عبد الصمد بلكبير .. الإسلامي مع وقف التنفيذ

عبد الصمد بلكبير .. الإسلامي مع وقف التنفيذ
الإثنين 25 يناير 2016 - 22:33

في جلسة غير علمية، بمأدبة غذاء على هامش المؤتمر الوطني الثالث حول “اللغة العربية وسؤال المعرفة” الذي نظمه “الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية” بمدينة الرباط، أواخر شهر دجنبر من السنة الفائتة، إلتقيت بالكاتب اليساري المغربي “عبد الصمد بلكبير”. اغتنمت الفرصة بإتقان وحاورته حول مجموعة من القضايا والإشكاليات السياسية والفكرية، التي تخص واقع المغرب الحديث والمعاصر. ولقد كنت -بكل صدق- فرحا مشتاقا لسماع أجوبته “التقدمية” دون مقاطعة، خاصة وأني لم أجالسه أو ألتق به إلا في “دروب” كتاباته، أو على شاشة قناة من القنوات العربية صدفة، إن كان للصدفة اعتبار.

وبطبيعة اللحظة والسعة، وتدخل مقدمي الوجبات بين الفينة والأخرى، في مكان هادىء وجميل، فقد كان تحاورنا مقتضبا. بدأنا الحديث حول مائدتنا المستديرة رفقة من بجنبي ومن بجانبه، وكان المدخل لغويا باعتبار شرط المناسبة. لم يخف عروبته حين أكد على توصية/مقترح المؤتمر بإنشاء “مجمع لغوي مغربي”، معتبرا إياه حقا مشروعا وديموقراطيا، مادام هناك مجامع لغوية أخرى في العالم العربي تحمل طابع بلدها وتحدده، وما دامت الحاجة إلى ذلك ماسة وقائمة؛ فلا يعقل -حسب بلكبير- أن نتسول على غيرنا في الحسم حول التقعيد والتحديث والأجرأة لمصطلح أو لمفهوم جد وبان في الساحة المغربية الثقافية واللغوية. وكان مما شدنا أثناء الكلام عن هذه المسألة، هو الكيفية التي بها سيتم التمكين لهذا المقترح، ولذلك لم يعتبر الأمر سهلا ومستساغا لدى “الأعداء الفرونكفونيين” ومن وراءهم، الذين سيجدون أنفسهم قاب قوسين أو أدنى من الاعتراف بالمجمع، أو التعجيل بتنزيل “أكاديمية محمدالسادس للغة العربية”؛ وهما أمران أحلاهما عليهم مر.

أعرف جيدا أن د.عبد الصمد بلكبير عضو حركي بارز في “منظمة 23 مارس” اليسارية، كما أعرف جيدا أنه كاتب مغربي له العديد من المقالات الفكرية حول الشأنين الثقافي والسياسي المغربيين، وأعلم أيضا أنه ينتمي لإنتلجينسيا مسيسة تاريخيا، بحكم الارتباط الوثيق -لديها- بين التنظير الفكري والممارسة السياسية في “الخصوصية المغربية”، ولهذا أحببت سماع رأيه في الثقافة والفكر؛ فطلبت منه تقديم تقييم سريع للفكر المغربي المعاصر، ولكم كانت دهشتي قوية حين فاجأني بقوله: “وهل يوجد لدينا فكر مغربي؟!”. ولما ذكرته بأسماء بعض المفكرين المغاربة أمثال الأستاذ “محمد عابد الجابري” والفيلسوف “طه عبد الرحمان” والكاتب “عبد الله العروي”، سارع إلى عقد مقارنة عجلى -كان في غنى عنها- بين الأستاذ الجابري والعروي، داعيا إلى تفضيل الثاني على الأول، مصدرا بذلك حكم قيمة هو أقرب إلى الأحكام السياسية “الانتماءية”؛ والدليل هو إسهابه في الكلام عن طروحات العروي/التقدمي، متناسيا تماما ما قدمه الأستاذ الجابري/الإتحادي، معرجا على أفكار تراثية تخدم توجهه، حدثه بها الإمام الغزالي والفقيه ابن حزم رحمهما الله تعالى. وربما لهذا السبب بالضبط كان جوابه مأسورا؛ فلما استفسرته عن كتاباته في أي خانة يمكن أن نجدولها؛ سياسية أم فكرية؟! كان جوابه: الإثنين..

وكأن الفكر وممثليه يبدأون وينتهون في حضرته، وهو الذي لم ولن ينسى مرارة السجن والاعتقال -بسبب انتمائه وأفكاره- في سجون “النظام” من جهة، وبسبب الإقصاء والتهميش الذين تعرض لهما على مستوى “التمثيل النيابي” بالبرلمان. لقد سرد علينا بلكبير هذين الحدثين أثناء الحديث عن بعض تجارب “الربيع العربي” وما تبعه في مصر وتونس خاصة؛ إذ عرض على مسامعنا “توجيهاته” و”نصاءحه الأخوية” التي قدمها -شخصيا- لبعض رموز “الحركة الإسلامية المعاصرة” مثل “الزعيم” راشد الغنوشي حول “التجاذبات الإقصاءية” بين التيارين الإسلامي والعلماني، مما كان له الوقع الكبير على نفسية الرجل الذي رحب بأفكار “الشيخ الرفيق” وعانقه. والشيء نفسه وقع له مع “إخوان” مصر؛ حيث أكد على أنه لو ترك الفوز لأحمد شفيق “مناصفة”، مع الاكتفاء بتدبير الشأن الحكومي، لسلمت أرض الكنانة من سيول الدم التي جرت في شوارعها وساحاتها، ولكانت “أنموذجا ديمقراطيا راءدا” يحتذى به في العالم العربي..

الحديث في مجال السياسة، سيعيدنا إلى المغرب؛ حيث الإضراب “الخطير” الذي يخوضه “الأساتذة المتدربون” منذ ما يزيد على أربعة أشهر، حول المرسومين الحكوميين القاضيين بتقليص منحة الأساتذة الطلبة، مع فصل التكوين عن التوظيف. لم يتعب صاحبنا نفسه كما لم يتعب الحكومة المغربية في توصيف الحالة ومعالجتها عقلانيا و”تقدميا”، واكتفى فقط ب “تخطيء” الأساتذة كونهم لم “يتنقبوا” في البلاد، وما عليهم -لحد الآن- إلا الإسراع بوضع ملفهم في أياد نقابية أمينة. ولعل في هذه “النصيحة/التكتيك” بحث عن مخرج من “المأزق” الذي وقعت فيه الحكومة “مكرهة”؛ إذ سيأخذ “الملف” طريقا تفاوضيا مريحا جدا للحكومة، تتعامل فيه ب “منطق المصالح” مع النقابة التي ستتبنى مطالب المضربين.

كل مرة كنت أسأل فيها محاوري عبد الصمد بلكبير عن قضية تخص الراهن السياسي المغربي، كنت أترقب جوابا يشبهه؛ جوابا يعبر عن قناعاته الفكرية التي أدخلته السجن، كما يعبر عن أسلوبه في العمل السياسي الذي ما زال ينتظر تطبيق نموذجه، لكنه لم يكن -حقيقة- إلا “ناطقا غير رسمي” باسم الحكومة.

صدقني، أيها القارئ الكريم، لقد واجهته بهذه الملاحظة/الصفة، فأكدها بأن ضحك “بحلاوة” دون إنكار، لأننا كنا -في هذه الأثناء بالضبط- نتناول آخر وجبة لنا:

الحلوى مع الشاي المغربي المنعنع..

ترى، هل سينال عبد الصمد حصته في الاستوزار بالحكومة الـ”ميني ملتحية”، إن هي حصلت على “عطف” ثان في الانتخابات التشريعية القادمة، بعد سبعة أشهر من الآن؟!!

لا أملك جوابا. لكنني أملك حق التنبؤ بمصير “الشيخ” بلكبير؛ إنه نسخة طبق الأصل للكثير من “المناضلين” الذين تماهوا وانصهروا في بوتقة “العهد الجديد”، واستسلموا لرياح “التغيير الديمقراطي” و “التناوب اليوسفي”..ثم.. لاستقطاب “الإسلاميين السياسيين المعاصرين الجدد”.

‫تعليقات الزوار

6
  • علال
    الثلاثاء 26 يناير 2016 - 04:03

    كما ان المغرب بلد له خصوصيته ينفرد بها عن باقي البلدان، فإن لليسار المغربي خصوصيته أيضا، ينفرد بها عن اليسار المتعارف عليه دوليا. فلماذا نتحامل على مشيخة عبد الصمد بلكبير ونحن نعرف ان قيدوم الشيوعيين المغاربة المرحوم علي يعتة سبق أن حجَّ الى بيت الله الحرام؟ نَعَمْ، اليسار (أو "التياسر" إن صح التعبير) عند المغاربة هو مراهقة سياسية، هو مرحلة طيش سياسي. هكذا يفهمه المغاربة.
    اليسار في المغرب ينقسم الى قسمين: يسار مرتبط بالمشرق (لبنان وسوريا بالخصوص)، أو مرتبط بالغرب (فرنسا بالخصوص).
    ـ اليسار المرتبط بالمشرق (عند توبته من طيشه) يتخونج ويتقومج.
    ـ أما اليسار المرتبط بالغرب فيغوص في لبرالية خمسة نجوم (طبعا إن كان وضعه المادي يسمح له).

  • الجوهري
    الثلاثاء 26 يناير 2016 - 07:58

    حوار شيق ومثير وأتفق مع لكبير ليس عندنا فكر مغربي بالمعنى الصحيح فلما تجد المفكر متأثرا بسطالين أو بمولير او بغيرهم من المفكرين الغرب فهو
    مترجم لأفكارهم لا أكثر أما الفكر المغربي الحقيقي فجدوره من الهوية المغربية ومضمونه إثراء وتربية الأجيال
    الوطنية على العمل والإفتخار بالهوية المغربية الأصيلة

  • saccco
    الثلاثاء 26 يناير 2016 - 11:12

    في وقت من اوقات إنتشار الفكر الماركسي وصراعه مع الفكر الاسلامي بالمغرب شاء الراحل الحسن الثاني التقرب وإرضاء التيارين بالجمع بينهما في مصطلح واحد وهو الدعوة الى "الاشتراكية الاسلامية"
    كثير من المثقفين الماركسيين وبعد سقوط المعسكر الشيوعي وإديولوجيته سارعوا الى سد الفراغ بما قد يتركهم على قيد الحياة وعدم الاندثار نهائيا من الساحة الى التعاطي مع ما هو جد رائج ومهيمن ومدر للربح في بورصة الفكر والسياسة وهو الفكر القومي العربي الاسلامي
    لذا تجد خطابهم مْدَرّح بالماركسية والعروبة والاسلام مما يجعل هذا الخطاب مشوه وغير منسجم واحيانا كثيرة جد متناقض
    ما حدث لهؤلاء هو نفس ما حدث للغراب عندما تخلى عن مشيته واراد تقليد مشية الحمامة فلا هو بمشيته ولاهو بمشية الحمامة وكل ما يفعله ولا يزال هو البريكولاج في المشي

  • لعبة النسيان
    الثلاثاء 26 يناير 2016 - 12:57

    لقد اقترب موسم الانتخابات ،وبما ان العالم اصبح يتكلم اسلامي فمن الضرورؤكمقدمة مغازلة او او لىالافل مهادنة الاسلايين ،انهم البرلمتنيون الرحل ،بالانس يساريون رديكاليون واليوم اسلاميون توفيقيون . تصوف وسلف واخوان وبجيديون ،منهم ايضا من استنجد بابو حنيفة تزلفا بالبحيدي يحدتنا عن واقعيته واجتهاداته ،ومنتقدا مالك ،متناسيا ان واقعية مالك عامة تنفتح على اعراف الشعوب قاطبة بينما واقعية ابو حنيفة لا تتجاوز شبه الجزيرة العربية . ولكن الغاية تبرر الوسيلة وهي تنظيم قصاءد شعرية لشهر سبتمبر موسم سوق عكاظ

  • cafe levillage
    الثلاثاء 26 يناير 2016 - 17:02

    استغرب لمن يطلق على نفسه لقب شيوعي أو يساري ولما يمرض يصيح يا سيدي ربي شافيني ويدعو الله ويقرأ المصحف فلماذا لا يستنجد بسطالين و غورفاتشوف
    والله جلهم يتسترون وراء هذه الإديولوجيات لإشباع شهواتهم من خمر وجنس لكي يدعوا الحداثة

  • ضريبين محمد
    الأربعاء 27 يناير 2016 - 11:37

    يستعصي على محاور عبد الصمد بلكبيرأن يدرك طبيعة التداخل بين الفكري والسياسي لان المشروع الفكري لعبد الصمد يرتبط ارتباطا جدليا بالواقع السياسي العربي والمغربي ويتفاعل معه . لدلك من الصعوبة جدا أن يبرز المحاور رؤية عبد الصمد الفكرية حول التجادبات الفكرية والسياسية بين العلمانيين والإسلاميين في العالم العربي وفي المغرب وعندئذ كان حكم المحاور ذاتيا وقاصرا ولم يرق إلى مناقشة الافكار،بل حكمته النزعة الذاتية المحكومة هي الاخرى بالمسار السياسي والفكري لعبد الصمد الذي يؤمن بالدور النقابي وأهميته في تأطير أساتذة الغد وغيرهم بينما المحاور يميل إلى الاحتجاجات العفوية ولا يملك حسا نقابيا بل توجهه قناعات وأفكار مسبقة كتجريم الايمان بالعمل الحكومي ، فمسألة أن يستوزر عبد الصمد في حكومة الاسلاميين السياسيين مكسب رائع وسيقرب بشكل أقوى الفكر الديمقراطي الحداثي وسيدمجه بشكل سلس ومتجدد. وهدا النوع من المفكرين والمثقفين قلائل في عالمنا العربي، ومسألة الحكم عنهم وتقييمهم فكريا ثم تصنيفهم يحتاج إلى رصيد من النضال والوعي السياسي والفكري ولن تجدي القفزات ولا الانتقاءات ولا الاسئلة المسطحة.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس