عن سر "اللجنة" التي نفثتها "ثقافة" الأسرار

عن سر "اللجنة" التي نفثتها "ثقافة" الأسرار
الخميس 4 أبريل 2013 - 02:55

الخبر الذي نشرته جريدة “أخبار اليوم”، وأثار بيانات توضيحية وردود فعل إعلامية متنوعة، لم يكن “مجرد” خبر… كان من أخبار الأمس وكان أساسا، وكما قدمته الجريدة نفسها، “سرا” من بين الأسرار المحيطة بإنتاج الدستور الجديد للبلاد. و حتى و الجريدة تخفف من مسؤولية نشره و تقول بإخماد شرارته ببيان حقيقة، فإن “المصدر” الذي نفثه يتحمل مسؤولية الأضرار المعنوية التي أرادت إحداثها باختلاقه لجنة لم توجد حقيقة.

هو “سر” يراد بنشره، أن يعرف المغاربة بأن السياسة في بلادهم، هي هي، لم يتغير فيها شيء منذ عقود…ولا تختلف في شيء ،عن المعهود سابقا، عن “تقاليد” العمل في الأنظمة العسكرية والديكتاتورية في أمريكا اللاتينية وفي محيطنا العربي والإفريقي، من كون كل الأحداث التي يعيشونها لها دائما “أسرار”، وتحاك وقائعها الحقيقة وقراراتها الأصلية بعيدا عن مؤسسات واجهات الدولة، ومواقع القرار الرسمية والعلنية… تحاك في “مغارات” أجهزة الدولة العميقة والأمنية أساسا…أحداث ووقائع ينفذها ويعلنها كومبارس (من حكومة وبرلمان وأحزاب ومؤسسات الوساطة الاجتماعية والحوارات الوطنية…)، و سرها الحقيقي أنها، تكون قد صيغت أو نسجت وتم التقرير فيها من طرف خلية خفية، مستترة أو متوارية، في غرفة عمليات الدولة،و تنتهي إليها خيوط نخب ومؤسسات الدولة والمجتمع وتحركها كما تشاء وتوجهها إلى ما تريد…و الإتحاد الإشتراكي عانى في التعاطي مع وقائعه و قضاياه كثيرا من تلك “الأسرار” التي تخص بها البعض “مصادر” مطلعة حول مزاعم تدبير “الداخلية” مثلا لمؤتمراته و لقراراته و لتوجهاته.

“الخبر” أضحى حدثا ولم يكن مجرد خبر… إنه صادر من “ثقافة الأسرار” التي لم تنفع في تبديدها كل مساعي نشر ثقافة المؤسسات التي تصدر عن جهد الإصلاح الديمقراطي للبلاد… وليس أن الدستور الجديد لم يغادر بعد معبر “العناية الفائقة” نحو التنزيل أو التفعيل الواقعي لمقتضياته… ولكن لأن إرادة كبح الترسيخ المؤسساتي للاختيار الديمقراطي لم تتعب، في تغذية ثقافة “المؤامرة والأسرار” لفائدة استمرار عدم ثقة المواطن في السياسة وأهلها من جهة الدولة كما من جهة المجتمع.

الحديث، عن وجود لجنة خاصة مكونة من شخصيات لم يعلن رسميا عن انشغالها بأمر الدستور، ولديها مهام أخرى في بنيان الدولة ومن بينها السيد ياسين المنصوري المدير العام للجهاز المكلف بتتبع وحماية أمن الدولة الخارجي، والسيد سعد حصار كاتب الدولة في الداخلية آنذاك… هذه اللجنة “يقال” بأنها اختصت بتوجيه اللجنة الرسمية بإعداد مسودة الدستور… يراد بهذا “الخبر” القول بأن كل عمل اللجنة الرسمية المعينة برئاسة الأستاذ المنوني، واجتهاداتها وجلسات استماعها، لكل من يفهم، وحتى لمن لا يفهم، في أمر الدستور شيئا، من أحزاب ونقابات وجمعيات…و إلى جانبها “الآلية السياسية” برآسة المستشار محمد المعتصم… كل ذلك الكد و الجهد، و حتى الهرج والمرج، وكل تلك الاجتماعات وكل تلك المناقشات و العشرات من المذكرات و الدراسات… كل ذلك لم يكن إلا مجرد “تعمار الشوارج” و يذهب جفاءا، أما ما “ينفع” الدولة فيمكث في لجنة “استراتيجية” ، غير معلنة، هي من يهندس معمار الدستور و حرصها الأول فيه هو صيانة صلاحيات الملك.

سيذكر معي القارئ بأن الجريدة نفسها هي من قال بعد خطاب جلالة الملك يوم 9 مارس سنة 2011 بأن “الملك أسقط النظام”… لأنه كان أول من أعلن عن الأفكار الموجهة للمراجعة الدستورية التي اقترحها، وكان ضمن تلك المواجهات تخليه عن عديد صلاحياته لفائدة تقوية دور البرلمان وتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة… فما كانت الحاجة إلى لجنة سرية، وبها حساسية أمنية، للحرص على صلاحيات الملك من أن تبددها أو تضيعها أو تنتقص منها اللجنة الرسمية و الآلية السياسية، المشكلة من شخصيات ذات كفاءة علمية أو اهتمام سياسي أو خبرة حقوقية، ومكلفة “بتنزيل” موجهات خطاب 9 مارس ودسترة “إسقاط النظام” لنفسه.

قد لا تكون الجريدة التي نشرت “الخبر” تعي ما قصدته الجهة النافثة “للسر” من محاولة تدمير لمقوم أساس من مقومات الإصلاح السياسي، الذي انخرطت كل البلاد بكل فاعليها في تقعيده… إنه مقوم الثقة في المؤسسات… من بعيد وبجمل قصيرة يتم قصف كل منطلق هذا الإصلاح وغايته… وهو بناء مؤسسات واضحة الصلاحيات واضحة الحدود ، واضحة التفاعل المطلوب بينها، ومرجعها الدستور ولا جهة غير الدستور… حتى تكون مؤسسات مالكة لثقة الشعب ولثقة الفاعلين فيها وثقتهم في مآل عملهم فيها…

ألم ينبه جلالة الملك السيد بنكيران إلى ضرورة التقيد بالدستور، حين تغاضى رئيس الحكومة في أمر ما عن إحدى صلاحياته الدستورية…و قال السيد بنكيران بأنه اقترح اعتبار ذلك حدثا تاريخيا يستوجب الإحتفاء به.و في ذلك ليس درسا لرئيس الحكومة وحده، بل للمجتمع السياسي كله…قوة المؤسسات هي في الحرص على دورها في بنيان الدولة و على موقعها الإجتماعي، وفي تمسكها بصلاحياتها الدستورية و ممارستها لها ( الملكية، البرلمان، الحكومة، الأحزاب، هيئات حكامة الدولة، هيئات المجتمع المدني…)…ذلك المطلب هو ما كانت تلح عليه قوى النضال الديمقراطي على مدى عقود…و ذلك هو ما خطه جلالة الملك في مسعاه الإصلاحي منذ تحمله مسؤولية الحكم…المفهوم الجديد للسلطة، إصلاح الحقل الديني، إصلاح القضاء، قانون الأحزاب الجديد…وذلك قبل أن تسرع حركية شباب 20 فبراير المسار الإصلاحي، لتحدث النقلة النوعية بخطاب 9 مارس التاريخي.
ذلك القصف “الإخباري” مزدوج النيران…إشاعة “خبر” وجود لجنة “خاصة”، يبدد كل الكلام حول الحرص على مصداقية المؤسسات و على شفافية عملها و بالتالي يبطل مصداقية اللجنة الرسمية و كل مظاهر المشاركة في اعمالها…من جهة. و من جهة ثانية، حشر السيد ياسين المنصوري و السيد حصار فيها هو إضفاء لتوابل الإثارة “الإستراتيجية” و “الأمنية” عليها، لإبطال الإنتاج العادي، المدني والسياسي والديمقراطي للدستور…ذلك الإنتاج الذي يبحث له عن “شعرة” في عجينه تقرف منه، بعد أن وضع البلاد على مسار استثنائي من التطور على قاعدة الإستقرار و من داخل ديناميكية الإستمرار… و اختلاق تلك اللجنة، اليوم، يتجاوز حدود ترف “تأريخي” لأجواء و ظروف انتاج الدستور … إخال الأمر، قابل لقراءته بمحاولة تكريس أن “جهة” ما على شاكلة تلك اللجنة لا بد وأن تكون مستمرة في توجيهها للعمل السياسي في البلاد، فوق المؤسسات أو على هامشها، وتدير الفاعلين كما لو أنهم في رقعة شطرنج، مع فارق أنها تعاملهم على أنهم مجرد بيادق…و ذلك لغم يزرع في الوضع السياسي جاهز للتفجير بقوة فاعل أو بفعل تدافع و تفاعل أحداث و مرامي.

‫تعليقات الزوار

9
  • مراد
    الخميس 4 أبريل 2013 - 03:56

    تبارك الله عليك السي سعود،قراءة عميقة لما يجري،الصحافة اصبحت ماكينة كدب و تدليس و لم يعد اللجوء الى الاساليب اللا اخلاقية يخفى و انما صار مكشوفا بل صار التدليس و الخبث هو القاعدة، جريدة تقول لك ان مجهولين القوا قنبلة على قطار، و يتضح ان لا وجود للامر،و جرائد تضع حوارات باسم اشخاص لم تحاورهم اصلا ،و جرائد تبني احكاما على توهمات و تخلط الراي بالخبر،اصبحت الجرائد تقول لنا ما تحبه هي ان يقع لا ما وقع فعلا، و هناك جوقات مهمتها تلقف الاخبار المغرضة و اشاعتها و البناء عليها خدمة لجهات ما او لخلل خلقي.

  • freeman
    الخميس 4 أبريل 2013 - 04:40

    salut a tous vous voulez dire qu`il y`a un changemant au maroc oui 3andek sah kayn les islamist sont dans le gouvernement comme al karakiz rien a changer monsieur d`abord je suis pas avec ces islamist mais meme si c`est quelqu`un d`ate a leur ca sera la meme chose pour une simple raison les marocains mantaza3ouch leur droit , a propos de ce qui a etait publier a propos de dostour j`ai seulement des point d`exclamation je me souviens bien que dans cette derniere il y` avait quelque chose comme ca horiyat al mo3ta9ad = liberte de croiyance aussi a propos de tamazight une langue officielle mais al bayda9 diyal benkiran etait aller pour 2 ou 3 fois au palis specialement a monsieur le conseiller mo3tassim et lui y` demander de rectifier ou quelque chose de ce genre donc il` n`y a pas de fumer sans feu malgre ce qu`ils ont en train de faire pour camoufler la situation on sait qu`il y a des chose qui cloche meme ci ca m`interesse pas tous ceci donc monsieur goul al 3am zin o zid

  • mus
    الخميس 4 أبريل 2013 - 09:46

    لم تقع الثورة بعد
    المصدر او الجهة النافثة للخبر الحدث يعني ان النظام المتسلط ل زال قائما متحكما في الرقاب,و رغم ان الملك وهو ركن من النظام , يحاول التغيير ليس من اجل اسرته ولكن من اجل الشعب والوطن , فان اركان اخرى وبيدها وسائل السلطة والقمع لا زالت تتحكم
    وامام ضعف المكونات الشعبية للبلاد سيستمر الوضع السياسي المتردي وستستمر معاناة الشعب الى ان تحدث الثورة

  • ziad
    الخميس 4 أبريل 2013 - 10:39

    كل ماقلته صحيحا ،وأنت العارف، حتى حدود الفقرة(( مزاعم تدبير الداخلية لمؤتمراته وقرارات وتوجيهاته ))مع إزالة الأقواس عن الكلمات.
    اللجنة موجودة و الكواليس كذلك و انت من القائلين بأن الديموقراطية لم
    يحن وقتها بعد وأن دور الملكية أساسي وضامن للتوازن.
    ألم يحن الوقت لقول الحقائق يا أطلسي ؟

  • يونس
    الخميس 4 أبريل 2013 - 11:19

    مقال ذ سعود الأطلسي مكتوب بأسلوب متوسط ومع ذلك فإن الإيجابي في المقال هو كونه ابتعد عن شخصنة المشكل وربطه بمدير أخبار اليوم، ولم يغرقنا في ترداد جمل من قبل إن بوعشرين أصبح صاحب ملايين وملايير وحسابات في البنوك، ويتعشى ويتغذى في أفخم الفنادق.. ولعل هذا أمر يحسب للأستاذ سعود في هذا المقال..

  • نزع القريض
    الخميس 4 أبريل 2013 - 16:27

    نزع القريض اليك من لبنان كنزوع شادي الطير في الاغصان
    ومن الذي عند البيان وجزله يوم الثناء احق من عثمان
    اهدي له شعري ليعلى قدره وعقوده صيغت  من العقيان
    الشاعر الفطن الذي نفثانه فعلت  كفعل الراح في الاذهان
    فتن العقول برقه الشعر الذي يغنيك منه البيت عن ديوان
    القائد البطل الأغر المرتجى يوم الوغى لحماية الاوطان
    لا يختشي ريب المنون اذا التظى لهب المعامع والتقى الجيشان

    ابراهيم الاسود

  • عبد الله
    الخميس 4 أبريل 2013 - 19:04

    وتبارك الله عليك اسي اطلسي واعجبتني في اكدال بداك الشابو وسترن ولبسة أمريكن

  • المخزن حزب أطفال
    الجمعة 5 أبريل 2013 - 01:42

    نفترض ان في المغرب منظمة عتيقة متنفذة اقتصاديا ومؤسساتيا هي النواة الصلبة لما يسمى بالمخزن او الحزب السري او المغرب العميق نصبت نفسها وصية على المغرب وغيرها ديكور وشكليات اكيد ان تاريخ الكثير من الدول عرف وجود مثل هده الكيانات، وسنسميها بالماسونية المغربية ،ان وجدت فعلا فلهاادرع في كل المؤسسات اقتصادية،إدارية او حزبية وحتى في القصر وان تلك اللجينة التابعة لوزارة الداخلية من وحيها وأنها فاعل سياسي إلى جانب القصر والأحزاب والمواطنين وانها تدعم الأحزاب التي لا تهدد مصالحها ووجودها،وان الخبر تسريب ورسالة مشفرة للمغاربة مفادها ان الدستور الجديد صاغه الجميع بمن فيه الحزب السري ان لم يكن هو مهندسه ،وانه سلطة موازية للسلطة المدنية السياسية وانه مغاير للتماسيح والورود والعفاريت والمصابيح والكتب والحركة والاستقلال ،وانه جزء من الحل دائماً ولن يكون جزأ في أية ازمة ودائما ،فالأزمات هي لنا مواطنين وأحزاب والاستقرار والدوام للحزب السري،وهدا يعني ان الحزب السري يعلن انتصاره في حرب الدستور بل اكتر يتحدانا ويتشفى فينا ،فعلا هدا حزب يحب ان يبقى سريا لانه حزب أطفال.

  • خالد الصلعي
    السبت 6 أبريل 2013 - 11:26

    مع كامل الاحترام لكاتب المقال ،أو الرد ، أو التعقيب ، أو المساندة المطلقة للدائرة الضيقة التي تتحكم في مصير البلاد والعباد ، وللاختصار أوجه المعني بالأمر الى تذمر رئيس الحكومة منذ ترؤسه الحكومة من المحيط الملكي ، وتصريحه الشهير من كونه لن يتلقى الأوامر الا من الملك ، واياك أعني ياجارة كما ألمح ابن عربي منذ قرون .
    لا يتعلق الأمر بكشف اسرار باتت مطروحة في الطريق يعرفها المتتبع والعازف لسياسة دولة عملت نخبتها على ابعاد الشعب عن مواكبة ما يجري في وطنه ، ولعل اعتذار السيد رئيس الحكومة المشهور لتلك الدائرة بات من معلوم السياسة المغربية بالضرورة ، الى درجة ان قاموس السياسة بالمغرب أصبح يمتح مصطلحاته من معجم الشعوذة والسحر كعبارتي التماسيح والعفاريت ، وكأننا في ملحمة كليلة ودمنة ولسنا في واقع مغربي ، له مؤسسات دستورية وسياق سياسي ، وفاعلون لهم أسماء وصفات معلومة .
    لكننا ناسف رغم انتقادنا لمآلات اليساريين المغاربة الذين انحدرت درجاتهم ولم يعودوا يدافعون عن الديكتاتوريين الحكام والمستبدون منهم ، بل ها نحن نلفيهم اليوم يدافعون عن موظفين سامين …. ولنا عودة للموضوع لضيق الحيز

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 92

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 86

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة