقف الكنيسة من إستنساخ الأجنة معروف ومع ذلك لم يؤثر في عمل مختبرات المجتمعات الغربية المسيحية ذات الإختصاص . داخل مجتمعنا لم نحسم حتى في زراعة الأعضاء البشرية لتداخل الحلال والحرام ! وموقف " الرميد " إستثناء ا وليس قاعدة ومعظم العمليات تتم بالخارج فما بالنا بالإكتشافات العلمية الطبية التي قد نفاجأ بها بين حين وٱخر !

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين