رهــان الـتـشـغـيـل

رهــان الـتـشـغـيـل
السبت 2 نونبر 2013 - 09:39

يـتـوفر المغرب على إمكانات هائلة للتطور والإقلاع، في قطاعات عديدة ومجالات مختلفة، في الفلاحة والصناعة، وفي التجارة والخدمات : مقاولات كبرى منظمة ومهيكلة، وأخرى صغرى و متوسطة نشيطة ومبتكرة، إدارة حديثة وذات خبرة عالية، بنيات تحتية أساسية واستراتيجية ، أوراش كبرى مفتوحة عبر ربوع المملكة، موارد بشرية مؤهلة ومبدعة، ثقافة وحضارة، جغرافيا متنوعة وتاريخ مجيد وثرات عريق، أمن وسلام وصورة ناصعة للوطن في الخارج، أحزاب مسؤولة، ومؤسسات مدنية نشيطة و قيادة حكيمة.

لكن، ورغم كل هذه الإمكانات، فالبلاد تعاني، تشكو وتستجدي : معدل نمو ضعيف جدا، بطالة مستفحلة وفقر مدقع، ميزان تجاري مختل، عجز مزمن في الميزانية وفي الحسابات العمومية، غياب الثقة و فقدان الأمل ، شبابنا يضيع وشيوخنا لا يلتفت إليهم ونخبتنا تهاجر ومقاولاتنا نهمة جشعة، تستغل المستهلك وتقسو عليه، و تبتز الدولة وتقايضها باستمرار . لا تستثمر إلا وهي مستفيدة ولا تنتج إلا وهي رابحة ربحا مضمونا ولا تشغل إلا وهي محفزة ومدعومة .

وتتعاقب الحكومات وتتوالى البرامج والمخططات، وتتفاقم المشاكل والمعضلات، و التي نجد في مقدمتها البطالة. إنها ليست مجرد معضلة، وإنما هي نكبة ومصيبة ومأساة إنسانية، ذات تكلفة اجتماعية واقتصادية باهظة، لأنها تعطل النمو وتضعف التنافسية وتهدد الاستقرار وتحد من التنمية . لذلك يعتبر التعاطي معها والبحت عن الحلول الناجعة لها من أولى الأولويات اليوم، بالنسبة للدول والحكومات.

لقد جاء قانون المالية هذه السنة كعادته في السنوات الأخيرة بميزانية ضعيفة، وبإجراءات تقشفية، ومفتقدا لأي مشروع وطني نهضوي كبير، قد يسمح بالارتقاء بالاقتصاد الوطني ويمكن من خلق فرص شغل مهمة ومستدامة. كما جاء هذا القانون كذلك بأهداف عامة وفضفاضة وغير واقعية – لن يتذكرها أحد فيما بعد أو يسأل عنها أو عن مآلها ونسبة إنجازها – من قبيل مواصلة البناء المؤسساتي وتسريع الإصلاحات الهيكلية وتحفيز النمو وتعزيز آليات التضامن والتماسك الاجتماعي وتطوير الرأسمال البشري وإنعاش الشغل وتقليص معدل البطالة، ليصل إلى أقل من 8% في أفق 2016، وذلك من خلال ملائمة التكوين للتشغيل ودعم إحداث المقاولات.

فهل من الممكن تحقيق هذا الهدف في المدى المنظور؟

الجواب نعم ، لكن من خلال سياسة وطنية للتشغيل ، محددة و ممكنة ومستدامة ، تأخذ بعين الاعتبار العناصر

الاستراتيجية التالية :

– الاعتراف ابتدءا بصعوبة احتساب المؤشرات المرتبطة بالبطالة، بالدقة اللازمة، علما بأنه لا يمكن صياغة أو تنفيذ أي تصور أو خطة أو استراتيجيه من دون المعرفة الدقيقة لحجم وطبيعة المشكلة التي نسعى للتصدي لها.

– إن أي سياسة للتشغيل يجب أن تتضمن آليات عمل محددة وفاعلة وملزمة لجميع الشركاء المعنيين، من السياسيين والاقتصاديين والخبراء والمختصين.

– عدم التعويل كثيرا على الدولة و على القطاع العام عند سن أي سياسة للتشغيل، في وقت تتضاءل فيه المناصب المالية سنة بعد أخرى، مع تزايد عدد العاطلين، بفعل ارتفاع معدل النمو الديموغرافي وتطوير التعليم وارتفاع عدد الخريجين، علما بأن التشغيل الحكومي لا يعمل إلا على تكديس الآلاف من الموظفين في مؤسسات للدولة،هي متخنة أصـلا بالبطالة المقنعة ومن دون أي إنتاجية اقتصادية أو جدوى تنموية.

– لا يمكن طرح أي سياسة للتشغيل من دون الانخراط التام للقطاع الخاص. فهو القادر لوحده دون غيره على توسيع نطاق التشغيل في أنظمة قابلة للنمو و الاستدامة، وذلك بالرغم من هشاشته وتواضع إمكاناته واشتغاله في مناخ لا يشكل على العموم عنصرا جاذبا للاستثمار وللنمو.

إن التشغيل لايتم إلا بخلق فرص الشغل .

ومن يخلق فرص الشغل ؟

إنها المقاولات التي تكون لديها القدرة على الاستثمار و لديها الثقة في الحكومة وفي المستقبل.

وكيف تخلق فرص الشغل؟

تخلق بالنمو ومن خلال الابتكار والتجديد والتدبير الجيد والزبناء الأوفياء والأجراء المستقرين والمحفزين. فإذا كانت الدول تبنى بالاقتصاد وبالـتنافسية، فإنها تبنى كذلك وقبل كل شيء بالثقة وبالمصداقية.

إن أي سياسة للتشغيل لن تكون فاعلة وناجعة ومستدامة إلا إذا اتسمت منذ البداية بالتشاركية في تحديد أساليب وآليات متفق عليها بين جميع الفاعلين الأساسيين، بدل الإجراءات والخطط والاستراتيجيات العشوائية التي تبدد الجهد والموارد.

إن ربح رهان التشغيل لا يتحقق إلا بـإرادة سياسية واضحة ومعلنة وملزمة للجميع، وذلك من خلال ميثاق وطني يجمع الدولة بالمقاولات ويشمل التزامات ومسؤوليات متبادلة ويحدد إجراءات عملية لبناء الثقة بين جميع الأطراف ذات الصلة. فالمقاولات تلتزم بالإنتاج والتشغيل وتلبية حاجيات الناس، والدولة من جانبها تلتزم بتغيير مناخ الأعمال، فالمناخ لا يكون دائما اقتصاديا وإنما مؤسساتيا وقيميا وسلوكيا وثقافيا …

إن الدولة عندما لا تأخذ بعين الاعتبار عند سنها لأي سياسة للتشغيل احتياجات واشتراطات القطاع الخاص، فإن هذا الأخير لن يبدي أي تجاوب معها لأن أولى الأولويات بالنسبة إليه هو إعادة بنائه ودعمه وتحفيزه وتحقيق كفاءته وضمان تنافسيته.

إن أول ما يمكن تضمينه أي سياسة للتشغيل هو إصلاح منظومة التشغيل ذاتها. فهذه المنظومة معيبة. وإلا فكيف يعقل أن من يعملون في القطاع العام يحصلون على الدخل القار ويتمتعون بالتغطية وبالاستقرار وبالمستوى المعيشي المرضي ويتمتعون بكافة حقوقهم الاجتماعية والنقابية وغيرها. بينما نلاحظ عدم استدامة الدخل وغياب الاستقرار وكافة الحقوق، مع طول فترة العمل بل وقساوته أحيانا، بالنسبة للذين يعملون في القطاع الخاص.

إن أهم مشاكل المغرب اليوم هو غياب إرادة سياسية قادرة على دعم وتعزيز جهود المختصين من الخبراء والأكاديميين، لتمكينهم من توجيه مسار التنمية ككل وعملية الاستثمار على وجه الخصوص، بما يسمح لهؤلاء المختصين بتوقع تغيرات العمل والتنبؤ بها، بهدف تشكيل خارطة طريق بنسب عالية من الدقة والإنجاز.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين