تحقيق الملكية البرلمانية: بالمشاركة أم بالمقاطعة؟

تحقيق الملكية البرلمانية: بالمشاركة أم بالمقاطعة؟
الخميس 24 نونبر 2011 - 15:07

لا يبدو أن تحقيق الملكية البرلمانية في المغرب ممكن حاليا بعد مقاطعة فئات واسعة من دعاتها للانتخابات، ولهذا فتأجيل هذا المطلب سيكون واضحا على الأقل في هذه الفترة.

فقد أصبح من الواضح أن انتخابات 25 نونبر تعرف جدلا واسعا بين خيار المشاركة والمقاطعة، وهذه المحطة ستبصم مستقبل المغرب، سواء في اتجاه تكريس نموذج جديد للحكم يتأسس على الملكية البرلمانية باعتبارها أحد المطالب الأساسية لحركة 20 فبراير والقوى الحية في المغرب، أو في اتجاه الإستمرار في نفس الوضعية وتغيير كل شيء لكل لا يتغير أي شيء.

ولكن من أجل المزيد من التدقيق، لا يمكن الحديث عن دعاة المشاركة أو المقاطعة بكونها اختيارات منسجمة من الناحية الداخلية، سواء في المنطلقات أو مكوناتها، بل يتضمن كل اختيار منها اختلافات واضحة، وإن كانت تتقاطع في الهدف، أي المشاركة والمقاطعة، فقد تم لمس استمرارية في منهج (رؤية – اختيار) كل اتجاه قبل التصويت على دستور 2011، والتي قمت بتقسيمها آنذاك إلى أربعة اتجاهات؛ أثبتت بأنها صالحة لتحليل مكونات المقاطعين والمشاركين.

أولا: المقاطعون قطعا، تضم تيارات تؤمن بالجمهورية أو بالخلافة على منهج النبوة، ولكنها لا تفصح عنها بشكل علني أمام الجماهير، لأنها تعرف بأن المجتمع سيرفض هذا الاختيار، بالإضافة إلى القمع الذي ستتعرض له على يد المخزن.

ثانيا: دعاة الملكية المطلقة، وهم المشاركون قطعا، تعبر عنه الأحزاب التي خلقتها الدولة (الأحزاب الإدارية)، بالإضافة إلى بعض الشرائح في المجتمع التي تؤمن بضرورة “المخزن” وهي فئات تشارك في كل الظروف وتعتبر خزانا انتخابيا، يتم الرجوع إليه في العديد من الأحيان من إنقاذ موقف الدولة.

ثالثا: دعاة الملكية البرلمانية المقاطعون بشروط، عبرت عنه عدد من أحزاب اليسار الديمقراطي (الطليعة، اليسار الإشتراكي الموحد) التي قاطعت التصويت على الدستور الجديد لأنه لم يرق إلى التطلعات التي وضعها هؤلاء الأحزاب في إرادة الدولة القطع مع المنطق السلطوي الذي يحكم سلوك الدولة، وبالتالي لكي تبقى منسجمة مع اختياراتها، فقد فضلت المقاطعة حتى تتحسن شروط المشاركة، ويتم الانتقال فعلا على ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم.

رابعا: دعاة الملكية الديمقراطية المشاركون بشروط، تعبر عنها الأحزاب ذات المصداقية، تؤمن بخيار المشاركة من داخل المؤسسات، وتعتبر بان إمكانية التغيير من داخل المؤسسات ما زالت قائمة، وبأن الرهان حاليا هو الاستفادة من هامش التغيير المتاح وتوسيعه، في أفق تحقيق ملكية برلمانية على المدى المتوسط.

لنناقش التوجه الثالث والرابع، لأن الأول والثاني لا يمكن مناقشته، الأول يحمل مشروعا يتناقض بنيويا مع النظام القائم حاليا، بالرغم من انه يؤكد على التزامه بمطالب حركة 20 فبراير، إلا أنه في العمق يسعى إلى استبدال النظام الحالي بنظام مختلف تماما، غير واضح المعالم حاليا على الأقل، ولا الطريقة التي سيتم الوصول إليها، ولا يعرف أيضا التكلفة التي يمكن دفعها ولا مآلاته، وما إذا سيكون أفضل من النظام الحالي، التوجه الثاني متشابك المصالح مع الفساد الاقتصادي والاستبداد السياسي، وبالتالي فهو يدافع باستماتة للحفاظ على الوضع الحالي المرتكز على اقتصاد الريع الذي يفرز أقلية مرتبطة بمراكز النفوذ ولا يمكن محاسبتها لأنها محمية من “المخزن”.

يعتمد دعاة الملكية البرلمانية المقاطعون للانتخابات على تبريرات صحيحة من الناحية المنطقية، فالحديث عن انتخابات في الوقت الحالي من دون ضمانات بكونها ستمر في أجواء نزيهة، وفي ظل استمرار بعض الأحزاب السلطوية في مشروعها، وفي استمرار إشراف وزارة الداخلية في الإشراف على الانتخابات، بالرغم من ماضيها السيئ السمعة في تدبيرها، ومن دون القطع مع أشكال التزوير السابقة، الظاهرة والمستترة، والتي أصبحت معروفة ومتداولة من طرف الجميع، أبرزها شلالات الأموال التي توزيعها من طرف بعض المحسوبين على السلطة، بالإضافة إلى الخروقات بالجملة في بعض الحملات، خصوصا في المناطق القروية، كل هذه الأمور تجعل من مبررات المقاطعة منطقية، لأن تحقيق هدف الملكية البرلمانية غير ممكن في ظل حكومة ضعيفة ستفرز بعد 25 نونبر، وفي ظل شروط المنافسة الشريفة الغير متوفرة، ومضمون المشاركة لن يحدث تغييرا جوهريا في طبيعة النظام السياسي الاستبدادي، بل سيطيل عمره فقط،حسب دعاة المقاطعة.

طيب، هذا الأمر صحيح، لأن الواقع يؤكد أن نسب الفساد الاقتصادي والاستبداد السياسي في تزايد، وسلوك الدولة لم يتغير، إلا أنه وجد التنبيه إلى أن السياسة هي “فن الممكن”، ليس هناك “آخذ كل شيء أو لا شيء”، بل تحتاج إلى رؤية واضحة يمتلكها الفاعل حول ذاته (الهوية) ومحيطه، والتناقضات الأساسية والثانوية، والتحالفات الممكنة والبرنامج العملي لتحقيق الأهداف على ضوء الرؤية الواضحة المحددة بشكل دقيق.

وهذا يتطلب مرونة وقراءة الواقع بشكل موضوع يسمح بتشخيص المعطيات الثابتة والمتغيرات الظرفية، أو ما يسمى بعبارة أخرى الإستراتيجية والتكتيك، تشخيص للقدرات الفعلية، حتى يتمكن الفاعل من تحقيق الأهداف في ظل الإمكانات المتاحة والقوة الفعلية التي تمتلكها من أجل توسيع المنافع وتقليل الخسائر، وهذا يتحقق من خلال البحث عن التحالفات الممكنة مع الفاعلين القريبين من أهدافك، وتوسيع دائرة المؤيدين داخل المجتمع، من خلال التواصل والإقناع بجدوائية التغيير نحو الأفضل والتبشير بالمشروع الذي يحمله الفاعل، ومعرفة نقط قوة وضعف الخصم الذي تواجهه، وتحديد المحطات التي ينبغي رفع سقف المطالب والمحطات التي ينبغي التكيف معها، والأوقات التي يمكن من خلالها تمرير بعض القرارات أو الدفع في اتجاهها، كما تتطلب وحدة القيادة والمشروع، ووجود آلة تنظيمية قوية ومناصرين وشبكة من العلاقات على جميع المستويات تمكن من تمديد وتوسيع دائرة المؤيدين وتسمح بنشر المعلومة بشكل واسع.

إن الضغط على الدولة من خلال الإحتجاجات الشعبية شرط ضروري وأساسي لتسريع الإصلاحات، ولكنه غير كافي من أجل تحقيق جميع الإصلاحات التي رفعها شباب 20 فبراير، والمطلب الأساسي هو الملكية البرلمانية التي يسود فيها الملك ولا يحكم، فالمطلوب هو التكامل بين الحركات الاحتجاجية الشعبية للاستمرار في الضغط لانتزاع مكتسبات أكبر، لأن التجارب في العالم كله تؤكد بان الأنظمة الاستبدادية، لا تقدم تنازلات مجانية، بل يتم الضغط عليها بطرق متعددة، وبعد إحساسها بالتهديد الذي يمكن ان يقع تبدا في التفاوض مع المعارضين من أجل تقديم تنازلات إضافية، فالتجربة أكدت أن نموذج الإصلاح من فوق لا يأتي أكله، إلا بدفعة من أسفل، وإلا فإن ما وقع في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، غير بعيد عنا.

ولكن من الضروري أيضا إسناد الضغط عبر الشارع بالإصلاح من داخل المؤسسات، بالنسبة لدعاة الملكية البرلمانية، وهو ما فهمه عدد من النزهاء مثل رجل الأعمال المعروف كريم التازي، حين اعتبر أن خيار المقاطعة خيار خاطئ وسيعطي فرصة للمفسدين فرصة إضافية من أجل الإستمرار في الحكم، وهو ما يجب مقاومته من خلال المشاركة المكثفة والتصويت على الحزب الأقل فسادا، والأكثر شجاعة في مواجهة الفساد والاستبداد، بالرغم من انه لا يجب الحديث بمثالية مفرطة عن أي حزب أو تنظيم كيفما كان نوعه، لأن التجمعات البشرية كلها نسبية، ولكن يمكن الترجيح بين اختيارات متعددة بين الأكثر والأقل فسادا، والأكثر والأقل صلاحا.

ولهذا في ظل اختيارات محدودة، يبرز اختيار النضال من داخل المؤسسات جنبا على جنب مع الضغط من الخارج عبر الإحتجاجات في الشارع أحد الخيارات الأكثر انسجاما مع متطلبات المرحلة، وهو ما ينبغي على دعاة الملكية البرلمانية التكتل من أجل تحقيقه.

‫تعليقات الزوار

3
  • JAMAL
    الجمعة 25 نونبر 2011 - 08:39

    أنا أقاطع و ليفسد المفسدون بدون شهادتي لهم .‏‎ ‎

  • hakimhassane
    الجمعة 25 نونبر 2011 - 10:29

    التنازلات التي يطلبها الشعب لم يتحقق منها شيء . ثم أنه لا يمكن لدكتاتورية أن تنتج ديمقراطية و هذا بتحليلات علماء السياسة. فالاستتناء المغربي يكمن في إتقان التلاعب بعقول الناس.

  • mohamed
    الأحد 27 نونبر 2011 - 13:38

    je vous felicite Mr pour la qualité de votre analyse et de votre vue de changement des circonstances dans notre pays
    analyse de haute qualité

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات