مسارات مغاربة في إسكندنافيا .. مصطفى بنجبلي يتحدى تقلبات الهجرة بتجربة ثانية

مسارات مغاربة في إسكندنافيا .. مصطفى بنجبلي يتحدى تقلبات الهجرة بتجربة ثانية
صورة: هسبريس
الإثنين 21 نونبر 2022 - 07:00

حضرت الهجرة كحلم في ذهن مصطفى بنجبلي منذ أن كان يافعا في مدينة تطوان، ولأجل ذلك أقبل على الدراسة حتى الباكالوريا بنية التوجه إلى الاستقرار في إسبانيا، ضمن مرحلة أولى، ويواصل شق الطريق نحو إسكندنافيا لخوض تجربة جديدة على أراضي المملكة السويدية، في المرحلة الموالية.

يعد مسار بنجبلي مثالا للإصرار على اغتنام الفرص التي تتيح البصم على نجاحات تتحدى العثرات، ونموذجا مميزا للإقبال على تغيير فضاء الاستقرار من أجل التطور؛ على الرغم من الوصول إلى سن متقدمة تشهد تقلص عنفوان السنوات الوهاجة من مرحلة الشباب.

باكالوريا الهجرة

عانق مصطفى بنجبلي الحياة في مدينة تطوان، وبالضبط ضمن الجزء المشتهر بتسمية “الباريو” لدى سكان هذه الحاضرة، وعند الوصول إلى ربيعه الـ14 انتقل، بمعية أسرته، من أجل الاستقرار والدراسة في حي “السكنى والتعمير” بـ”مدينة الحمامة” نفسها.

ويقول مصطفى: “كانت الدراسة في مؤسسات عديدة، أذكر منها سيدي المنظري في باب العقلة، بينما الولوج إلى المرحلة الثانوية كان من خلال التخصص في شعبة تقنية، والهدف الأساسي كان الحصول على شهادة الباكالوريا قبل خوض تجربة الهجرة”.

ويستحضر بنجبلي، بخصوص الفترة ذاتها من عقد الثمانينيات من القرن الماضي، أن شبان تطوان وجوارها كانوا يقبلون بشدة على الهجرة، متأثرين بقرب فضاء عيشهم من إسبانيا، من جهة، وتفشي البطالة نتيجة صعوبة الولوج إلى الوظيفة العمومية من لدن الخريجين، من جهة أخرى، لذلك كان من بين المصرين على خوض التجربة.

مرحلة “كاتالونيا”

حزم مصطفى بنجبلي حقيبته، في أحد أيام سنة 1988، من أجل عبور مياه البحر الأبيض المتوسط في اتجاه الضفة الجنوبية من تراب المملكة الإيبيرية، ومعه نقل حزمة من الأحلام المتوخية جعل التواجد في إسبانيا بوابة للوصول إلى مستقبل أفضل.

ويورد المزداد في تطوان: “كأي مغربي شمالي فكرت في إسبانيا كخيار أول في الهجرة. حينها، لم يكن الراغب في التنقل بين البلدين مطالبا بالحصول على التأشيرة، وإنما يتم الحسم على الحدود بناء على مزاجية عناصر الأمن الإسبانية. وأتذكر أنني سئلت عن مقدار المال الذي أحمله، وتم الإذن لي بالعبور بعدما أكدت توفري على 1200 درهم بالعملة المغربية”.

قصد بنجبلي منطقة “طاراغونا”، في إقليم “كاتالونيا” الإسباني، من أجل التطور اجتماعيا واقتصاديا، مؤسسا نواة أسرية أثمرت ابنتين اثنتين. وقد نجح في الاندماج بفعالية في فضاء عيشه وامتلاك منزل خاص به؛ لكن تغيرات لاحقة دفعته إلى خوض تجربة هجرة ثانية بحلول سنة 2004.

الرحيل إلى إسكندنافيا

يؤكد مصطفى بنجبلي أنه لم يتردد في مغادرة إسبانيا بعدما أضحى التواجد فيها لا يسفر عن اطمئنان بخصوص المستقبل، ويشدد على أن الهجرة التي دفعته إلى الابتعاد عن تطوان كانت بهدف البحث عن مستقبل أفضل؛ وبالتالي فإن الإصرار على الظفر بفرص بديلة في الحياة يبقى حاضرا كلما تمت مصادفة عثرات غير مرغوب فيها.

ويفسر ذو الأصل المغربي قائلا: “بعدما جرى اعتماد عملة الأورو في إسبانيا، تفعيلا للسياسة النقدية الأوروبية التي قبلتها سلطات مدريد، صارت القدرة الشرائية في البلاد لا تتناسب مع وضعي، وأيقنت أن البقاء في هذا النسق المالي والاقتصادي لا يخدمني وأسرتي”.

تردد بنجبلي بين التوجه إلى هولندا أو السويد في البداية، وعقب الاستعانة بعدد من الأقارب في البلدين لجمع كم من المعطيات عن الوجهتين، واستطلاع الفرص الملائمة لقدراته الشخصية والمهنية، قرر التحرك نحو منطقة إسكندنافيا، والتحقت به أسرته عقب شهرين من ذلك.

في النسق الجديد

بنبرة المتحدي يقول مصطفى بنجبلي إن الهجرة إلى مملكة السويد جعلته يعيش أوقاتا أصعب من تلك التي خبرها أواخر الثمانينيات، بعد الوصول إلى إقليم كاتالونيا في إسبانيا. وقد أرجع ذلك، بالأساس، إلى أنه قد رفع هذا التحدي بعدما تقدم في العمر، ولأنه لم يكن يضبط اللغة السويدية بكيفية مسبقة.

ويفسر “ابن تطوان” حين يزيد: “كانت الأمور أسهل في إسبانيا بحكم القرب من المغرب، وما يعنيه ذلك من فهم للغة والثقافة الإسبانيتين. أما المجتمع السويدي فهم متسم بانغلاق أكبر، والاندماج في إسكندنافيا يحتاج من المغاربة جهدا أوفر؛ زيادة على استغراق فترة طويلة في دروس تعلم اللغة”.

استهل بنجبلي مساره المهني البديل بالعمل بعيدا عن استوكهولم، على الرغم من استقراره في العاصمة السويدية، مبادرا إلى ذلك لإنهاء أسابيع من العطالة أعقبت وصولها إلى البلد. وحرص على التطور حتى تأتت له فرصة الالتحاق بطواقم وزارة النقل والتموقع في مرتبة تلائم قدراته وترضي طموحات مغايرة لتلك التي تمكنت منه في كاتالونيا.

تجربة في الميزان

ينظر مصطفى بنجبلي إلى مساره في السويد بكيفية إيجابية، ويعتبر أن ما تأتى له في تجربة الهجرة الثانية يحقق الفخر، بينما يشدد على أن العمل لدى وزارة النقل، مسؤولا عن صيانة العتاد اللوجستيكي في استوكهولم والنواحي، يبقى ثمرة صبر لشخص وفد كبيرا إلى السويد وحصيلة إصرار على نيل تكوينات للنجاح مرة أخرى خارج المغرب.

ويضيف المنتمي إلى صف الجالية بإسكندنافيا: “لا يمكنني إلا أن أفتخر بما حققته في السويد بعدما كان إيقاعي إسبانيا كاتالونيا لمدة طويلة. أما الاندماج فإنه متحقق مهنيا من خلال توفير قيمة مضافة للبيئة التي أعمل فيها، وأيضا المساهمة في التأثير على القرارات؛ بينما يحضر شخصيا من خلال بناء صداقات مع سويديين يرافقونني إلى المغرب من أجل التعرف على وطني الأم”.

كما يعتبر مصطفى، من جهة أخرى، أن الحكم الإيجابي على تجربة حياته في مملكة السويد يستند على ما توفر نتيجة الاهتمام بأفراد أسرته الصغيرة وفق ما يتيح الحفاظ على الهوية الأصلية، معلنا أن ابنتيه حصلتا على شهادتَي إجازة وماستر، لتتوفق إحداهما في العمل ضمن سلك الشرطة، بينما الثانية تشتغل في مؤسسة الضمان الاجتماعي.

ثمار الإصرار

يؤمن مصطفى بنجبلي بأن المغاربة المقبلين على الهجرة عليهم أن يتحلوا بالجرأة كي يغيروا الوجهة إن لم يتواجدوا في الظروف التي يبتغونها، وأن يبقوا مواظبين على البحث عن ما يواتي طموحاتهم أينما كان ذلك متوفرا، دون تفريط في الروابط مع الأصل.

ويزيد المشارف على إكمال عقدين من الاستقرار في إسكندنافيا: “الهجرة ليست حضورا جسديا في مكان خارج الوطن الأم؛ لذلك ينبغي على من يريدون الانتقال إلى بلد آخر أن يبقوا في المغرب إذا كان كل همهم هو تغيير فضاء الإقامة لا غير”.

“مملكة السويد تتيح التكوين والعمل للوافدين عليها، واليقين أن الوصول إلى هذا البلد في سن صغيرة يزيد فرصة بلوغ مراتب عليا بالمقارنة مع من جاؤوا إلى هنا بعد تقدم الأعمار.. لذلك، أرى أن المتعثرين في السويد لم يحصدوا إلا ثمار الإصرار على الفشل فقط”، يختم مصطفى بنجبلي.

‫تعليقات الزوار

2
  • Abderrazak Naitrabi Mezgui
    الإثنين 21 نونبر 2022 - 08:37

    Ahora no pronto si allah quiere buenos dias a todos

  • Santa coloma
    الإثنين 21 نونبر 2022 - 13:11

    Ohhhhhhh , un sujet très intéressant ??????? !!!!!!!!! Pour commencer là semaine.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة