الديمقراطية بين التجزيئية والشمولية

الديمقراطية بين التجزيئية والشمولية
السبت 20 يوليوز 2013 - 00:20

النظام الديمقراطي هو نظام يعتمد أساسا على الإرادة الشعبية في الحكم، أو على حد التعبير المتداول أن الشعب أو الأمة تحكم نفسها بنفسها، فتصير بذلك مصدر ومرجع الحكم، وذلك بناء على وجود انتخابات حرة ونزيهة وعادلة. فالنظام الديمقراطي يمكن الأغلبية من الحكم، كما يمكن الأقلية من حرية النقد والمعارضة والمراقبة لكل الأعمال التي تصدر عن الأغلبية في إطار حكومي.

والحق ـ إن صلحت النوايا وحسنت السرائرـ أن هناك تكاملا بين الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة، لأنه مهما تكن هذه الأغلبية من الكفاءة والقدرة والمهارة فلا ريب أنها ستقع في التقصير أو الضعف أو الشطط، بحكم طبيعتها البشرية. فهي في حاجة إلى من ينتقدها وينبهها ويصوبها ويستدرك عليها. فهذا التكامل هو الذي يسهم في التطور العمراني والبناء الحضاري.

ولكن عندنا في الدول المتخلفة والتي لازالت ترزأ تحت وطأة الاستبداد السياسي بكل تجلياته ومظاهره، تصبح الديمقراطية ذات بعد إقصائي، وأحادي تجزيئي، إذ تعمل فيه الأغلبية المستولية على الحكم عن طريق التزوير والغش واستعمال المال الحرام، على محاربة المعارضة والتضييق عليها وتكميم أفواهها، وشراء بعض رموزها بالإغداق عليها من المناصب وغيرها، حتى تصير في معظم الأحيان معارضة شكلية المظهر والمخبر.

كما تتخذ فيه المعارضة أسلوبا خداعيا في المواجهة للأغلبية، من غير استناد إلى دعائم سليمة، ولا حجج وبراهين متينة، فتصبح بذلك متخصصة في فن الكذب والاختلاق و الحيل الملتوية، والعزف على وتر الذود عن مصالح الشعب، وأنى لها ذلك؟

ولما هبت رياح الربيع العربي، وكان ما كان من أمره، الذي لم يخطر بالحسبان، إذ لأول مرة تعيش وتشهد بعض الدول العربية التي استجابت للتغيير انتخابات حرة ونزيهة، كان من نتائجها صعود قوة جديدة وحية ونامية، كان لها دور بارز ومهم جدا في تغيير بعض الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية، ألا وهي قوة الحركات الإسلامية، طبعا لا يجحد دور بعض التيارات الأخرى سواء كانت يمينية أو يسارية. لكن هذه المرة قف شعر العلمانيين وأزبدوا وأرغدوا وثارت ثائرتهم من أن تكون للإسلاميين الصدارة، والحظوة الشعبية، التي على إثرها تبوؤوا مسؤولية التكليف، لا مناصب التشريف.

هنا لم يعد مفهوم الديمقراطية كما هو معروف ومتداول، وكما سبقت الإشارة إليه، ذلك المفهوم الذي يحتكم إلى الإرادة الشعبية، ويفرز قطبين أساسيين في النظام الديموقراطي: أغلبية حاكمة، وأقلية معارضة، وإنما حسب التصور العلماني يعني شيئا واحدا ومحددا، وهو إقصاء الإسلاميين، والتنكر لكل ما هو إسلامي، فتصير المعادلة على الشكل الآتي: الديمقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه من غير وجود الإسلاميين. بمعنى آخر أن المفهوم التجزيئي الذي أتى به العلمانيون للديمقراطية يعني مخالفة الإرادة الشعبية التي كانت من وراء تصدر الإسلاميين في الانتخابات.

ولم يقف الاتجاه العلماني عند هذا الحد، بل بدأ يخطط ويدبر بالليل والنهار للانقلاب على الديمقراطية والاستنكاف لمبادئها وسبلها، التي أصبحت تأتي بما ليس بمرغوب فيه، وهو القوة الإسلامية النامية والمتصاعدة. فكان من ذلك أن تحالفت العلمانية مع العسكريين في مصر، فانقلبوا على الرئيس الشرعي الذي أتى عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، عبرت عنها إرادة الشعب المصري لأول مرة في تاريخ مصر الحديث. فهذه هي الديموقراطية العلمانية في أبهى صورها، وأرقى مظاهرها، حين تتنكر لكل القيم الأخلاقية والكونية، وحين تدوس بحوافرها وأظلافها الإرادة الشعبية. وقس على ذلك باقي التجارب سواء في تونس أو المغرب فسوف يظهر لك أيها القاريء الكريم مدى زيف الديمقراطية العلمانية التي منذ فجر الاستقلال وهي تشنف الأسماع بالألفاظ الطنانة والمنمقة حول النزاهة والحرية والكرامة والعدل، وتلصق تهما كبيرة لخصومها بكونهم ليسوا ديموقراطيين، وسوف ترى بأم عينيك أنها أقوال جوفاء، وهراء.

فإذا كان الإسلاميون قد قبلوا بالديموقراطية، طبعا بعد نقاشات وحوارات طويلة الذيل، وارتضوها فيصلا لاختيار مسؤوليهم، فهل الديمقراطية العلمانية تسعهم، وتقبل بهم؟ فهذا في تقديري هو السؤال المنهجي الدقيق، وطبعا على العلمانيين أن يجيبوا عنه من غير تلكأ، ولا لف ولا دوران.

ومن الإنصاف والعدل فإن كلامي هذا خرج مخرج الغالب، وإلا فهناك من العلمانيين من لم يرتض الاتجاه العلماني المتبني للديموقراطية التجزيئية. كما أن هناك من الإسلاميين وهم قلة وبخاصة بعض السلفيين، من ينكر الديمقراطية. ومهما يكن من أمر فإنني أقيد في خاتمة هذا المقال أن هناك نوعين من الديموقراطية: الديمقراطية التجزيئية، والديموقراطية الشمولية.

فالأولى أحادية التوجه غير مستوعبة للتعددية ولا للتنوع المجتمعي، ولا مؤمنة إيمانا راسخا بشرعية القرارات التي تصدر عن الجماهير الشعبية ذات الأغلبية. والديمقراطية التي يؤمن بها التيار العلماني في الدول العربية ديمقراطية تجزيئية بكل امتياز، بحيث لا تقبل بأن يكون التيار الإسلامي له الريادة والقيادة في تسيير الشأن العام، أو تسيير دواليب الحكم، وهذا يؤول إلى المرجعية العقدية والفكرية التي تؤطر الفكر العلماني، وهو بناء خلفيته العقدية وتوجهه الفكري على العداء للدين وكل القيم الأخلاقية والإنسانية ذات الصلة بالدين وبخاصة الدين الإسلامي.

أما الديمقراطية الشمولية فهي ديمقراطية تسع جميع أطياف الشعب، بكل ألوانه وأشكاله، وبكل مظاهره الفكرية، وتوجهاته العقدية، فهي تعترف بالتعدد والتنوع، وتعمل من خلالهما. كما تقر مبدئيا بوجود المخالف، وتعطيه عطاء واجبا، لا تفضلا ولا امتنانا، الحق في النقد والمعارضة النزيهة والعادلة. “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ”

‫تعليقات الزوار

5
  • RedouaneK
    السبت 20 يوليوز 2013 - 09:33

    La démocratie n'est pas seulement une affaire de mécanismes, de procédures, de majorité, de minorité. Elle est par essence un ensemble de valeurs démocratiques, à savoir la tolérance, le droit à la différence, la pluralité des opinions; le respect de lavie privée et des choix individuelles et la suprématie de la loi positive. Si une force politique transgresse ces valeurs et principes elle ne serait pas digne de la démocratie. Les islamistes sont une force totalitaires qui veulent tt régenter selon la loi loi de la charia qui par essence une loi totalitaire. Donc forcément les gens qui refusent la limitation des libertés individuelles et droits fondamentaux vont réagir quitte à pacter avec le diable.

  • Youssef
    السبت 20 يوليوز 2013 - 14:08

    Dans le contexte de nos pays, il y a au moins 2 biais en faveur des partis islamistes. Le premier est l’utilisation de la religion dans les discours politiques, ce qui leur donne une certaine crédibilité d’office sans même le démontrer sur le terrain par des actes concrets. Le fait qu’ils parlent au nom d’Allah leur donne un avantage sur les autres car on sait le les gens sont très sensibles au discours religieux de par leur éducation et le fait que la religion prend une part importante dans la société ainsi que dans l’inconscient. D’ailleurs, les autres partis l’ont très bien compris et commencent à en abuser aussi. Le deuxième biais qui pour moi est le plus grave concerne le degré de compréhension des peuples du débat politique. Comment voulez-vous que les gens votent démocratiquement alors le taux d’alphabétisation dans nos pays est l’un des plus haut au monde. Au Maroc, il est officiellement de 30%. Cela veut dire qu’un tiers de la population vote sans savoir pour qui ni pourquoi.

  • مصطفى ادجو
    السبت 20 يوليوز 2013 - 14:43

    احسن تعبير للديموقراطية تعبير معمر القداف ا الدي نعتها بالديموحرامية اما الان لا توجد لا ديموقراطية ولا اشتراكية ولا علمانية الموجود هو الاستعمار المقنع بهذه الاقنعة الماسونية التي تدافع عن ايديولوجيتها الدينية المتمثلة في تهيئة العالم لخروج الدجال ولا افضل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال ويل للعرب من شر قد اقترب والاغرب من هذا هم حكام العرب الذين يدافعون عن الشرعية في سوريا ويدمرونها في مصر فهل للاستاذ العوام محمد تحليل جذري لدمقراطية هاؤلاء

  • Mustapha From Lux
    السبت 20 يوليوز 2013 - 14:45

    selon com N° 1 les islamistes gagnent par ce qu’ ils utilisent la religion.mais il oublie monsieur que les laïques utilisent la liberté pour gagner les votes
    Selon com N° 2.Nous n’avons pas besoin de démocratie.Puisque on a un taux de l’analphabétisme.alors il faut qu’ on reste toujours dirigé par la dictature jusqu’' au jours ou on a plus d’analphabétisme. en pensant que tous les gens éduqués votent pour les laïques.En niant que la plupart des votes viennent de la part de gens éduqués. et que nous sommes des musulmans et on peut pas accepter d'être dirigés par une politique qui n a rien a voir avec notre culture,tout à fait comme les occidentaux n’accepteront jamais d'être dirigés par une politique ou un système différent de leurs culture.Et vous pouvez imaginer ce qui se passera en occident dans le cas où le system islamique ou communiste règne.Nous sommes les seuls peuples dirigé par des systèmes différents de nos cultures par force et coups militaires en plus, leur seule solution

  • Youssef
    السبت 20 يوليوز 2013 - 15:27

    Concernant l’Egypte, à ma connaissance et avant que l’armée intervienne, il y a eu un mouvement populaire contre la politique de M. Morsi et l’armée n’a fait que suivre la population pour maintenir la stabilité du pays. Certes, M. Morsi a été élu « démocratiquement», mais de quelle démocratie parle-t-on? Qui a voté et dans quelles conditions ? Voir le commentaire ci-dessus concernant les biais de la démocratie dans nos pays

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة