أضحى الّتداني بديلا عن تنائينا .. !

أضحى الّتداني بديلا عن تنائينا .. !
الثلاثاء 16 يوليوز 2013 - 13:55

تيمّنا وإستبشارا بما نأمله، ونرجوه للعلاقات المغربية الإسبانية من تقارب ، وتفاهم،وتعايش، وتدان، وزيادة تعميق وتوثيق عرى الصداقة، وأواصرالمودّة، بمناسبة الزّيارة الرّسمية التي يقوم بها العاهل الإسباني خوان كارلوس الأوّل لبلادنا (إبتداء من يوم الإثنين 15يوليو 2013) . نستأذن إبن زيدون فى قلب معنى صدر البّيت الأوّل،وعجزه من نونيته الذائعة الصّيت التي يخاطب فيها خليلته ولاّدة بنت المستكفي، لنملّي، ونناغي أنفسنا ونقول :( أضحى التداني بديلا عن تنائينا * * * وناب عن مضض التجافي تلاقينا.. !) .

التفاهم والتعايش والتداني

لقد أصبح التعاون والتفاهم والتعايش والتداني بين البلدين الجارين المغرب وإسبانيا أمرا محتوما لا مندوحة لهما عنه،كما أصبح التغلّب على المشاكل، وتسوية الخلافات، وتجاوزالأزمات، وتذليل العراقيل والصّعاب أمرا لا مناص لهما منه كذلك.إنّ المغرب واسبانيا بحكم الموقع الذي فرضته عليهما الجغرافيا، والمصير الذي هيّأه لهما التاريخ، والماضي الذي تقاسماه، وأقاما دعائمه ورونقه معا ، والثقافةالمشتركة التي نسجا خيوطها سويّا، وانصهرا في بوتقة حضارة واحدة متألقة، كلّ ذلك يجعل منهما بلدين محكوم عليهما بالتفاهم والتقارب وزيادة تمتين عرى الصّداقة وأواصر المودّة، في هذه المرحلة الجديدة من علاقاتهما الثنائية ، ينبغي لهما النظر الى ماضيهما القريب بنظرة واقعية براغماتية، بل يجب عليهما طيّ صفحة المواجهات، ونبذ العقد والأحقاد، وإقصاء الضغائن والمنابذات ، ومحو الرواسب السلبية التي ما زالت عالقة على جدران ذاكرتيهما الجماعية وتاريخيهما االقريب والبعيد،واستخراج ونشر العناصر الصّالحة والإيجابية لموروثهما الحضاري والتاريخي، والثقافي واللغوي، وبداية عهد جديد تذوب فيه ومعه الخلافات، وتقلّص فيه المسافات، في عصر أصبحت تنشأ فيه التكتّلات والتجمّعات الإقتصادية، والسياسية، والثقافية، والإنسانية بين الدّول، وتتبلور بشكل لم يسبق له مثيل وذلك بهدف خلق مفهوم “عولمي” جديد في مختلف ميادين الحياة ومرافقها المعاصرة .

عاهلا البلدين يدركان هذا جيّدا ، كما أنّ هذا الإقتناع، وهذه البداهة لا يغيبان ولا ريب عن مختلف المحللين، والسياسيّين، والكتّاب، والمتتبّعين لمسار العلاقات بين البلدين وتطوّرها،وتذبذبها بين أخذ وردّ ،ومدّ وجزر، وصعود وركود ،ورتق وفتق.

التطوّر والتحوّل الهائلان ، الذين أصبح يعرفهما المغرب في الوقت الرّاهن في مختلف المجالات بعد إستكمال مؤسّساته الديموقراطية بإقرار دستور جديد، وإقامة اصلاحات واسعة وجذرية في مختلف الميادين السياسية، والإقتصادية،

والإجتماعية، والعلمية وفي مجال حقوق الإنسان وصون كرامته (مع التعثّرات وبعض العراقيل التي ما فتئت تشهدها الساحة السياسية المغربية فى هذه المجالات جميعها) ، كلّ ذلك كفيل بأن يتوق ليسير بخطى حثيثة وثابتة رويدا رويدا ليتبوّأ مكانه الحقيقي بين مصافّ الامم كبلد عصري حديث ، مع تشبّثه بقيمه، ومبادئه، وثوابته االأصيلة، وماضيه العتيد.

زمن الزّهو الإستعماري قد ولىّ

إنّ وضع التجافي والتباعد الذي يطبع العلاقات المغربية الأسبانية منذ أعقاد خلت ، بين الفينة والأخرى،يرجع في الأساس الي موروثات تاريخية، وعوامل عدّة لا تخفى على أحد في الضفتين المتجاورتين المطلتين الواحدة على الأخرى ،لقد آن لجيراننا أن يعرفوا ويتيقنوا أنّ زمن ” السّاحل خال من المغاربة” (No hay moros en la costa ) كناية على مثل دارج عندهم كثيرا ما تلوكه ألسنة الإسبان يفيد بعدم وجود الخطر على السّواحل قد ولّى ، فالعقليات قد تبدّلت ، والأجيال الحاضرة قد إرتقت سلاليم الوعي والإنفتاح والتعايش، وقبول الآخر واستيعاب التنوّع الثقافي والهويّاتي ، والتعدّد العرقي والإثني أصبح أمرا واقعا في مختلف أصقاع وبقاع المعمور.

ينبغي علي جيراننا التحلّي بروح العصر، والنظر الى الأمور بواقعية وتبصّر وحكمة، فزمن الزّهو الإستعماري قد إنصرم بلا رجعة ، ينبغي لهم قبول النزاعات ومعالجتها بجرأة، هذه النزاعات التي فرضت على البلدين قهرا وقسرا في زمن لم تكن مفاهيم السيادة و الحرية والإنعتاق قد تبلورت، والنظرة الشوفينية الضيّقة لم تعد تجرّ على البلدين سوى التعنّت والعناد، وجيراننا الإسبان مشهورون بالعناد، ولهم فيه اليد الطولى، والباع الطويل، وهو ما يطلق عليه سكّان الرّيف (الذين يعرفون الإسبان جيّدا.. ! ) “تاغنّنت” ، فحتّى “هتلر”شهد لهم بذلك، فقد أبى وامتنع ذات مرّة في أن يلتقي من جديد ب “الجنرال فرانكو”بعد لقائه الأوّل به خلال الحرب الكونية الثانية، حيث قال قولته الشهيرة في هذا القبيل:”أفضّل أن ينزع لي ضرس بدون بنج على أن ألتقي ثانية بهذا الرجل.. !.”

إنّ وضعية العلاقات المغربية الاسبانية فى الوقت الرّاهن تدعونا وتحذونا الى معاودة إلقاء نظرة تأملية متأنية، وإعمال النظر في بعض القضايا الهامة في المرحلة الحسّاسة من تاريخ هذه العلاقات، وما واكبها من أحداث وطنية ودولية وجهوية لابدّ أن يكون لها ولا شك تأثير على رسم مسارها، وتحديد معالمها حتّى تصل إلى ما هي عليه الآن. طموح وتطلّع البلدين في تطوير هذه العلاقات والرقيّ بها الى أعلى المستويات لا يتوقّف باعتبارهما بلدين جارين متعانقين جغرافيا،آخى بينهما التاريخ، وانصهرا في بوتقة إشعاع حضاريّ فريد في بابه في تاريخ الشعوب، يرسم مصيرهما التعاون الوثيق الذي لا محيد لهما عنه، ومن ثمّ تلك القولة المشهورة والمأثورة: إنّ المغرب وإسبانيا .. بلدان محكوم عليهما بالتفاهم.. !.

انّ عامّة الناس، وصفوة المثقفين فى كلا جانبي المضيق لا يلبثان من تكرار هذا التعبير المتداول ،فعلى الرّغم من انّ هذه الصّيغة مضبوطة وصادقة إلاّ انّها مع ذلك لا ينبغي ان تشطّ بنا بعيدا فالصداقة بين البلدين لا يمكنها ان تترعرع في ظلّ أو شكل حكم مفروض بواسطة قدرية جغرافية، بل لابدّ لنا ان نخطو خطوات أخرى الى الأمام بعزم وإرادة ،انّ كلا من القطاعات الاقتصادية والسياحية،والمبادلات التجارية، ومخططات التعاون والمشاريع الصناعية المشتركة الخ، لابد أن يواكبها تبادل ثقافي خصب ومكثف يزيد بلداننا تعارفا وتقاربا أكثرمن ذي قبل ،لابد ّمن إقامة مزيد من المودّة بيننا، ومن توفير الاحترام المتبادل بين البلدين.

دور المثقّفين المغاربة والإسبان

إضطلعت ثلّة من المثقفين المغاربة والإسبان فى الأعقاد الأخيرة بدورطلائعي فى تطوير وتفعيل وتقوية العلاقات الإسبانية المغربية ، فمنذ أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم نشرت مجموعة من المثقفين، والكتّاب، والادباء، والمفكّرين المغاربة والإسبان- بمبادرة خاصّة منهم- بيانا صحافيا جريئا فى إحدى الصّحف الإسبانية الكبرى الواسعة الإنتشار، وفى بعض وسائل الإعلام الاخرى حيث طالبوا بضرورة تحريك وتفعيل العلاقات الإسبانية المغربية على مختلف المستويات ، وقد وقّع على هذا البيان 40 مثقفا من المغرب، و46 مثقفا من إسبانيا.من الموقّعين المغاربة : المهدي بنونة، محّمّد شقور،محمّد شبعة،لسان الدين داود،عبد الكريم غلاب، محمد بن عيسى،مصطفى اليزناسني،محمّد العربي الخطّابي، محمّد محمّد الخطّابي ،عبد الكبير الخطيبي،عبد الله العروي، محمّد اليازغي ، محمّد المليحي،محمّد العربي المساري،سيمون ليفي، محمّد الصبّاغ،علي يعته..إلخ.

ونذكر من الإسبان: خوان غويتيسولو ،فرناندو أرّابل، بيدرو مونطافيث،خورخي سينبرون،فاثكيث مونطالبان، فيكتور موراليس،وآخرين.

وقد طالب هذا البيان بضرورة إعطاء نفس جديد للعلاقات الثنائية بين البلدين ، وإذكاء روح التعاون والتفاهم والحوار بينهما فى مختلف المجالات السياسية، واالإقتصادية، والثقافية، والإجتماعية، والإنسانية..إلخ.

وقد أفضت هذه البادرة المبكّرة فى ذلك الإبّان إلى تأسيس ” جمعية المثقفين الإسبان والمغاربة”التي نظمت فى البلدين ندوات وطاولات مستديرة دورية هامة حول مختلف اوجه التعاون الثقافي، والأدبي، والعلمي، والتاريخي وسواه بين البلدين.

كما أسّست بعد ذلك” لجنة إبن رشد”التي تضمّ هي الاخرى نخبة من كبار المثقفين والأدباء والمفكرين، والشخصيات السياسية والإعلامية فى كلّ من إسبانيا والمغرب، والتي عقدت غير قليل من الإجتماعات والندوات فى البلدين لتسليط الاضواء على العديد من المواضيع والقضايا الحيوية التي تحظى باهتمام الطرفين سواء فيما يخصّ تاريخهما الحافل، وحاضرهما الواعد، ومستقبلهما المشترك.

هذا فضلا عن تأسيس العديد من الجمعيات الإسبانية المغربية سواء فى المغرب أو إسبانيا ذات الصّبغة الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والعلمية والفنية التي اصبح عددها يتنامى يوما بعد يوم، والتي تعمل هي الأخرى على تقريب الهوّة بين البلدين والتعريف بطاقاتهما الخلاقة لتأكيد مزيد من التفاهم والتعايش بينهما فى مختلف الميادين ، وفى مقدّمة هذه الجمعيات النشيطة ” جمعية الصّحافيين، المغاربة الناطقين باللغة الإسبانية” التي تضمّ نخبة هامة من مثقفينا اللامعين الذين لهم باع طويل، ودراية واسعة بلغة سيرفانطيس وآدابها وثقافتها،إلاّ أنّ هذه الجمعية وسواها تصطدم دائما بعثرة قلّة ذات اليد، وندرة الإمكانيات المادية وضآلتها إن لم نقل إنعدامها.

وفى نفس الإتجاه ودعما وترسيخا لهذه الجهود كان قٌد أعلن فى المغرب منذ بضع سنوات كذلك عن تأسيس ” مندى الحوار المغربي الإسباني”بمبادرة من جماعة من المثقفين ورجال الاعمال والسياسة المغاربة ، وكانت هذه البادرة قد جاءت لتؤكّد فى بلاغها: “تعبيرا عن إقتناعها الرّاسخ بأهمية العلاقات بين بلدين جارين، وضرورة تطويرها وتنويعها ، يربطهما التاريخ والجغرافية، بما يساهم فى إعداد هذه العلاقات لولوج عهد جديد، موسوم بطابع التعاون الشامل فى مختلف المجالات ، وذلك بإقامة وإرساء قواعد ثابتة ودائمة للحوار والتفاهم والتعايش بين الطرفين،ولكن ّ ووأسفاه.. بعض هذه الجمعيات إندثرت، وإمّحت، وتلاشت،وشلّت، وذهبت أدراج الريّاح.. !

الصّراع ضدّ الجّهل

العاهل الاسباني خوان كارلوس الأوّل خلال إحدى زياراته السّابقة الرّسمية للمغرب كان قد قال:” انه من الضروري أن نتعارف أكثر فيما بيننا،فما أفدح الجهل المتفشّي فينا، ينبغي أن نمحي من رؤانا المشتركة جميع الصّورالمشوّهة، والأفكار المسبقة الخاطئة، كما ينبغي أن نقصي عنّا جميع الرواسب، وأن نقضي على بعض التأويلات التي تحول دون تعرفنا ونطردها من أذهاننا،أظن أنّ اسبانيا والمغرب ليسا ورثة القليل، ولقد طبعت فكرهما معرفة عامة كجارين عاشا على امتداد التاريخ واحدا بجانب الآخر،ولقد فرّقهما الجهل أحيانا بشكل يجاوز كل حدّ”.

“انّ المهمّة الملقاة على عاتقنا لهي مهمة واسعة ومتشعبة،إذ ينبغي على اسبانيا ان تعمل على إعادة نشر لغتها وثقافتها في مجموع منطقة شمال افرقيا ،ففي الوقت الذي تفتح فيه للثقافة واللغة الفرنسية في البوتقة المغربية مجالات واسعة، فانه ينبغي على اسبانيا ان تسير في نفس التيار، وتعمل على نشركتبها هناك، وإيفاد الأساتذة والمحاضرين، وإقامة جولات مسرحية ، وتنظيم عروض سينمائية، وعلى المغرب من جانب آخر أن يقوّي حضوره الثقافي باسبانيا ،وتبيان الصورةالحقيقية للثقافة المغربية الغنية للرّأي العام الاسباني بنشر أعمال كتّابه وفنّانيه وفولكلوره الثريّ،كما انه على الأوساط الثقافية الاسبانية ان تجري حوارا مستمرا ودائما مع النخبة المثقفة المغربية ودعم كفاحها من أجل مغرب قويّ وعادل وديموقراطي”،على حد ّ تعبير الكاتب الإسباني المعروف المقيم بمراكش خوان غويتيسولو **.

حضور دبلوماسي مغربي على إمتداد التاريخ

انّه لمن الواضح انّ الإرث التاريخي والثقافي والحضاري المشترك لكلّ من المغرب وإسبانيا يعتبر أرضية صلبة، وحقلا خصبا جعلا هاذين البلدين ينفردان بخصوصيّات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى ، ممّا أفضي الى خلق نوع من الاستمرارية الدائمة والمتواصلة في علاقات البلدين منذ الوجود الاسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية،وبإسبانيا على وجه الخصوص، ونزوح الموريسكييّن عنها، ثم منذ القرن السابع عشر عندما بدأ التبادل الدبلوماسي الفعلي بين البلدين بشكل انفرد به المغرب، وكان له قصب السّبق بالنسبة لباقي البلدان العربية والاسلامية، بل وبالنسبة حتى لكثير من بلدان العالم الأخرى حيث كانت البعثات الدبلوماسية، والرّحلات المغربية هي البعثات الوحيدة التي زارت ، وإستقرّت باسبانيا منذ وقت مبكّر بدءا أو إنطلاقا من بعثة ابن عبد الوهّاب الغسّاني سفير السلطان المولى إسماعيل خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1691-1690)، ومرورابالزياني(1758)، وأحمدالمهدي الغزال(1766)، وابن عثمان المكناسي(1779)، والكردودي(1885) الخ.

هذه الاتصالات المبكّرة والمتواصلة الحلقات بين المغرب واسبانيا خلقت نوعا من الاستمرارية زادها العنصر الجغرافي القائم متانة وقوّة وتواصلا ،هذا فضلا عن العنصر الحضاري والثقافي الذي يعدّ عنصرا فريدا في بابه كذلك في تاريخ الأمم ،كلّ هذه العوامل، والخاصّيات ميّزت علاقات البلدين على إمتداد الحقب والعهود باعتبارهما جارين متقاربين، ولعمري انّ هذا التقارب والتواصل والحوار الدائم القائم الذي لم ينقطع ، ولم يفتر قطّ عبر القرون، لهو خير رصيد وضمان لبناء مستقبل واعد حافل بالآمال والتطلعات والعطاءات.

عناق الجغرافيا والتاريخ

إنّ إسبانيا تمرّ اليوم بظروف صعبة ومعقّدة وبقدر ما يكون المغرب فى حاجة إليها، فهي محتاجة إليه كذلك أكثر من أيّ وقت مضى، إنّ الأزمات الخانقة المالية، والإقتصادية ،والإجتماعية ، والإنتكاسات الداخلية ، والحراك الجماهيري، والغضب الطلاّبي ،والخناق الشعبي على الحكومة الإسبانية بعد الإجراءات التقشفية المقتّرة، والمبالغ فيها التي إتخذتها مؤخرا فى مختلف القطاعات الحيوية فى البلاد (تربية، تعليم، صحّة، ونظام المعاشات ..إلخ) ممّا اثّر على مستوى العيش فى إسبانيا، وخلّف إستياء واسعا وتذمّرا كبيرا لدى مختلف الشرائح الإجتماعية الإسبانية على إختلافها ، فضلا عن معضلة تفاقم البطالة وتفشّيها التي ضربت رقما قياسيّا( فاقت الستّة ملايين عاطل) خاصّة بين الشباب الإسباني الذي أصبح يقال في حقه مؤخّراعلى سبيل الدعابة والمزاح: أنّه لم يعد أمامه في اسبانيا من حّلّ أو منفذ لمعضلته – فى خضمّ آفة البطالة التي أضحى يتخبّط فيها – سوى ثلاثة مخارج لا غير وهي : البحر، والبر،ّ والجوّ ( أيّ الهجرة بحثا عن الرّزق والقوت اليومي فى أرض الله الواسعة بحرا وبرّا وجوّا.. !) ،وإنعكاس كلّ ذلك سلبا على الجاليات العربية، والإسلامية ، والاجنبية الاخرى المقيمة فى هذا البلد، فضلا عن حاجة إسبانيا إلى زيادة تقوية وتعزيز وتوسيع إستثماراتها فى المغرب خاصّة بعد أن أصبحت تحتل اليوم المرتبة الثانية فيها بعد فرنسا في هذا المجال، والأولى فى المبادلات التجارية على صعيد الواردات والصّادرات بين البلدين. . يضاف إلى المشاكل والقلاقل التي تعاني منها إسبانيا اليوم ،مطالب الإنفصالية لجهة كاتالونيا ، ناهيك عن معضلة “بلد الباسك”، وتلويح مناطق وجهات إسبانية أخرى برغبتها وتطلعها للسّير فى نفس هذا الإتّجاه كذلك ،فضلا عن إهتزاز شعبية العاهل الإسباني داخل بلده إسبانيا التي أصبحت تبعث على الحيرة والقلق والإرتياب،ومطالبة بعض الفئات الإسبانية المتطرّفة له بالتنازل عن العرش لنجله وليّ العهد الامير فيليبّي ،

ووصولا إلى تجاوزات وفضائح الفساد التي طالت الحزب اليميني الحاكم (الحزب الشعبي) والتي مسّت مباشرة مؤخّرا جهازه المالي والإداري ، وبعض أعضائه ، و زعيم الحزب رئيس الحكومة ماريانو راخوي نفسه. فضلاعن إتّهامات بفضائح مالية، وإنتهاكات إختلاسية وضريبية خطيرة لحقت ببعض أفراد الأسرة المالكة الإسبانية ، سواء تلك التي لها صلة بصهرالعاهل الإسباني “إنياكي أوردانغارين” أوزوجة هذا الأخير الأميرة”كريستينا”حتى وإن أخلي سبيلها من بعض التّهم التي وجّهت إليها من قبل من باب الخطأ. كلّ ذلك وسواه يزيد من وجع دماغ (إسبانيا والإسبان) الشّئ الذي يجعل هذا البلد الجار فى موقف لا يحسد عليه.

زيارة العاهل الإسباني للمغرب مناسبة لتحقيق الآمال، وبلوغ الغايات التي يتوق إليها البلدان، ممّا يجعل من البيت الاوّل من نونية إبن زيدون، ينقلب معناه ويأخذ مجراه الصّحيح فى سياق الزّمن، ليس بين هذا الشاعر العاشق الولهان وخليلته الشاعرة المتألّقة ولاّدة، بل بين هذين البلدين الجارين المتعانقين جغرافيا، اللذين آخى بينهما التاريخ، فيغدو التداني بالتالي بينهما، بديلا عن التنائي، وينوب عن مرارة التباعد والتجافي، طيب التفاهم ، والتلاقي… !

*كاتب، وسفير مغربي سابق.

**النصوص الإسبانية العائدة للعاهل الإسباني، و الكاتب غويتيسولو من ترجمة كاتب هذه السطور .

‫تعليقات الزوار

2
  • مراد نحيلة
    الأربعاء 17 يوليوز 2013 - 04:06

    سأل الإمام الشافعي يونس بن عبد الأعلى: "هل دخلت بغداد"؟ فأجابه: لا، فبادره الإمام الشافعي: "لم تر الدنيا إذن"!! …
    خُطّت المدينة بالرماد أولاً، وصُنِعت على تلك الخطوط كرات من القطن، وصبّ عليها النفط وأشعِلت لتبرز بشكل واضح، ثم بدئ بحفر الأساسات وضرب اللبن، وشوي الآجر، ووضع أبو جعفر المنصور بنفسه أول لبنة في البناء وهو يردد: "بسم الله والحمد لله والأرض لله يورّثها لمن يشاء من عباده والعاقبة للمتقين".
    يقول قاءل ما المعنى نقول وسط الضحك كاين ليفادة فقط اما طيريري طلع ف.
    المهم هموم الشاب المبدع مقدسة عكس الكهل مدنسة.

  • مبارك
    الأربعاء 17 يوليوز 2013 - 12:16

    أنتهز فرصة قراءة هذا المقال لأعبر لكاتبه السيد محمد الخطابي عن الإحترام و التقدير الذين أكنهما له أولا كشخص و كإنسان يتميز بالعديد من الخصال الحميدة و التي أصبحت ناذرة جدا، و ثانيا كمثقف و كرئيس عملت إلى جانبه و تحت إمرته و كانت مناسبة كبيرة بالنسبة لي للإستفادة منه و من تجربته . تحية أخوية صادقة للسيد الخطابي. و هي مناسبة أيضا لأقول له بأني من القراء المداومين بنهم لمقالاته.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين