الجوانب المشرقة في مأساة ريان

الجوانب المشرقة في مأساة ريان
الأحد 13 فبراير 2022 - 22:25

وأخيرا دقت ساعة الصفر، وأخرج ريان من البئر التي سقط فيها والتي كانت وعلى مدى خمسة أيام مأواه ومرقده. وأي مأوى وأي مرقد؟ وتنفست أمه الصعداء، تنفس أبوه الصعداء، وتنفس المغرب والمغاربة والعالم أجمع الصعداء. خمسة أيام من الانتظار. انتظار طويل مؤلم مرير مشوب بشيء من الأمل. رفعت خلالها ملايين الأكف، إن لم نقل الملايير على طول الأرض وعرضها إلى مالك الأرض والسماء لحفظه وإرجاعه سالما إلى أسرته. على مدى خمسة أيام تحولت “إغران” من قرية صغيرة مجهولة ملقية في مكان ما من أعماق جبال الريف، إلى قبلة العالم ومركز دائرة اهتمامه.

ولم يقل اهتمام وتضامن مغاربة العالم عن اهتمام وتضامن نظرائهم داخل المغرب. فكانت قضية ريان حديث المجالس ومتابعة مستمرة لتطوراتها عبر القنوات التلفزية أو “اللايفات” من عين المكان التي لم تكن تنقطع على مدار 24 ساعة.

دقت ساعة الصفر، وأخرج ريان من غيابات الجب، وتنفس الجميع الصعداء وعمت الفرحة الجميع. هلل الحاضرون وصدحت حناجرهم بنشيد طلع البدر علينا وأبطال الوقاية المدنية يحملون ريان مسرعين به إلى سيارة الإسعاف لإسعافه. فرح الجميع، ولكنها فرحة لم تعمر طويلا ليعقبها وبعد لحظات قليلة خبر وفاة ريان. ولينقلب العرس إلى مأتم والفرح إلى حزن. حزن موجع عميق، وبقية القصة معروفة…

ورغم قساوة الفاجعة، وقد كانت قاسية جدا، فقد حملت في طياتها جوانب مشرقة جميلة، في حال ما إذا سمحنا لأنفسنا بأن نرى في هذه الفاجعة جوانب جميلة.

لقد كان جميلا الاهتمام والتضامن الكبيرين حول مأساة ريان، ليس من طرف الشعب المغربي وحسب، بل ومن طرف ساكنة المعمور أجمع ومراحل إنقاذه تنقلها كبريات الأنباء العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها وبجميع اللغات. اهتمام وتضامن أثبتا أن العالم ما زال بخير وأن لا العرق ولا الدين ولا السياسة ولا الجغرافيا بإمكانها أن تحول دون إحساس البشر بآلام وجراح وهموم بعضهم البعض.

ما كان جميلا في هذه المأساة هو التجند المبكر للسلطات المغربية ومصالح الوقاية المدنية لاحتواء الحادث وتوفير كل الإمكانيات المتاحة من أجل إنقاذ ريان.

أخيرا، وخلال اجتماع لمجلس الحي في المدينة التي أقطنها عبر زملاء هولنديون عن إعجابهم بالعمل الجبار الذي قامت به الدولة المغربية، والمتمثل في خرق جبل كامل من أجل إنقاذ طفل عمره خمس سنوات.

ما كان جميلا فيها أيضا، وعكس ما كان منتظرا، هو التضامن المنقطع النظير الذي أبداه الشعب الجزائري الشقيق مع نظيره المغربي حول مأساة ريان منذ ساعاتها الأولى.

خاوة خاوة

قبل الفاجعة كنت منهمكا في كتابة مقال اخترت له كعنوان: “عندما نجح جنرالات الجزائر في تحطيم ما تبقى من أسطورة خاوة خاوة” استعرضت فيه المساعي الحثيثة للنظام الجزائري خلال السنتين الماضيتين من أجل شيطنة المغرب وملء قلوب المواطنين الجزائريين حقدا وكراهية لـ”المروك وللمراركة”، وعلى كافة المستويات السياسية والثقافية والرياضية… وذلك لهدفين اثنين:

1- تحويل انتباه الرأي العام الجزائري عن الأوضاع الكارثية التي تتخبط فيها البلاد، وتقديم المغرب كعدو خارجي يجب على الجميع التعبئة الشاملة لمواجهته والتصدي له.

2- صرف التفكير في عودة الشعب إلى الحراك بعد قرب بطلان مفعول احتجاج النظام وطيلة عامين كاملين بجائحة كورونا.

كنت أعتقد، ولا شك أن كثيرين كانوا يعتقدون مثلي، أن النظام الجزائري قد نجح فعلا في تحقيق هدفه والقضاء نهائيا على تلك البقية الباقية من رابطة الأخوة التي كانت تجمع دوما الشعبين المغربي والجزائري. ولكن جاءت فاجعة ريان لتبرهن بما لا يدع مجالا للشك على أن الشعب الجزائري الشقيق أكبر وأقوى وأذكى من جنرالاته.

رحم الله ريان، تلك الزهرة الزكية التي فاحت من قلب جبال الريف على العالم أجمع بأريج قيم إنسانية كنا نظنها بادت إلى الأبد.

‫تعليقات الزوار

2
  • مصطفى
    الإثنين 14 فبراير 2022 - 09:58

    نقَلت لنا استاذنا الكاتب المحترم قاسم اشهبون الوجه الآخر لمأساة ريان، ونقلت لنا أيضا وببراعة الجانب الذي خلقته “ظاهرة” ريان، تلك الظاهرة التي أكدت مرة أخرى أن المغرب أمة عريقة متلاحمة ومتماسكة ولا يمكن اختراق هذه الأمة أبدا. أما عن كون ظاهرة ريان هي ظاهرة انسانية كونية، فلم يحصل ذلك إلا لأن شعبنا العظيم عكَس ذلك البعد وجعله واقعا، ومن هذا المنطلق فإن الملاحم الكبرى وبسبب تعامل الداخل مع هذه الملاحم بمختلف تمظهراتها هو الذي يحدد للآخر كيفية تلقيها.. وهنا نجح المغرب كبلد عظيم وبكل مكوناته في تسويق صورة متحضرة، صورة أمة عريقة بتاريخ ضارب في التاريخ. وفي قراءة أخرى قد نفهم أن الاهتمام بالإنسان كيفما كان هذا الإنسان وفي أي بلد كان، هو الذي يمنح القيمة المضافة لهذا البلد.. ويزيد من اشعاعه. شكرا الأستاذ الكاتب السيد قاسم اشهبون على هذا المقال الملهم.

  • عقلنة المساعدات
    الإثنين 14 فبراير 2022 - 11:00

    لو أن شخصا نفقت بقرته وتمت مساعدته بالمال لشراء أخرى لكان ذلك جيدا. لو أن أحدهم تهدم منزله وتم جمع التبرعات لإعادة بناء المنزل لكان ذلك خيرا. لكن ما معنى أن يفقد أحدهم طفلا وتنهال عليه الأموال؟ هل الأموال تعوض الطفل؟ ماذا سيفعل شخص قروي في شقة منحت له بالمدينة؟ هل هو فعلا راغب في مغادرة قريته؟ لقد رأينا احتجاجات سكان مكان الفاجعة الذين يتساءلون كيف يمكن لأسرة أن تعيش ب 5000 درهم في السنة؟ كيف سينظر هؤلاء وأطفالهم إلى تلك الأسرة المكلومة وقد أصبحت ثرية فقط بسبب سقوط ابنها في بئر؟ لماذا لم يتم التفكير في التوزيع العقلاني لتلك المساعدات؟ كل مرة يموت عمال فقراء في أوراش العمل ويكونون معيلي أسرة ممتدة. هل يتم الالتفات إليهم؟ لا. ذلك لأن المتبرعين لو فعلوا ذلك لما عرفهم أحد.

صوت وصورة
نظرة حقوقية إلى مدونة الأسرة
الأربعاء 27 مارس 2024 - 19:35 4

نظرة حقوقية إلى مدونة الأسرة

صوت وصورة
نتائج "بارومتر الصناعة المغربية"
الأربعاء 27 مارس 2024 - 19:15

نتائج "بارومتر الصناعة المغربية"

صوت وصورة
الفهم عن الله | الاحتضان الرباني
الأربعاء 27 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | الاحتضان الرباني

صوت وصورة
نصومو مرتاحين | مشاكل الأسنان
الأربعاء 27 مارس 2024 - 17:00

نصومو مرتاحين | مشاكل الأسنان

صوت وصورة
البياض يكسو جبال مودج
الأربعاء 27 مارس 2024 - 12:15 2

البياض يكسو جبال مودج

صوت وصورة
مغاربة والتعادل مع موريتانيا
الأربعاء 27 مارس 2024 - 01:07 20

مغاربة والتعادل مع موريتانيا