هل تخشى الأحزاب من إجراء الانتخابات الجماعية والجهوية؟

هل تخشى الأحزاب من إجراء الانتخابات الجماعية والجهوية؟
الثلاثاء 22 يناير 2013 - 16:00

كثر الجدل هذه الأيام حول الصمت المفاجئ والمريب فيما يتعلق بالإعداد للانتخابات الجماعية والجهوية وحول ضرورة إجرائها خلال هذه السنة، خاصة وأنها تعتبر أساس انتخابات مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان التي لا زالت خاضعة للدستور القديم الذي تم نسخه بمجرد نشر الدستور الجديد لسنة 2011.

فقبل أشهر قليلة كان مآل المؤسسات المنتخبة في ظل الدستور القديم، من جهات وجماعات ترابية اخرى، محسوما من قبل الفاعلين السياسيين فيما يخص ضرورة الإسراع بالتجديد الشامل لهذه المؤسسات المنتخبة.

فمجلس المستشارين الحالي يوجد حاليا في وضعية منافية للدستور الجديد، والذي رغم انه سمح باستمراره بشكل مؤقت ووضع مهمة أساسية له تتمثل في إصدار القوانين الانتخابية بشكل شبه حصري، فإن المجلس الدستوري أكد على الطابع المؤقت للغرفة الثانية بالبرلمان ورفض أي تجديد لعضويته؛ والجهات والجماعات الترابية الأخرى القائمة حاليا تتنافى وضعيتها القانونية والسياسية مع الإطار الدستوري الذي يسود المغرب حاليا، خاصة على مستوى الديمقراطية المجالية المرتقبة بناء على نوعية الاختصاصات والنظام المالي والدور التنموي.

لكن أمام هذه الحقائق الدستورية والمسلمات القانونية والسياسية، يلاحظ صمت مريب ومثير للشكوك من قبل الأحزاب السياسية بخصوص الانتخابات الجماعية والجهوية وانتخاب مجلس المستشارين، وهو الموقف السلبي الذي قد يفسَّر بالتخوف من هيمنة حزب معين على تدبير المدن والجهات الكبرى والمتوسطة.

احتمالات إجراء الانتخابات خلال سنة 2013

لقد حاولت بعض الأحزاب السياسية التقليل من أهمية التجديد الشامل للمؤسسات المنتخبة بعد الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة العدالة والتنمية.

وعقب نتائج الانتخابات الجزئية بطنجة ومراكش وإنزكان، بدأت مخاوف العديد من الأحزاب السياسية تبرز بشكل أكثر جلاء، وحتى ضمن التحالف الحكومي نفسه، وبدأ بعضها في دفع أو تشجع وزارة الداخلية ولو بشكل ضمني على تأخير الانتخابات الجهوية والجماعية لغاية 2015.

فقد بدأ الحديث يلوح هذه الأيام حول احتمال تأجيل الانتخابات لما بعد سنة 2013، حتى “يُتاح لوزارة الداخلية الوقت الكافي للإعداد الجيد للانتخابات، والتشاور الموسع مع الأحزاب، وضمان إجراء الاستحقاقات في ظروف سياسية أحسن….” مما يثير الشكوك حول الخلفيات الحقيقية لهذه الدفوعات، وحول الأسباب الحقيقية للرغبة في دفع الانتخابات لما بعد سنة 2013.

إن التنزيل القانوني لفصول الدستور لن يتطلب إلا لأشهر قليلة، على اعتبار أن وزارة الداخلية أعدت مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهوية خلال شهر شتنبر الماضي بناء على تقارير اللجنة الملكية المكلفة بملف الجهوية المتقدمة، ولن تتطلب مناقشة المشروع بالبرلمان بغرفتيه لأكثر من أربعة أشهر على أبعد تقدير.

والتشاور مع الأحزاب السياسية يمكن أن ينطلق الآن، ولن يتطلب أكثر من شهر، ويتعين أن يشمل جميع المحاور الأساسية المتعلقة بالإعداد الجيد للانتخابات بما فيها القضايا السياسية المرتبطة بمشروع القانون التنظيمي للجهات والجماعات الترابية، وتشكيل لجنة عليا لمتابعة العمليات الانتخابية، والاتفاق على جدولة زمنية ملائمة لتنظيم مختلف المراحل الانتخابية.

وبالتالي يعتبر شهر يوليوز القادم ملائما لبداية إجراء الانتخابات عبر تسبيق محطة الغرف المهنية التي لا تتطلب جهدا كبيرا من وزارة الداخلية، وتكون موازية لانتخاب مناديب العمال وأعضاء اللجن الثنائية بالوظيفة العمومية.

وتقتضي الحكامة السياسية أن تجرى الانتخابات الجهوية والجماعية في يوم واحد وباقتراع واحد، توفيرا للمصاريف الهائلة التي تتطلبها الانتخابات، والتي تفوق المليار درهم لكل استحقاق انتخابي، وحتى نضمن انتخاب مجلس المستشارين خلال بداية أكتوبر، وبالتالي يمكن معها افتتاح البرلمان بغرفتيه بشكل دستور خلال الجمعة الثانية لأكتوبر من هذه السنة.

فأجل ستة أشهر جد كافية للحكومة للإعداد لجميع العمليات الانتخابية بشكل عادي وطبيعي، ودون أية تأثيرات سلبية على طريقة التدبير السياسي.

لكن بالمقابل تثار تساؤلات حقيقية حول خلفيات بعض الخرجات الإعلامية لبعض الأحزاب السياسية، والتي تستبعد إجراءات الانتخابات خلال هذه السنة.

ويضاف إلى ذلك الإشكال السياسي الذي تسبب فيه حميد شباط، الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال، حينما أصر على مقاطعة حزبه لجميع الاجتماعات التنسيقية للأغلبية الحكومية، ومن ضمنها كل من الفرق البرلمانية واللجان المكلفة بصياغة تصور أحزاب الأغلبية للتنظيم الجهوي واللمركزي.

فإذا كانت الأغلبية الحكومية غير قادرة، بفعل مقاطعة شباط للتنسيق، غير قادرة على بدء التشاور بين أحزابها، فكيف ستستطيع الحكومة بدء التشاور مع أحزاب المعارضة.
خلفيات التخوف من إجراء الانتخابات:

إن حالة الانتظارية التي يعيشها المغرب ولمدة سنتين تؤثر بشكل سلبي على السير الطبيعي لجميع المؤسسات الدستورية، وإذا تم ترحيل هذه الوضعية للسنوات القادمة فإن ذلك يعني بالضرورة ان هذه الحكومة ستعيش كامل ولايتها في وضعية مؤقتة واستثنائية لا تستطيع معها العمل بشكل طبيعي.

وهنا يحق لنا أن نتساءل حول الأهداف والخلفيات الحقيقية للرغبة في تأجيل الانتخابات الجهوية والجماعية وانتخابات مجلس المستشارين لغاية سنة 2015، بل إن الشك والريبة يبلغان أوجهما عندما يتزامن ذلك مع الخرجات الأخيرة المفاجئة لحميد شباط وتجميده للعمل السياسي داخل الحكومة.

فالرغبة في التعديل الحكومي لا تبرر بأي حال من الاحوال هذا الدفع المريب في اتجاه شلل سياسي كامل داخل التحالف الحكومي، والمقصود هنا بالأساس جمود التنسيق وتوقيف كافة الإصلاحات أو الاستحقاقات الانتخابية التي تتطلب تشاورا داخليا وبينيا بين الأحزاب السياسية.

فهذا المنطق الذي أصبحت تنهجه هذه الأحزاب، وبالخصوص الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال، لا يمت في الواقع بأية صلة للرغبة في التطبيق الكامل للدستور الجديد.
فإذا كانت رغبة جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة راغبة في التوافق القبلي على محاور كبرى للعمل المشترك، بما يضمن تنزيل التحالف الحكومي جهويا ومحليا، فهذا أمر منطقي وواقعي ومعمول به في أرقى الديمقراطيات الغربية.

وحزب العدالة والتنمية مدعو بالفعل لطمأنة أحزاب التحالف الحكومي وتأكيد رغبته في العمل المشرك ميدانيا، لأن هذا الأمر سيمثل تقوية لهذا التحالف وليس إضعافا له كما يعتقد البعض، وسيساعد الحكومة على تنزيل أجزاء هامة من محاور الإصلاح على المستوى المجالي.

لكن أن تنحو بعض الأحزاب منحى خاطئ يروم تعطيل العملية السياسية بسبب التخوف من هيمنة حزب العدالة والتنمية على الخريطة السياسية الجهوية والجماعية، فهذا مناقض ومتعارض مع السياق السياسي الحالي ومع روح ومنطوق الدستور الجديد للممكلة.

فهذه التساؤلات إذن تعتبر منطقية ومشروعة بخصوص احتمالات تنظيم الانتخابات خلال سنة 2012، وبخصوص تخوفات بعض الفاعلين السياسيين ومن ضمنهم حميد شباط من النتائج المحتملة لهذه الاستحقاقات الديمقراطية.

وقد يكون الصراع السياسي الحالي بين شباط والتحالف الحكومي خلفيته الأساسية تكمن في تخوفه شخصيا من نتائج الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، خاصة بعدما شهدته دائرة إنزكان خلال الانتخابات التشريعية الجزئية الشهر الماضي.

وربما تكون رغبة شباط في الحصول على طمأنة من أحزاب التحالف الحكومي إحدى الخلفيات الأساسية لهجومه السياسي على الحكومة، خاصة وأن أي إخفاق لحزب الاستقلال خلال الانتخابات الجهوية والجماعية سيجعل موقعه السياسي ضعيفا داخل حزب الاستقلال الذي تعود حصد أكبر عدد من المقاعد في الجماعات المحلية.

وقد تكون مشكلة حميد شباط الأساسية تتلخص في رغبته في عقد اتفاقات سياسية بينه وبين العدالة والتنمية من اجل ضمان عمودية فاس أولا، كي لا يبدأ ولايته بهزيمة شخصية في معقله الانتخابي الحصين، ثم في التفاوض القبلي حول بعض الترتيبات المتعلقة بما بعد نتائج الانتخابات الجهوية وما بعد انتخابات مجلس المستشارين القادم، وربما حول منصب رئيس مجلس المستشارين الذي قد يرغب حميد شباط في منحه للوزير السابق توفيق احجيرة.

وبين هذه الخلفيات السياسية المفترضة وبين الحسابات السياسية القابلة للتفاوض، شريطة أن يتم التعبير عنها بشكل واضح، قد يتم التوافق على أي تعديل حكومي جزئي، ولو بسيط وشكلي، وسيكون ذلك كافيا بالنسبة لحميد شباط حتى يبدو للرأي العام أن جزءا مهما من مطالبه قد تحقق، ويتم حفظ ماء وجهه أمام حلفائه داخل حزب الاستقلال.

‫تعليقات الزوار

7
  • عثمان العاقل
    الثلاثاء 22 يناير 2013 - 20:42

    عندما بدأت في قراءة مقالك،أصيبت بالدهشة!!!
    من تخاطب(بقولك يجب ؟)
    هل تتحدث عن حكومة جزيرة واقواق؟
    حزبك يقود الحكومة وأنت برلماني في الأغلبية فخطاب(يجب)،عليك قوله داخل حزبك أولا وأمام وزراء حزبك لكي يكون التواصل سريعا،فهيسبريس ليست مجلس للحكومة.
    حزب العدالة والتنمية دائما كان يمارس سياسة الهروب الى ألأمام وها أنت اليوم تكرسها من خلال مقالك هدا،حيث تحاول أن تلقي باللوم على أحزاب في المعارضة،بعدم رغبتها في اجراء الانتخابات،قل لنا أيها العالم من يملك سلطة القرار هل المعارضة أو الأغلبية؟
    ان خطاب النواية اثبث فشله من خلال برنامج حزبك الانتخابي،وبالتالي لا داعي للقول،بأن حزب العدالة والتنمية مدعو بالفعل لطمأنة أحزاب التحالف الحكومي وتأكيد رغبته في العمل المشرك،لأنه سبق وباع الأوهام للناس(مطبقا القولة الشهيرة بيع القرد وضحاك على اللي شراه).
    لمادا لا تقول بأن حزب العدالة والتنمية يراوغ لكي لا تجرى الانتخابات في موعد قريب خوفا من التصويت العقابي،نتيجة ما وصلت اليه البلاد مند تولي حزبك قيادة الحكومة؟
    هل تريد أن تقول بأن حزبك مستعد للمغامرة غدا،أكيد لا،فلا تبيع ألأوهام لنفسك فتصدك كدبة أبريل

  • ملاحظ
    الثلاثاء 22 يناير 2013 - 22:03

    شهد شاهد من أهلها ، أعتقد أنك قد أصبت يا أستاذ عبد اللطيف ، و لكن ألا ترى أن رئيس الحكومة هو الآخر مسؤول عن حالة الجمود و ما يترتب عنها من سلبيات على مستوى تدبير الشأن العام ؟ فكيف يمكن لحزب واحد أن يتسبب في عطب الحكومة ؟ فأنتم في البيجدي بمكنكم التصدي لمثل هذه المتاهات ، و اعلموا أن تحالفكم مع شباط هو تحالف مع الفساد الذي واعدتم المغاربة على محاربته. شكرا للكاتب

  • prof_biougra
    الأربعاء 23 يناير 2013 - 15:14

    على رئيس الحكومة وبرلمانيي العدالة والتنمية أن يعملوا مافي وسعهم من أجل إجراء الإنتخابات الجماعية قبل نهاية سنة 2013 . وإذا كانت هناك مساومات وابتزاز من طرف بعض المشاغبين فلنذهب جميعا إلى انتخابات برلمانية وجماعية في نفس الوقت ونفس اليوم حتى يحق الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

  • MOhammed nador
    الخميس 24 يناير 2013 - 14:31

    أخ عتمان عاقل قل ولو جملة مفيدة . حزب العدالة والتنمية سيكتسح الإنتخابات المقبلة بإدن الله, لأن الشعب يريد بنكيران وهادا هو الواقع .

  • ازيدان
    الخميس 24 يناير 2013 - 15:55

    الانتخابات القادمة لصالح حزب العدالة والتنمية سواء في اواخر سنة 2013 او 2015

  • كلش باين
    الخميس 24 يناير 2013 - 21:12

    يكفي أن يبدي السيد رئيس الحكومة نيته وهو على رئس الهرم ب107 مقعداً في تنظيم الانتخابات الجهوية ومعها الغرفة الثانية ليبدئ مخاض محاولة التأجيل ويتنازل أصحاب التعديل الحكومي والمتربصين بالعدالة والتنمية كلهم أجمعون عن الشعارات الموهمة وذلك لهشاشة وضعيتها .وقد لاحضنا إشارات ممثل حزب التقدم والاشتراكية في برنامج قضايا وأراء والتي أرعبت جلياً رؤيا ممثل ًحزب الميزان الذي لم يقل أي شيئ يذكر ولم يستطع التستر على تخوفه من الأغلبية التي بيد بنكيران الذي يجب أن يتيقن أن هؤلاء يريدون إدخال من يتحرك بأمرهم لصالحهم في الحكومة عوض من هم الآن يتحركون إيجابياً فيما يخدم مصلحة الشعب بالنبش في الملفات الكبرى وإن ما ينقص السيد بنكيران هو محو هاده المناوشات التي لا تتعدى جعجعة بدون طحين ليسير بقوة في الاصلاح.

  • مع الحق
    السبت 2 فبراير 2013 - 22:35

    انا لا أرى أي عيب في تأجيل الإنتخابات الجماعية الى موعدها القانوني في سنة 2015 أي حتى يتسنى للحكومة ومع باقي الفرقاء السياسيين تنزيل مقتضيات الدستور الجديد بتشارك وتوافق ووضع القانون التنظيمي للجهات وتحديد عددها والقانون التنظيمي لمجلس المستشارين وعدد أعضائه وتعديل القوانين الإنتخابية ومدونة الإنتخابات والميثاق الجماعي…

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة