شذرات من ذاكرة صحافي .. مشاعر إنسانية في قوالب موسيقية

شذرات من ذاكرة صحافي .. مشاعر إنسانية في قوالب موسيقية
الأربعاء 30 ماي 2018 - 22:50

تنحرف الستائر تحت يديه فتنكشف دفة النافذة، ثم يَفتَح المصراعين على الشارع.. أصوات الجلبة تدخل غرفتي، وإذا هي هدير سيارات وكلمات متناثرة تقع في سمعي. وحين أرفع بصري إلى الساعة الحائطية قبالتي، أجدها تؤشر على الزمن الذي لا يتبدل:

– السادسة صباحا!

صباح الخير، يقول الصوت المنبعث من المذياع.. ثم تنساب الموسيقى عبر الأثير. ويرفع والدي صوت الراديو، فنسمعه في كل أرجاء البيت. وإني لأدفن رأسي تحت الوسادة حتى تكل يدي.. ثم يُسقط في يدي فأقوم!

وقد صارت طقوس الاستيقاظ الصباحي جزءا أصيلا من يوميات والدي. فإذا وقفتُ إلى جانب أمي، وقد غشيتني الرغبات المتزايدة في سويعة نوم زائدة، فركَتْ عيني بالماء ثم رددتْ قولتها الأثيرة:

– ما أن يمس الماء عينيك حتى يذهب التعب!

ولم تكن هذه الوصفة تؤتي أكلها كل يوم. وإني لأحاول تقليد أبي في حيويته الصباحية، ولكنني أفشل أحيانا.. فأتثاءب وأحك عيني وتنعقد خطوط جبهتي، فإذا رآني على تلك الهيئة، قال ضاحكا:

– حزموني ورزموني.. !

ويا لذكريات الطفولة!.. على مائدة الفطور، كان المذياع يصدح بالأغنيات. وحين أسمع اليوم “أمري لله” لنعيمة سميح، مثلا، تنتابني أحاسيس طفولية شبيهة بتلك التي شعرت بها على المائدة قبالة الساعة الحائطية وإلى جانب الراديو.

إن عالم المشاعر الإنسانية لا يمكن أن تحيط به العبارة. وأزعم أنه الجانب الأعمق إنسانية في حياتنا. ووظيفة الفن – على الحقيقة – أن “يترجم” ذلك الإحساس الأعمق بالكلمات وبالصور وبالموسيقى. إن المشاعر الإنسانية كامنة في قلوبنا “بالقوة”.. وهي تصبح موجودة “بالفعل” حين نحولها إلى قطعة فنية.

وأنا أكتب هذه الكلمات على إيقاع هذه الأغنية الخالدة التي جمعت بين ثلاثة عباقرة في مجال تخصصهم: نعيمة سميح وأحمد العلوي وأحمد الطيب لعلج. ولا تسل عن المتعة حين تغلفها غلالة رقيقة من الحزن!.. سمه شجنا أو قل إنه أشبه بالسيل الهادر حين يفيض من شغاف القلب.. بل من شعاب القلب وأوديته! إنه معنى يفوق الوصف.. قد نتذوقه ونعيشه ولكن يصعب أن نكتب عنه.. سوى في أوقات الصفاء العابرة.. !

واليوم، أستعيذ ذكرياتي عن الموسيقى. وعنها كتبت:

في ذلك اليوم.. حين أسندت رأسي إلى وسادتي، اجتاحتني نشوة سرت في أطرافي. شعرت بفرح “طفولي” لم أعرف مأتاه ولا منبعه. أسكرتني النشوة فهمست لنفسي: لئن كان هؤلاء الذين يزعمون أنهم سعداء يشعرون كما أشعر الآن فإنهم لفي عيش طيب !

خف جسمي حتى خيل إلى أني لو فتحت النافذة وهب نسيم الفجر لحملني الأُثير حيث يشاء. غمرتني فكرة من رأسي حتى أخمص قدمي. استولت علي فسمعتني أحدث نفسي هامسا:

– وي ! كأني سعيد.

فتحت النافذة، مُحاذرا أن أطير، ورحت أملأ رئتي من الهواء البارد. رأيت هناك في الأفق البعيد المظلم خيوط ضوء تتراقص. جمح بي الخيال فرأيتني أطل على الناس ممتطيا صهوة نجمة صغيرة. وفي لحظة مجنونة، مرت في لمح البصر، شعرت كأني أضع الدنيا، وما فيها، في جيب سترتي !

هي – بكلمة – نشوة الموسيقى.. فكيف حين تغني ذات البحة الجميلة روائعها الخالدة.. تصير النشوة سحرا يفوق السحر نفسه !

‫تعليقات الزوار

1
  • ماهر
    السبت 2 يونيو 2018 - 23:57

    تستحق كل التقدير والاحترام اخي سمير انت فنان مقتدر وطموح
    المزيد من النجاح والعطاء وفقك الله في مسيرتك الإبداعية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج