أين "المقاربة الشاملة" في السياسات العمومية؟

أين "المقاربة الشاملة" في السياسات العمومية؟
الثلاثاء 1 يناير 2013 - 12:22

انتقاد تغييب “المقاربة الشاملة” كانت هي اللازمة في مرافعات الإسلاميين في زمن المعارضة، سواء في مذكراتهم السياسية أو في برامجهم الانتخابية أو مداخلاتهم في البرلمان أو في تصريحاتهم الصحافية أو كتاباتهم السياسية الساخنة. ولم ينج ملف أو قضية من انتقاد يقدم نفسه على أنه يلتزم اعتماد “المقاربة الشاملة” التي تدمج بالخصوص البعد الديني والتربوي في مختلف السياسات العمومية وخاصة حين يتعلق الأمر بالظواهر الاجتماعية أو قضية المرأة، ويركز الانتقاد على عدم إشراك الفاعل الديني في الأوراش ذات الصلة أو تغييب المقاربة الدينية في السياسات التحسيسية و التأطيرية للمجتمع.

وقد مر أزيد من سنة على قيادة الإسلاميين للحكومة، لكن ظاهرة تغييب “المقاربة الشمولية” التي كانت المطلب الرئيسي لهؤلاء ظلت هي السمة البارزة، ولم يتغير شيء تقريبا إذا استثنينا ترسانة قانونية مختلفة تحتاج إلى تنزيل. فقد نظمت أنشطة كثيرة لها علاقة ليس فقط بالقيم العامة للمغاربة ولكن بالدين وبالقيم الدينية، لكن العلماء والدعاة ظلوا كما كانوا من قبل من المغيبين، كما أن حملات تحسيسية عامة نظمت ومازالت تنظم تم فيها تغييب تلك “المقاربة الشاملة”.

وإذا كان النقد في زمن المعارضة يفسر كل الانتكاسات تقريبا بـ”قصور المقاربات المعتمدة”، في إشارة إلى عدم إدماج البعد القيمي الديني بالخصوص فيها، بل و يبشر بالفشل كل المقاربات التي تتجاهل القيم الدينية والفاعلين الاجتماعيين فيها، فإن القلق يكون مشروعا حين نصطدم باستمرار نفس “المقاربات القاصرة” تقريبا.

فجميع أوراش الحوار الوطني المفتوحة اليوم، سواء في العدالة أو في مجالات تهم المرأة والطفل وغيرهما، أو في الإعلام أو في الصحة، لا تختلف منهجيتها من حيث “المقاربة الشاملة” في شيء عن سابقاتها في ظل الحكومات السابقة. كما أن الحملات التحسيسية العامة التي تترجم السياسات الحكومية في كثير من القطاعات لا تستحضر تلك “المقاربة الشاملة” بل منها من سجل نكوصا غريبا كما هو الشأن في حملة “سيداكسيون” التي مررت قيما صادمة في حملتها الإشهارية الأخيرة. وتمر الحملات الوطنية، ووفق “المقاربة الشاملة”، بدون هوية تقريبا وتصلح لأي مجتمع تقريبا “بحال فرنسا بحال المغرب”. وهذا ما انتقده أحد الفنانين في برنامج “مباشرة معكم” في القناة الثانية الأربعاء الماضي، حين انتقد الشعار المعتمد في الحملة الوطنية للوقاية من حوادث السير والتي تقول “الفرق بين الموت والحياة 5 كيلومترات” وتساءل عن أي وقع سيكون لهذا الشعار على مستعملي الطريق؟ وأكد أنه لو اعتمد شعار آخر مثل “من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميع” المستمدة من القرآن الكريم لكان له وقع قوي وآثار كبيرة. ونفس الشيء نجده في الحملات الوطنية المتعلقة بالتبرع بالدم، أو الحملة الوطنية ضد التدخين أو الحملة الوطنية حول العنف ضد النساء.

ولعل الحملة التحسيسية الجارية اليوم ضد الرشوة خير مثال على هذه الظاهرة الغريبة. فشعار الحملة الرسمي هو ” وياكم والرشوة” ويتم الترويج الإعلامي من خلال شعارات مثل “الرشوة كاتدي الحبس” وغيرها من الشعارات التي لا نكاد نجد بينها شعارا يستحضر البعد الديني رغم أن الخطاب الديني له قوة تأثير قوية في مثل هذه المواضيع. فشعار بسيط مثل “لعن الله الراشي والمرتشي والوسيط بينهما” سيكون له وقع كبير في النفوس مقارنة مع شعار “الرشوة كاتدي الحبس”. و ستكون آلية التحسيس أكثر فعالية حين نستنهض الضمير الديني والضمير الحقوقي والأمني معا. فهل “الخوف” من ما سيقوله البعض هو المانع من ذلك !

الذي نخشاه حقيقة أن تكون اعتبارات نفسية وسياسية خاطئة وراء الظاهرة، من مثل عدم إعطاء الفرصة للمترصدين لاتهام الحكومة بالسعي إلى “أسلمة” المجتمع، فالمجتمع مسلم والمطلوب فقط مخاطبته على أنه مسلم من خلال قيمه الإسلامية. كما أن هناك تخوفا من أن يتراجع الحس القيمي في المقاربات لصالح البعد البراغماتي، مما قد يكرس تحولات عميقة تؤسس لنوع من العلمانية العملية، قد تطال قواعد الحزب الإسلامي والداعمين له من باب السكوت عنها واستساغتها. وتجد هذه الظاهرة مؤشراتها في نوع ردود الفاعل تجاه كل تنبيه إلى هذا الجانب بحيث يتم التملص من الخطابات السابقة عن التدبير الحكومي لصالح خطابات جديدة تغرق في التبرير أو في هواجس ومخاوف لا مجال لها حقيقة في ساحة التدافع القيمي.

وفي انتظار تدارك الأمر ، ينبغي التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بنفاق ولا بـ”ردة” ، معاذ الله، لكن بالتنبيه إلى أننا أمام توجه براغماتي فرضه، من جهة، الاستغراق في “إكراهات” التدبير اليومي وما يلازمه من اعتبارات قد يلغي “المقاربات الشاملة” كما كانت تروج سابقا لصالح مقاربات أخرى. ومن جهة أخرى قصور يتعلق بتنفيد المشاريع والمبادرات بموارد بشرية لم يتم تأهيلها لاستحضار “المقاربة الشاملة” في برامج التنفيذ. وهذا لا يخرج أحدا من الدين، ولكن تجعله لا يلتزم عمليا بما كان يلتزم به خطابة من قبل.

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 1

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 18

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز