اندحار الطبقة الوسطى

اندحار الطبقة الوسطى
الجمعة 22 فبراير 2013 - 22:59

تحولات عميقة و جذرية يعرفها الوضع الجيوسياسي الدولي الراهن منذ بداية الألفية بكل ما للمعنى من أبعاد و تأثيرات على منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا بصفة خاصة لما سيعرفه هذا الأخير من تطورات تارة ايجابية و تارة أخرى سلبية حسب قدرة الأنظمة السياسية على التفاعل مع المتغيرات و المستجدات؛ فمن إصلاحات مهمة بالسبة للبعض مرورا بعنف ثوري و صولا إلى التبدلات الجوهرية المرتبطة بالانقلابات و الفوضى غير الواضحة سواء كانت خلاقة أم لا بالنسبة للبعض الأخر.

وفي إطار تفاعلات و متغيرات هذا السياق الاقليمي الفارض نفسه، و استحضارا لما يميز الوضع الوطني من أحداث و ممارسات و مشكلات سوسيو اقتصادية و سياسية متعددة، بدأت تتضح معالم السياق الشمولي الذي أفرز تجربة حكم استثنائية بمشاركة حزب بمرجعية إسلامية من خلال ما تحمله التجربة من مضامين و دلالات محددة واقعيا ببرامج مطروحة كمنتوج جديد لتجربة جديدة يمكن أن تحمل أهداف و خلفيات و آثار على المستقبل السياسي للمغرب المعاصر.

قد يكون مفيدا تكرار التذكير بما حملته برامج الحزب الحاكم من وعود مرتفعة السقف في مجالات الاقتدار السياسي و مجال الاقتدار الاقتصادي و بينهما الاجتماعي؛ لعل سقف الوعود المرتفع كرس انفتاح شهية الآمال الكبيرة غير المحدودة بالنسبة للمواطنين و التي ظلت معلقة على استكمال مسلسل خلق الانفراج الاجتماعي، و المساهمة بقدر أكبر في عملية تنشيط الدينامية السياسية رغبة في تطوير الخطاب و الحقل السياسين.

و إذا كان الاقتدار السياسي يرتبط عمليا بعوامل محددة بمحددات مؤشرات دولية فمن حق النخب الفكرية اليوم بالمغرب أن تتساءل عن مآل التحرر من الجهل السياسي حتى يتمكن المواطن على نضجه أو جهله أن يميز بين صدقية خطاب مسؤوليه، وبين التضليل السياسي المتعمد و أن يفك شفرة و رموز الخطاب الديماغوجي خصوصا بعد أن آمن الجميع بدستور قوي يضمن المساواة على أساس الحرية و بفكرة جوهرية تقوم على أساس الحكامة في التدبير بربط المسؤولية بالمحاسبة، يتيه اليوم المواطن في منهجية حكومية تخلق طبقية أفلاطونية ترعب المواطن من خلال استعمال أسماء حيوانية متوحشة و أخرى غيبية مخيفة كعربون على عدم الاقتدار السياسي، و لجعل التحرر من الخوف أمرا بعيد المنال، بل إن مفاهيم جديدة مواكبة تجسدها حمولة الخطاب السياسي القائم على خوف الفاقة و الفقر، بل الذهاب أبعد من ذلك من خلال التخويف بفقدان المكانة أو المنصب الوظيفي بتحريك آليات القمع الاداري من خلال التركيع بالاقتطاع من ما يسمى بالأجر أو ما تبقى منه في ظل أزمة اقتصادية خانقة، أوالتضييق على النخب الفكرية من خلال تحريك آليات التأديب كما بدأ يحدث مع الأساتذة الجامعيين كنخب فكرية (تشوش) على غير الواضح.

لعل سقف الوعود يصطدم اليوم واقعيا بعدم القدرة على الاستمرار في تخليق الحياة العامة من خلال الملتزم به سابقا من مواثيق للتغيير و حسن التدبير، علما أن المناخ السياسي و الاجتماعي الجديد المصاحب للحكومة الحالية قد أفسح هوامش كبيرة و عميقة كان من المفروض حسن استغلالها تدبيريا بنضج كاف بدل التيه عمليا في معارك بيزنطية مؤسسة على نظرية المؤامرة، لأن ذلك يساهم بشكل أكبر في إشاعة جو من عدم الثقة لدى فئات واسعة من المجتمع المغربي للإستمرار في خلق إمكانات الاصلاح و التجديد و إعادة البناء و هو ما يمكن أن يحدث انهيارا للقيمة الاجتماعية لأي عمل انتخابي أو سياسي مقبل.

و يبدو أن ضعف أو غياب الاقتدار السياسي للحكومة المبتعد عن إشاعة ثقافة عقلانية داخل شرائح المجتمع، لتمكين الفرد من استخدام عقله في مختلف علاقاته الاجتماعية و الاحتكام إليه للتمييز بين الأفعال التي تهم المجالات السياسية و ألاقتصادية إنما تصطدم بإكراهات أطرت انطلاقا بتحالفات غامضة المرجعيات و الدلالات و الأهداف ارتكز خطابها على الانتقائية و التعميم للقفز على المفاهيم المحددة للديموقراطية و التجديد و الحداثة السياسية إلى الاحالة على قيم و مفاهيم تقليدية محورها حسن النوايا و الشخصنة للوقائع و الأفعال.

و فيما يرتبط بالاقتدار ألاقتصادي يبدو جليا أن الحكومة قد اختارت مقاربة تجزييئية تكرس التفاوت الطبقي بأن استقر ر أيها أو قرارها على اختيار آلية الدعم المباشر للفئات التي اعتبرتها فقيرة و معوزة من خلال ضخ صدقات نقدية مباشرة في جيوب هذه الفئات، هي استراتيجية مأسسة الفقر و خلق إطار مجتمعي متواكل قائم على الانتظارية و استجداء الآخر و هو ما يفرز أمرين خطيرين للغاية، احتكار الفئات المقصودة بالتبعية للحزب الحاكم أنيا أو مستقبلا و هو ما يخلق نوعا من التفاوت في الاستفادة من الدولة خارج إطار محدد بمعايير؛ ثم من جانب آخر يؤدي ذلك إلى اندحار الطبقة الوسطى التي لم تعد تستحمل فرض ضرائب جديدة بعد أن أنهكت باتخاذ تدابير ضدا عليها، و هي آلية تبعث على عدم الارتياح الأكبر، لما تلعبه هذه الطبقة من دور في ضبط التوازنات الاجتماعية.

لعل هذه الطبقة ( الوسطى ) التي عمل المرحوم الحسن الثاني على خلقها في إطار استراتيجي حافظ لثوابت الأمة و قدرات مواطنيها، بدأت البرامج الحكومية الحالية تدفع بها نحو الاندحار و التلاشي من خلال الاستمرار في إظهار هبة الدولة على حسابها.

‫تعليقات الزوار

9
  • صحيح...
    السبت 23 فبراير 2013 - 00:31

    صحيح جدا:
    ———
    "استراتيجية مأسسة الفقر و خلق إطار مجتمعي متواكل قائم على الانتظارية و استجداء الآخر و هو ما يفرز أمرين خطيرين للغاية:
    1- احتكار الفئات المقصودة بالتبعية للحزب الحاكم أنيا أو مستقبلا.
    2- اندحار الطبقة الوسطى التي لم تعد تستحمل فرض ضرائب جديدة بعد أن أنهكت باتخاذ تدابير ضدا عليها."

    كنت من الداعمين ل PJD، لكن سأكون أول النازلين الى الشارع اذا اصبح الغاز ب140 د. و السكر ب 24 ده. وووووو

    الابداع هو إيجاد الحلول اللتي لا تظهر للجميع، أما الزيادة فهو الحل الاسهل و الاوضح للجميع.

  • قارئ
    السبت 23 فبراير 2013 - 03:19

    هده وجهة نظر فريق من المعارضة في التدبير الحكومي ،خطاب نقدي ومركز ،ودسم حقاً ،فهناك فقرات تحتاج إلى مقالات توضيحية . انه ليس نقدا مستتبعا لتقييم ،فيجب انتظار النتائج لدلك فما جدواه إدن ، بل قراءة للعمل الحكومي من وجهة نظر المعارضة،لست اسلاميا فقط علماني،ومايهمنا هنا هو مساعدات الحكومات لفقرائها ،وهو منهج اختبرته سالفا الجماعات القروية ،وكان كل عضو يقدم المساعدة الاجتماعية فقط لمناصريه في الدائرة ،وجربتها وزارة الداخلية حين كنتم وزراء ،حيث كانت العمالات تقدم مساعدات مثل الزيت ،وكان أعوان السلطة هم الدين يختارون أشخاصا وليس الجميع وهده مساعدات حكومية ،ولم يتكلم حينئذ السيد مزوار .لمادا? اهو خلال عليكم وحرام على الآخرين .?وسواء كان نقدا ام عينا .

  • انحدار "المثقف"
    السبت 23 فبراير 2013 - 11:03

    هذا هجوم واضح على الحكومة و على حزب العدالة و التنمية و لا علاقة له بالتحليل العلمي و الموضوعي لإشكالية الطبقة المتوسطة.
    1-العبارات المستعملة : التضليل السياسي المتعمد – الخطاب الديماغوجي – تحالفات غامضة المرجعيات -تحريك آليات القمع الاداري ـ التركيع بالاقتطاع ـ الانتقائية ـ القفز على المفاهيم المحددة للديموقراطية ـ الاحالة على قيم و مفاهيم تقليدية.
    2- فقرة واحدة من أصل ثمان فقرات تطرقت لموضوع الطبقة المتوسطة (1#8؟) 3- استراتيجية مأسسة الفقر ليس حزب العدالة و التنمية من أبدعها.4- ألم تجمع جميع الأطياف على ضرورة إعادة النظر في نظام المقاصة و وجوب نهج الدعم المباشر عوض دعم الأغنياء و لوبي الريع.5- ألا تعتبر مناهضة إصلاح المقاصة "مقاومة للتغيير" و "دفاعاً عن الإستمرارية"
    6- التخفيض في ثمن الأدوية، الزيادة في معاشات التقاعد، الزيادة في منحة الطلبة… ألا تخدم هذه التدابير الطبقة المتوسطة ؟

  • عبد الله الناصح
    السبت 23 فبراير 2013 - 18:26

    وماهي في نظرك أيها العبقري الكبيراستراتيجتك أنت ومن يشوش ويعمل على تغليط هدا الشعب الدي ألفت طبقته الوسطى كما تسمونها نهب جيوب الفقراء وإستغالهم بتبخيص حتى مايشرى منها في الأسواق الشعبية لدرجة أن أحدكم لايستحيي أن يساوم الفقير في ثمن ربطة القزبر أو المعدنوس أو النعناع ليزيد من بؤسه زد على دلك الزبونية والأنانية ومنافسة الفقراء في كل شيء اليس كدالك.والآن اصابكم الحسد لأن الحكومة أرادت أن تلتفت اليهم أيها الإنتهازيون فمن يمأسس للفقر ومن يتاوكل ويستجدي بالآخر ويستغله في كل شيء من الخادمة في البيت الى إستغلاله في أعمال بأبخص الأثمنة من أجل إغتناء هده الطبة الوسطى التي تتحدث عنها وكم تعطي من أجر لمن يحمل قفتك بعد خروجك من السوق أليس هده هي قمة الإنتهازية والإستغلال كفى من الكدب ودموع التماسيح,انتم من ينهب الفقراء لاغيركم تقتسمون الغنيمة مع الطبقة الغنية وتتواطئون معها لتغتنوا كدلك على حساب الفقراء والكادحون تم تسبقونهم بالبكاء وربما أخدتم تصطفون بجانبهم لأنكم أصبحتم فقراء الضمير وفقراء القلب. قل لنا ماهو مخططكم للإعانة الفقراء.أهو الحرث عليهم ليقضوا مصالحكم ويقدموا لكم خدمات بريال.

  • كريم من الرباط
    السبت 23 فبراير 2013 - 19:06

    مقال في منتهى المنطق وتحليل في غاية الدقة . بارك الله في الأستاذ المقتدر طارق أتلاتي ونور عقله وفكره كما أمتعنا بهذا الموضوع الجميل

  • مواطن حار
    السبت 23 فبراير 2013 - 23:30

    في البداية اود ان اتقدم بكلمة شكر للاستاذ على مقاله المحشو بالافكار النيرة ذات الحمولة الوازنة التي ربما استعصى على البعض تاويلها في الاتجاه الصحيح بعيدا عن المزايدات المجانية..
    ثانيا,اعقب على صاحب المقال رقم 4 (ع الله الناصح).كن على يقين يا صاحب المقال ان لا احد من المغاربة ضد مشروع الدعم المباشر للفقراء نحن شعب مسلم ونفرح لكل مبادرة ترفع من مستوى الطبقة الكادحة,لكن يجب الا ننسى ان الطرف الذي سيؤدي الثمن هو الطبقة المتوسطة,يجب على الحكومة الملتحية ان تفكر في حلول جذرية عوض الاتكال على منطق الزيادات في الاسعار التي طالما اكتوى بها المواطن..
    ااصعب شيء في هذه الدنيا الفانية ان يكون المرء فقير الايمان ,انصحك بالابتعاد عن الحسد واتقي الله يجعل لك مخرجا ويرزقك من حيث لا تحتسب..

  • زبادي تيغسالين خنيفرة
    السبت 23 فبراير 2013 - 23:37

    حكومة بمرجعية اسلامية.على الورق صحيح.في الخطابات الديماغوجية صحيح.لاتوجد في المعمورة حكومة بمرجعية اسلامية .هناك حكومات متمسلمة.لو كانت حكومتنا بمرجعية اسلامية صحيحة وثابتة على مبادءها واصول مرجعيتها لما دخلت اللعبة او لقدمت استقالتها اما والحال هاته فهي كمثيلاتها ستقضي وطرها ومعه بعض الاصلاحات الهزيلة تم تغادر الحلبة.الدين والسياسة وجهان لعملة واحدة في بلدنا ها البار ها الجامع انت حر في الاختيار وما دمنا وسطيين او معتدلين فرة ومرة هناك …

  • merrakchi
    الأحد 24 فبراير 2013 - 01:34

    من العار ان يخرج علينا قائد حزب وهو اقتصادي وقائد مالية الحكومة السالفة ويعارض الدعم المباشر بمنظور انتخابي محض هذه هي السياسة والا فلا
    صدق من قال السياسة والاخلاق لا يجتمعان من تستغفلون يا ادمغة الاقتصاد والسياسة !!!? او المعارضة من اجل المعارضة !?
    لوقال ان الدعم المباشر والغاء صندوق الدعم الغير مباشر سيهدم دعامة التوازن الاجتماع وهي الطبقة الوسطى لعدم توفر اليات تكريسه وهي
    النزاهة والشفافية الادارية والاحصائية والمحاسبة يعني سنرى فقراء اشباح
    مع اقصاء المستحقين
    لو عندكم هذه الاليات استرجعوا بواسطة ضريبة الاستهلاك من الشركات والمستفيدين الكبار للمواد المدعمة اموال الصندوق

  • محمد السباعي
    الأحد 24 فبراير 2013 - 01:46

    أسأل صاحب التعليق 4 (عبد الله الناصح). هل تعلم حجم الضرائب التي كانت وما تزال تؤديها الطبقة المتوسطة؟ إن الضرائب على المداخيل تصل إلى نسبة 38 في المائة بعد أن كانت 43 في المائة. إذا اضفنا لها ياسيدي 20 في المائة التي تمثلها الضريبة على القيمة المضافة (TVA) نحصل على 58 في المائة. واعلم أن الضرائب المباشرة لا يؤديها الفقراء والموظفون المرتبون في درجات أدنى يشملهم الإعفاء الضريبي.إن من ينتمي للطبقة المتوسطة (الطبيب المحامي المهندس..) لا يتبقى له سوى 42 في المائة ويعطي للبلد وفقرائه 58 في المائة من مدخوله.وهي نسبة جد مرتفعة.إن اعتبار الطبقة المتوسطة عدو هو جهل ما بعده جهل فهي من يعالجك ومن يدرسك وأبناءك ومن يبني لك الطرق ويوفر لك سبل الحياة.فكأنك عدو نفسك. إن من يستغلك ومن يسرق عرقك لا تراه لقصر وعيك. إنه أهل الفساد الكبار الذين اغتنوا على حساب هذا الشعب كله وتهربوا من أداء الضرائب بكل الطرق.ووضعوا تلك الأموال في بنوك أجنبية. وحصلوا على جنسيات جديدة ترقبا لما من شأنه. عد إلى رشدك وطالع أكثر لتكتشف حقيقة الاستغلال والجشع ولتق الله في الطبقة المتوسطة التي تؤدي أكثر مما يجب عليها.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30

احتجاج أساتذة موقوفين