وظيفة المعارضة في مرحلة الانتقال الديمقراطي

وظيفة المعارضة في مرحلة الانتقال الديمقراطي
الثلاثاء 22 يناير 2013 - 13:49

هناك ضرورة ملحة لتوفر البلاد على معارضة حقيقية مؤسساتية وديمقراطية للاستبداد والفساد وتقاوم من أجل تفكيك بنياتهما بعناد وإصرار وتدعم مسار الإصلاح الجدري لتدبير الشأن العام ، تكون مسؤولة وموزونة ومتزنة ووازنة.

إن قراءة متأنية في قوانين التوازن السياسي والتعدد والإستهام والاختلاف، تؤكد أن مصلحة الوطن الأولى : أن تكون هناك سلطة مسؤولة تتمتع بالشرعية الديمقراطية والإنجازية والهيبة المبنية على مرجعية الحق والقانون ، ولكن هذه المصلحة لا تتحقق إلا في ظل وجود معارضة موازنة ومتوازنة ووازنة، معارضة قوية قادرة على القيام باستكمال ميزان الحياة السياسية والمجتمعية، بكفتيه : سلطة فاعلة عادلة، ومعارضة ناقدة ومسددة، هي بمثابة سلطة مضادة ،اعتدال كفتي الميزان هو الذي لا يسمح باختطاف الوطن من قبل سلطة مهيمنة متغولة ، أو اختطاف من معارضة رخوة هزيلة لمصالح الوطن العامة وإدعاء تمثيلها .

تلك المعارضة المجازية تعمل في فضاء الإعلام الافتراضي أكثر مما تعمل علي واقع الأرض ومع الناس، غير أن الأمل معقود علي صعود معارضة حقيقية موازنة، تمارس وظائفها بقوة ناجزة وفاعلية صلبة ومنتجة.

وأن المعارضة الوازنة طاقة محتملة لمعارضة متوازنة وموازنة ،لا تنفرد فيه سلطة بهيمنة أو إغراء بها، ولا تنكص فيه المعارضة عن القيام بأدوارها وفعاليتها.

وتأسيس المعارضة المؤسساتية الحقيقية لا المجازية أو التي تمارس أدوارا لمعارضة الإصلاح بالوكالة ،هو جزء لا يتجزأ من عمليات التحول الديمقراطي العميق .

من هنا يمثل نموذج المعارضة السياسية وطرائق ممارستها ، أهم الأدوار في صياغة رشيدة لعملية الانتقال الديمقراطي الحقيقي .

حيث لا تهدر فيها الطاقات المدنية والنخبوية والسياسية ،،، ولا تعدم الاستثمار السياسي لهذه المرحلة ، بما يقدمه هذا النمط من المعارضة من حالة مسئولة وملتزمة بقضايا الوطن الكبري ومصالح الأمة العامة في الإصلاح والاستقرار والتقدم.

إن شراكة الجميع – سلطة ومعارضة – في مسارات وعمليات التحول الديمقراطي الحقيقي والعميق ، أمر يمكن من إنجاز عملية التحول بالكثافة المطلوبة والسرعة الواجبة والالتزام بالمسئولية السياسية اللازمة.

حالة الإصلاح السياسي الجارية بعد ربيع الثورات العربي في هذا المقام تمثل نموذجا مهما، لو أردنا بكامل الإرادة والإدارة السياسية أن ننجز خبرة تحتذي ويقتدي بها مسارات ومقاصد.

إلا أن أخطر المعوقات في هذا المسار أن تتصدر عمليات السجال السياسي في المشهد العام، خاصة في حالة الاستقطاب حينما يكون تحت عناوين مختلفة بين المحافظ والحداثي وترويج الهواجس في التعامل السياسي وتآكل رصيد الثقة بين القوي السياسية المختلفة.

من المهم بمكان أن نؤكد أن مسارات التحول الديمقراطي وعملياته مثلت للأسف الشديد حالة من الاستقطاب، وظلت موضوعات هذا التحول مجالا للتنازع والخطاب السجالي من مثل: الدستور، الاستفتاء، الانتخابات، المؤسسات السياسي والدستورية بين البناء والحل، العلاقة بين الدولة والمجتمع ، التظاهرات والاحتجاجات وتقاطعها مع الانتخابات ، الاستفتاء علي مسودة الدستور.

كل هذه الأمور شكلت مجالا للتنازع السياسي مما أدي إلي تآكل رصيد الثقة المتبادل بين القوي السياسية المختلفة ، وهو ما أثر بالسلب علي عمليات التحول الديمقراطي والتشكيك في بعض متحصلاتها ونتائجها في المرحلة ، وكان من جملة هذا الاختلاف حينما تعرض هؤلاء لمسارات التحول الديمقراطي وأولوياته.

وانتقل الخلاف إلي حالة حشد وتناقض مضاد من أطراف الاستقطاب السياسي الحاد لتشكل حالة ضاغطة، وصار التنابذ بالقوى والإثارة في مجال الفعل ورد الفعل، الخروج من الحالة التنابذية المرشحة في حال الاستقطاب لمحاولة تحولها إلي ظاهرة جماهيرية تستعصي علي الضبط وتؤدي إلي التصعيد والوصول إلى خط اللاعودة.

إن ما نقصده من قوى المعارضة المجازية الرفضوية، أن تحمل شعاراتها وبياناتها وخطابها معاني الإسقاط المبيت والهدم الفوضوي والرفض الجاهز ،لا معاني التنافس السياسي الشريف والتفاوض المجتمعي النزيه والمستقل.

إنها تنادي بوقف كل شيء، وإسقاط كل مؤسسة، ورفض كل إجراء إصلاحي ،وتفرض شروطا تعجيزية ترفع فيها سقوف المطالب تصل في منتهاها إلي إسقاط الحكومة الديمقراطية النابعة من استشارة انتخابية نزيهة غير مطعون في صدقيتها السياسية ، حتي لو كان ذلك بإذكاء شعارات للمتظاهرين والمعارضين واستعمال المطالب الفئوية انتهازيا وظرفيا.

وخطورة ذلك الذي قد يكون خطأ ، أن السير في هذا المسار هو عين الفوضى والاضطراب والعدمية في الرؤية التي تسكن خطابات البعض من القوى ، وعدم القدرة علي الانتقال إلي مرحلة البناء الديمقراطي الشامل والنهوض التنموي المتوازن.

كذلك، وبنفس القوة في التحديد ، فإن ما نقصده من إسقاط المعارضة، أن يتصرف من هم في السلطة بكل مكوناتها ويستسهلون إلغاء وإقصاء المعارضة عند الاختلاف في الرؤى، والتصرف في السياسات والارتباك في القرارات ، وكأن المعارضة –بكل أصنافها المؤسساتية والجذرية – لا قيمة لها بمنطق المصادرة على المطلوب، أو إن كنت معارضا ، تحدث بما شئت وطالب بما ترغب ولكننا في النهاية سنفعل ما نريد.

إن التصرف بهذه العقلية بإسقاط المعارضة من حسابات السلطة ،وبشكل حدي ومطلق ، أمر خطير لا يعبر عن صياغة لتعاقد سياسي جديد يواكب منطق الحراك الإصلاحي في مطالبه في الحرية والحكم الرشيد والدمقرطة، بل هو أمر يحاكي النظام السياسي الاستبدادي التسلطي في عدم الاكتراث بحركة المعارضة ومطالبها.

إن أهمية الحوار المؤسساتي والتوافق بين الفرقاء من مكونات الساحة السياسية ، كواحدة من الآليات السياسية المهمة بين تنوعات القوي السياسية والمجتمعية ، لهو من الأمور التي يمكن أن تمكن لإدارة سياسية راشدة، وهو يشكل واحدا من أهم الأدوات لإدارة التعددية وإدارة الحوار خاصة حينما يشكل هذا الحوار آلية في بناء توافق سياسي واجتماعي جديد يتوافق مع منطق الإصلاح السياسي ، ومكتسباته واستكمال مسيرته وأهدافه .

وإن عملية القصور والتقصير في بناء آلية للحوار المستدام كان من الأمور الخطيرة التي جعلت مساحات الاستقطاب والاستبعاد والإقصاء تمتد وتتمدد، ومن الأمور المقررة في هذا المقام أنه ليس من معاني الحوار أن نؤزم المواقف ونتخذ القرارات، ثم نتنادي للحوار خروجا من المآزق والأزمات.

لأن القاعدة الذهبية تقتضي بضرورات الحوار قبل القرار، وليس بعده أو لحل معضلاته ، لأن ذلك إهدارا للطاقة ورفعا لتكلفة القرار الي أقصي حد ومن غير حد.

صحيح أن العلاقة بين السلطة الوليدة والمعارضة العديدة مازالت في بداية تدرّجها ، تحت وطأة التجفيف السياسي وتجريف كل الأنشطة السياسية الحقيقيّة، لكن لابد على من يريد احتراف المعارضة وامتلاك السلطة القائمة أن يُسرعا بالتأقلم والتمكن من أدوات العمل وتمكين طرق الممارسة بالنزول لطبقات الشّعب، حاملا الهموم وبانيا برامج عمله حتي يكون حاضرا في حسابات الشعب ورقما صعبا في ورقة الإنتخاب، فحيثما تكون السلطة تكون المعارضة.

وكما لا يطالب أحد من السلطة أن تتخلي عن وجودها، فلا أحد يملك أن يطالب المعارضة بالتخلي عن وظيفتها، أو القيام بأدوارها.

السلطة والمعارضة ركنان أساسيان لاستقرار المجتمع وتطوره، ومن غير المتصور أن يكون هناك في عالم اليوم سلطة بلا معارضة.

من المطلوب جدا في المرحلة الانتقالية التي تمر منها تجربتنا الديمقراطية الوليدة ، أن نتحرك جميعا صوب علاقات سوية ومتوازنة بين السلطة والمعارضة، تصاغ هذه العلاقات ليست في الدساتير المكتوبة، ولا بالقوانين المشروعة، وإنما تصاغ من رحم دينامية الإصلاح العميق للدولة وإنهاض المجتمع ، جمعت بين هؤلاء وهؤلاء في ميدان التغيير الحقيقي، وجمع بينهما وطن جامع وكيان مجتمعي محصن.

ومثل هذا وذاك كفتا ميزان، وصياغة مجتمع الأمان.

‫تعليقات الزوار

5
  • fedil brahim
    الثلاثاء 22 يناير 2013 - 14:12

    سبحان مبدل الاحوال الاسلامويين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية – يؤمنون بها فقط اذا كانت قد تؤدي بهم الى الحكم- والذين يقولون بالشورى وا ادراك ما الشورى – شاورهم او ما تديرش بريهم – يقولون اليوم بوجود المعارضة رغم ان ادبياتهم تجزم بالاجماع والخارج من الاجماع خارج من الطاعة ومن الجماعة والملة واستبيح دمه.
    ليس هناك موقف وسط بين الديمقراطية وغيرها اما ان نكون ديمقراطين او لا نكون

  • ابو الفتوح
    الثلاثاء 22 يناير 2013 - 17:30

    لقد اعاد هذا المقال الى ذهني صيرورة الصراع المرير الذي كان ولا يزال على السلطة ,فالسؤال الذي نطرحه تباعا, هو ما الذي يدفع الحزاب السياسية الى التنافس على الحكم ؟وما الذي يجعل هذا في الحكم وذاك في المعارضة ؟لعل جواب السؤال الاول هوتحقبق الرفاه و مصلحة البلاد والعباد انطلاقا من المشاريع المعروضة ,والثاني لعلها نسبة تحصيل الاصوات ,وتباين المشاريع والاولويات ,او اعطاء فرصة لمن لم يحكم بعد ليبرز قدراته على التسيير والتدبير ,لكن من بقي في المعارضة ,هل يعارض الحزب الحاكم الذي انتخب دمقراطيا ,ام يعارض الاجراءات والمشاريع ويقدم النصح و السداد للحكام في شكل راق من التعابير ,وجو مفعم بالدمقراطية ,ودحض الفكرة بفكرة اقوى منها منطقا وعقلا ,كل ذلك باستحضار المصلحة العامة للشعب ,هذا ما ينبغي ان يكون ويتمناه كل مغربي حر ونزيه ,اما ما هو كائن فان معارضتنا المغربية تحس بالنقص وبقلة الاهمية على الرغم من اقرار دورها الفعال في الدستور الجديد وتبني منطق الاشراك عوض الابعاد ,ان ما نعانيه اليوم يكمن في الضمير الجمعي للمغاربة لان الدمقراطية تربية وليست امنية ,ان ما يعتمل الان في البرلمان المغربي لايشرف .

  • مواطن
    الأربعاء 23 يناير 2013 - 00:23

    هل يوجد مصطلح الاصلاح الجدري في القاموس السياسي او ان الامر يتعلق بمصطلح خاص بالتيار الراديكالي داخل العدالة والتنمية الذي وجد نفسه بينة مطرقة التمخزن وسندان بنكيران,المهم هذا منهج تم اختياره والتاصيل له والتاريخ سيظهر مامدى جدوائيته اما اذا وقع العكس فالمطلوب اعادة النظر في المنهج وفقكم الله لما فيه خير لهذا الدين وهذا البلد.

  • simo
    الأربعاء 23 يناير 2013 - 16:27

    ردا على تعليق رقم 1 ومن باب إنعاش ذاكرته ، أحيله إلى النظر والتأمل في البيوت الداخلية للأحزاب ليعرف معنى الديمقراطية والسلوك الديمقراطي ومن يمارسها ، فالديمقراطية ليست شعارا يرفع في مقرات الأحزاب ولا كلام تستهلكه ألسنة السياسيين بل هو واقع تترجمه المواقف ، أما قوله بأن الإسلاميين لا يمارسون الديمقراطية ، يكفي أن يقارن حزب العدالة والتنمية والأحزاب الأخرى ليعرف من الحزب الذي يستند إلى القواعد الديمقراطية ومن لديه المصداقية والشرعية لتمثيل الأغلبية

  • marocain
    الخميس 24 يناير 2013 - 11:12

    فليعترف جميع المتدخلين المستقلين ان بلادنا لا تتوفر الا على معارضة برلمانية لا تستطيع ان تتخطى الخطوط التي سطرتها الدوائر المخزنية

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين