انسحاب "الباطرونا".. خسارات بالجملة

انسحاب "الباطرونا"..  خسارات بالجملة
الجمعة 7 يونيو 2013 - 14:06

أفهم – ويفهم كثيرون- أنه لا إمكانية لحدوث إصلاح حقيقي دون إشراك رجال الأعمال والمستثمرين. لكن عندما تختار شريحة من هؤلاء الاصطفاف إلى جانب “المُعرقلين” تصبح لحظتها “تهديدا”، في وقت كان يُنتظر منها أن تكون “إمكانا” للحل والتغيير نحو الأفضل. هذا ما فعله الاتحاد العام لمقاولات بالمغرب عندما قاطع زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان ووفد رجال الأعمال المرافق له للمغرب قبل أيام، بذريعة عدم إخبارها وإشراكها في ترتيب الاجتماعات.

* تساؤلات

ما الذي جاء به بنكيران أو أقرته حكومته ليحمل الاتحاد على معاداته ومحاولة إحراجه مع ضيفه، سوى أن الرجل تتملكه رغبة في تكريس بيئة أعمال أكثر شفافية ونزاهة، ومناخ استثمار يمنح فرصا متكافئة للفاعلين في السوق، ويرفع من مستوى جاذبية رؤوس الأموال الأجنبية، وإطلاق رؤية جديدة للعلاقة مع الشركاء التجاريين تتجاوز الارتهان للاتحاد الاوروبي وربط المصير بفرنسا إلى البحث عن عمق استراتيجي جديد قد يكون في الشرق الأوسط أو في أميركا اللاتنية او آسيا أو في هذه المناطق جميعها؟ أليست هذه هي عناوين المطالب التي رفعتها نقابة “الباطرونا” في وجه الحكومات السابقة ولم يتحقق منها إلا النزر القليل أو يكاد؟

ثم ما الذي ساقته نقابة “الباطرونا” لتبرر مقاطعتها لزيارة رجب الطيب أردوغان ووفد رجال الأعمال الكبير المرافق له سوى أنها(أي الزيارة) تؤشر على قرب تقلص نفوذ الشركات الفرنسية التي ترتبط مصالحها برجالات النقابة، بالمقابل تفتح الباب أمام تشكل فضاء إنتاج وبيئة استثمار تتعدد فيها جنسيات رجال الأعمال ووجهات رؤوس الأموال، وتتنوع فيه ألوان البيض داخل السلات، مثلما هي الدعوة قائمة بضرورة تعدد اللغات لكسر هيمنة لغة الإفرنجة.

* الربح والخسارة

لندع الخلفيات السياسية التي حركت نقابة “الباطرونا” جانبا، ﻷن أمرها واضح مفضوح، ونخوض في موقف “الباطرونا” بمنطق الربح والخسارة .. ما الذي خسرته النقابة من مقاطعتها زيارة أردوغان? وما الذي ربحته من معاداتها لمشروع حكومة بنكيران؟

بدون كثير عناء يمكن تحديد مستويات الخسارة في ثلاث على الأقل.

الخسارة الأولى:

أن انسحاب نقابة الباطرونا قد ضيع على الشركات الفاعلة المنضوية تحت رايتها فرصة الجلوس واللقاء برجال أعمال يتمتعون بخبرة كبيرة لاتقل أهمية عن نظرائهم الأوروبيين والفرنسيين. وفوت عليها أيضا إمكانية التوقيع على شراكات بتنفيذ مشاريع في الداخل المغربي أو في أعماق دول أفريقيا جنوب الصحراء التي تعج بالفرص الاستثمارية الواعدة في قطاعات متعددة منها قطاعات البنية التحتية والخدمات ، هذا من جهة ومن جهة أخرى البحث في إمكانية تصريف المنتجات المغربية إلى السوق التركية ذات الـ82 مليون نسمة، والتي يتمتع فيها المستهلك بقوة شرائية تكبر سنة بعد أخرى حيث يتوقع للدخل الفردي هناك أن يبلغ 25 ألف دولار بحلول العام 2023، في وقت تعيش فيه الصادرات الوطنية الموجه للسوق الأوروبية انحسارا على خلفية تراجع حاد للطلب متاثرا باستمرار حالة الانكماش في اقتصاد دول منطقة اليورو( نمو سالب 0.6% العام الحالي)، مقابل أداء قوي للاقتصاد التركي ( نمو ايجابي ب4.5% بالمائة العام الحالي).

الخسارة الثانية

أن مقاطعة نقابة “الباطرونا” للاجتماع قد ضيع على الشركات المنتمية إليها أيضا إمكانية الحصول على صفقات وعقود شراكة مسنودة برعاية سياسية عليا من رئيسي حكومتي المغرب وتركيا، الأمر الذي يضفي عليها حماية ومصداقية أكبر ويجنبها تداعيات أي فشل في المستقبل. فتوقيع أية اتفاقية بين شركيتن مغربية وأخرى تركية بحضور ودعم بنكيران وأردوغان، يشكل ضمانة قانونية وحجية سياسية تساعد على إنفاذ هذه الاتفاقية وتدليل العقابات أمامها.

الخسارة الثالثة

أن نجاح الاجتماعات( ألف لقاء فردا لفرد) يشكل رسالة قوية لنقابة “الباطرونا” بكونها لم تعد الفاعل الوحيد واللاعب الأوحد على الساحة الاقتصادية المغربية، بل هناك تشكيلات مقاولاتية صاعدة بدأت تتجه نحو كسر منطق “الاحتكار” و”الوصاية ” الذي تمارسه نقابة “الباطرونا”. فتعاطي قطاع واسع من رجال الأعمال بإيجابية مع زيارة أردوغان وحرصهم على إنجاح الاجتماعات يؤشر على أن هناك مستثمرين جدد وآخرين قدامى لكنهم اكتووا بنار الإقصاء والتهميش وغياب العدالة الاقتصادية يرغبون في دعم مسلسل الإصلاح الذي تقوده حكومة بنكيران، لأن من شأن هذا المسار أن يعزز فرصهم في المنافسة الشريفة، والعمل في بيئة استثمارية أكثر شفافية. فكما لكل مرحلة رجالاتها فإن لكل إصلاح اقتصادي وتجاري مقاوليه ومنتجيه وفعاليه التجاريين.

بجانب ذلك كله فقد أعلن رجب طيب اردوغان خلال الزيارة عن قرب زيارة الملك لتركيا ، وهو ما يشي بتحول استراتيجي في العلاقة بين البلدين نحو مزيد من التعاون والشراكة. زيارة لم يكن لنقابة الباطرونا شرف سماعها مباشرة، ولن يكون لها الجراة في مقاطعتها هي الأخرى.

وبرغم كل هذا فقد اعتذر بنكيران لنقابة الباطرونا عما حصل واصفا موقفها بـ ” السليم” ، ليؤكد حسن نيته ورغبته في التعامل مع كل الشركاء ضمن رؤية تجميعية تستثمر قدرات كافة مكونات النسيج الاقتصادي الوطني، بل وحرصه على اعتبار اتحاد مقاولات المغرب المخاطب الرسمي للحكوم في الوقت الحالي، أفلا يستحق الرجل التقدير والاحترام بدل المقاطعة؟

‫تعليقات الزوار

9
  • khalido
    الجمعة 7 يونيو 2013 - 15:21

    desolé monsieur ardogan je pense que nos patrons ont des allegiance indefectible pour la france et il veulent que nous restons toujours sous la bienveillance de la france

  • amazigh-darmstadt
    الجمعة 7 يونيو 2013 - 15:22

    لو كان الوفد اسرائيليا لتسابقوا للقائه. حتى ولو لم يقاطعوا فهم لن يفيدون الشعب في شيئ اللهم امتصاص دماء المغلوبين على امرهم.
    اعتقد ان الحكومة ليست بهذه السذاجة حتى تترك الساحة لهؤلاء المتعجرفون ليحرجوها مع الاتراك.
    لكن ما يدعو للاستغراب هو تحالف الجميع ضد هذه الحكومة وهذا يذكرني بالحصار الذي ضرب على غزة عندما فازت حماس بالانتخابات.

  • hicham
    الجمعة 7 يونيو 2013 - 15:33

    تحليل جيد ومنطقي لكنك ربما تجاهلت عن قصد النقطة الاساسية لغياب الباطرونا وهي ان الاوامر جاءت من المخزن او من القصر او حاشيته او التماسيح ….
    باطرونا مصلحتها في استمرار الريع والفساد مع استثناء الشرفاء منهم

  • نحتاج لوضوح الأفكار
    الجمعة 7 يونيو 2013 - 16:16

    -الوضوح في التعبير
    -تجنب التعقيد اللغوي
    -منطق سليم للاقناع
    هذا يساعد عقولنا على بناء فكر سياسي سليم
    (تحية لصاحب المقال)
    ->ربما هناك معطيات لم تدرجها ضمن تحليلك

  • حكومة
    الجمعة 7 يونيو 2013 - 20:47

    يجب على الحكومة استغلال وجود المسؤولية بين أيديها و العمل على تأديب الباطرونا بشكل معقلن لجعلها و حثها على أن تكون وطنية المصلحة مائة بالمائة

  • لماذا؟
    السبت 8 يونيو 2013 - 14:08

    من فرط حبهم للمصلحة العامة فعلوا .فلو كان بالامكان استعمال أجهزة كشف الكذب مع هؤلاء لربما أدركنا الحقيقة

  • abdou9999
    السبت 8 يونيو 2013 - 18:48

    عصابة الباطرونا الاصلاح يزعجها كما يزعجز الكثيرين ممن استولوا على خيرات هدا الشعب المغلوب على امره فهم يحاولون بشتى الوسائل اقاف عجتله
    ولكن هيهات هيهات الشعب عاق بالجميع ماعليكم الا تشدو الطريق الصحيح لان
    زمن التضبيع قد ولى والاستبداد لم يعد له مكان بعد البوعزيزي.

  • احمد
    السبت 8 يونيو 2013 - 20:59

    باختصار
    رجال الأعمال عاقبوا المغاربة على انتخابهم حزب العدالة و التنمية

  • معلق
    الأحد 9 يونيو 2013 - 03:06

    مثل صيني يقول الفساد في السمكة يبدأ من الرأس

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين