المغرب يطلق رصاصة الرحمة على وضعية الستاتيكو الإقليمية

المغرب يطلق رصاصة الرحمة على وضعية الستاتيكو الإقليمية
الجمعة 15 يناير 2021 - 15:29

مقدمة

يقول الباحث نيكولاس بفيرز إن أزمة “كوفيد” سرعت عملية إعادة تجديد العولمة حول المحاور الإقليمية، مع توسيع الفارق بين البلدان من حيث قدرتها على تدبير الأزمة. وفي هذا السياق، يلاحظ الباحث أن في المنطقة الأوروبية مثلا فإن ألمانيا وسعت الفارق ووسعت التفوق في مرحلة الأزمة عن فرنسا، وبالتالي ستخرج من الأزمة أكثر تفوقا وابتعادا عن باقي جيرانها الأوروبيين.

العقل الرسمي المغربي كان مقتنعا كذلك بأن التفوق في مواجهة الرعب الاقتصادي والرعب الصحي والرعب الاجتماعي يؤهله بشكل رسمي إلى حجز موقعه الريادي في الإقليم وفي العالم.

ترسيخ البحث عن موقع ريادي في عالم ما بعد “كوفيد” تجسد من خلال العمل على الرفع من السرعة التدبيرية الإستراتيجية، وبالتالي الخروج بشكل رسمي من وضعية الستاتيكو(الستاتيكو في المنطقة المغاربية الذي فرضته قضية الصحراء).

إذا كانت مرحلة بداية أزمة “كوفيد” قد فرضت على العقل الرسمي المغربي التركيز على المشاكل والصعوبات الداخلية من أجل الخروج من النفق، فإن المتتبعين كانوا يعتقدون أن الإستراتيجية الداخلية غير قادرة لوحدها على إنجاح إستراتيجية الخروج من الأزمة.

لهذا، انتظر الكل الخطوات التي سيقدم عليها العقل الرسمي المغربي فيما يتعلق بخيارات العولمة والإقليم (خصوصا أن الحل مرتبط بثنائية الموقع داخل النظام الدولي والنجاحات الاقتصادية)؛ فالعقل المالي هو عقل التدفقات، وعقل الاندماجات، وعقل العولمة، وعقل السرعة القصوى.

مواجهة الرعب الاقتصادي والرعب الصحي والرعب الاجتماعي فرضت على العقل الرسمي المغربي تبني إستراتيجية الصرف على المستوى الداخلي والمستوى الوطني، تطبيقا للمقولة الشهيرة للسياسي الفرنسي ليون بريترون والتي مفادها أن الحكم والإدارة هما في كل الحالات صرفا للمال العام؛ ولكن المتتبعين للشأن المغربي كانوا ينتظرون عملية موازنة إستراتيجية الصرف، من خلال المرتكز الثاني للحكم والإدارة والذي نسي السياسي الفرنسي ليون برترون الإشارة إليه، وهو أن الحكم والإدارة هما ـ في كل الحالات وقبل اللجوء إلى عملية الصرف ـ القيام ببحث دائم عن الموارد.

العقل الرسمي المغربي كان مقتنعا بأن ثنائية الموارد – الصرف تحتاج منه إلى إعادة توسيع إستراتيجيته المعتمدة على الحكم من خلال السياسات العمومية والحكم من خلال الأثر، أو ما سماها أبراهام لنكولن الحكم من أجل الشعب. وبالتالي، كان الكل ينتظر استثمار الموقع الجغرافي واستثمار الأفكار الجديدة واستثمار الخبرة والتجربة واستثمار عوامل القوة الداخلية في التحسين والرفع من نوعية الحكامة والتركيز على إستراتيجية السياسة – النفعية.

1ـ إستراتيجية رفع السرعة التدبيرية تحتاج قادة ومؤسسات بكفاءة نوعية

الرفع من السرعة التدبيرية الإستراتيجية ليس بالأمر السهل والهين؛ بل يتطلب من البلدان التوفر على قادة ومؤسسات وقطاع خاص بقدرات وكفاءات نوعية.

من المعروف كذلك أنه في مرحلة الأزمات يتم تسليط الضوء على الفوارق بين قدرة الزعماء والمؤسسات والشركات على التفاعل والتصرف أثناء الأزمات، من خلال القدرة على التغلب على الأزمات والصدمات.

وتعلمنا دروس التاريخ، كذلك، أنه في مرحلة الأزمات، فإن أنظار الشعوب تتوجه إلى زعمائها وقادتها من أجل الحكم على الحلول والمخارج التي يقترحونها على شعوبهم.

السياسي الأمريكي جون ميلر كان أطلق، سنة 1970، على هذه الظاهرة “التوحد حول رايات الوطن”. التوحد حول رايات الوطن في مرحلة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يجعل الزعماء والقادة تحت مجهر الحكم والتقييم الوطني والدولي، وبالتالي يتم الاهتمام بنوعية وطينة القادة.

الدساتير الديمقراطية حاولت ترسيخ ذلك من خلال تكليف رؤساء الدول بضمان استمرارية الدولة، مما يثبت أن دور القادة هو ضمان استمرارية واستقلالية الدولة. لهذا، يطلب من القادة في مرحلة الأزمات حسن قيادة الدول في مرحلة الإعصار والعاصفة.

إذا كان الزعيم الأمريكي أبراهام لنكولن قد فسر الديمقراطية بأنها “حكم الشعب للشعب، عن طريق الشعب ومن أجل الشعب”؛ فإن الشق الأول من هذا التعريف يحيلنا على حكم الشعب للشعب، وبالتالي الاهتمام المبدئي بالاقتراع من أجل انتخاب الزعماء والقادة. أما الشق الثاني من التصريح فيؤكد لنا ضرورة الحكم من خلال ممثلي الشعب، أي من خلال المؤسسات المنتخبة. أما الشق الثالث، فيؤكد أن الحكم يتم من أجل الشعب، وبالتالي الاهتمام بالأثر والنتائج التي يتركها هذا الحكم على الشعوب وحياتهم ورفاهيتهم.

ويجب الاعتراف بأنه إذا كان القرن التاسع عشر والقرن العشرون قرني الاقتراع والحكم من خلال المؤسسات، وبالتالي كانا قرنين للسياسة والبرلمانات والمؤسسات التمثيلية؛ فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن ترسيخ الحكم من أجل الشعب، أي قرن الأجهزة التنفيذية وقرن الاقتصاد والمالية والسياسة العمومية وأثر هذه السياسات العمومية على حياة الناس ورفاهيتهم ونمط عيشهم.

لقد نقلت الأزمات التي عرفها القرن الحادي والعشرون (خصوصا الأزمة المالية لسنة 2008 وأزمة كوفيد) الاهتمام بكيفية صعود القادة والزعماء إلى الحكم إلى الاهتمام بالأثر الذي يتركه هذا الحكم على الشعوب وحياتهم ورفاهيتهم، وبالتالي صعد نجم السياسات العمومية ونوعيتها وأثرها على المواطن.

وفي هذا السياق، يؤكد الباحث برترون بادي، في كتابه “العالم لم يعد جيوسياسيا”، أن السياسة لم تعد تمثل الجزء الصعب والصلب، والاجتماعي الجزء الرخو والمرن؛ فالأزمات التي تحصل تؤكد أن الاجتماعي هو الجزء الصلب، والسياسي هو الجزء الرخو.

أما الباحث بيير روزنفلون، فيؤكد، في كتابه “الحكومة الجيدة”، أن العصر الحاضر هو عصر نوعية الحكم وأثر الحكم وتأثيره على المواطن والمرتفق ودافع الضريبة.

2ـ تفوق العقل الرسمي المغربي وترسيخ إستراتيجية زعماء تدبير التعقيد

يقول روجي جيرارد شوارتزنبيرجر، في مقدمة كتابه الدولة الفرجة، إن السياسة قديما كانت تعتمد على الأفكار؛ بينما السياسة في نهاية القرن العشرين اعتمدت على الأشخاص. أما القرن الحادي والعشرون، فيؤكد لنا جميعا أن السياسة من المفروض أن تعتمد على ثنائية الأفكار والأشخاص.

وحيث إن القرن العشرين يعتبر قرن التحرر من الاستعمار وبناء الدولة الوطنية والاقتصاد الوطني، وبالتالي احتاج إلى زعماء التحرر والاستقلال وزعماء اللحظات القاسية في تاريخ الشعوب.

زعماء القرن الحادي والعشرين هم زعماء وقادة ما بعد اللحظات القاسية في تاريخ الشعوب ولحظات ما بعد التحرر، وبالتالي من المفروض أن يكونوا زعماء من طينة جديدة، زعماء يرسخون الحداثة، ويتميزون بكونهم زعماء الشواهد العليا القادمين من الجامعات ومدارس التكوين العليا؛ لأن العصر الحاضر هو عصر الزعماء المتعلمين كما سماه نعوم تشومسكي، وعصر الزعماء أصحاب الشواهد العليا.

في عصر الأزمات والمشاكل العويصة، تحتاج الشعوب ويحتاج المواطنون إلى وجود قادة وأشخاص أبناء عصرهم يتميزون بالسرعة والحركة والنجاح، يجسدون خاصيات عصرهم، السرعة -الفعالية -النجاح. زعماء الحركة والديناميكية، وزعماء يرسخون سياسة الحركة والفعل والسرعة.

قادة في حركة ذهاب وإياب دائمة، يركضون يمارسون الرياضة، يسافرون، دائمو الحركة، يرسخون بسفرهم داخل الوطن دولة الجهات ودولة القرب، ويرسخون بسفرهم إلى الخارج دولة الصفقات والتعاقدات والمبادلات والاتفاقات ودولة البحث عن الأفكار والقيم الجديدة، ويرسخون بذلك دولة الحضور الإقليمي والدولي، زعماء وقادة يرسخون ويجسدون روح الشباب.

تجديد النخب القيادية في غالبية الدول المغاربية (الجزائر-تونس-موريتانيا) كان يعني حضور أشخاص جدد، وبالتالي رؤساء في مرحلة التجريب.présidents en période de rodage)

التغيير على مستوى القيادات كان من المفروض أن يفتح صراعا جديدا حول موقع الزعامة الإقليمية بين المغرب والجزائر، وكذلك على مستوى التحالفات داخل المنطقة المغاربية، وبالتالي انتظر الكل تأثير هذه التغييرات على مستوى الزعامات وعلى وضعية الستاتيكو التي تعيشها المنطقة منذ منتصف القرن الماضي.

عصر الرؤساء في مرحلة التجريب كان يمنح للمغرب أفضلية كبيرة من خلال وجود ملكية ترسخ الاستمرارية (مات الملك، عاش الملك)؛ بل أكثر من ذلك أثبتت الملكية أنها في مرحلة تجديد وتحديث مستمرة. وهكذا، سيلاحظ المتتبع أن الملكية تقدم للبلد في كل مرحلة زمنية قائدا يرسخ مشاكل عصره.

من أجل الخروج من مرحلة الحماية، قدمت الملكية للمغرب زعيم التحرير محمد الخامس الذي كان يحمل تكوينا دينيا وطنيا. وفي مرحلة الاستقلال وبناء الدولة الوطنية، قدمت الملكية نموذج الملك الراحل الحسن الثاني صاحب التكوين القانوني. وفي نهاية القرن العشرين، قدمت الملكية نموذج الملك محمد السادس صاحب التكوين القانوني والتكوين في العلاقات الدولية وحائز على الدكتوراه (ملوك دكاترة وملوك الشواهد العليا).

ومن أجل المستقبل، تقدم الملكية ولي العهد، الذي يتابع تعليمه في مدارس الحكامة، (ملوك الحكامة وملوك حكامة الأوضاع الصعبة والأوضاع المعقدة).

استمرارية المؤسسة الملكية منحت للمغرب كذلك احترافية وتجربة كبيرة في رأس هرم السلطة، فالملكية تحتم على الملك المرور بمرحلة ولي العهد، وبالتالي التعايش مع المشاكل والأزمات والبحث عن الحلول؛ وهو ما يمنح تجربة واحترافية للمؤسسة الملكية، تجعل الملكية متفوقة إقليميا ودوليا على الدول التي يتم اختيار الزعماء فيها من خلال اللحظات الانتخابية، حيث تكون هذه الدول أمام قدر اختيار الأشخاص العاديين والأشخاص دون تجربة أو الأشخاص المرتبطين باللوبيات الاقتصادية والمالية أو أشخاص الستاتيكو أو الأسوء من ذلك الأشخاص المغامرين، أو قادة ورؤساء محاربين، وبالتالي يزجون ببلدانهم في المجهول من خلال المغامرات غير المحسوبة وغير المدروسة والتي تعمل على تدمير الدول، (قال فاليري جيسكار ديستان: “هناك نوعان من القادة؛ قادة مغامرون، وقادة يملكون أفكارا وتصورات).

لم يعمل العقل الجزائري على تجديد كيفية اختياره لرؤسائه وقادته، مما منح للجزائر نماذج قادة شيوخ قليلي الحركة والكلام، عابسين بشكل شبه دائم، قليلا ما يسافرون، قادة مركزيين وبالتالي قادة يكرهون سياسة القرب ويفضلون عليها سياسة البعد.

قادة وقفت أفكارهم عند مرحلة التحرير، لا يسافرون كثيرا لأنهم يكتفون بالوزن الإقليمي والدولي الذي اكتسبوه منذ استقلال بلادهم، وبالتالي يكتفون بالتحالفات السابقة، قادة لا يريدون تصديق أن جدار برلين قد سقط وأوان عصر القطبية الثنائية قد ولى .

قادة يجهلون الاقتصاد ويفضلون الريع والثروات الطبيعية، قادة وقفت أفكارهم عند زمن الدولة القومية، وبالتالي قادة محاربين قد يعمدون إلى تدمير أوطانهم ومستعدين لتهديد السلم الإقليمي، قادة لا يمتلكون شواهد عليا، إنهم قادة مغامرون من أجل سياسة الحدود ومن أجل سياسة التوسع.

مما يثبت أن العقل الجزائري بقي وفيا لمقولة كوت “كل شيء قد تم التفكير فيه”.. وهكذا، بقيت الجزائر وفية لكاريزما القائد القادم من المؤسسة العسكرية أو القائد المسنود من المؤسسة العسكرية، القائد المسنود من المؤسسة العسكرية لا يمكن أن يرسخ إلا كاريزما المحارب .

مما يثبت أن العقل الجزائري الرسمي بقي وفيا وحبيسا لإستراتيجيته المتمثلة في صنع قادة مرتبطين بنماذج الكاريزما العسكرية والكاريزما الحربية والصدامية وكاريزما القرن الماضي، بدل أن يعملوا على ترسيخ القادة الذين يصدرون الدولة الحديثة، كما قال هيجل عن القائد بونابرت والذي كان يحمل ثنائية كاريزما المحارب وكاريزما المشرع (مقولة تخص القرن التاسع عشر).

كما أن العقل الجزائري لم يستطع أن يستثمر ثورة المليون شهيد من أجل التحرير من خلال تحرير الأرض، ومن ثم تحرير الإنسان وبناء الدولة الحديثة، مما يعني ترسيخ كاريزما قادة استمرارية الصحوة والنهضة كما قال نيتشه عن نابليون؛ وبالتالي، لم يستطع العقل الجزائري تجاوز مربع كاريزما قادته المرتبطة بكاريزما المقاومة والتحرير.

يقول الباحث جون كلود نومود عن كاريزما المقاومة والتحرير إنها كاريزما بقيت سجينة خط القطيعة مع الاستعمار والمستعمر وتجنيد الفئات الاجتماعية المختلفة ضد المستعمر والمحتل والقضايا التحررية والجمعية، وبالتالي تجد هذه الكاريزما نفسها حبيسة الماضي وغير قادرة على الانتقال إلى المرحلة الثانية .

مما يثبت أن العقل الجزائري الرسمي غير قادر على إبداع كاريزما قادة ما بعد مرحلة التحرير، أو لم يستطع تحقيق إجماع حول المرحلة التالية، وبالتالي يتشبث بالمربع الأول في اختيار القادة.

كاريزما المقاومة والتحرير تمنح لدولها قادة شيوخا عايشوا مراحل التحرير، وبالتالي قادة يحكمون من المستشفيات، قادة غير قادرين على الحركة والسفر (وإن سافروا فمن أجل العلاج والسياحة، وبالتالي لا يساهم السفر في تجديد حقيبة أفكارهم) وغير قادرين على ترسيخ حكم القرب.

قادة يفرضون على دولهم وجغرافيتهم وجوارهم سياسة الستاتيكو قسرا، ويفرضون عليهم كذلك معايشة أزمات الماضي بحروبه ومآسيه وخلافاته، ويفرضون عليهم معايشة حقيبة أفكار القرن الماضي؛ وبالتالي يحكمون البلد والمنطقة من المقبرة أو من منطقة قريبة من المقبرة.

زعماء الشواهد العليا وزعماء التجربة والحداثة والحركة والمستقبل يجعلون من المغرب يمتلك مؤسسة ملكية قادرة على ترسيخ المغرب المتحرك المنفتح على المستقبل، بينما زعماء الماضي والستاتيكو يمنحون للشقيقة الجزائر زعماء الستاتيكو والجمود.

نوعية القادة داخل المنطقة المغاربية منحت للمنطقة نوعين من الزعماء: زعماء الاستمرارية والشواهد العليا والتجربة والانفتاح وحقيبة الأفكار المتجددة، وزعماء اللحظات الانتخابية والشواهد المتوسطة وزعماء في مرحلة التجريب أي حديثي العهد بمشاكل القيادة.

مما منح للمغرب أفضلية كبيرة لترسيخ الزعامة الإقليمية في المنطقة المغاربية، وبالتالي منحته أفضلية في اغتنام الفرص من أجل فرض نفسه على النظام العالمي الجديد الذي هو قيد التشكل، وجعلت المؤسسة الملكية تعمل بشكل حثيث على حجز موقع متميز لبلدها في الإقليم وفي النظام العالمي متعدد الأقطاب.

3ـ العقل الرسمي المغربي والرهان على اولوية الاقتصاد

سيزان بيرجر، أستاذة علم السياسة في الجامعات الأمريكية، ستؤكد، في كتابها عولمتنا الأولى، أن العالم قد عرف عولمته الأولى في المرحلة الفاصلة بين 1870-1914.

العولمة الأولى بالنسبة لهذه الباحثة تتميز بعصر بناء الدولة الوطنية، وعصر ترسيخ الوحدة الألمانية والوحدة الإيطالية، وتوحيد الوطن الأمريكي. كما سيشهد عصر العولمة الأولى انتصار السياسة، وانتصار التدخل الاقتصادي وانتصار الأحزاب والنقابات والبرلمانات، وبالتالي كانت الباحثة تؤكد أن عصر العولمة الأولى (نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين) هو عصر السياسة وعصر المؤسسات التمثيلية.

أما عصر العولمة الثانية، فسيشهد صعود المالية العمومية وتراجع السيادات الوطنية.

العولمة الثانية ترسخ العالم المفتوح، عالم يستفيد فيه الرأسمال والكفاءات من حرية في التنقل والاستقرار، وبالتالي فإن الاقتصاد يلعب الدور الأساسي في تحديد سياسات الدول وتحالفاتها ويشكل العنصر الأساسي في تحديد قوة الدول ووزنها وحجمها الإقليمي والدولي.

يقول الباحث يوفال نوح هراري إن البشرية كانت، في سنة 1938، تملك حق الاختيار بين ثلاثة أحلام: الحلم النازي – الحلم الشيوعي- الحلم الليبرالي؛ بينما لم يبقَ، في سنة 1968، أمام البشرية إلا حلمان: الحلم الليبرالي والحلم الشيوعي، بعد أن سقط الحلم النازي مع نهاية الحرب العالمية الثانية.

في سنة 1998، لم يتبق أمام البشرية إلا حلم واحد هو الحلم الليبرالي، بعد تفكك العالم الشيوعي وسقوط جدار برلين. وبعد سنة 2018، لم يبق أمام البشرية أيّ حلم؛ ولكن بقيت سيطرة النخب الليبرالية.

القادة في العالم وكذلك الشعوب منهم من لا يزال يعيش في عصر العولمة الأولى أو يعيش في عصر الثنائية بين الشيوعية والرأسمالية، وهناك جزء آخر يحاول الدخول إلى عصر العولمة الثانية أو محاولة التأقلم مع عصر العولمة الثانية، وهناك قادة وزعماء براغماتيون يحاولون الاستفادة من إيجابيات الحقبتين.

العقل الرسمي المغربي مقتنع بأن القرن الحادي والعشرين هو قرن الاقتصاد وقرن السياسات العمومية وقرن سياسة الأثر، إذ لا وجود لسياسات عمومية دون دراسات للأثر.

الإيمان بقرن الاقتصاد هو إيمان بقرن السياسة النفعية التي تترك آثارا إيجابية على الاقتصاد. كما أن عصر الاقتصاد هو عصر الأسرع وعصر الأقوى والأذكى والأكثر حركة والأكثر تجربة، وعصر العلاقات الدولية القوية والمتينة. وبالتالي، يشعر العقل المغربي بأن عصر الستاتيكو والسرعة البطيئة وعصر مشاكل الماضي قد ولى بالنسبة له .

4ـ العقل الرسمي المغربي ودبلوماسية التطبيع

إذا كان القرن العشرون هو قرن السياسة وكسب المعارك من خلال القوة العسكرية، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن الاقتصاد وقرن كسب المعارك الإستراتيجية عبر احتلال مراكز القوة داخل السوق الدولي، من خلال القوة الاقتصادية وحجز الموقع داخل النظام الدولي.

وإذا كان عصر المواجهة مع إسرائيل قد تم تحت سقف التصريح الشهير للمرحوم ياسر عرفات في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13 نونبر 1974، حيث قال: “… لقد جئتكم، يا سيادة الرئيس، بغصن الزيتون في يدي مع بندقية الثائر في يدي… فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. سيدي الرئيس، الحرب تندلع من فلسطين، والسلام يبدأ من فلسطين”.. لكن شعار القرن الحادي والعشرين وشعار قرن الاقتصاد سيتم تحت: “جئت أحمل غصن الزيتون بيد، وبأخرى ملفات الصفقات الاقتصادية والمالية التي ترسخ إستراتيجية رابح رابح؛ فلا تسقطوا ملفات الصفقات الاقتصادية والمالية من يدي… سيدي الرئيس، الأزمات تبدأ من أوطاننا ومجتمعاتنا واقتصاداتنا، والحلول تبدأ من خلال النفع التي تستفيد منه أوطاننا وشعوبنا واقتصاداتنا. الحرب، يا سيادة الرئيس، هي حرب ضد الجوع وغياب الشغل وغياب التغطية الصحية وغياب السكن وغياب التعليم وغياب الديمقراطية وغياب التنمية وغياب اللقاح الفعال لفيروس كوفيد 19”.

العقل الرسمي المغربي كان مقتنعا بأن ولوج القرن الحادي والعشرين باعتباره قرن الاقتصاد وقرن الموقع القوي داخل النظام الدولي يمر عبر انتهاج سياسة رفع السرعة التدبيرية الإستراتيجية لمواجهة الظرفية والمستقبل، وبالتالي كان يطرح السؤال حول التجربة التي سيسلكها هذا العقل والتي ستمكنه من إمكانية رفع السرعة التدبيرية الإستراتيجية. العقل الأكاديمي للمملكة كان قد اختار تنظيم الدورة العادية السادسة والأربعين لأكاديمية المملكة – تحت عنوان “آسيا أفقا للتفكير”، والتي خصصت لدراسة ومعالجة التجارب الحداثية والتنموية في الصين، وخصوصا الدور الذي يمكن أن يلعبه طريق الحرير في التعاون الأسيوي الإفريقي.

العقل الرسمي المغربي كان يرى أن التجربة الصينية تفتح له الطريق أمام عربة الاقتصاد، وتمكنه كذلك من حسم مشكل الصحراء أو على الأقل الخروج بالمشكل من مربع الخلاف إلى مربع الحل.

المغرب كان يجد تشابها كبيرا في وضعيته مع الوضعية الصينية (مشكل تايوان-مشكل الصحراء)، و(مشكلة هونغ كونغ-مشكلة سبتة ومليلية). وإذا كانت الصين قد أبدعت من خلال طرح حل الدولة الواحدة ذات النظامين، فإن العقل الرسمي المغربي أبدع كذلك من خلال اختيار حل الدولة الواحدة التي تتبنى الجهوية المتقدمة.

الصين كانت تقدم للمغرب نموذج الدولة التي استطاعت الخروج من نفق التخلف والأزمة وحل مشكل التجزئة واسترجاع السيادة على هونغ كونغ، كما نجحت الصين كذلك في سياسة التطبيع مع أعدائها التاريخيين والإيديولوجيين، ونعني بهم اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

تبني سياسة الانفتاح، خصوصا بعد أن فشلت سياسة ما يسمى بالقفزة الكبرى للأمام في عهد ماو، نظرا لغياب الانفتاح ونجاح الصين في القيام بالقفزة الكبرى في عهد دينغ شياو بينغ من خلال الانفتاح (الانفتاح على الخصوم التاريخيين للصين، ونعني بهم اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، وبالنسبة للمغرب دبلوماسية التطبيع والانفتاح).

المغرب يطمح كذلك إلى الرفع من سرعته التدبيرية الإستراتيجية عن طريق النهل من الثقافة الصينية المعتمدة على ما يطلق عليه الثقافة السياسية النفعية وسياسة رابح -رابح، وشعار “لون القط لا يهم” طالما أنه يصطاد الفئران.

سياسة رابح –رابح دشنها دينغ شياو بينغ من خلال ما أطلق عليه بدبلوماسية كرة الطاولة (وليست صدفة أن يجتمع رؤساء اتحادات الكرة في المغرب وإسرائيل لتفعيل دبلوماسية كرة القدم)، وكانت تعني الكرة التي تنتقل بين الخصمين بروح رياضية وبقدرة الطرفين على الربح والاستفادة بشكل متوازٍ (من خلال مباراة في كرة الطاولة بين الفريق الصيني والفريق الأمريكي الذي كان يصنف سابقا في خانة الأعداء).

الثقافة السياسة والدبلوماسية النفعية أو سياسة رابح –رابح تعني أن المغرب يستفيد من التجربة الصينية؛ فسياسة كرة الطاولة وسياسة الانفتاح على الخصوم كانت في مقابل استفادة كبيرة للصين على مستوى الموقع الدولي وعلى مستوى الوحدة الترابية، ومكنت كذلك من تحرير الأراضي الصينية المحتلة.

الانفتاح مكن الصين من دخول الأسواق العالمية، وخصوصا السوق الأمريكي والسوق الياباني، ومكن الصين من اعتراف الخصوم بوحدتها الترابية؛ بل ومهدت سياسة الانفتاح للصين كذلك استرجاع إقليم هونج كونغ من بريطانيا.

العقل الرسمي المغربي يرى أن سياسة التطبيع مكنت المغرب من اعتراف أمريكي بوحدته الترابية على صحرائه، وتفتح الطريق كذلك على فتح ملف سبتة ومليلية. وفي هذا السياق، فإن تصريح رئيس الحكومة المغربية حول المدينتين السليبتين هو تصريح مدروس؛ وهو تلميح من المغرب إلى أن ثمن دبلوماسية التطبيع يجب أن يكون ثمنا يرسخ ثنائية رابح-رابح، وأن يفتح الطريق ليس فقط لاعتراف أمريكي حول مغربية الصحراء؛ بل يجب أن يشمل في المستقبل المناطق المحتلة من طرف إسبانيا. كما استفادت الصين (مع وجود الفارق) من استرجاع المناطق المحتلة من طرف بريطانيا.

نجاح سياسة التطبيع المغربية في ترسيخ سياسة رابح-رابح يفرض على المغرب تبني استراتيجية خطوة خطوة في إنجاح التطبيع أو ما يطلق عليه بالحل الأفقي الذي يعتمد على تطبيق جدول زمني.. كل خطوة من طرف يقابلها خطوة من الطرف الآخر، وبالتالي تبني إستراتيجية الضربات الترجيحية وليس إستراتيجية ضربات الجزاء (والتي يتقنها الطرف الإسرائيلي). تبني سياسة خطوة خطوة من طرف العقل الرسمي المغربي يمليه كذلك رفض العقل الشعبي المغربي في جزء كبير منه لسياسة التطبيع.

استعداد العقل الرسمي المغربي للاستفادة من تجربة العقل الصيني في القيام بالقفزة الكبرى يتمثل كذلك في استفادة العقل المغربي من ثقافة الإصلاح الصينية، والتي رفضت مقولة بعض القادة الصينيين والتي مفادها: “من الأجدر أن نبقى فقراء في ظل الاشتراكية، على أن نصير أغنياء في ظل الرأسمالية”.

العقل الرسمي المغربي ومعه جزء من الشعب المغربي كان مقتنعا بأن سياسة التطبيع ستمكنه من مكاسب مادية واقتصادية ومالية، لها انعكاس إيجابي على وضعيته المادية ووضعية قضيته الوطنية وموقع بلده في النظام الإقليمي والدولي.

العقل الرسمي المغربي كان يستفيد كذلك من دروس التاريخ، حيث إنه في عهد الأزمات عمد العقل الرسمي المغربي دائما إلى الانفتاح على إسرائيل، خصوصا في عهد التقويم الهيكلي وأزمة المديونية، حيث عمد الملك الراحل إلى استقبال شمعون بيريز يوم 21 يوليوز 1986، بعد تشدد المؤسسات المالية الدولية في فرض برنامج تقويم صارم وغضب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق المغربي الليبي المبرم في وجدة.

وعلى الرغم من أن اللقاء لم يعرف إلا نجاحا جزئيا، فإن النتائج الاقتصادية كانت جد جيدة، وأسفرت عن قبول المؤسسات الدولية بإعادة جدولة الدين وتقديم ديون جديدة مع إعادة فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن زيارة غير رسمية وفرت للمغرب صفقة اقتصادية كبيرة ومهمة في مرحلة أزمة المديونية. بينما يرى جزء آخر من الشعب أن المواقف المبدئية والتاريخية اتجاه قضية فلسطين لا تقبل المساومة أو التفريط، وإن كان الثمن البقاء في وضعية الستاتيكو.

إن المسؤوليات الدستورية الملقاة على عاتق العقل الرسمي المغربي، والمتمثلة في ضمان استمرارية الدولة، تدفع إلى تجريب كل الطرق التي قد تضمن للبلد موارد وتمنحه مكاسب وتحقق له قفزة ولو صغيرة إلى الأمام، وخصوصا في وضعية الأزمات والأوبئة.

نجاح سياسة التطبيع يبقى مرهونا بترسيخ النتائج المحصل عليها في التجربة الصينية؛ من خلال تأكيد السياسة النفعية وسياسة الأثر وسياسة الحكم من أجل الشعب، وسياسة الاقتصاد أولا من خلال تحقيق نمو برقمين، ومن خلال تحسين الظروف الحياتية والمعيشية والاجتماعية للمواطنين.

5ـ العقل الرسمي المغربي والتعامل الجديد مع الجغرافية الوطنية

التفوق الكبير، الذي رسخه المغرب على باقي دول المنطقة منذ 2011، يتمثل في تغيير نظرته إلى جغرافيته الوطنية، ومحاولة ترسيخها على أسس جديدة.

العقل المغربي الرسمي القديم كان يؤسس علاقته مع الجغرافية الوطنية، من خلال الاعتماد على ثنائية الدولة القوية والمركزية لترسيخ الشرعية وبالتالي تميزت هذه العلاقة بكونها علاقة خلافية وصدامية.

العقل الرسمي المغربي الجديد، وخصوصا ما بعد دستور 2011 وتنصيصه على الجهوية المتقدمة، عمل على تأسيس الشرعية من خلال علاقة جديدة مع الجغرافية الوطنية تبتعد عن ثنائية الدولة القوية المركزية وتقترب من مغرب الجهات.

العلاقة الجديدة، التي يحاول العقل المركزي للدولة أن يشرعها، هي علاقة تبتعد عن الشرعية القديمة والتي كان ينظر من خلالها إلى الدولة كأنها نظام يفرض السيطرة والإرادة إلى مغرب باعتباره نظاما نحس به ونحس بانتمائنا إليه.

وهكذا، عمل المغرب على فتح الطريق على مصراعيه نحو نظرة جديدة إلى الأرض والجغرافية، من خلال القطع التدريجي مع النظرة الثنائية السابقة، مغرب المخزن ومغرب السيبة، والمغرب النافع والمغرب غير النافع.

العقل الرسمي المغربي عمل على تغيير نظرته إلى الأرض والجغرافية، بعد التأثير الذي أحدثته السياسات العمومية على مفهوم الأرض وكذلك تحت تأثير المنظمات الدولية الباحثة عن فتح الطريق أمام قيم التنمية والتحرر والديمقراطية والجهوية، وكذلك من أجل البحث عن مخرج جهوي لقضية الصحراء في إطار الدولة الواحدة.

كما أن هذا التغيير كان يفتح الطريق نحو الالتقاء مع النظرة الجديدة للنظام الدولي إلى الأرض، ودورها في تعزيز وبناء أسس العلاقات الدولية.

عصر العولمة الثانية وولوج القرن الحادي والعشرين المعروف بأنه قرن الاقتصاد كان له تأثير كبير على دور الأرض والجغرافية الوطنية في العلاقات الدولية، خصوصا أن العولمة ساهمت في تراجع كبير لدور الجغرافية السياسية الإدارية في منظومة العلاقات الدولية .

وفي هذا السياق، يؤكد بيرترون بادي، المختص في العلاقات الدولية، في كتابه “نهاية الجغرافية”، أنه إذا كانت الجغرافية تلعب دورا أساسيا في الشق السياسي، وإذا كان النظام الدولي الويستفاليان وما بعد الويستفاليان يعتمد على الأرض والجغرافيا باعتبارها المحدد الأساسي لمنظومة العلاقات الدولية، حيث شكل بناء الجغرافية القاعدة الحقيقية الوحيدة لمؤسسة تنظيم العلاقات بين الدول؛ فإن العصر الحاضر يتميز بكون المجموعات الاجتماعية لم تعد تطالب كالسابق بالجغرافية والأرض، وبالتالي فإن الأرض والجغرافية صار حضورها يتراجع بشكل كبير داخل العلاقات الدولية.

حضور التدفقات العابرة للحدود، وترسيخ منظومة الشبكات باعتبارها الواسطة التي من خلالها يتم تنظيم الأهم في العلاقات الاقتصادية والثقافية، جعل التواصل يتحقق من خلال غياب أي ترسيخ جغرافي.

وفي هذا السياق، يؤكد بيرترون بادي أنه كلما طالب الفاعلون الراهنون بالأرض والجغرافية ندخل في مشاكل ليس لها حلول وليس لها مخارج أو ندخل في الستاتيكو (يوغسلافيا-القوقاز- إفريقيا-أمريكا اللاتينيةـ …)..

ويستنتج بيرترون بادي أن الفاعلين في الساحة الدولية بدؤوا يتأكدون أن المطالب المتعلقة بالأرض في غالبيتها ليست لها حلول ومخارج، ولا يمكن الإبداع فيها بسهولة؛ وهي مطالب قد تعمر طويلا، وقد تصير أبدية وبالتالي هي عدوة العولمة والاقتصاد.

التطور الاقتصادي وعصر النيولبيرالية الجديد هو عصر السرعة والحلول وعصر التدفقات الاقتصادية والمالية، وبالتالي هو عصر يدفع النظام الدولي إلى تبني إستراتيجية تجاوز البلوكاج المرتبط بمطالب الأرض من خلال الديمقراطية والجغرافية المتنوعة والشبكات.

الباحث بيرترون بادي يستنتج، في الأخير، ثلاث خلاصات: الأولى مرتبطة بوجهة نظر العلوم السياسية، وخصوصا وجهة نظر العلوم الاجتماعية، والتي تري الأرض والجغرافية كبناء اجتماعي، وبالتي هي ليست معطى طبيعيا بل هي معطى يتم بناؤه من خلال سياسة الأعمال الكبرى من طرق وربط بشبكة السكة الحديدية وموانئ والتكلف بالأهداف الكبرى للصالح العام، ومن خلال البناء الاجتماعي كذلك.

الخلاصة الثانية مرتبطة بالتحديث والعولمة، وهما مجال عابر للحدود، ومجال مفتوح على الشبكات العابرة للحدود، ومجال للتدفقات الاقتصادية والمالية والتجارية. وهكذا، فإن النظام الدولي ويستفاليان والنظام الدولي ما بعد الويستفاليان يتركان مكانهما لنظام عابر للحدود.

الباحث يافيست لاكوست يتفق هو كذلك مع بيرترون بادي حول أزمة النظام ويستفاليان وما بعد ويستفاليان، ولكن لا يذهب إلى الخلاصة التي وصل إليها بيرترون بادي والمتمثلة في عنوان كتابه “نهاية الجغرافية”.

بالنسبة ليافيس لاكوست، المشاكل المرتبطة بالأرض ستبقى وتتعزز في بعض الحالات؛ ولكن لم يعد ينظر إليها من طرف القوى المختلفة بنفس النظرة السابقة، (تقرير المصير – إنشاء دول جديدة….)؛ بل صار يتم النظر إليها كمشكل مرتبط بتعزيز الديمقراطية الداخلية، وبالتالي تعزيز خيار الحل من داخل الدولة الواحدة.

الرؤية الجديدة المعتمدة على الجغرافية المتنوعة وعلى الجهوية والتنمية المحلية بدأت تسحب البساط من تحت دعاة الانفصال ودعاة بناء الوطن الجديد، وبالتالي لم يعد عالم القرن الحادي والعشرين وعالم الاقتصاد يعطي أهمية لمشاكل الأرض والانفصال والتجزئة.

العقل الرسمي المغربي كان يعي ميول رقاص العقل الدولي نحو الدولة الديمقراطية الواحدة، وبالتالي عمل على الاحتماء بمظلة الدولة الديمقراطية الواحدة.

التنصيص في الوثيقة الدستورية على الجهوية المتقدمة، والعمل على تعزيز العلاقات الدولية والعلاقات الاقتصادية واتفاقات التبادل الحر مع مجموعة من الدول، كان اعترافا من العقل الرسمي المغربي بقبوله للرؤية الجديدة التي تتبنى تعزيز دور الاقتصاد والسياسات العمومية والعمل من أجل الشعب من خلال تحسين وتطوير أثر السياسات العمومية.

التغيير في التعامل مع الجغرافية الوطنية من خلال الجهوية المتقدمة ومغرب الجهات والتنمية الجهوية، والتغيير في عقيدة النظام الدولي والقوى الفاعلة بداخله، كان عنصر قوة إضافيا لصالح المغرب، يجعل من مشكلة الصحراء مشكلة داخلية للمغرب حتى داخل المزاج الدولي العام.

وفي هذا السياق، يعتبر اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء تأكيدا لتغيير المزاج الدولي في التعامل مع مشكل الحدود ومشكل الهويات، وبالتالي يشعر العقل الرسمي المغربي بأن مشكل الصحراء قد خرج فعليا من مربع الخلاف إلى مربع الحل؛ مما يشجع المغرب على رفض وضعية الستاتيكو الإقليمي (الحل المتبع في منطقة الكركرات)، مع العمل على تغيير السرعة التدبيرية الإستراتيجية.

6ـ العقل الرسمي المغربي يستثمر صعود مجتمع الأفراد ومجتمع السوق من أجل ترسيخ تفوقه على أطروحة الانفصال

في سنة 1789، وإبان الإعلان عن حقوق الإنسان والمواطن تم الاعتراف بأن “تجاهل أو نسيان حقوق الإنسان هو السبب الرئيسي والأساسي لمآسي الشعوب وفساد الحاكمين”. وبالتالي، فإن الحضور الأساسي والمستمر في الحياة العامة للوقائع المعاشة من طرف المواطنين وحقوقهم هو محدد أساسي لنوعية الديمقراطية.

نوعية الديمقراطية لم تعد تعتمد فقط على السلطة الجماعية والنقاش العمومي، الديمقراطية صارت تعني كذلك الاهتمام بالكل والاهتمام بكل الظروف والوضعيات الشخصية. وهكذا، تم التفكير في إعادة توجيه الديمقراطية في اتجاهات جديدة، اتجاهات ما بعد الاقتراع العام، من خلال الاهتمام بعنصرين أساسيين: الديمقراطية التشاركية، والتي تعني عدم الاكتفاء فقط بمشاركة المواطنين في الاقتراع العام وفي اللحظات الانتخابية. كما تم العمل كذلك على وضع أسس الديمقراطية التقريرية والتداولية، من خلال إدراج القرارات العمومية في نقاش حي يشارك فيه المواطنون؛ وهو ما رسخ الانتقال من ديمقراطية التفويض إلى ديمقراطية المشاركة، والانتقال كذلك من الديمقراطية الشكلية إلى الديمقراطية الفعلية.

في كتابه “المشروعية الديمقراطية”، سيؤكد الباحث بيير روزنفلون أن الشعب لم يعد كالسابق يمكن تصوره كمجموعة متجانسة، بل هو مجموعة من تعاقب الحكايات الفردية المختلفة. كما أن الشعب يتم تصوره، كذلك، كمجموعة من الوضعيات الخاصة.

وفي هذا السياق، فان المجتمعات الحديثة لا يمكن فهمها إلا من خلال مفهوم الأقليات، وبالتالي لم تعد الأقلية هي الجزء الصغير الذي عليه أن يخضع للأغلبية. الأقلية صارت في العصر الحاضر تعبر عن مجموعة من الأقليات التي تشكل الأغلبية، وبالتالي صار الشعب مجموع الأقليات.

حضور الأقليات وحضور الأفراد تزامن كذلك مع تحول الرأسمالية التي تمت إعادة صياغتها منذ سنة 1980، سواء من خلال علاقتها بالسوق والمساهمين، أو من خلال نمط مشاركة قوى العمل؛ فتدبير العامل الكتلة (ماركس كان يقول إن معمل للنسيج ينتج في نفس الوقت القطن والبروليتاريا)، الذي ميز عصر الفورديزم، يترك مكانه لإعادة تقييم القدرات الشخصية المتعلقة بالخلق والابتكار والالتزام والمشاركة ومدى الاستجابة الذين صاروا عوامل محددة للفعالية، وبالتالي فإن العمل تعرض لشخصنة جديدة.

كما أن الإنتاج عرف تغييرا كبيرا، من خلال الاعتماد أكثر على المواد التقنية التي تعتمد أكثر على المعرفة العلمية. وهكذا، فإن المواد التقنية صارت تدمج أكثر فأكثر عناصر المعرفة العلمية، وبالتالي صار الابتكار العامل الأساسي للإنتاج. وهكذا، لا حظنا تطور اقتصاد الخدمات، ولاحظنا كذلك بداية الاهتمام المركزي بالعلاقة مع المستهلك، وبشكل عام شخصنة كبيرة للعمل.

العصر النيولبيرالي هو عصر الشخصنة، وعصر الأفراد. وفي هذا السياق، نتذكر التصريح الشهير لرئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر عندما قالت: “ليس هناك مجتمع، هناك فقط الأفراد… اهتموا بأنفسكم، اشتغلوا اغتنوا، وهذا ما يمكنكم فعله ويفيد أوطانكم”.

نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين يعتبران عصرا للعولمة المتصاعدة للاقتصادات وعصر الإشباع التام للأسواق التقليدية وأسواق الدول الصناعية القديمة، والانفتاح الخارجي للدول الصناعية الجديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وزمن تكنولوجية الإعلام والتواصل .

كما تميزت هذه الحقبة كذلك بتغيير نمط العمل في كل القطاعات، مما فتح الطريق أمام الشركات متعددة الجنسيات والشركات المنظمة من خلال الشبكات لإعادة توطين استثماراتها ضمن أحسن الظروف.

الرعب الاقتصادي يستهدف المجتمعات وتماسكها وقوتها السياسية؛ فالرعب الاقتصادي يستهدف التركيز على تدمير العلاقات الاجتماعية لصالح أطروحة الفعالية الفردية والمنافسة بين الأشخاص وبين المناطق وبين الدول.. وبالتالي، فإن انتصار عصر الاقتصاد الضحية الأولى فيه هي المجتمعات، والهدف هو التركيز على التبادل والشبكات.

في قرن الاقتصاد، يوجد الفرد، فهو مستهلك أو مدخر أو مستثمر أو دافع للضريبة، وبالتالي صارت صفته كمواطن تتراجع وتنحسر.

وحتى الاحتجاجات التي تحدث، كان السبب فيها هو الخدمات والأوضاع الخاصة والشخصية. وبالتالي، لم تعد القضايا التي تعرفها الأوطان مرتبطة بالقضايا الكبرى؛ بل صارت مرتبطة بالقضايا الصغرى والقضايا الشخصية: الشغل والخدمات والتغطية الاجتماعية وووو، وبالتالي صار حتى المظلة التي يحتمي بها الأفراد هي مظلة الأوضاع المشابهة والأوضاع الخاصة وشبكات الناس الذين يعيشون نفس الأوضاع الخاصة. وفي الخلاصة، فإن قرن الاقتصاد ينقلنا من عالم جون جاك روسو الذي هو عالم العقد الاجتماعي والمجتمع السياسي إلى عالم مجتمع السوق ومجتمع اليد الخفية ومجتمع آدم سميت.

يقول الباحث جاك جينرو في كتابه “اللامجتمع”: “في مجتمع السوق ومجتمع اليد الخفية، لا تطلب منكم حكوماتكم القتال جماعة من أجل الدفاع عن الوطن أو الدفاع عن مبدأ عام، بل تفرض عليكم الحرب مع المنافسين والحرب من أجل التميز للبحث عن العمل وتحسين الوضعية الاجتماعية وووو…” وبالتالي، صارت أطروحة الانفصال التي تتطلب التعبئة الجماعية صعبة ولا تجد لها آذانا صاغية، ولا تجد لها أرضية خصبة أمام صعود مجتمع الأفراد ومجتمع السوق ومجتمع الأوضاع الفردية ومجتمع أثر السياسات العمومية، وهي الخطة التي تفوق فيها العقل المغربي من خلال التنمية والاستثمار في البيئة والإنسان في مناطقه المسترجعة، وبالتالي تفوق من خلال الاقتصاد والدولة الجهوية على هزم أطروحة الانفصال.

مجتمع الأفراد ومجتمع السوق ومجتمع الانفتاح يفتح الطريق السيار أمام المغرب لفرض زعامته الإقليمية وتقديم نفسه كالبلد المؤهل في المنطقة لاحتلال موقع الريادة والزعامة الإقليمية.

7ـ انفتاح العقل الرسمي المغربي على مفهوم النسبية

يؤكد يافيس لا كوست، في الندوة الحوارية التي جمعته مع الباحث بيرترون بادي حول كتاب “نهاية الجغرافية”، أن الأفراد والمجموعات صار بإمكانهم اليوم الاحتجاج وتكوين آراء مخالفة حول الأرض وحدود الدولة دون أن يتعرضوا للاغتيال والاعتقال.

إيمان واقتناع الأغلبية بمفهوم الجغرافية المتنوعة والشعب المتنوع والشخصنة، والاقتناع كذلك بضرورة تكملة ديمقراطية التفويض بديمقراطية المشاركة والتقرير، يعني كذلك بالنسبة للعقل المغربي الرسمي الاقتناع بتجاوز مفهوم الإجماع؛ لأن كسب الرأي العام الدولي ومراكز القوة داخل النظام الدولي حول مشروع الدولة الواحدة مبني كذلك على ترسيخ وتطوير الدولة الديمقراطية التي تؤمن بالاختلاف حتى وإن كان هذا الخلاف يتمحور حول الحدود.

في مقال له يحمل عنوان “تغيير العقد الاجتماعي واستمرارية النظام السياسي بالمغرب”، يقول المرحوم إدريس بنعلي إن الإجماع في حياة المجتمعات هو في الغالب قصير المدى، على اعتبار التناقضات التي يعرفها الحقل الاجتماعي. كما أن الإجماع يخفي الحقائق المتعلقة بالتناقضات التي تجتاح المجتمعات، كما أن الإجماع يغلف التناقضات والاختلافات بغلاف التضامن والوحدة.

بالنسبة للباحث إدريس بنعلي، فإن الإجماع في المغرب يتضح أنه يتمأسس ويعمل بالتالي على كبح الديناميكية المجتمعية وكبح التغييرات والإصلاحات المطلوبة.

على الرغم من أن البحث منشور في سنة 1991 فإنه لم يأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي كانت تشهدها المجتمعات والمتمثلة في الشخصنة والفردية.. وبالتالي، لم يتم الاعتراف بأن عصر الأفراد والأشخاص وعصر ديمقراطية المشاركة وديمقراطية النقاش المفتوح بشكل دائم من أجل بناء وصنع القرارات المجتمعية والقرارات التي تهتم الحياة العامة يثبت أن الإجماع هو مصطلح من الماضي.

تجاوز مفهوم الإجماع واقتناع النظام السياسي بذلك، خصوصا فيما يتعلق بقضية أميناتو حيدر وكذلك في قضية بيان حزب النهج الديمقراطي، وعلى الرغم من أن بعض الأصوات طالبت بالتشدد في التعامل مع من يخرج عن الإجماع، فإن العقل المغربي الرسمي كان أكثر انفتاحا وتفهما لهذا النوع من الاختلاف.

هذا الانفتاح يظهر أن العقل المغربي الرسمي لم يعد يرى الإجماع ضرورة من المفروض توفرها في كافة القضايا التي تعرض حياتنا العامة وعيشنا المشترك، وبالتالي صار العقل المغربي الرسمي منفتحا على النسبية.

الانفتاح الديمقراطي إذا ما تعزز في المغرب من المفروض أن يفتح الباب على مصراعيه من أجل التعامل بشكل جديد مع قضية الوحدة الوطنية، على اعتبار أنها قضية غالبية المواطنين وليست بالضرورة قضية لإجماع.. وبالتالي، يتم التعامل مع الآراء المخالفة والمغايرة في إطار ديمقراطية الحق في الاختلاف والحق في إبداء الآراء المخالفة.

تجاوز النظام المغربي لمفهوم الإجماع هو انفتاح ديمقراطي يحسب له ويعزز موقفه الدولي في التعامل بشكل ديمقراطي مع قضايا الأرض والجغرافية، بعيدا عن الاعتقالات والمحاكمات التي شهدتها مرحلة السبعينيات من القرن الماضي.

التعامل الجديد للعقل المغربي الرسمي مع قضايا الوحدة الترابية (إذا ما تعزز وترسخ) في إطار قضايا الأغلبية وليس قضايا الإجماع هو انفتاح ديمقراطي يعزز بشكل كبير الموقف المغربي على الساحة الدولية؛ وهو كذلك موقف يتلقى دعم الرأسمال العالمي والدولي والدول المؤثرة، على اعتبار أنه يخرج القضية الوطنية من مربع تقرير المصير ومطالب الاستقلال ويصنفها في مربع الديمقراطية والأغلبية والأقلية (وبالتالي لا يحتاج الخلاف حولها إلى الاعتقالات والمحاكمات).. وهكذا، يصير الخلاف حول الصحراء هو خلاف بين أغلبية وأقلية كالخلافات التي يمكن أن تشهدها المجتمعات في كل القضايا العامة التي يمكن أن تعترض تدبير وتسيير الحياة الوطنية الداخلية؛ مما يعزز بشكل كبير موقف المغرب في المحافل الدولية.

8ـ المغرب يطلق رصاصة الرحمة على وضعية الستاتيكو

في افتتاحيته في مجلة البدائل الاقتصادية، يقول فليب فريمو: “البناء الأوروبي منح للقارة الأوروبية أكثر من ستين سنة من الاستقرار والسلم، بينما الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين شهدت فيها أوروبا حربين عالميتين”.

مارتين ويستلاك، رئيس اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية، سيؤكد تصريح جون موني، والذي يشدد على ضرورة رفع سيادة الدول الأعضاء من خلال وضعها في مكان أعلى بعيدا عن الدولة القومية التي كانت دائما مصدر الحروب والبلوكاج والستاتيكو.

البناء المغاربي، من خلال الاتحاد المغاربي، كان يستهدف الخروج بالمنطقة من أولوية السياسة إلى أولوية الاقتصاد، وكذلك الخروج من سجن الدولة القومية ومشاكلها إلى أفق رحب من خلال رفع سيادة الدول الأعضاء، ووضعها في مكان أبعد وأوسع من الدولة القومية، مما كان سيفتح أمام المنطقة وشعوبها آفاقا جديدة ورحبة من التعاون والنمو وتحسين الظروف المعيشية لسكان المنطقة، ويعزز ظروف السلام والعيش المشترك وحسن الجوار؛ ولكن سياسة الانغلاق التي مارسها الأشقاء في الجزائر وسياسة إغلاق الحدود منذ سنة 1994 جعلت المنطقة تعيش في أحسن الأحوال وضع الستاتيكو.

وضع الستاتيكو وإن كان مفيدا في وقت من الأوقات لغالبية دول المنطقة فإنه وضع صار غير مقبول بالنسبة للمغرب؛ فالعقل المغربي الرسمي يشعر بأن وضع الستاتيكو يستهدفه بالأساس، لأنه يعتقد أن موقعه الجغرافي ووزنه الدولي وخبرة قيادته كلها عوامل تؤهله للخروج إلى أفق رحب وواسع من خلال إبداعه السياسي والاقتصادي.

فكرة الاتحاد المغاربي كانت تستهدف في الواقع تجاوز بلوكاج قضية الصحراء وفتح الآفاق أمام الاقتصاد. وعلى الرغم من البلوكاج الإقليمي، فإن المغرب حاول البقاء تحت مظلة الستاتيكو؛ لكن الجفاف وارتفاع المطالب الشعبية وأزمة “كوفيد” كلها عوامل فرضت على المغرب التفكير بشكل مغاير.

العقل المغربي وبخلاف العقل الجزائري يعتقد في الوضع الحالي أن الأولوية يجب أن تمنح لرافعة الفعل الاقتصادي؛ لأنها الرافعة الأكثر مرونة والأكثر قدرة على التطور والنمو. وعلى الرغم من أن غالبية الدول التي لها عواصم بحرية (براغ-فيينا-أمستردام-لندن) أفلحت في جذب البضائع والأفكار والأشخاص، ونجحت كذلك في الانتقال من دول الريع إلى دول المقاولين، واحتلت بالتالي مكانتها في الاقتصاد العالمي، من خلال الانفتاح على الأفكار الجديدة وعلى التجارة وركوب المخاطر (مقولة جاك أطالي). وبالتالي، يشعر المغرب بأنه الخاسر الأكبر في المنطقة من وضعية الستاتيكو.

توفر المغرب على عاصمة بحرية وبحرين وقربه من أوروبا عوامل تؤهله إلى لعب دور القنطرة بين إفريقيا وأوروبا وباقي دول العالم، ومن المفروض أن يضمن له النجاح في اللحاق بركب الدول المتقدمة. وبالتالي، يشعر العقل الرسمي المغربي بأن وضعية الستاتيكو هي مرحلة من الماضي تم تجاوزها، وأنه الآن يشتغل من داخل إستراتيجية الحل وإستراتيجية الآفاق الدولية المفتوحة على التبادل والتدفقات والاقتصاد…

الخلاصة

يلاحظ المتتبعون للشأن المغربي أن العقل الرسمي عمل على تغيير سرعته التدبيرية الإستراتيجية منذ بداية أزمة كوفيد، وعمل كذلك على الرفع من نوعية حقيبة أفكاره لمواجهة عصر التعقيد. كما عمل العقل الرسمي المغربي على محاولة التموقع داخل مظلة العقلانية، هذا التموقع هو إشارة واضحة للمتلقي مفادها أن العقل الرسمي المغربي هو في مرحلة المصالحة مع ديكارت (وتعتبر المصالحة مع ديكارت ردا مبطنا على الباحث الفرنسي فيليب براشيت صاحب كتاب “ديكارت ليس مغربيا”، الصادر سنة 1982).

العقل الرسمي المغربي يحاول أن يؤسس شكلا جديد للإستراتيجية الكبرى التي تعتمد على القوة الناعمة، وما أطلق عليه الباحثان دافييد رونفلد وجون اركيا السياسة الجديدة (وهي السياسة المفروض اتباعها في القرن الحادي والعشرين)، وهي السياسة التي تؤسس إستراتيجية متطابقة مع عصر الإعلام والتواصل من خلال سياسة خارجية تركز على الأفكار والقيم بغية تقديم أحسن صورة خارجية، وبالتالي العمل على التموقع الدولي وتحقيق المكاسب من خلال القوة الناعمة والسياسة الجديدة.

العقل الرسمي المغربي يشعر كذلك بأن خبرة وتجربة قيادته وموقع بلده الجغرافي واستثماراته المهمة في مشاريع الانفتاح (الموانئ المتوسطية والاطلسية ووو) وعلاقاته الدولية وإيمانه بالانفتاح واقتصاد السوق كلها أسباب تدفعه إلى إطلاق رصاصة الرحمة على وضعية الستاتيكو الإقليمي؛ فالعقل الرسمي المغربي يشعر بأن لحظة قطف ثمار المشاريع والاختيارات السياسية والاقتصادية المنفتحة والسلمية قد دقت ساعتها، وأن لحظة القيام بالقفزة المهمة إلى الأمام قد حان وقتها، فعالم ما بعد كوفيد هو عالم المسرعين وعالم أصحاب الأفكار وأصحاب الحركة وأصحاب صفقات رابح-رابح وعالم المراهنين على الاقتصاد وعالم الذين يعيشون حقائق القرن الحادي والعشرين، وعالم الدول التي هيأت بشكل جيد إستراتيجيتها ما بعد “كوفيد”.

‫تعليقات الزوار

4
  • فريد
    السبت 16 يناير 2021 - 12:16

    “المغرب يطلق رصاصة الرحمة على وضعية الستاتيكو الإقليمية” يُعَنون الكاتب،وهل المغرب بتقديسه للشخص وتقبيله لليد(رغما عنه)وركوعه خلال المراسيم(القدسية) وتقبله للتعليمات الشريفة مهما كانت يُمكن أن يعتبر أنه خارج وضعية الستاتيكو؟ ربما نحن المغاربة مُحافظون أكثر من المحافظين التقليديين(معيار الديمقراطيات الأروبية) وربما أُرغمنا على ذلك،المهم أننا نحن المغاربة أقزام أقزاما سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا…في إنتظار التعليمات المولوية الشريفة.

  • الفاهم
    السبت 16 يناير 2021 - 20:04

    بعد التحيه، رآه الناس كاعية آش واقع، كفى من التبجيل الزائد، رآه مؤشر التنمية البشرية IDHديال تونس والجزائير متقدم بزاف على المغريب، خصنا نتوقف على الديماغوجيا، رانا زورنا الجزائر وكانعرفو آش كاين، عايشين أحسن منا، رانا فينا غير اللسان الطويل والصورة الإعلامية، راه حتا هوما عندهوم ميترو الأنفاق في العاصمة والترامواي فشي 12 عمالة، والنقل رآه رخيس مقارنة بنا لأن الطاقة رخيسة، زيادة على طرق سيارة من شرق للغرب ومجاني، للمدارس في كل قنت، خص نتوقف عن المقارنات، رآه المغربي أطلق رصاصة الرحمة على الوحده المغاربية. ب

  • احمد
    الأحد 17 يناير 2021 - 19:26

    الى فريد
    أكاد أجزم انك لم تقرأ من المقال الا العنوان. وهدا يدل على البؤس الفكري. فالكاتب طرح نظرته الوافية والشاملة عن التحول والدينامية التي يشهدها العالم والمنطقة خصوصا وعن سياسة التأقلم والانفتاح التي تطبع “العقل” المغربي والرؤيا الملكية وبدون شك أن كلمة “عقل” مغربي هي التي احرجتك كما تحرج اشقاءنا الجزائر بين الدين يفتقدون إلى هدا الدي يسمى عقل ومن تم للبوصلة والمنار اللدين يمكنان صاحبهما من الاستهداء في عالم يتحول بسرعة.

  • إلى أحمد3
    الأحد 17 يناير 2021 - 22:40

    وا سير أحمد وخليك من الفهامات الزايدة، ماكاين لا عقل ولا هم يحزنون، كاين غير التطبيع، وهاد الشي اللي كا يدور عليه الكاتب، وكل المطبلين للتطبيع، لو الجار الشرقي بغا يطبع رآه حتا هو تكون عندو مزايا أحسن من ديال المخزن، راه حنا كاعيين بهاذ المسائيل ومبقاتش في العقل، وهذا العقل فين هو في تطوير الوضع العام ديال المغاربة، حتى وزير الصحة ماعارفش آش من وقت يجبو اللقاح، أما بداية التطعيم……. العقل الفريد. كالك العقل

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 6

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال