"سكت علي نسكت عليك"

عندما نَتحدث باللغة العربية الدارجة أو “لُغة الكلام” كما يُسميها الناقد والروائي المغربي مُحمد برادة، نقوم بعملية تشريح للواقع بطريقة عفوية، فنَصل بذَلك إلى أوسع شريحة من الناس، لتكتشفوا ذلك رجاء أعيدوا مُشاهدة بعض مَقاطع آخر حلقة من البرنامج التلفزيوني “قضايا وآراء” الذي شارك فيه الوزير إدريس الإدريسي الأزمي في مُواجهة ثلاث نقابيين من توجهات مُختلفة، وسَتَجدون أن أقوى اللحظات التي انتزع فيها الوزير وغيره تصفيقات بعض الحَاضرين في بلاطو البرنامج، وأيضا “إعجاب” المُشاهدين (من الذين أعرفهم طبعا)، هي عندما ارتجلوا الكلام بدارجة مَغربية يفهمها الجميع.

وكان من بين تلك العبارات “اسكت علي نسكت عليك”، التي وَاجه بها الوزير مُنتقديه عندما أثاروا في بلاطو البرنامج “التقاعد الريعي” الذي يتقاضاه الوزراء والبرلمانيون، وهي العبارة التي فسر بها جُزء من الانتقادات المُوجهة إلى الحُكومة من طرف جهات تَستفيد من الريع “ديال بالصح”، ولَيس في صالحها أي حَلحلة أو تغيير للوضع الراهن، لأنها تعرف بأن أي حل للأزمة سيتسبب لها في أزمة “خَانقة”، من شأنها العْصف بالامْتيازات الكثيرة التي راكمتها مُنذ سنوات.

وفي ضَوء عبارة “اسكت عَلي نَسْكت عليك”، يُمكن فهم ظُهور بَعض “الفزاعات” يتم التلويح بها وإخراجها لتخويف الحُكُومة. هَل تتذكرون الاتهامات التي أطلقها على عواهنها حميد شباط لرئيس الحُكومة بالعلاقة بـ”داعش” والمُوساد ؟ وهل تتذكرون الهجمة الشرسة التي تعرض لها كل من وزير الاتصال مصطفى الخلفي، باتهامه بالسعي إلى “أسلمة” الإعلام العُمومي، مُرُورا ب”غزوة الإفك” التي تَعرض لها الوزير السابق الحبيب شوباني، والحملة الشرسة التي تعرضت لها الوزيرة شرفات أفيلال، بسبب زلة لسان في برنامج تلفزي، وما تعرض له وزير العدل مُصطفى الرميد من “انتقادات” مَجانية وتعريض خارج السياق، والهجمة التي تعرض لها وزير الصحة، وصلت إلى حد محاولة الاعتداء عليه داخل البرلمان، بسبب إدخال رأسه في فم ثعبان “لوبيات” الأدوية.

هل تذكرون أيضا الشعارات التي تم رفعها في وقفات “احتجاجية” ضد الوزيرة بسيمة الحقاوي، رغم أن مشاريع القوانين المتعلقة بالمُنَاصفة والعنف ضد المرأة والأسرة والطفولة، التي جاءت بها لا تشم من أي سطر فيها أي رائحة ايديلوجية ؟ ورغم ذلك تم الهجوم عليها ظلما وعدوانا، دون أي سبب وجيه، ولعل هذا ما دَفع الحقاوي بوصف تلك الانتقادات بغير المَفْهومة.

لكن مع عبارة الوزير الأزمي “اسكت علي نسكت عليك” أصبحت قسمات تلك “الصنطيحات” مَفهومة وواضحة “للعيان والمزيان”، إذ مُنذ تنصيب الحكومة الحالية قبل خمس سنوات ونصف، رَافقتها مجموعة من الأحداث التي تركت وراء وقوعها ألغازا كثيرة من ذلك اللغز الكبير والغامض جدا الذي تَرَكَه خُرُوج حزب الاستقلال من الحُكُومة.

إن عبَارة “اسكت علي نسكت عليك”، من شأنها أن “تفتح” لَنَا كُوة ضوء لمعرفة بعض الأسباب التي تقف وراء قرع بعض الجهات طُبول “الحرب” على حكومة ابن كيران بمُناسبة وبدُونها..شعارها في ذلك “مَالك مزغب؟”، رغم أن الصديق فريد التقط صورة لرئيس الحكومة عند الحلاق.

بكلمة، مُشكلة المغرب منذ حُصوله على الاستقلال هو التحالف أو بالأحرى التواطؤ بين بعض (قلت بعض) الأحزاب والنقابات والحكومات المتعاقبة، وكلما تم التفكير في فتح ملف من الملفات “الخانزة”، يتم التهديد والترهيب بكشف الأوراق، وفضحها، فتغلق الحُكُومة فمها، ولا تفتحه إلا عند طبيب الأسنان، فتتواصل سياسة “ملء البطون” كما يسميها جان فرانسوا بايار، أو بدارجة مغربية “كُولَ وَ وَكَل”، على وزن “اسكت علي نسكت عليك”..والخَاسر الأكبر بكل تأكيد هُو المُجْتمع المغربي الذي يَخرج أبْناؤه وبناته بعدما يصل “الجنوي إلى العظم”- في مَحَطات معينة – للاحْتجاج على “الدولة” ثم يَتَصالحون معها بعد الاسْتجابة لمطالبهم، كَانت آخر الخصومات 20 فبراير، وكانت آخر المصالحات دستور 2011.

مهما اختلفنا مع أول حُكومة بعد هذه الوثيقة الدستورية، إلا أن أصدقاءها وخصومها “الموضوعيين طبعا” يعتبرونها نابعة من إرادة شعبية اجتازت امتحان الاختيار الديموقراطي فنجحت فيه، وواصلته في استحقاقات محلية، وتحول حلم الذين كانوا يريدون إغلاق هذا القوس “الديموقراطي” إلى كابوس يقض مضاجعهم، سيما بعدما يطلع عليهم رئيس الحكومة بطريقته الخاصة ليحرك البحريات الراكدة ويشعل النيران الخامدة، فيستعيد النقاش السياسي وهجه و”يُقْبل الناس على الحديث في السياسة”، وهذا الحديث بطبيعة الحال يتسبب للبعض في الإزعاج وقلة النوم، خاصة مع ابن كيران الذي من الصعب تكميم فمه، فهو كَائن لا يُحب السكوت، و”تيقولها فالوجه”.

وهكذا فأي كائن بشري أو”افتراضي” يسعى لمعارضته يجب أن يشمر على ساعديه ويكون قَادرا على مُمارسة هذا التمرين الصعب.

وطبعا ليمارسه هذه الرياضة دون متاعب يجب أن لا تكون كرشه فيها العجيبنة لأن هذه المادة تجلب الخمول و”السكات” بسبب الخمائر التي يتم حشوها في الدقيق قبل عجبنه وإدخاله مثل الطعم في أفواه الحيتان الكبيرة والصغيرة لتضربها بسكتة عن الملفات “الخانزة”.