القضاء بين الجنون والفنون

القضاء بين الجنون والفنون
الجمعة 1 فبراير 2013 - 23:05

لا يمكن الحديث عن عدم استقلال القضاء دون الحديث عن أعطابه والتي أضحت كثيرة في ظل استمرار تطبيق القانون بطريقة وكيفية لا تنسجم مع القوانين القديمة ، رغم أن للقانون القديم أصالة ومصداقية إذا ما استحضرنا مقاصده ومؤسسيه وعلاقته مع باقي العلوم علاوة على الأهداف والنتائج التي يصبو إلى تحقيقها.

فالقوانين الجديدة هي امتداد وتطوير للقوانين القديمة مع الاحتفاظ بروح هذه الأخيرة لدرجة تظل واحدة لا يمكن التمييز بين القوانين الجديدة والقديمة خاصة وأن التعدد والتنوع الثقافي أضحى يفرض نفسه في بقاع العالم بأبعاد حديثة تنضاف للقديمة والتي يكون محورها الفرد وليس جماعة من الأفراد في إطار التطور العلمي والتقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم .

فعدم استقلال القضاء وما يفرزه من تهميش وإقصاء للقاضي لمنعه من القيام بدوره الحقيقي سواء في ظل القانون الجديد أو القانون القديم وحثه بشكل غير مباشر على الانخراط في القيام بوظائف خارجة عن اختصاصاته في عدة حالات وخير دليل على ذلك أن القوانين الجديدة التي ظهرت كنتاج لعدم تطبيق القوانين القديمة ونخص بالذكر :

– جرائم نهب المال العام.

– جرائم التعذيب.

– جرائم المخدرات.

– جرائم تبييض الأموال.

– جرائم الاتجار في البشر.

– الجرائم الناتجة عن غياب قانون الحصول على المعلومة وتهم الجرائم المذكورة أعلاه.

– فهذه الجرائم لازالت ترتكب في الوقت الراهن في ظل سياسة جنائية قاصرة وغير راشدة أو بالأحرى في غياب مطلق لسياسة جنائية في هذا الموضوع والتي أدت بشكل أوتوماتيكي إلى ظهور فئة جديدة من المسئولين الذين ينعتون ب ” الشعبويين” رغم أننا ملزمون بتسمية الأمور بمسمياتها انطلاقا من القوانين القديمة والتي تحتفظ بالدقة حيث تعتبر ما يسمى ب”الشعبوية” بالزندقة عفوا ب ” الزئبقية” وذلك في أفق تغليط الرأي العام رغم أن القضاء خلال هذه المرحلة الحاسمة مدعو ليكون في خدمة المواطن وليس في خدمة المذكورين أعلاه.

فإصلاح القضاء وضمان استقلاله لن يتأتى إلا باستحضار عمق وروح القوانين سواء كانت قديمة أو جديدة وذلك بغية تكريس عدم اليقين حتى يصبح اليقين متجاوزا وفي عداد الماضي رغم أن الماضي لم يعد يؤطر الحاضر في ظل تعدد التجارب التي يمر بها الفرد والتي تساعده على اختيار ما يلائمه في اعتماد أساليب التكيف وليس أساليب الحربائية أو الزندقة أو الزئبقية كما سبق القول خاصة وأن القوانين الجديدة هي بكل بساطة عبارة عن إعادة كتابة القوانين القديمة بصياغة متباينة ومختلفة طالما لا نستحضر روحها ونكتفي بمنطوقها.

فهذه السطور ليست بمثابة صرخة ولكن دعوة لاستعمال المصفاة كاعتماد مجموعة من الآليات من ضمنها مثلا قاعدة سمو الإتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية كما أن عملية الاستنبات هاته تتطلب قضاة حقيقيين بغض النظر عن طبيعة اهتماماتهم وتكوينهم ودراستهم سواء كانت بالجامع أو بالجامعة ، سيما وأن إلزامية قيام القاضي بدوره ووظائفه تعد الطريقة الوحيدة والواحدة لتنزيل مضامين الدستور الحالي على أرض الواقع في ظل اليقين الذي لا يمكن إنكاره أو استبعاده مما يجعل الإبقاء عليه في ظل هيمنة العولمة التي أنتجت قواعد جديدة رغم ارتكاز هذه الأخيرة في عمقها وروحها على القوانين القديمة كما سبق التوضيح.

وبالتالي فإن روح القوانين سواء القديمة منها أو الجديدة هي مفتاح وبوابة لتكريس عدم اليقين بشأن اليقين أي يقين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، فالترجمة تبقى الوسيلة الفعالة لتجاوز الواقع القضائي المر إن كان هناك واقع أصلا ونعني ترجمة معاني ومفاهيم وأفكار ومبادئ القوانين القديمة أو الجديدة على أرض الواقع وتفاذي الوقوف على المجانين والتركيز على أسباب الجنون وأن الجنون فنون خاصة وأن اللقاءات والندوات المتعلقة بأوضاع العدالة لا تعد ولا ترقى إلى إضافات نوعية ولا تعد أيضا حتى بمثابة توابل طالما أنها لا تحمل علاجا ولا تروم التغيير ولا تتوخى التقييم ولا تهدف إلى التبسيط ولا تطمح إلى إزالة الخلاف وتظل مجرد أساليب ببغاوية تشتغل في أفق تطوير القوانين الغير المرئية بوضع اليد على الثلاثي : المعرفة و الثقافة و السلطة .

فما هي رؤية القاضي لذاته ولغيره وما هي رؤية هذا الأخير لنفسه وللقاضي في زمن يرغب البعض فيه أن تختلط فيه شهادة الولادة بشهادة الوفاة في هذا القطاع الذي يؤدي إلى الجنون والذي لا يتغير فيه الواقع ولا يتطور في زمن يزداد فيه عشق القضاء نتيجة المزيد من التنظير ولو لم يعد له داع وعليه يبقى السؤال العريض هو: هل استقلال القضاء مطلب أم أن استقلال القضاء نتيجة خلافا لما يبدو للبعض الذين أصبحوا فقط خبراء في التنظير بشأن عدم استقلال القضاء .

وختاما ما هو سر الحديث الموضوع ( الكاذب) عن النبي صلى الله عليه وسلم :

” الباذنجان شفاء لكل داء”.

* نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتازة

‫تعليقات الزوار

7
  • bouzyad
    السبت 2 فبراير 2013 - 00:19

    un bon article que traite la realite de la justice dans les pays de L'east bon courage

  • صراحة
    السبت 2 فبراير 2013 - 15:27

    مقال يعكس ثقافة ووعي القاضي عادل فتحي ويسفه كلام المحكمة التي ادعت خبل وحمق القاضي في اطار تصفية الحسابات والتضييق على حرية تعبيره التي ازعجت المفسدين داخل جهاز القضاء كقضاة مكناس السابقين الذين تورطو في قضية السيدة ابو علي وعائلتها ومحنتها مع مجرمي القضاء واعوانهم من كبار المفسدين لهم في الدنيا خزي وفي الاخرة عداب اليم .

  • زعلوك
    السبت 2 فبراير 2013 - 16:38

    ما اعجبني هو الحديث الموضوع الذي ختم به الاستاذ عادل، مقالته التي تشرح واقع العدالة ببلانا، فتبادرت الي ذهني اكلة "الزعلوك"، وبحكم معرفتي القليلة بالقطاع، فإن خير وصف يمكن اطلاقه على القضاء بالمغرب هو الزعلوك، الذي لا اظن ان يكون الحوار الوطني حول العدالة قادرا على تحويله إلى طاجين بالبرقوق..سيظل زعلوكا، مادام فيه المتزعلكون والمتزعلكات..

  • وهيبة المغربية
    الأحد 3 فبراير 2013 - 12:31

    موضوع شيق

    إختيار الكلمات دقيق , وهذا ميزة قلم حقوقي

    إستقلال القضـاء نتيجة فعلية لسلسلة إصلاحات: (سياسيت تربوية،اجتماعية

    …مبنية على قيم عقلانية وتدبيرية محكمة…)

    ومن يجعل استقلال القضاء كمطلب دون أخذ بعين الإعتبـار كل هذه المقومات

    ستذهب دعواته سرابــا…

    أما الحديث الذي ذكرتموه وأشرتم إلى كونه " كـاذب " فـأنا لست متفقة على

    ذلك لأنه أصح وإحــق مــن فـتـاوى "مـزيـا بول الـبـعير "
    أو " حـبـات الـثمـر الـسبـعـة "

    فهي موجودةً فعـلا فـي صيـدلـية عرعستـان كـدواء لـكل الآفـات الإجتمـاعية بمـا فيهـا " النزاهــة الـفكـرية "

    وهيبة المغربية

  • رشيد
    الأحد 3 فبراير 2013 - 14:48

    بمثل هؤلاء يكون العدل ولولا العدل لذهب الملك ,فهل يدوم الملك بالشرفاء ام بالمفسدين

  • ANASS
    الإثنين 4 فبراير 2013 - 13:15

    تحية للاستاذ عادل فتحي… مقال متميز… خير رد على كل من حاول الهروب الى الامام وتصدير الأزمة الى استاذنا الكبير ذ عادل فتحي من خلال التشكيك في كفاءته …. ذ عادل فتحي مفخرة للقضاء المغربي وكتاباته دروس… ويكفيه فخرا أنه طالب بتطبيق القانون… وفتح التحقيق في اتهامات بالفساد…

  • محمد لبيض
    الثلاثاء 5 فبراير 2013 - 20:23

    اولا أتوجه بالشكر للأخ المناضل من موقعه عادل فتحي اخي فاستقلال القضاء يتطلب اولا استقلال الممارس له من عقلية نحن تحث أوامر عليا او رزقنا مهدد ان ما فعلنا كذا والخوف من إغلاق الهاتف او عدم الإدلاء ……

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 1

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 3

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة