خطاب الخارجية الجزائرية وإطناب الفزع

خطاب الخارجية الجزائرية وإطناب الفزع
صورة: أرشيف
الأربعاء 21 يوليوز 2021 - 02:40

سنبدأ بموضوع بلاغ وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية ليوم 16/07/2021، وهو عبارة عن “طلب توضيح”، إذ يقول بيانها: “في ظل هذه الوضعية الناشئة عن عمل دبلوماسي مريب صادر عن سفير، يحق للجزائر، الجمهورية ذات السيادة وغير القابلة للتجزئة، أن تنتظر توضيحا للموقف الرسمي والنهائي للمملكة المغربية بشأن هذا الحادث بالغ الخطورة”.

نصادف الكثير من الحشو والإطناب في نص بيان الخارجية، إذ يعبر عن قلق المتحدث وفزعه من تصريح ممثل الدبلوماسية المغربية، فاختيار المعجم في النص، يظهر أن المتحدث مذهول، ولا يصدق أن المغرب اتخذ منحى مناصرة قبائل الجزائر، بوصفهم أقدم الشعوب في المنطقة المغاربية، وفي ظل المعاملة بالمثل للدفاع عن وحدته الترابية.

أين يتجلى هذا القلق والفزع في النص؟ إن البناء الحجاجي لهذا النص مشرذم بين ثنائيات قطبية، لا تستقيم بأدلة وحجج قانونية، ولكنها إنشاء عاطفي، يتميز بأوصاف ونعوت تعبر عن مشاعر المتحدث، إذ أن أول ثنائية قطبية تثير القارئ هي ثنائية الخير والشر: فالجزائر مصدر للخير، باعتبارها تسلك طريقا “قانونيا”، وتدافع عن الحقوق في إطار القانون الدولي، بينما يعتبر المغرب في النص مصدر شرٍّ، بوصفه “يتآمر على الجزائر ويريق دم الأبرياء”، والاستقطاب الثاني هو تشتت واضطراب في تمثل المغرب، فتارة يتمثل كبلد معادي لوحدة الجزائر، وتارة يتمثل كبلد له علاقات “مُلهِمة” مع الجزائر…. كيف تستقيم هذه القطبية في النص؟ وكيف يستقيم هذا البناء الحجاجي حول التمييز بين السفير والمغرب في نص البيان؟ ما هذا الإبداع القانوني الدبلوماسي؟ كيف لممثل المغرب في الأمم المتحدة والناطق الرسمي باسم المملكة المغربية أن يقوم بسلوك انفرادي، ويعبر عن موقف غير رسمي؟ ترى لماذا تطلب الجزائر توضيحا في هذا السياق؟ أليس شرح الواضحات من المفضحات؟

إن المتحدث في نص بيان الخارجية الجزائرية يعبر عن ارتباك واضح المعالم في النص: انظروا كيف يتحدث في البداية عن التصريح المغربي! إنه “وثيقة رسمية”، ويعترف المتحدث بصريح العبارة بأن المغرب انخرط “بصفة رسمية” في “حملة معادية للجزائر”، إذن حسب النص، فالتصريح الرسمي للمغرب وموقفه من القبائل واضح، ولا يحتاج إلى إطناب وحشو في التوضيح؟ هل يسعى إذن المتحدث في النص إلى إيجاد مخرج دبلوماسي لهذا المأزق الوجودي الذي سقطت فيه الجزائر؟ هناك دلائل كثيرة في النص تشير إلى بحث المتحدث المتواصل عن مخرج لهذه الأزمة، على الرغم من لهجة النص “المفزوعة/ القوية” ظاهريا.

يقول البيان: “إن هذا التصريح يتعارض بصفة مباشرة مع المبادئ والاتفاقيات التي تهيكل وتلهم العلاقات الجزائرية المغربية”. إن اختيار لفظة “تلهم” و”تهيكل”، لها دلالاتها في هذا السياق السياسي المحتقن، حيث كما أكدنا سابقا أن البناء الذهني للنص ممزق بين تلطيف الأجواء من جهة، والإدانة من جهة أخرى، فنحن نعلم أن العلاقات بين الدولتين تعرف جمودا دبلوماسيا واقتصاديا منذ سنوات، فكيف لها أن تكون ملهمة؟ لكن النص يتشبث بأرشيف اتفاقيات قصد حفظ ماء الوجه، وتسويق علاقات طبيعية سابقا بين الدولتين، هذا على الرغم من أن النص يتحدث في البداية عن المغرب بصفته عدوا وراعيا للإرهاب في الجزائر، وهذا التشتت والتناقض في الرؤية، يجعل النص مفككا، ولا يستقيم فيه حجاج.

لقد استخدم النص مبالغات لغوية كثيرة قصد تهويل خطورة التصريح المغربي، ونقف هنا عند هذا التهويل متعدد الأوجه، إذ ينبلج في صيغة تهديد مبطن بالفقرة الآتية: “تدين الجزائر بشدة هذا الانحراف الخطير، بما في ذلك على المملكة المغربية نفسها داخل حدودها المعترف بها دوليًا”، انظر إلى كلمات “بشدة، خطير…”، كلها توصيفات ترمي إلى نقل الفزع إلى المتلقي، وهو المغرب، وتهديده بأنه قد يلقى المصير نفسه، وهذا حجاج بالقياس مع تجريد الموضوع من السياق (decontextualization)، إذ يمحو استقلال القبائل في الجزائر من سياقه التاريخي، ويتم إسقاط مصير شعب كفكرة في سياق تاريخي مختلف.

نأتي الآن إلى لغة الإدانة التي استخدمها البيان، حيث قام بتوظيف عبارة “اعترافًا بالذنب” لتوصيف ما قام به المغرب من تصريحات، فعن أي ذنب يتحدث النص؟ هل تعتبر مساندة شعب القبائل ذنبا في حق الجزائر؟ وهل تندرج كلمة “ذنب” في سجل register القانون، أم هي تنتمي إلى سجل الدين؟ كما أن النص يستخدم تماثل تركيبي parallelism، ليوازي بين “دعم المغرب” لجماعة إرهابية (القبائل)، و”دعم” جماعات إرهابية في قضية “العشرية السوداء”، والهدف من هذا التجانس في التركيب والتكرار التوكيدي للفظة “دعم” anaphora، هو إقناع القارئ باستنتاج، مفاده أن المغرب دولة راعية للإرهاب في الجزائر، وهذا يغذي نظرية المؤامرة التي ينتعش بها الخطاب السياسي في الجزائر، ولعل اختيار تعبير “حملة معادية” لخير دليل على ما نقول. وبالغ البيان في تحميل المغرب مسؤولية “إراقة دم الجزائريين” باستخدام التنويع اللفظي elegant variations، وذلك لاستمالة الرأي العام ضد “اعتداء” المغرب، كما حاول النص تصويره.

وفي الأخير، نأتي إلى الفقرة المثيرة للجدل، والتي تعبر عن التيه الذي أصاب المتحدث حين أراد وصف تصريح الممثل الدبلوماسي المغربي، إذ احتار المتحدث بين الألفاظ، وعبر عن قلقه بنعوت وأوصاف، تعبر عن مشاعره أكثر مما تعبر عن خرق المغرب للقانون، ولم يجد التعليل المناسب لوصف موقف بلاده من الصحراء باعتباره موقفا سياسيا سليما، وموقف المغرب بوصفه موقفا “معاديا لوحدة الجزائر”.

يقول البيان: “إن هذا التصريح الدبلوماسي المغربي المجازف وغير المسؤول والمناور، يعد جزءا من محاولة قصيرة النظر واختزالية وغير مجدية تهدف إلى خلق خلط مشين بين مسألة تصفية استعمار معترف بها على هذا النحو من قبل المجتمع الدولي وبين ما هو مؤامرة تحاك ضد وحدة الأمة الجزائرية”.

يبدو أن المتحدث لا يستطيع أن يضع توصيفا دقيقا لما يحدث، وهو لا يستسيغ التصريح المغربي أو يتقبله، حيث تاه بين النعوت ، فقال مرة بأن التصريح غير مجد، ونحن نعلم أن النفي لا وجود له في الواقع، وإنما هو استراتيجية لغوية للتعبير عن نفي الواقع، وتارة يقول غير مسؤول، وتارة يقول مناور، وتارة يقول مجازف، وتارة يقول مشين، وفي الأخير يجزم بأنها مؤامرة، انظروا كيف يبدو هذا الحجاج مبتورا من سياقه التاريخي، وبالتالي ساذجا، فعلى أي أساس قانوني أو تاريخي، يقر النص بأن “تقسيم المغرب هو تصفية استعمار، وتقسيم الجزائر، هي مؤامرة ضد الأمة التي لا تقبل التجزئة!” ما معنى مصطلح “أمة” أو “دولة قومية” في النموذج الجزائري الذي يعيش حراكا شعبيا من أجل دولة مدنية عبر إسقاط حكم العسكر؟

‫تعليقات الزوار

4
  • Amaghrabi
    الأربعاء 21 يوليوز 2021 - 06:53

    انا موجود في تركيا ومنها اقول لجريدتنا هسبريس وطاقمها المبارك مبروك عيدكم وعيد سعيد لجميع قراء وكتاب هسبريس ولجميع المغاربة مسلمين وغير مسلمين والخزي والعار للعصابة الجزاءرية التي دخلت في حالة حيص بيص وارجو من الله سبحانه وتعالى في هذه الايام المباركة ان ينصر الشعب الجزاءري العظيم على هذه العصابة الجاءرة وهي سبب الازمات التي تعيش فيها دول الاتحاد المغا بي.وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.والباطل ساعة والحق الى قيام الساعة

  • amahrouch
    الأربعاء 21 يوليوز 2021 - 09:35

    L Algérie est un pays têtu,désorienté et tiraillé dans ses contradictions !L Algérie nous dit qu elle est populaire et démocratique,sur le terrain rien ne vérifie ces qualificatis !Dans une République populaire et démocratique,quand une manifestation apparait les responsables accourent,s enquièrent des causes de la grogne et y remédient immédiatement !L Algérie est comme une boutique dont l enseigne indique la vente d articles bien déterminés et lorsque on rentre dedans on ne trouve aucun de ces articles !!Décevant voire choquant !Les responsables sont vautrés au sommet de la pyramide comptant les pétro-dollars ne scrutant aucun horizon de sorte qu aujourd hui le pays se referme sur eux !Ils s emprennent alors au voisin auquel ils ont fait subir bien des agressions !Du haut de la pyramide ils ne voyaient que l Océan,le chemin qui y mène peu importe pour eux

  • Ahmed
    الخميس 22 يوليوز 2021 - 18:39

    On s’en fout de champion du monde la trahison il y’a que la fermeté contre les traîtres et vive la République démocratique de kabylie libre et indépendante autres choses que du bla bla du régime chmata

  • خلافة
    الأحد 25 يوليوز 2021 - 17:01

    أكيد أن العصابة ستجني حصاد خمسة عقود من الفتنة والحقد الدفين.
    من هذا المنبر أدعو الحكومة المغربية إلى ما يلي:
    – أن لا يكون هذا الموقف استفزازيا فقط.
    – أن تجعل من هذه القضية أولوية قصوى في السياسة الخارجية.
    – أن تمنح حق اللجوء السياسي لكل المعارضين القبائل.
    – أن تفتح لهم قنوات إذاعية وتلفزية فوق التراب الوطني للتعبير عن قضيتهم.
    – أن تدافع عن قضيتهم في كل المحافل الدولية.
    العين بالعين والسن بالسن والبادء أظلم.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس