الانتقال الديمقراطي:مرتكزات وأسس

الانتقال الديمقراطي:مرتكزات وأسس
السبت 4 فبراير 2012 - 02:11

تحضر في حياة الشعوب لحظات تاريخية تكون منطلقا لتغيير الذهنيات بالقدر نفسه الذي يتم به تغيير معطيات الواقع، غير أن الانشغال بالتموقع والاهتمام بيوميات الحياة كثيرا ما يفوت الفرصة على الراغبين في التأمل بهدف استخلاص قواعد عامة تسمح بفهم ما يجري، وتؤوله بناء على قواعد ومرتكزات نظرية سليمة. ولعل ما يعيشه العالم العربي، اليوم، من ثورات تختلف في ديناميتها ومآلاتها وأفاقها يسمح بطرح تصورات تجتهد من أجل تحديد نظري للمستندات التي يقوم عليها كل تغيير يطمح إلى إنجاح الانتقال الديمقراطي. فرغم أن التجارب الكونية لم تقدم نموذجا واحدا، إذ اختلفت التجارب في كل من جنوب إفريقيا وإسبانيا والأرجنتين ودول أوربا الشرقية، يمكن أن نقترح خطاطة عامة تحدد مرتكزات الانتقال التي ينبغي الانتباه للإيجابي فيها، والبحث عن مقومات المعالجة الناجعة لمعوقاتها. والحق أن شروط بروز المعوقات تكون أكبر، لأن التجاذبات العنيفة تكون عنوانا بارزا للمرحلة.لذلك فإن أهم سماتها:

أولا: تتميز هذه المرحلة بطبيعتها الضبابية بحكم تعدد المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وفي مقابل هذه الضبابية تبرز الحاجة إلى التفاوض من أجل إنجاز تعاقدات مجتمعية، والتعاقد والتفاوض يقتضيات القيام بتنازلات مؤلمة تقوم على قاعدة الصرامة في المبادئ والمرونة في تصريفها.

ثانيا: مرحلة فقدان الثقة في المؤسسات بحكم التراكمات السلبية للمرحلة السابقة، وهو أمر يقود إلى اللامبالاة، وفقدان هيبة الدولة، وشيوع النقد الحاد دون القدرة على طرح بدائل. بل إن التحليل السياسي يصبح هواية جماعية، وهو أمر إيجابي في منظوره العام الذي يجعل الشأن العام شأنا يوميا، لكن مخاطره تكمن في الاعتقاد بصحة الموقف الذاتي الذي يبني شرعيته على المعايشة، والمعاينة، والتشكك في التحليلات الأخرى مهما كانت وجاهتها.

ثالثا: مرحلة التدافع من أجل التموقع؛ مما يؤدي إلى تناسل الهيئات الحزبية والمنظمات المدنية، فعادة ما يكون هناك عطش ديمقراطي ناتج عن بيداء التسلط الطويل، غير أن التدافع قد يقود إلى هيمنة المنظور الإقصائي في حق الخصوم السياسيين أو أصحاب الاجتهادات المخالفة. لذلك تكثر الاتهامات وتفض التحالفات، ويعاد تشكيل الانتماءات وفق منطق مرحلي وظرفي هاجسه التسابق على التموقع المؤسساتي والمجتمعي.

رابعا: مرحلة إعادة اكتشاف الذات؛ حيث تبرز القضايا التي ظلت مكتومة الصوت؛ مثل قضايا الهوية، وإشكالات إعادة بناء الذاكرة الجماعية، ووظيفة الدين في المجتمع، وفي الحياة السياسية…. لذلك ليس مستغربا أن يعاد طرح تساؤل من قبيل: من نحن؟. وبروز تجاذب حاد بين تصورات ذات أبعاد ثنائية مثل (الإسلامي والعلماني ) و(الدولة المدنية والدولة الدينية) و( الكوني والخصوصي)… …وفي هذه الحالة يغيب إشكال المرحلة الأساس: من الديمقراطي ؟ ومن غير الديمقراطي؟.

خامسا: مرحلة بروز الآمال والطموحات الفردية والجماعية، وهو ما يعبر عنه بصيغة تساؤل انفعالي مؤداه:هل الديمقراطية قادرة على حل مشاكلنا(حالا)؟. وهي صيغة مغلوطة لأنها تشكك في القيمة ذاتها؛ أي تشكك في المبدإ ( الديمقراطية) ،وتعتبر الواقع شاهدا عليه.

سادسا:مرحلة إثارة التوقعات غير الواقعية التي تجعل الحل المستعجل للمطالب أفقا للاقتناع بجدوى الانتقال الديمقراطي. والحال أن تشعب القضايا وتعقدها يتنافيان والرهان على سرعة الإنجاز، لذلك كثيرا ما تتناسل ردود الأفعال المشككة في جدوى التغيير، ناهيك عن السلوكات التي لايمكن توقع وجهتها.

سابعا: مرحلة إعادة بناء التعاقدات من أجل مشروع مجتمعي متكامل، إذ الوطن ملك جماعي، والحرص عليه حرص على الذات أيضا. لذلك تظهر الحاجة الماسة لتبني اختيار المستقبل بجعل الحوار الوطني أساسا لحل القضايا الخلافية ، وإعادة تحديد الأولويات، وعدم الاكتفاء بإقرار حق الاختلاف، بل العمل على تدبيره كذلك.

‫تعليقات الزوار

4
  • كريم المغربي
    السبت 4 فبراير 2012 - 17:30

    كلام الكاتب سليم من الناحية النظرية، وأعتقد أن الاستفادة من مثل هذه الأفكار جد مهم، لكن هل هناك من يقرأ الفكر الجدي؟ ومن هو مستعد لتطبيقه؟ سننتظر….

  • جلال
    السبت 4 فبراير 2012 - 18:46

    صحيح يا استاذي أن الانتقال الديموقراطي في مغتلف المجتمعات مهما تعددت واختلفت مشاربها ومنطلقاتها يكون مبنيا على اهداف وغايات، وهذه الأهداف والغايات مستوحات من التقدم والحرية التي تعرفها شعوب الشمال رغم تفاوت درجات رقيها، ولكن المشكل يكمن في كون هذه الشعوب تريد تغييرا سريعا يشمل جميع المستويات، وبدون تأخر ولا اغلاط ولا عترات، مع العلم ان سنة الله في الكون والتغيير الذي جاء به الانبياء والمرسلون استمر لسنوات عديدة ناهيك هن التغير البشري الذي ينبني على تعاقدات بشرية تختلف في الرؤى والتطلعات، هذا إن دل على شيء فانما يدل على كوننا نحن الشعوب العربية التي ترغب في التغيير أن تعطي الوقت وكل الوقت للحكام والمسؤليين الذين اوكلت لهم مهمة القيادة في هذه الظروف الصعبة والعصبية، ومطالبون كذلك بمساندتهم والوقوف إلى جانبهم من اجل الرقي والإزدهار.

  • صلاح السعدية
    الإثنين 6 فبراير 2012 - 12:05

    فهمت من المقال أنه يتحدث عن المغرب بطريقة غير مباشرة، فماذا لو طبقنا هذه الأفكار على الواقع المغربي؟ هل توجد فيه نفس الأسس كما سماها الكاتب؟
    نحتاج إلى توضيحات لأن نجاح أو فشل الانتقال الديمقراطي تكون له انعكاسات كبيرة جدا على حياة الناس. نريد أن تظهر النتائج في كل جوانب الحياة في الشغل والعمل والتعليم والصحة والسكن

  • hassan Maroc
    الثلاثاء 7 فبراير 2012 - 15:11

    l'auteur de l'article , d'après le titre, a pour objectif d'expliquer les fondements de la transition démocratique, mais au fond de l'article on constate qu'il y a confusion entre diagnostic (approche positiviste) et recommandation de fondements (approche normative).Il aurait été préférable de séparer ces deux volets pour qu'on puisse visualiser les fondement de la Transition démocratique en tant que principes normatifs clairs

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس