مَشكلة الرفاهية

مَشكلة الرفاهية
الثلاثاء 28 ماي 2013 - 14:21

عندما يعجز المرء عن مواجهة عدوه المادي أو المعنوي يلجأ إلى بعض الأساليب في المراوغة والتخبط أقل ما يقال عنها أنها ساذجة، غبية، تبين قلة حيلته وسوء تقديره لحالته ولعدوه وللجمهور، فتراه يحاول، عبثا، أن يهرب إلى الأمام ليربح مسافات وهمية كسراب بقيعان يحسبه الظمآن ماء.

وعند محاصرته من كل جانب فإنه يستخدم تكتيك النعامة فيدفن رأسه بين الصخور(لأن رأسه أغلظ من أن يندس في التراب) لكي لا يواجه الكوارث المحيطة به من كل جانب نتيجة لما كسبت يداه.

هذا التنظير ينطبق تماما وبحذافيره على زعمائنا. وتفصيل ذلك أنهم لما عجزوا عن عصيان شياطينهم الجنية والإنسية التي تؤلبهم على شعوبهم وتهيجهم على التنافس في الفساد، فعجزوا بالتالي عن تقديم أي بريق أمل أو نقطة ضوء أو خطوة خير لشعوبهم، تراهم دخلوا متاهات لا سبيل إلى الخروج منها.

فتجدهم مرة يؤسسون اللجان والجمعيات والنوادي، ويشرعون القوانين والنظم، وينظمون المهرجانات والخطب إلى غير ذلك من الأنشطة “المؤسساتية” و”الإشعاعية” الخاصة بالمرأة. ومرة يقومون بمثل ذلك تماما لفائدة الطفل، وأخرى تجاه المعوق، وتالية تجاه المريض، وموالية تجاه السجين… وهكذا إلى أن يصلوا إلى الأنشطة الخاصة بالجرذان والذباب وما البراغيث عن ذلك ببعيد! وكأن كل تلك المكونات تعيش في جزر معزولة، كل على حدة “تتنعم” في مشاكلها و”تتبختر” في أحزانها و”تختال” في آلامها. مشاكل مستقلة منفصلة بعضها عن بعض.

أي هراء هذا؟ وأي استخفاف بالألباب؟

كيف يمكن تصور حل مشكل الطفل أو المعوق دون حل مشاكل أسرهما؟ كيف يمكن حل مشاكل المريض أو السجين دون النظر في البيئة الاجتماعية والمؤسساتية للمحيطين بهما؟

إن الناس يعيشون مندمجين في بوتقة واحدة، وحتى إن كان لهذه المشاكل فروع خاصة بفئة معنية، فإن تلك الفروع مترابطة مع الفروع الأخرى بحيث أن الحل يشملها جميعا إن كليا أو جزئيا، ومداواة أصل الداء ينتج عنه بالضرورة معافاة الفروع والأجزاء.

فالمجتمع هو مجتمع واحد، مشاكله بنيوية واحدة موحدة ، حلها واحد، بحلها تحل مشاكل جميع مكوناته، وبتجزيئها تتناسل وتتنامى وتتعقد. أما إذا كان الأمر يتعلق بالتقليد الأعمى، كما هو الشأن دائما وفي كل المجالات ، فإن أولئك المقلَّدين قد انطلقوا من الكل إلى الجزء، حيث أنهم حلوا كل مشاكلهم حتى إذا ظهرت مشاكل أخرى فئوية فرعية جانبية جديدة فإنها تكون محدودة من حيث الخطورة ومن حيث الامتداد، وبالتالي فيمكن اللجوء إلى عزلها وتأطيرها وتطويقها، لأن الأرضية والبنية صالحتان لذلك.

أما مسألة توسعهم المبالغ فيه في الاحتفاء بمكون خاص من مكونات المجتمع على اختلاف أهميته، حتى وإن وصل الأمر يوما إلى الشاذ جنيسا أو الخنزير البري، فذلك لأنهم وصلوا إلى مرحلة “مَشكلة الرفاهية”، وهي مرحلة متقدمة جدا في نظام البحث المضني عن المشاكل لتجاوز الفائض الرهيب -حد التضخم- المتجمع لديهم من الحلول العالقة دون مشاكل، والذي يكاد يلامس، من حيث الكم، الفائض الرهيب -حد التضخم أيضا- المتجمع لدينا من المشاكل العالقة دون حلول.

‫تعليقات الزوار

1
  • l'autre
    الثلاثاء 28 ماي 2013 - 21:17

    A good analysis, can be titled the fragmentation of human condition. That is a way of avoiding bigger questions the reason being power cannot stand the test of time and truth. Beyond politics there is only political gymnastics whereby people are tossed in different directions never being able to identify with the truth of their sad reality. We therefore waste time militating for women's, children's etc…rights when the fight for human rights is all it takes. Remains to ask if human rights is a concept conducive to peaceful and happy living or whether divine rights that transcend earthly desires are the way…..foreward

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات