الأنانية عدوة الشعوب

الأنانية عدوة الشعوب
الإثنين 11 مارس 2013 - 12:03

أيها الناس، لقد ذهبنا بعيدا في محاولة فهم أصل الداء، و بعد طول تجوال، و غضب، و معارضة، و استنكار، و شجب، و تنديد بالبعض الكثير من تصرفات بعض الحكام في تدبيرهم لأمور الناس، محاولين إلصاق تهمة التخلف بهم لا بغيرهم، ها نحن اليوم نعود مجددا إلى أصل المشكل. و لولا تذكيرنا بهذا الأخير من طرف الصحفي الذي هو عبد لله الواحد القهار في مساء جمعة مباركة، لنسينا أصل المشكل هذه المرة أيضا كما هي عادة الشعوب المتخلفة التي لا تستفيد أبدا من تاريخها و من التاريخ. و لكن الجدير بالذكر أن النسيان هنا متعمّد، و هذا شأن الشعوب المتخلفة التي تكتب التاريخ خلسة و لا تظهر منه سوى ما ترتضيه لاستمرار تخلفها. و السر في هذا الكتمان لبعض فصول التاريخ، في سبيل استمرار التخلف، يكمن بطبيعة الحال في الآلة الإعلامية التي لا يستعملها الإعلاميون عموما سوى في ما يضمن استمرار التخلف، ليس إرضاء لحكام أو ما شابه ذلك و لكن إرضاء لنفوسهم أولا و قبل كل شيء.

سيداتي، سادتي، نعم، هذا كلام وجب توضيحه، و كم هو صعب التوضيح في أحيان كثيرة و ذلك مراعاة لبعض الأشياء الكثيرة أيضا، خاصة لما يكون التوضيح يستلزم المرور عبر تزكية و لو بسيطة للنفس، و لو في السر، و ذلك باستحضار بعض الأمثلة العابرة أثناء المجهود الذهني الذي يسبق الإنشاء. طيب.

ماذا يفعل الإعلامي عموما أمام نص أدبي اقترفه أحد مواطنيه ؟ إنه يفكر أولا مليا حول ضرورة الاختيار بين إعدام النص أو إعدام الكاتب قبل أن يقرر إعدام الاثنين معا، ليذهب مرتاح البال إلى حال سبيله ليخوض في تفاهات أخبار تروق للشعب المتخلف عادة كخبرمن سجد لتقبيل الأحذية، – لكي لا يواجه مصيره المشوب بالظلم بشجاعة و يدافع عن حقه بكل الوسائل المشروعة و القانونية و المتاحة بشراسة-، ثم يخرج لملاقاة الجماهير الشعبية رافعا شارة النصر، – كما لو كان قد قام للتو باسترجاع القدس-، و الاستمتاع بهتافات الجماهير، و يا لها من جماهير…، أمرها عجيب، لا تكاد تتحرك على العموم سوى في القضايا المضمونة و الجاهزة سلفا… (ملحوظة: لا يمكن لوم الساجد مقبّل الأحذية عن الخوف الذي سيطر عليه فجأة ربما، لما همّ بتقبيل الأحذية لأن الخوف من الإنسان، و لكن رفعه لشارة النصر بعد ذلك أمام الجماهير و كأنه قام بتحرير الجزر…، فهذا خطؤه الجسيم الذي ينمّ ربما عن طغيان دفين…). سيداتي، سادتي، هذا ليس خروج عن الموضوع. الإعلاميّ على العموم في البلدان المتخلفة يهتم كثيرا بهذا النوع من المواضيع التي تتطرقّ لخنوع بعض الأمّيين الجاهلين الخائفين على الدوام، لأن ذلك يجعله ربما ينسى القهر الذي يتعرض له هو أيضا لما يمنعه، مثلا و الله أعلم، رئيسه من مباشرة أو نشر موضوع غير مدر للربح من المواضيع المفيدة حقيقة للجماهير الشعبية، و يا لها من جماهير حقيقة…

أي نعم، الشعب المتخلف يتعمد النسيان. فتحية مضاعفة للصحفي. الصحفي الذي هو عبد لله الواحد القهار، الصحفي الذي لا ينسى أبدا أصل الداء الذي يصيب البلد المتخلف. دام النصر الصحفي للصحفي الذي يجعل الذاكرة يقظة. في البلد المتخلف، كبار الأغنياء يستثمرون في ثلاثة قطاعات لا غير. البنوك و السكن و التأمين. فالأغنياء يشيدون عمارات، و يمنحون قروضا للفقراء، و يؤمنون لهم تلك القروض، ثم يبيعون لهم ما شيدوه من غرف و شقق، و يظل البلد متخلفا بطبيعة الحال لأن الأغنياء لا يهتمون بالمشاريع التي من شأنها إنقاذ البلد من التخلف المذل. و لكن، مهلا، فقبل أن يغتني هؤلاء الأغنياء منذ القدم فلقد كانوا فقراء أو على الأقل أقل غنى بكثير…، كان همهم الاغتناء الشخصي دون أدنى حس وطني و دون أية فكرة نبيلة من قبيل إخراج إخوانهم الفقراء من فقرهم، فحققوا لأنفسهم الغنى الفاحش و ظل البلد متخلفا… هذا في ما يخص الأغنياء القدامى…
أما الأغنياء الجدد فحدث و لا حرج. فهذا عداء من وسط فقير حقق نجاحا مبهرا بواسطة الجري فربح الملايين و الملايير في وقت وجيز، فهل استثمر أمواله في مشاريع تعود بالنفع له و للفقراء الذين كان ينتمي إليهم إلى وقت قريب ؟ لا،لا، بل استثمر صورته للاستفادة من ضيعة هائلة على حساب الشعب الفقير -الذي كان ينتمي إليه إلى وقت قريب- في إطار اقتصاد الريع، لمضاعفة ثروته أضعافا مضاعفة و لسان حاله يقول تبّا للفقراء و المساكين…

وهذا لاعب كرة من وسط فقير حقق نجاحا كبيرا في اللعب بالكرة فربح الملايين و الملايير في وقت وجيز، فهل استثمر أمواله في مشاريع نافعة للفقراء الذين كان ينتمي إليهم إلى وقت قريب ؟ لا،لا، بل فتح حانة و مقهى لتناول الشيشة لاستدراج الفقراء، مع التهرب من أداء الضرائب، حتى يضاعف أرباحه مرّتين على حساب الشعب الفقير الذي كان ينتمي إليه إلى وقت قريب. أما سر اختيار مشروع الحانة و المقهى لتناول أو شرب الشيشة فهو ليس اختيار اعتباطي، بل هو اختيار يضمن للاعب الكرة “الناجح” هذا قطع الطريق على الشباب من مواطنيه الفقراء حتى لا يذوقوا أبدا طعم النجاح، حتى لا ينافسوه أبدا في النجاح الذي حققه هو…، و ذلك بتحويلهم إلى مجرد فاقدي الوعي يجلبون له المال بكل الوسائل المتاحة و الغير المتاحة تحت شعار “الفقر الدائم مع فقدان الوعي مقابل خمر لاعب الكرة الناجح و شيشة لاعب الكرة الناجح…” وبأس النجاح.

و هذا مدرب ناجح أيضا بعد أن كان حارس كرة ناجح، فربح الملايين و الملايير، فلم يستثمر أمواله، بل صورته الناجحة للاستحواذ على مأذونيتين ريعيتين في مجال النقل العمومي، و لما سئل : “ألم تكتف مالا بعد…؟” أجاب: “لن أستغني أبدا على الريع الذي أستفيد منه أبدا لصالح الشعب الفقير لأنني لو فعلت لكنت ابنا عاقا لوطني…” و يا للوطنية الغريبة العجيبة الأعجوبة المعزولة.

أيها الناس، إنما هذه الفقرة من الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة، ما هي سوى قراءة في مقال الصحفي و تكريما و احتراما له. الصحفي الذي هو عبد لله الواحد القهّار. و ما هذا التكريم سوى إرساء للتراكم الثقافي و الإبداعي حتى ينال كل ذي حق حقه، حتى نساهم جميعا في القضاء على الأنانية الفتاكة التي تقطّع جسم الوطن إربا إربا.

نعم أيها القراء الشرفاء الأعزاء، الكلام المعارض الجميل يخرج دائما من فم من لا جاه و لا مال له في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة، و ما إن يغتني حتى ينسى كل مواقفه النبيلة السابقة… نعم، و لكن الحق أن الصحفي في هذا المساء الممطر نطق فأصاب حفظه الله، فلابد لنا جميعا في الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة أن نعترف له بكفاءته و بغيرته على دينه فوطنه، ذلك لأن الدين الحنيف ينهى على الأنانية، و الأنانية عدوّة الوطن. فاللهم ارزق الصحفي الفقير إليك المال الكثير مع عدم الطغيان حتى يكون قدوة حسنة للشعب المتخلف.

وتحية للصحفي عبد الله الدامون، و كل تطابق مع شخصية حقيقية مجرد صدفة في الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة.

سيداتي، سادتي، لقد ذهبنا بعيدا في محاولة فهم أصل الداء، و بعد طول تجوال، و غضب، و معارضة، و استنكار، و شجب، و تنديد بالبعض الكثير من تصرفات بعض الحكام في تدبيرهم لأمور الناس، محاولين إلصاق تهمة التخلف بهم لا بغيرهم، ها نحن اليوم نعود مجددا إلى أصل المشكل. و أصل المشكل إذا هو الأنانية ، حسب ما خلصنا إليه جميعا من خلال هذه القراءة المتواضعة في مقال الصحفي بطل هذه الفقرة من الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة و الذي هو عبد لله الواحد القهار، و معلوم أن الأنانية هي سر التخلف الذي هو من الشعب و إليه. نعم، و لكن هذا لا يعني بتاتا، مثلا، أن من يتبادلون الإكراميات من مال الشعب دون موجب حق أبرياء…، كما أن هذا لا يعني بتاتا، مثلا، نسيان قضية اقتناء شقق ما وراء البحار بالتزامن مع اقتناء مصل متجاوزة صلاحيته لمعالجة داء وهمي له علاقة بالخنازير و شرورها…لا، أبدا، و من حق الناهبين و الناهبات، و المرتشيات و المرتشين أن يفزعوا و أن يحزنوا حزنا أسودا قاتما لأن الشرفاء بإذن الله قادمون لا محالة رغم هذا و ذاك…، لأن الشعب المتخلف سيطمح إلى التقدم و ذلك بالتخلي على الأنانية التي تمزق أوصاله و تقطّع الوطن إربا إربا…

سيداتي، سادتي، الأنانية عدوّة الشعوب.

‫تعليقات الزوار

1
  • ملاحظ
    الإثنين 11 مارس 2013 - 18:08

    تحية للأخ فنيش , لدي ملاحظتين :

    – هذا الاسلوب البسيط في نظري احسن للكتابة خاصة وانك تكتب في جريدة , اما الاخر ( الذي تتحدث فيه عن الجزيرة المعزولة ) فهو يجعل القارئ يمل( رغم اهمية الموضوع) .

    – لا يمكن بأي حال من الاحوال لوم الطبقة المهمشة لأنها ليست جاهلة بل تعرضت للتجهيل و ليس فاسدة بل تعرضت للإفساد , سهام النقد يجب ان توجه للنخبة و للحاكم وشكرا .

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب