النتائج المخيبة للمغرب في "أولمبياد طوكيو" تسائل الحكامة الرياضية

النتائج المخيبة للمغرب في "أولمبياد طوكيو" تسائل الحكامة الرياضية
كاريكاتير: عماد السنوني
الثلاثاء 21 شتنبر 2021 - 01:30

يستعرض عبد الرزاق العكاري، أستاذ باحث في تدبير المنظمات، أسباب النتائج السلبية المحققة في الألعاب الأولمبية بطوكيو، معتبرا أن الأمر يتعلق بغياب أسس الحكامة الرياضية في المشهد الوطني.

وأوضح العكاري، ضمن المقالة التي خص بها هسبريس، أن “المجال الرياضي بقي بمنأى عن تفعيل آليات التتبع والمراقبة، علما أن الدولة تصرف أموالا مهمة على المنظمات الرياضية، بل وتعد مصدرها الرئيسي”.

وإليكم المقالة:

خلفت النتائج السلبية للوفد المغربي المشارك في أولمبياد طوكيو حالة من الاستياء والتذمر لدى الرأي العام، وهو يشاهد الظهور الباهت للرياضيين على الرغم من الإمكانيات المادية واللوجيستيكية المرصودة. وأحيت من جديد نقاشا عموميا.

بإثارة العديد من الأسئلة الموضوعية، على غرار هل نتوفر في المغرب على سياسات عمومية خاصة بالرياضة؟ وهل نتوفر على رؤية استراتيجية محددة في برامج عمل خاص بالرياضة؟ وهل أزمة الرياضة بالمغرب ظرفية أم هيكلية؟

والغريب في الأمر هو أنه بقدر ما يتم رصد الإمكانيات المالية لإعداد وتتبع الرياضيين وتوفير التحفيزات المغرية، بالإضافة إلى الطفرة النوعية التي عرفها المغرب فيما يتعلق بالمنشآت الرياضية التي أضحت تضاهي ما هو موجود في الدول المتقدمة، إلا أن الوضعية لا تزيد إلا سوءا والنتائج لا تتحقق، إذن أين مكمن الخطأ والضعف؟

المقالة التالية استعراض لستة متناقضات تعتري النقاش العمومي، ونعتقد بكونها ضرورية لاستيعاب وفهم حقيقة المجريات المرتبطة بواقع الرياضة بالمغرب.

1ـ نقاش عمومي يفقه فيه الجميع: ما وقع في طوكيو ليس وليد اليوم؛ فنفس السجال والنقاش يتكرر كلما مني المغرب رياضيا بنتائج سلبية، خصوصا في كرة القدم. بمعنى أننا بصدد أزمة هيكلية وليست عابرة، وأن الحلول المقترحة كانت فقط لدر الرماد على العيون ليس إلا وربما هناك انزعاج لبعض الأطراف المتدخلة مباشرة في الشأن الرياضي لفتح نقاش عمومي تشارك فيه كل الأطياف الرياضية وسعي حثيث إلى عدم النبش عميقا لاستجلاء حقائق الأمور.

وعلى غرار العديد من الدول، فإن النتائج السلبية المحققة في التظاهرات الرياضية الدولية، تكون مصدر قلق وانزعاج وتدمر لدى الرأي العام، علما أن الأثر السلبي للهزيمة يكون بليغا وصعب التحمل إلى درجة أن الانتقادات تحيد كليا عن جوهر المشكل مع قلة حتى لا نقول ندرة في التحاليل التقنية أي خطط اللعب المعتمدة في رقعة الملعب التي تفسر الأسباب الموضوعية المرتبطة بفاعلين مباشرين في الحدث الرياضي (اللاعب والمدرب ونسق اللعب والخطط التقنية والانسجام والإعداد البدني والنفسي).

تلك معطيات ذات ارتباط مباشر لتبرير النتيجة الرياضية، ليتم فسح المجال لنقاش آخر بنبرة سياسية، علما أن الفراغ الذي يتم تسجيله في قلة التواصل وشح المعلومات المقدمة من قبل المؤسسات الرياضية المسؤولة سيؤدي لا محالة إلى تأجيج الانتقاد وتوفير مجال خصب لتداول الشائعات وبالتالي استغلال وتوظيف سياسوي لقضية كانت تبدو في الوهلة الأولى مجال لا يفقه فيه إلا المختصون رياضيا.

2ـ غياب تقييم السياسات العمومية: إن منطق التحليل يستدعي قبل المرور إلى مرحلة وصف الحلول ضرورة الإقدام على تقييم حقيقي للسياسات الحكومية المتبعة في المجال الرياضي والتي نقصد بها تتابع لقرارات وأنشطة متناسقة بشكل متعمد متخذة من قبل فاعلين عموميين، بغية حل مشكل ذا بعد جماعي يؤدي إلى إفراز قرارات رسمية ذات طابع إلزامي تهدف إلى تغيير سلوك المجموعات الاجتماعية التي تعد نظريا مصدر المشكل وذلك في خدمة المجموعات الأخرى المتضررة من تبعات وآثار المشكل. علما أنه إلى حد الآن ما زال هناك تقصير في مجال تقييم السياسات العمومية على شتى الأصعدة؛ فهي عملية تمكننا من معرفة حصيلة ما تم رصده من إمكانيات الدولة ماديا وبشريا، والإجابة عن سؤال بسيط: هل تحققت النتائج المرجوة وما هي نسبة إخفاقها؟ خصوصا أن الحكومات المتعاقبة قد أطلقت العديد من الأوراش وقدمتها كحلول ناجعة لأزمة الرياضة بالمغرب، وإلة حد الآن لا يعرف مدى جدواها وهل هناك ضرورة للاستمرار فيها أو العكس التخلي عنها؟.

3ـ هل هي أزمة موارد مادية؟ منذ مستهل الألفية الثالثة، استشعر العارفون بتلابيب وخفايا الأمور بأن الوضع الرياضي لا يزيد إلا سوءا وتم الترويج لفكرة أن السبب يعود إلى قلة الإمكانيات المرصودة للمجال الرياضي من قبل الحكومات المتعاقبة، وبالتالي فإن الحل يكمن في الرفع من الميزانية المخصصة للرياضة ذات المستوى العالي ومضاعفة المجهودات في مجال توفير البنيات التحتية.

وفي هذا الصدد، تم التوقيع في سنة 2006 على عقدة- برنامج بين الحكومة وجامعة ألعاب القوى تم بفضلها إحداث أكاديمية لألعاب القوى بمواصفات دولية وخمسة مراكز جهوية و22 حلبة مطاطية . الشيء نفسه تم مع جامعة كرة القدم بدءا من 2008 و2014 مكنت من التوفر على مركبات رياضية من الطراز العالمي وملاعب معشوشبة في كل مدن المغرب، ناهيك عن مضاعفة الميزانية المرصودة للمنظمات الرياضية أربع مرات؛ بل ما أصبح يضخ من موارد مالية في الرياضة وخصوصا ذات المستوى العالي تجاوز حدود الخيال.

ويجب ألا ننسى أنه، مباشرة بعد المناظرة الوطنية حول الرياضة في أكتوبر 2008، تم رفع مذكرة للسلطات العليا بالبلاد تم التأكيد من خلالها أنه للخروج من الأزمة لا بد من رصد موارد مالية إضافية؛ وهذا ما تمت الموافقة عليه برصد 3.3 مليارات درهم لبرامج إعداد الرياضيين ذوي المستوى العالي، لكن بقيت دار لقمان على حالها.

4ـ فشل سياسة استقطاب كفاءات خارج المجال الرياضي: في لحظة من التاريخ الحديث للرياضة بالمغرب، انتبه المشرفون على الشأن الرياضي أن المشكل في الأزمة كامن في شيخوخة النخبة الرياضية والتي عششت لما يفوق العشرين سنة ولا تريد أن تنزاح قيد أنملة، وتم الاعتقاد بأن إزاحتها بشتى الوسائل الممكنة يمكن أن يؤدي إلى باب الخلاص المرتقب.

وفي المقابل، تم العمل على استقطاب كفاءات من عالم المال والتجارة. هذه الأطروحة تبناها الوزير السابق منصف بلخياط، حيث وضع جملة من أصدقائه على رأس العديد من الجامعات الرياضية (التيكواندو/ كرة السلة/ السباحة/ الرياضة للجميع..)، معتقدا في قرارة نفسه أن الرياضة كأي مجال تسري عليه القواعد نفسها المعمول بها في مجال التجارة والأعمال.

وسيتضح فيما بعد أن كل هذه الجامعات ستعيش وستمر بفترات عصيبة مليئة بالمشاكل والأزمات، سواء بين الأندية والمكتب الجامعي أو بين حتى أعضاء هذا المكتب؛ وهو ما أثر على أداء ونجاعة الجامعة وخلف نتائج سلبية، مما اضطرت معه الوزارة الوصية إلى التدخل بتعيين لجن مؤقتة محل مكتب منتخب، ليتضح أن المجال الرياضي له خصوصياته وتاريخه وأنماط التدبير الخاصة به وأن التغيير المنشود لا يتم بفرض أشخاص عنوة الأمر الذي يتعارض كليا مع مبدأ استقلالية الحركة الرياضية والأولمبية.

5ـ انعدام المسؤولية: ألف الرأي العام الرياضي حين وقوع أزمة نتائج، خصوصا في المحافل الرياضية الدولية، أنه يجد صعوبة بالغة في العثور على المسؤول عن الهزيمة والنتيجة السلبية. وتبدأ في حينه الأداء المتقن لرقصة تبادل الاتهامات بين الرياضي والمدرب والعضو الجامعي وممثل اللجنة الوطنية الأولمبية والوزارة الوصية، وتبقى لعبة تراشق الاتهامات تؤدي دورها بامتياز.

وعندما تعجز هذه الأطراف عن امتصاص غضب وامتعاض الرأي العام يتم اللجوء إلى حيل وألاعيب كتقديم الرياضي أو المدرب أو المدير التقني الوطني ككبش فداء والدفع بهم وإرغامهم على تقديم الاستقالة، علما أن المقصود هو تقييم سياسة وخطة عمل أبانت النتائج عن فشلها. وبالتالي، فالمكتب الجامعي مدعو إلى تقديم الحسابات وتبرير الاخفاقات؛ الأمر الذي يحيلنا إلى مبدأ أساسي في الحكامة، ونقصد الربط بين المسؤولية والمحاسبة.

إن العمل الأساسي الذي يجب القيام به هو تحديد دقيق لمجالات تدخل كل طرف معني بتدبير النشاط الرياضي، سواء من خلال النصوص القانونية أو الأنظمة الأساسية للجامعات الرياضية أو وضع مساطر ودلائل توضح بدقة حدود تدخل وعلى وجه الخصوص الفصل بين الوظائف الإدارية التي ينهض بها المستخدمون والمهام الإستراتيجية ذات الطابع التقرير المنوطة للأطر المنتخبة والمتطوعة.

6ـ المساءلة والمحاسبة: على الرغم من أن العديد من المراجع القانونية تنص بصراحة على مبدأ الربط بين المسؤولية والمحاسبة، فإننا نلاحظ أن المجال الرياضي بقي بمنأى وبعيدا عن تفعيل آليات التتبع والمراقبة؛ علما أن الدولة تصرف أموالا مهمة على المنظمات الرياضية بل وتعد مصدرها الرئيسي.

ويجب أن نقر بأن الأنظمة الأساسية لها تنص على مبدأ تقليدي، وهو ضرورة عقد عند نهاية كل موسم رياضي جمعا عاما لتقييم أداء المكتب المديري المنتخب؛ وبالتالي، منحه الثقة أو سحبها. كما أن القوانين المعتمدة كانت واضحة في مجال مراقبة كيفية صرف أموال الدولة وإلزامية افتحاصها ومدى احترام قواعد المحاسبة المالية العمومية ومدى نجاعة الإجراءات المتخذة؛ إلا أن ما يحز في النفس أن تقارير مهمة صدرت، ومن ضمنها تقارير بطلب من السلطة القضائية، وكشفت بالدليل الملموس حالات اختلاس وتبذير المال العام وبقيت بدون متابعة.

هل هي أزمة حكامة رياضية؟. كل هذه العناصر الستة مجتمعة تفضي إلى قناعة يسعى الكثيرون إلى غض الطرف عنها، وهي أن المغرب الرياضي جرب كل الوصفات؛ ولكنها لم تفض أو تعط نتائج ملموسة، بل العكس لم يزد الوضع إلا تأزما ورداءة. وبالتالي، أليس من الأجدر النبش في معطى آخر تم تجاهله، وأقصد الحكامة الجيدة بالوسط الرياضي، والتي لا يمكن اعتبارها ترفا فكريا أو بدعة؛ ولكنها حقيقة تعكس واقع الممارسة الرياضية ببلادنا أي انتفاء أسس الحكامة الجيدة، علما أننا عندما نوجه أصبع الاتهام على انتفاء خمسة عناصر أساسية في التدبير الاستراتيجي السوي إلى المنظمات الرياضية. ونقصد الاستباقية والتتبع والمراقبة والمساءلة والمحاسبة، فإننا نعتبرها العناصر المؤسسة للحكامة الجيدة، وبالتالي فالأجدر بالنقاش العمومي هو تعميق التفكير أكثر في مسألة مدى توفر وتفعيل المنظمات الرياضية بالمغرب لمبادئ الحكامة الجيدة.

‫تعليقات الزوار

8
  • rachida
    الثلاثاء 21 شتنبر 2021 - 02:07

    السلام عليكم.هههه صورة كاريكاتورية معبرة فليس فقط كورونا من تطلب تباعد المغاربة منها بل حتى الرياضة تطلب منن التباعد منها.الكل يريد أن يتباعد منا ابتداء من كورونا إلى الرياضة إلى العلم والمعرفة إلا التخلف هو من يرحب بنا.ياترى لماذا ههههه

  • ابن طنجة
    الثلاثاء 21 شتنبر 2021 - 02:13

    البلد الذي ينتشر فيه المخدرات والحشيش لا يرجى منه الاهتمام بالرياضة الدولة تريد شبابا من الحشاشين والمقرقبين معوق عقليا وجسديا حتى لا يطالب الدولة بحقوقه

  • rachida
    الثلاثاء 21 شتنبر 2021 - 03:26

    السلام عليكم.إلى المعلق ابن طنجة دائما الآخرين هم السبب ولن نعترف أبدا ولو لمرة أننا نحن كذلك جزء من السبب وهل الدولة هي من قالت للناس أن يذهبوا لي يشتروا الحشيش أو الناس من يشترونه عن طيب خاطر فالدولة رغما كل مايقال عنها فهي تقوم بمجهودات لمحاربة تجار المخدرات والدليل جريدة هيسبريس التي تكتب مقالات عن ذلك كل يوم وفقط اليوم ألقت الشرطة القبض على ثلاث عصابات حاولت ادخال أطنان من المخذرات الى المغرب وأحبطت محاولتهم فلا نلوم دائما الآخرين ونستثني انفسنا كأننا لم نفعل شيئا أو كأن الدولة هي من تطرق الأبواب وتجبر الناس على شرائه رغما عنهم.ليس لدينا ثقافة الاعتراف باخطائنا.مشا علي الكار رغم أننا نحن من تأخر على موعده أو ضربني الباب رغم أن الباب ليس لديه يدين ولم يتحرك أصلا من مكانه بل نحن من تصادمنا معه وليس هو من ضربنا وأشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل.الاعتراف بالخطأ فضيلة وليس ضعف او نقصان من الكرامة كما تظنون ولو ربت الاسر اولادها جيدا لما لجؤوا لي شرائه أصلا ولبقي بائع الحشيش يحترق وحده تحت أشعة الشمس الحارقة وهو ينتظر زبون دون جدوى

  • العقل
    الثلاثاء 21 شتنبر 2021 - 04:46

    الرياضية المغربية كانت دائما معتمدة على ظهور مواهب من العدم كهشام الكروج يونس العناوي ومجرد ان يعتزل دلك بطل تصبح مغرب في تلك الرياضية صفرا.

    الحل هو ان تلك الاموال التي تصرف حاليا على ابطال جزاجيين يجب ان توجه الى دعم الرياضية المدرسية وان هنا اتحدث عن النمودج الامريكي.
    معظم شباب واطفال المغرب يتواجدون في المدرسة في فترة من حياتهم، لو كانت هناك رياضية مدرسية متطورة تفتح لهم باب الاحتراف الرياضة سوف نعتر على ابطال حقيين في معظم الرياضات.

  • عمر
    الثلاثاء 21 شتنبر 2021 - 07:23

    اليس وزير الرياضة ينتمي الى حزب اخنوش ، و المصيبة ان هذا الوزير سبب الإنتكاسة نجح في الانتخابات الاخيرة و من المحتمل ان يبقى في منصبه وزيرا في هذه الحكومة .
    انه الاستثناء المغربي

  • adil
    الثلاثاء 21 شتنبر 2021 - 09:26

    في اي جامعة الا ما بينش رئيس الجامعة نتاءج إيجابية يتم تغيره الا المغرب وجهكم قاصح اعطوا فرصة للأحسن

  • كلمة حق
    الثلاثاء 21 شتنبر 2021 - 13:21

    الله يكملك بعقلك أختي رشيدة أما الباقي غير كور وعطي لعور

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات