صوموا،، ما "تصوموش"!!!

صوموا،، ما "تصوموش"!!!
السبت 20 يونيو 2015 - 10:44

على غير العادة، وعلى “حين غرة”، أعلن في المغرب على استهلال هلال رمضان في نفس اليوم الذي استهل فيه في كافة البلدان الإسلامية، وهي مفاجأة سارة مرغوبة، نتمنى تطبيعها ودوامها، لأنها هي الطبيعة والعادة والأصل والصواب، غير أن هذه الفرحة لا يمكنها أن تحجب سحب الغبار الداكنة التي تغطي المشهد مناسباتيا كل عام..

ففي كل سنة يطفو على سطح النقاش الشعبي لغط وهرج ومرج بخصوص أيام بداية الصيام والإفطار وأعياد الأضحى.. وتحاول كل نظم هذه الكوارث المسماة بهتانا وزورا “دولا إسلامية” إصباغ الأمر بصبغة فقهية، من منطلق الحرص على “الدين”، مدعية كل واحدة منها الشرعية والأحقية والصواب فيما تعلق باعتماد أحد سبيلي الرؤية أو التقدير(الحساب)، أو متذرعة باختلاف المطالع..

وللحقيقة والتاريخ فإن أيا من هذه الكائنات الكرطونية المزيفة، والدمى المنصّبة، ليس لها أدنى حرص على صحة الصيام أو غيره من الشعائر والعبادات، بل ليس لها أقل اكتراث بسلامة أي جانب من جوانب الدين، وإنما الأمر محض تسابق وإمعان في إظهار الالتزام والولاء عن طريق تنفيذ أجندة خارجية مدفوعة الأجر -بحماية الكرسي- لا تطيق رؤية اتحاد، أو مجرد انسجام، بين المسلمين، ولو في أدنى صوره الرمزية، لأنه يذكرها بنهاية صولتها حالَما تحقق.. ومن جهة أخرى فإن هذا الإصرار هو مجرد رغبة جارفة في إظهار الانفصال التام وبغية في التعلق باستقلالية عميلة موهومة، لا يمكنها أن تتبلور فيما عداها من القرارات السيادية الحقيقية، فتلجأ للتعويض ببروز لافت مزور فيما تعلق بـ”الحائط القصير”: الدين!!!

إن هؤلاء البيادق الأفاقين لا يمكن بحال أن تكون لهم غيرة على دين الله -ومنها الحرص على صحة الصيام- وهم الذين انتهكوا كل حرمات الله مما طالته أيديهم سواء ما كان من انتهاك حقوق الله وتعطيل حدوده وإبطال شرعه وتعليق حكمه والاستعاضة عنه بقوانين حمو رابي وبونابارت، أو ما تعلق بحقوق العباد والتي تبتدئ بالتغلب وأخذ الحكم عنوة دون استشارة أو تفويض من شعوبهم، في استيلاء شمولي مطلق مستبد على السلطة، وتمتد في كل مفاصل الحياة، ظلما مباشرا مسلطا على المستضعفين كان، أو احتكارا للسلطة والمال والموارد، أو تجهيلا وتفقيرا وإهانة، أو خيانة وخذلانا وخنوعا وتبعية… نتج عن كل هذا الحالة التي نعيشها الآن، والتي تذيل لوائح كل المؤشرات التنموية، سواء على الصعيد المادي أو البنيوي أو العلمي أو التعليمي أو الصحي أو الاجتماعي أو القيمي أو الأخلاقي… خلاصته أن “ولاة أمرنا” رأونا أمة وسطا -على حد قول أحمد مطر- فما أبقوا لنا دنيا، ولا أقاموا لنا دينا!!!..

إن الأجهزة التنفيذية المختصة بهذا الحقل والتي تدور تسميتها في جل هذه “الكنطونات” حول “الأوقاف والشؤون الدينية”، ليس لها من دور في واقع الأمر غير جباية مداخيل الأحباس، وإفساد الدين كله وخاصة ما تعلق منه بالعبادات، ما دامت الأوجه الأخرى قد تم القضاء عليها منذ أمد. لذا تراها قد تفرغت لـ”السمسرة” في تنظيم عمليات الحج وتحجيم عدد نساكه، ونشر وترسيخ البدع والضلالات في رمضان عن طريق حملة إعلامية ممنهجة تروم إفراغ الشعيرة من محتواها واحتواؤها في إطار منظومة “ترفيهية” بهلوانية فلكلورية، وكذا عن طريق نشر وتشجيع فرق “صوفية” طرقية “باطنية” منحرفة، وتكريس طقوس وكيفيات معينة في الصلاة داخل المساجد والزوايا… وهذا الجانب بالضبط قد تم تناوله باستفاضة في مقال سابق تحت عنوان: “وزارة “الحبس” والطرقية والبدع والضلالات”..

إن نظما كل زعمائها يعطلون الركن الخامس من أركان الإسلام دون عذر لا يمكن أن تكون وصية ولا حريصة على صحة عبادات الأنام..

وبعيدا عن التخصص العلمي الكوني منه والشرعي المغرق في الجزئيات والتفريع، والمشوب في كثير من أوجهه المعاصرة بالتوظيف السياسوي من لدن علماء السلاطين البارعين في “الهندسة السياسية” و””الفصالة” الشرعية”، فإن النصوص الأصلية المرجعية المؤطرة لتوقيت شعيرة الصوم هي قول الله تعالى في الآية الكريمة رقم 185 من سورة البقرة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وكذا الحديث النبوي الشريف: {صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين}، وله روايات أخرى متقاربة جدا ختمت إحداها بـ{… فاقدروا له ثلاثين}، عوض {فأكملوا العدة ثلاثين}.. فالخطاب هنا جمعي، ولا يمكن إلا أن يكون هكذا حتى لدى من يحاول أن يفْرد خطاب الآية الكريمة، ذلك أنه لا يستقيم عقلا ولا واقعا أن يتولى كل شخص مسؤولية المراقبة الشخصية ويرتب عليها حكمه الشخصي والتزامه الخاص!! وعليه فعلى ولي الأمر القيام بالمهمة، وهي تجزئ جميع المسلمين بحكم وحدة الأمة المنصوص عليها نصا: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}، رغم تعدد أقطارها السياسية مرحليا..

أما بالنسبة لمسألة حجية اختلاف المطالع، فإنها حتى لو تجاوزنا الاختلاف الواقع فيها وسلمنا بصحتها كرأي وحيد، فإنها تتأسس على المطالع وليس على حدود الجغرافيا السياسية لمخيمات سايكس-بيكو، وعليه فيمكن أن يتواجد أكثر من مطلع واحد في “دولة” شاسعة واحدة، تماما كما يمكن أن يشمل مطلع واحد أكثر من “دولة” واحدة من ذوات المساحات الضيقة..

ثم لماذا تلغى مسألة المطالع هذه ويتم تجاهلها في حال الاندماج السياسي بين كيانات سياسية مختلفة، كما هو الشأن بالنسبة للإمارات واليَمنيْن، و”الجمهورية العربية المتحدة” في نهاية خمسينيات القرن الماضي.. بل إنه في الحالة العكسية، أي الانفصال، لن يتم اعتماد نظرية هذه المطالع بتاتا، وذلك باتخاذ كل كيان ليوم صيامه وفطره، مع أن المطلع كان قبل ذلك واحد!! وهو ما تم بالضبط إثر تفكك الدولة العثمانية، حيث أصبحت “دولها” ذات المطلع الواحد بالأمس، تعتمد مطالع متعددة بعد ذلك..

كما أن اختلاف المطالع لا يمكنه أن يفسر ولا أن يبرر تواتر اختلاف مدة نفس الشهر بين بلدين، بحيث يُتم شهر معين 30 يوما في دولة ويقف عند 29 يوما في دولة أخرى، وهذا لمرات!!!

إن هذا الهراء أكثر ما يتوضح حين استحضار “مراهقيات القذافي” و”علي صالح” الذيْن كانا يخرقان كل القوانين الفلكية والجغرافية، فيعلنان أيام صيام أو فطر شاذة لا توافق الشرق ولا الغرب، في انتقاء جغرافي مقيت، وتحد سافر للقانون الطبيعي والحس البشري.. كما تظهر عين العبث في الأمر حين تقسّم “المطالع” على مدى 72 ساعة لمساحة جغرافية لا يتجاوز عرضها مدة 6 ساعات فلكية كفارق زمني بين طرفيها!!!

عمليا واجتماعيا، كيف يمكن حل الإشكاليات الناتجة عن السفر بين دول لم تصم أو لم تفطر في نفس اليوم(مع إمكانية وأولوية وجدوى حصوله): نفس الأسرة، في نفس البيت، في نفس اليوم، أفراد يحتفلون بالعيد والآخرون صائمون!!!

بالنسبة للمهاجرين المسلمين في الغرب، الإشكال قائم لا محالة، فهم بين مطرقة المخالفة فيما بينهم في نفس القطر تحت طائلة الاجتذاب السياسي، وسندان مخالفة أهليهم في أرض “الوطن” حين العودة!!!

بالنسبة للمقتدين بالحجاج يوم عرفة، فإن إشكالهم لا يمكن أن يحل بحال، ذلك أن الحجاج يقفون بجبل عرفة يوما واحدا في شعيرة لا تتكرر في نفس الموسم، فبالنسبة لهم وللمقتدين بهم، وهم نظريا كل المسلمين، فإن اليوم الموالي لذلك الوقوف وذاك الاقتداء يكون هو يوم عيد الأضحى، عكسيا فإن يوم صوم سنّة الاقتداء بالواقفين بعرفة يكون يوما قبل يوم النحر، وإذا كان صوم يوم العيد محرما، وكان يوم العيد هناك هو يوم “عرفة” هنا، فإن المقتدي عليه أن يختار بين محرم الصوم يوم العيد، إذا اعتبر يوم “عرفة الحقيقي”، ومخالفة صوم يوم قبل يوم الوقوف بعرفة، إذا اعتبر يوم “عرفة المحلي”!!!..

‫تعليقات الزوار

2
  • anir
    السبت 20 يونيو 2015 - 19:25

    عليك ان تعلم ان المغرب هو الوحيد الذي تكون فيه رؤية الهلال مضبوطة بشهادة اخصائيين دوليين. لا يجب علينا ان نكون موالين لاحد.

  • مواطن غيور من تطوان
    الأحد 21 يونيو 2015 - 13:47

    الدفاع عن الرأي الحر هو الدفاع عن رأيك. والسلام

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش