بنكراد يقدم لقراء العربية مواقع "المؤنث والمذكر" في "الكلمات والنساء"

بنكراد يقدم لقراء العربية مواقع "المؤنث والمذكر" في "الكلمات والنساء"
صورة: أرشيف
الأربعاء 2 يونيو 2021 - 05:00

بعنوان “الكلمات والنساء: دراسة سوسيولسانية للشرط النسوي”، صدرت حديثا للأكاديمي والمترجم المغربي سعيد بنكراد ترجمة لكتاب اللسانية الفرنسية مارينا ياغيلو، يقول إنه “رغم مرور أربعين سنة على صدوره، فإنه مازال محتفظا براهنيته خاصة في المجتمعات المتخلفة، كما هي مجتمعاتنا”.

ويقول أستاذ السيميائيات إن هذا الكتاب المترجم إلى قراء العربية يتحدث “عن النساء والرجال”، وهو “بحث في قضايا النوع والقاموس والهوية الثقافية والتباينات الدلالية والنحوية والاستعارات الجنسية ولغة الذم والتحقير”، التي هي “قضايا تعود جميعها إلى عمليات التذكير والتأنيث التي تعتمدها اللغة، لمواكبة حضور النوع في النحو والوظائف وفي الحياة الاجتماعية أيضا”، دون أن يتعلق الأمر “بنوع نحوي خالص يتعلم الناس من خلاله قواعد المطابقة ويتعلمون كيف يميزون بين الرجل والمرأة”، بل هو عندهم “مدخل أساس نحو استعادة عالم يُبنى في الرمز، عبر ما يفصل الذكر عن الأنثى عند الكائنات الحية وفي أشياء الطبيعة ومظاهرها وأبعادها”.

ويزيد بنكراد في مقدمة هذه الترجمة: “الذكورة والأنوثة خاصيتان بيولوجيتان، وهما بذلك أصل التلاقح والتناسل والتكاثر؛ إنهما جزء من وظيفة في الجسد سابقة على التمدن والتحضر، ولكنهما يُحددان أيضا موقعا داخل نظام رمزي يُذكر ويُؤنث استنادا إلى سند لغوي يتميز بتقطيع خاص للمدرك الخارجي لا يراعي في الكثير من الحالات حقيقة الجنس في ما يتم تقطيعه”.

هذا الأمر، وفق المترجِم: “مصدر اختلاف اللغات في الكشف عن الجنس والعدد وتسمية أشياء الكون وظواهره”؛ فاللغة، على خلاف الحس المحايد، “لا تُخْلص دائما للعالم الذي تقوم بتمثيله”، بل “تُصنف كائنات العالم وفق إكراهات ثقافية، تختلف باختلاف معتقدات الناس وتصوراتهم للحياة والموت”، وهذا هو “الفاصل المركزي بين الحس في الطبيعة وبين التمثيل الرمزي في الثقافة”.

ويوضّح بنكراد أن اللغة “لا تستجيب فقط لحالات المعيش النفعي في حياة الناس”؛ بل عندما تعلم الإنسان كيف يسمي الأشياء ويصفها ويصنّفها ويفصل بينها، تعلم أيضا “كيف ينتزع الكلمة من معناها الأصلي لكي تصبح وعاء لمضاف دلالي يستمد مضمونه من الاستعارات وكل الاستعمالات المجازية”، وهو ما كان “ديْدنه مع الأشياء والكائنات والظواهر أيضا”؛ فقد “أودع محيطه جزءا من انفعالاته، ما يشير إلى أحلامه ورغباته وإحباطاته”.

ويقدم المترجم مثالا بالاستعارات الحيوانية فـ”الثعلب في الثقافة ذكي، والحمار فيها غبي، والأسد شهم، والغزالة جميلة، ولِلْمَهَا عيون تجلب الهوى، والمرأة دجاجة تبيض وتنقنق، والسماء غطاءُ أنثى، والقمر ذكر يرعى العاشقين”؛ فهم “جميعا كذلك ضدا على حقيقتهم في الغابة والبراري وفي الفضاءات اللامتناهية، وذاك هو الفاصل الحقيقي بين لحظة عابرة في الطبيعة، وبين تاريخ يُبْنى في الذاكرة الإنسانية وحدها”.

وللتذكير والتأنيث ضمن هذا النظام موقع خاص، وفق بنكراد؛ “فلم تعد هذه الثنائية موجهة للتعبير عن حاجة أملاها النوع النحوي في اللغة فقط، بل تحولت إلى مستودع لقيم وأحكام وتقديرات خاصة بموقع النساء والرجال داخل المجتمع، فهي الأساس الذي يقوم عليه توزيع الأدوار والمهن والوظائف والأحاسيس ونصيب الذكر والأنثى من الإرث والشهادة؛ ومن خلالها أيضا يُفْصَل بين القوي والضعيف والسلبي والإيجابي والإيلاجي والاستيعابي”، بل انشطرت اللغة ذاتها وصارت “مستودعا لكلمات تتداولها النساء، وأخرى خاصة بالرجال وحدهم (…) بما يضمن للكائنات والأشياء موقعها ضمن التبادل الاجتماعي”.

ويؤكد هذا المعطى، حَسَبَ بنكراد، بعض مداخل القواميس العربية؛ فــ”المذكر والمؤنث موسومان في العربية منذ البداية، فهما لا يعنيان في الأصل ذكرا وأنثى يشيران إلى خاصية بيولوجية تقتضي تكاملا بين رجل وامرأة، بل يحيلان، كما جاء في لسان العرب مثلا، على سلسلة من القيم تنتشر في اتجاه الضعف واللين والسلبية في الأنوثة، وفي اتجاه القوة والشدة والصلابة في الذكورة. بل إن العربية لا تتحرج في وصف الرجل بالرجِيل، أي القوي الشجاع والصلب، وتصف المرأة بالأنِيثة، أي الضعيفة والسلبية، وسيكون الأنيث من الرجال، تبعا لذلك، مخنثا قريبا من عالم النساء”.

ويعني هذا، وفق المصدر ذاته، أن “التمييز بين التذكير والتأنيث في كل العوالم التي يستثيرها التمييز بين ذكر وأنثى في الجنس، وبين أشياء وظواهر لا يمكن أن توجد في الذاكرة إلا مذكرة أو مؤنثة، هو البوابة الاستعارية نحو توسيع مجالات حالات الجنْسنَة هاته لكي تشمل العالم كله”؛ فعَوالمُهُما “انفصلت عن حقيقة الجنس لتبنيا حقيقتهما الجديدة في الرمز”، وأصبحتا “مستودعا لسلسلة من التمثلات الاجتماعية يعود بعضها إلى معتقدات دينية وأسطورية موغلة في القدم، ويعود بعضها الآخر إلى طبيعة التبادلات الاجتماعية وموقع الرجل والمرأة داخلها”.

ويتعلق الأمر، إذن، باستعارات جنسية “منتشرة في كل شيء: في القفل والمفتاح وفي الخيط والإبرة والقطار والمحطة؛ بمعنى أن هناك رابطا في كل الأزواج بين فاعل ومنفعل؛ فلا قيمة للإبرة دون خيط، ولا جدوى من القفل دون مفتاح، والمحطة موجودة لاستقبال القطار”. وهو ما دفع، وفق بنكراد، بعض نحاة الفرنسية، خاصة داموريت وبيشون، إلى الاعتقاد بأن “كائنات العالم وأشياءه لا يجب أن توزع بين حي وجامد”؛ فهذا التوزيع “ناقص، لا يأخذ بعين الاعتبار كل المضافات الثقافية والتمثلات الرمزية التي أفرزتها الممارسة الإنسانية”، بل يجب تصنيفها “ضمن المذكر والمؤنث”، وكل ما يأتيه فعل من خارجه، وكل ما يشير إلى الخصوبة والعطاء يصنف ضمن المؤنث بالضرورة، على عكس المذكر، فهو الفاعل والمندفع، فهو المحرك الذي يحرك نفسه.

ومع امتداد ثنائية المذكر والمؤنث “في كل شيء”؛ يذكر بنكراد أن الكيانات المذكرة والمؤنثة في الاسم والصفة والفعل الذي يصدر عنها، لا يستقيم وجودها إلا من خلال أنوثتها أو ذكورتها، ولا يمكنها أن تحضر في الذاكرة وفي التمثلات الثقافية، الفردية والجماعية، إلا ضمن تصنيف جنسي مسبق”، ليس في اللغة وحدها، بل، بهذه الصفة أو تلك، في “التمثلات التي يحملها الناس للمذكر والمؤنث في المقام الأول”؛ “فـ”الدلال” النسوي مودع في سلوك الكثير من الظواهر، وزهو الطاووس مستمد من سلوك رجل مغرور. إن الرجل “ينتصب” قائما أما المرأة فتصاب “بالبلل”. إن الانتصاب تباشير للفعل والاقتحام، أما البلل فدلالة على الاسترخاء والاستقبال، وقد يكون دلالة على الخوف أيضا”.

ومن هذا المنطلق تحضر الأرضُ، المادة الصامتة التي لا فَرْج لها، “مؤنثة” في تصورنا، “تملك من دلال المرأة وغنجها وعطائها وخصوبتها الشيء الكثير”؛ فهي “مؤنثة في الثقافة، أي في الجوهر الرمزي، لا في تبعيتها لمذكر محتمل، كما يحدث في الصفات الإنسانية؛ ولن تتحول أبدا إلى جامد صامت أو إلى مذكر فاعل، في لغتنا على الأقل، ففي هذه الحالة ستنهار كل الصور التي بنيناها عن الأرض، فهي أمنا الأولى، الطين الذي منه جئنا وإليه نعود، وهي العطاء والبطن والرحم والتراب الذي يغذي كل شيء”. وكما يقال في التقليد المسيحي “إن مريم أرض لم تُسق، ولكنها مع ذلك جادت بالثمار”.

والله ذاته، الذي خلق الإنسان على صورته، لا يمكن أن يكون في ذاكرة الناس ووعيهم، عند النساء والرجال، إلا مذكرا بالضمير النحوي أولا، وبالصفات المذكرة ثانيا، في أسماء الله الحسنى، واستنادا إلى العوالم الثقافية التي يستثيرها في نفوس المؤمنين والمؤمنات ثالثا. وبالتالي، يكتب بنكراد: “لا أحد من هؤلاء جميعا يقبل أن يكون خالقه امرأة؛ لذلك قد لا يكون تذكيره سوى موقفا من المرأة ذاتها، فالذي “ليس كمثله شيء” ينفي عن نفسه التذكير والتأنيث في الوقت ذاته”.

ويقول بنكراد إن هذه “الجنْسنَة” كانت “تلبية لتمثلات رمزية، لا علاقة لها بالتذكير والتأثيث الحقيقيين”، في نظام “ثابت في اللغة والثقافة والمعتقدات”، وأي مساس به “سيقود إلى تهاوي الكثير مما جاءنا من الدين ومن التربية المباشرة، ومما تعلمناه من الحكايات والأساطير”. علما أن قوة اللغة وجبروتها، يتمثلان في أن حقائقها “لا تُبنى انطلاقا من تقدير موضوعي لأشياء الكون وكائناته، بل تُستمد من مواقف اجتماعية لا تكترث في الكثير من الحالات لحقائق الوجود الفعلية”.

ويبين بنكراد أن القيم التي تتغذى بالحاضن الاجتماعي الذي تتحرك داخله، سندها هو اللغة، التي تمنحها “شكل وجودها في الثقافة”، ومن خلالها “يستبطن الناس ما يعرفونه عن النوع وعما يميز الذكر عن الأنثى”. وبالتالي “قواعد اللغة ليست غلافا عارضا في الوقائع الإبلاغية”، بل هي “الوسيلة الوحيدة التي من خلالها يتخذ العالم شكلا في أذهان الناس، أي ما يفصل بين المذكر والمؤنث والصغير والكبير والطويل والقصير”. ونحن، مستعملوها، “لسنا دائما أسرى الجنس، بل نحن أسرى النوع النحوي في المقام الأول، فهو الذي يُملي علينا تصوراتنا للأشياء والكائنات.”

ويستحضر أستاذ السيميائيات أيضا أمثلة مضادة احتفظت بكثير منها الذاكرة الإنسانية، مثل المراحل التي كانت فيها المرأة هي السيدة والحاكمة، وكان النظام الاجتماعي “أميسيا” ينتسب الأبناء فيه إلى أمهاتهم، وكانت النساء عرافات وحكيمات ومقاتلات. وهو وضع لم يكن غريبا، ضمنه، حَسَبَ بنكراد: “أن يكون الله، عند الكائنات الأولى أو تلك التي يُقال إنها هي أول من دشن الفعل الحضاري الإنساني، أنثى، أُمَّا أولى، أمَّا كبرى أعطت الإنسان كل شيء بدون حساب”، فكانت “عشتار” الأم الكبرى، “إلها مؤنثا يستمد ألوهيته من محاكاة المرأة لإيقاع الأرض”، وكانت المرأة “وجها مؤنسنا لإله يخلق ويرزق”.

ويذكر الأكاديمي سعيد بنكراد أن هذا “بعض مما ناقشته المؤلفة في هذا الكتاب بطريقتها الخاصة”، ثم يستدرك معلقا: “معركة المساواة أكثر من إعادة النظر في التوزيع اللغوي لدوائر المذكر والمؤنث؛ فهذه المساواة لا تقتضي تغييرا في قواعد نحوية أو قواعد لها علاقة بمنطق المطابقة”، بل “تفرض علينا تغيير تصوراتنا عن الحياة والموت والمرأة والرجل”؛ ما يقتضي منا “إعادة النظر في طبيعة علاقاتنا الاجتماعية، وموقع المؤنث والمذكر داخلها”.

‫تعليقات الزوار

5
  • يونس
    الأربعاء 2 يونيو 2021 - 05:18

    التفاهة» للكندي آلان دونو: كلمات ملونة كالسكاكر

    إذا لم تكن التفاهة ميلاً أصيلاً فينا فكيف يقدرون على السيطرة؟

    فدوى العبود

  • امل
    الأربعاء 2 يونيو 2021 - 06:48

    لا اثفق مع قولك ان تمييز المرأة في اللسان العربي و تصورها وكأنها انثوية و ضعيفة مقارنة مع الرجل الصلب… بالنسبة لي هدا مبني على جهل أو مكر او خداع. يذكرني هدا الموضوع بحدث و قع في الثمانينات حينما أتى بطل ياباني في الفنون القتالية اضن تيكواندو ليعرف بهدا النوع من فنون الحرب انداك و استقبله المغرابة بحفاوة إلا أنهم لاحظوا انه يمشي بانثوية كالحمامة …فسخروا منه …و لكن عندما تصارع معه بعض الأبطال المغاربة الاشداء و الأقوياء …تبين ان بناء العضلات القوية الصلبة ليس دكاء ….لانه انتصر عليهم بسهولة بفضل تقنيته التي تعتمد على الإفلات من ضربات الخصم وفي نفس الوقت توجيه ضربات قاضية أثناء هجومهم ..مستعملا قوة ضربتهم عكسيا … فهو فقط يقف في مكانه و يراوغ و يسسد باحترافية ومهارة في مناطق جد حساسة أثناء تدخلهم. المهم الأنوثة ليست ضعف بالعكس أقوى سلاح على الإطلاق تفتك بالرجل و تريده اشلاء …و عندما يسترجع قواه يجد نفسه بدون مال…المشكل هو اننا نفتقد عامة إلى الجمالية و المرأة فهمت دالك مند زمن بعيد و لاننسى أن الله خلق الرجل هو الأول… ثم تفنن في خلقها من بعد. والله أعلم.

  • lahcen
    الأربعاء 2 يونيو 2021 - 07:37

    حقيقة هناك شعوب لاتحب الحرية ٫اما الانثى فحدث ولاحرج٠ما الفرق بين التربية والتعليم التربية تجعلنا مصيرين بينما التعلمين يجعلنا مخييرين ٫ادن مهما كان مستوى التعليم فلن نتحرر ولن ندافع عن الحرية الابتربية فيها حرية وكرامة والمراة هي مقياس للتربية الحقيقية فكلما تحررت كلما تحررابناؤها ٫التعليم دوره تنفيد لافكار مسبقة بينما التربية هي حرية الفكر وحرية الاختيار٫نعم نختار ونقدس الدبلوم ولانقدس الفكر ومستوى حريتنا ٫هل ممكن مستقبلا ان نعطي فرصة للتربية لكل حاصل على تعليم عال ٫انه الحل لاختيار الحر من العبد

  • dante
    الأربعاء 2 يونيو 2021 - 09:57

    لغة لا تصلح لاي شيء مضيعة للوقت وللمادة الرمادية عوض الاهتمام بالانجليزية فرضت علينا لغة القرون الوسطى

  • مواطن
    الأربعاء 2 يونيو 2021 - 10:34

    2 – امل
    و هل تنكرين ان المراءة في اللسان
    العربي شؤم يجلب العار و كيف تفسرين دفن البنات عند ولادتهن عند العرب في الجاهلية .
    ان قيمة المرأة عند العرب تكمن في الفراش .
    واليوم رغم ما جاء به الاسلام من مبادء ترفع الحجر عن المرأة إلا ان بعض العقول المتحجر و لسيما في
    الخليج العربي ما زالوا ينظرون الى
    المرأة وكأنها ملك لنزواتهم .
    فلا راي لها و لا مشورة .
    و المغرب مند القدم و قبل مجيء
    الاسلام كان للمرأة شان داخل البيت و خارجه فهي الام و الاخت و العمة و الجدة و الجارة و المسؤولة
    و القاعدة و الحاكمة .و المساعدة و المربية .

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج