خبراء يقرؤون الحصيلة الاقتصادية للسنة الحالية ويستشرفون "ضبابية 2023"

خبراء يقرؤون الحصيلة الاقتصادية للسنة الحالية ويستشرفون "ضبابية 2023"
صورة: و.م.ع
الإثنين 26 دجنبر 2022 - 09:00

شكلت الأزمات، على الدوام، علامات فارقة في تاريخ الدول كما الأفراد، كما أنها غالبا ما تساهم في إعادة ترتيب المشهد؛ في حين ترسم طريقة إدارتها وتدبيرها قطائع أو حدود فاصلة بين مرحلتين؛ هذا ما تجلى من خلال عام 2022، الذي شهد استمرار تداعيات الأزمة الوبائية العالمية الناتجة عن فيروس “كورونا”، قبل أن يزداد طين الاقتصاد العالمي بلَلاً مع توالي صدمات اقتصادية خانقة، لعل التضخم وارتفاع أسعار المواد الأولية كانا أبرز الانعكاسات.

في هذا الصدد، تعود جريدة هسبريس الإلكترونية إلى أبرز ما وسَم الحصيلة السنوية للعام 2022 الذي يلفظ آخر أيامه، في شقها الاقتصادي المشكِّل لـ”عصب” الحياة العامة في الدول وسياساتها، مؤثرا بذلك في مواطنيها ومعيشهم اليومي. كما سنحاول استشراف ملامح العام المقبل 2023 مع ثلاثة خبراء متخصصين في الشأن الاقتصادي استطلعت الجريدة آراءهم.

الصديقي: “مخيّبة للآمال مع إيجابيات محدودة”

عبد السلام الصديقي، وزير التشغيل الأسبق والخبير الاقتصادي، وصف حصيلة سنة 2022 بأنها “تكاد تكون مخيبة للآمال اقتصاديا”، مفسرا ذلك بأن “الملامح الأولى للتوقعات التي تم وضعها مسبقا أصبحت نتائجها التي جاءت مخالفة بادية تتضح عند نهاية السنة”.

وأضاف الصديقي، في حديث لهسبريس، أن “مؤشرات عديدة تؤكد ضعف الحصيلة الاقتصادية للمغرب مع معدل النمو الذي يدور حول 1 بالمائة”، لافتا إلى “استمرار عجز ميزان الأداءات بسبب ارتفاع واردات المملكة وقيمتها التي أثقلت المالية العمومية”؛ قبل أن يستدرك قائلا: “تظل إيجابيات الاقتصاد المغربي في 2022 محدودة الأثر؛ تتمثل في ارتفاع صادرات الفوسفاط والقدرة الإنتاجية التي استجابت لطلب عالمي متزايد، وتسجيل رقم معاملات قياسي لصناعة السيارات، فضلا عن ارتفاع ملحوظ في عائدات السياحة وتحويلات الجالية”.

واستحضر الصديقي في هذه النقطة أرقاماً دالة بخصوص فواتير استيراد مواد استهلاكية خلال العام 2022؛ ضاربا المثل بالحبوب بجميع أنواعها (40 مليار درهم)، فضلا عن الفاتورة الطاقية التي وصلت 130 مليار درهم؛ واصفا الأمر بـ”غير المسبوق”.

وزاد: “إنه عام تميز بالزيادة في أسعار المحروقات، التي لم تكن متناسبة مع أسعار النفط العالمية، لأن المغرب لم يعد يشتري المواد البترولية الخام، في ظل توقف تكرير البترول بمصفاة سامير بالمحمدية”، قبل أن يتابع: “أضمّ صوتي إلى المطالبين بإعادة تشغيل شركة “سامير” والاستفادة من إمكانيات التكرير المتاحة كي تنخفض الفاتورة الطاقية لبلادنا”.

المتحدث ذاته قال إن فائض الخزينة العامة المقدَّر بـ 38 مليار درهم “لم تتم الاستفادة منه كما يجب؛ لأن دعم المواد ضمن صندوق المقاصة ابتلع لوحده رقما كبيرا تعدى 30 مليار درهم في نهاية هذه السنة الصعبة”.

وأوضح الصديقي أن “سلامة أي اقتصاد تقاس بمؤشريْن هامّين: مستوى ثقة الأسر ثم المقاولات”، مستشهدا بأرقام مذكرات رسمية للمندوبية السامية للتخطيط تشير إلى انخفاض مؤشر ثقة الأسر المغربية وكذا المقاولات الصغرى والمتوسطة، وهو ما يؤكد أنها “ثقة وصلت الحضيض”، على حد وصفه.

كما انتقد “استمرار التوجهات والاختيارات الاقتصادية ذاتها في قانون مالية 2023، رغم ظرفية الأزمات المتداخلة”، منبها الحكومة إلى “خطر محدق يتمثل في تقلص قدرة الطبقات الاجتماعية المتوسطة على الصمود”، مما يهدد بـ”تصاعد مشاعر الاحتقان الاجتماعي”. ولفت إلى استمرار “الخلاف في التوقعات والفرضيات حول معدل التضخم والنمو بين الحكومة وبنك المغرب”.

وخلص الصديقي في حديثه لهسبريس إلى أن “استشراف وضعية الاقتصاد في 2023 تحكمه 4 عوامل حاسمة؛ الأول يتعلق بمسار ومآل ضبابي للحرب الأوكرانية، والثاني يهم كيفية تطور منحى العلاقات التجارية بين أقوى اقتصاديْن عالميين (الصين وأمريكا)، ثم تطورات الوضع المناخي المؤثر في الحصاد الفلاحي، مع تسجيل تفاؤل بالأمطار الأخيرة”، خاتما: “الشريك الاقتصادي الأول للمغرب (الاتحاد الأوروبي) يدخل مرحلة انكماش اقتصادي ستجعل الطلب على المنتجات المغربية ضعيفا”.

أقصبي: “سنة الأزمة واللّايقين”

من جانبه، ذهب نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي في تقييمه للحصيلة الاقتصادية السنوية إلى اعتبارها “ابتدأت باللايقين متأثرة بآثار وباءٍ لم ينته بعد، كما انتهت سنة 2022 بوضعية اللايقين ذاته”.

أقصبي رسم، في تصريح لهسبريس، صورة “معطيات قاتمة” أبانت عن تأثر الناتج الوطني الإجمالي، منذ مستهل العام، بموجة الجفاف “الأسوأ منذ ثلاثة عقود”، قبل أن تنضاف “حرب أوكرانيا وتبعاتها التضخمية”، مؤكدا أن “ذلك ساهم بشكل كبير في أن يكون وضع الأزمة هو العنوان العريض لـ2022”.

ولم يخف الأستاذ الجامعي، الحاصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية من جامعة باريس دوفين، قلقه إزاء “تدهور القدرة الشرائية للمغاربة”، مستحضرا أرقام الـHCP في شتنبر الماضي عن “انحدار 3 ملايين و200 ألف مواطن إلى ما دون عتبة الفقر والهشاشة”؛ قبل أن يستدرك قائلا: “هناك بعض النقاط الإيجابية، ونترقب الأحسن في 2023 مع مشروع تعميم الحماية الاجتماعية”.

وعرّج الخبير ذاته على “وضعية الإجهاد المائي الهيكلي بالمغرب”، منتقدا “عدم أخذ السياسة الفلاحية لوضعية العرض المائي في الاعتبار”، مسجلا “تناقضا واضحا بين العرض والطلب على الماء، تزيده بعض الزراعات استنزافاً”.

وبخصوص التضخم، قال أقصبي إن “الدافع الأول لارتفاعه بشكل غير مسبوق يظل خارجيا مع ارتفاع الأسعار الدولية، إلا أن بلوغه بالمغرب أكثر من 8 بالمائة في نونبر الماضي يسائل مسؤوليات داخلية تتعلق بسياسات اقتصادية معينة تخص الطاقة والغذاء ومجابهة الركود”.

وسجل أن استمرار “وضع الكساد مع التضخم في 2023، للعام الثاني على التوالي، يُنذر بأزمة ركود تضخمي (أو ركود اقتصادي مصاحَب بكساد stagflation) لم نشهد مثيلا لها منذ الصدمة البترولية في سبعينيات القرن الماضي”، قبل أن يؤكد أن “هناك إقرارا رسميا باستمرار التضخم وتداعياته على تدهور معيش الأسر المغربية”.

وختم أقصبي حديثه بالقول إن “ما قامت به الحكومة من دعم للمقاصة ومهنيي النقل ليس مُجدياً، لأنه لم يصل إلى مستحقيه الحقيقيين”، مستشرفاً ضبابية الوضع، دوليا ووطنيا، للعام 2023 في ظل استمرار دوافع الأزمة الحالية، مما يزيد مهمة التوقع صعوبة وتعقيدا.

أزيرار: “الصمود والمرونة لمواجهة الأزمات”

أحمد أزيرار، اقتصادي وعضو مؤسِّس للمعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي (IMIS)، اعتبر أن 2022 يمكن وصفها بـ”سنة الصعوبات الكبيرة للاقتصاد المغربي، لكن أيضا ولحسن الحظ، كان عام الصمود الاقتصادي تجاه أزمات تكالبت على اقتصاد العالم؛ والمغرب لم يكن استثناء”.

وتابع أزيرار، في تصريح لهسبريس، موضحا أنها “سنة استمرار مخلفات أزمة “كوفيد-19” في قطاعات اقتصادية حيوية”، مشيرا إلى “تحالف الوباء وتداعياته مع اضطرابات جيوسياسية قوية في شرق أوروبا نتج عنها تهديد السيادة الاستراتيجية للدول، وإن بدرجات متفاوتة، في قطاعات الطاقة والغذاء والنقل”.

وأكد الخبير الاقتصادي ومنسق الأبحاث في المعهد المذكور أن “المناخ الاقتصادي العالمي كان له وقع كبير على المغرب تجلى في ارتفاع تضخم الأسعار تزامناً مع أسوأ فترة جفاف بالمملكة”، محذرا من “سياسات اقتصادية ونقدية آخذة في التشدد في ظرفية موازناتية تتسم بإشكالية التمويلات”.

وضرب أزيرار المثل بـ”رفع بنك المغرب نسبة سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثانية على التوالي في ظل أشهر قليلة ليصل 2.5 بالمائة مع نهاية 2022″، مضيفا أن “البنك المركزي وجد نفسه مجبراً على سلك هذا الخيار للتحكم في التضخم الجامح”. وزاد موضحا: “ضعف التمويلات مقابل ارتفاع المتطلبات يجعل المغرب مطالباً بتنويع مصادر موارده عبر توسيع الوعاء الضريبي وإصلاح جبائي عادل، مع الاستعانة بشكل محدود بأسواق مالية خارجية”.

ولم يغفل الخبير ذاته أن يرصد “الأثر الإيجابي الجيد لإنجاز الكرة المغربية في المونديال الذي تبتدئ 2023 على إيقاعاته”، لافتا إلى “وجوب استغلال النظرة العالمية الجيدة تجاه المملكة بوقعها المادي واللامادي، لاسيما أن المغرب حظي بالثقة لاحتضان مراكش الاجتماعات السنوية للمؤسسات المالية الدولية لعام 2023 (البنك الدولي وصندوق النقد)”.

كما لفت أزيرار انتباه الفاعلين الاقتصاديين بالمغرب إلى ضرورة الاستفادة من “المخرجات الإيجابية لاجتماع القادة في القمة الإفريقية الأمريكية التي انعقدت نهاية 2022 بواشنطن”، منوها بـ”الأداء الإيجابي جدا لقطاعات صناعية مغربية وازنة وذات قيمة عالية مثل السيارات والفوسفاط”.

وختم حديثه بالقول إن “المملكة يتعين عليها تسريع ما تضمنه ميثاق الاستثمار الجديد”، من خلال استغلال فرص الجذب الاقتصادي للمغرب كمحطة استثمار لكبريات الشركات العالمية في قطاعات واعدة هي الطاقات المتجددة والصناعات الدوائية والغذائية، فضلا عن تعزيز الروابط مع المستثمرين التقليديين، واستقطاب وتحفيز رؤوس أموال جديدة من أمريكا والصين.

‫تعليقات الزوار

6
  • %%%%
    الإثنين 26 دجنبر 2022 - 09:14

    2022 n est que l échantillon gratuit attendez la livraison 2023 .ca c est du lourd .et je ne pense pas que vous etes de taille .

  • Youssef barazzi
    الإثنين 26 دجنبر 2022 - 09:53

    الإثنين بجمعة سحيم لا منقد و لا منجد الساعة 10 صباحا و لا يوجد طبيب في المستعجلات المرضى في انتضار التطبيب

  • L'aigle de biban
    الإثنين 26 دجنبر 2022 - 10:14

    La qualification a la demi-finale du Maroc elle va résoudre tous les problèmes de l’empire marocain, et surtout que le monde entier aujourd’hui parlent du Maroc, comme ça il y aura entre 100Mds et 150Mds de dollars d’investissement étrangère, et 60 millions de touristes chaque année, qui permettra au Maroc d’empocher 300 Milliards de dollars annuellement, félicitations le peuple le plus intelligent de la planète, vous êtes vraiment un empire, Dima moughrib.

  • عينك ميزانك
    الإثنين 26 دجنبر 2022 - 10:21

    كلنا موظفون لدى البنك الدولي .الدولة،الحكومة ،الشعب هو من يسطر الخطوط الكبرى لسياسة الاقتصادي هو من طالب بالتعاقد في الوظيفة هو من يطالب اليوم بالتخلي عن المقاصة و الدعم و عدم الزيادة في الأجور .

  • الرهانات الاقتصادية
    الإثنين 26 دجنبر 2022 - 11:24

    الضبابية يعيشها الاقتصاد العالمي و ليس الاقتصاد الوطني وحده لا احد يتوقع ما سيحصل في الغد، العالم يسير بسرعة و الأحداث لا يمكن توقعها، ما علينا سوى الانحناء و السير مع العاصفة، لهذا على الاقتصاد المغربي ان يكون لينا و أكثر مرونة و يحاول تأهيل العنصر البشري و دعم الاقتصاد الوطني و الاستثمار في البحث العلمي و تطوير الرقمنة و تطوير البنى التحتية ومحاربة الاحتكار و الفساد حتى نتمكن من جلب الاستثمارات الأجنبية و بناء اقتصاد قوي قادر على امتصاص الازمات.

  • مغترب
    الإثنين 26 دجنبر 2022 - 16:52

    مشكل الإقتصاد المغربي واحد لا غير الطبقة الغنية لا تؤدي الضرائب على الأرباح الخيالية التي تستفيد منها في سوق بدون منافس!و مشكل البلاد و الحكومة المغربية بصفة عامة أشخاص يحتلون المناصب بدون أهلية!علينا أن نستفيد من تجربة وليد الركراكي بكل بساطة!الرجل المناسب في المكان المناسب + حب الوطن الأمانة الإخلاص في العمل رضى الوالدين + النية الصادقة في تغيير الوضع = تحقيق الأهداف و المعجزات !

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 1

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 1

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 2

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 20

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”