لماذا تركت القطار وحيداً...؟

لماذا تركت القطار وحيداً...؟
الخميس 18 أكتوبر 2018 - 14:51

لم يطلقِ النارَ أحدٌ على ضحايا القطار، وهو على مرمى العين من سلا ومن العاصمة الرباط… إذْ لم يكنْ هذا القطار في حالةِ فرارٍ أو في أي وضعٍ يستدعي إطلاقَ النار عليه حمايةً للحدود وتفعيلاً لقانون السيادة مثلاً…!

كان القطار يسير كديدنه المألوف نحو العاصمة… فجأةً خرج عن الطريق، وهو الذي لم يقترف مثل هذا “السلوك الطائش” عندنا منذ أكثر من عقدين من الزمن…! تُرى هل قررَ القطارُ هذا الزيغَ القاتلَ عن الطريق مُتلهفاً نكهةَ الحلوى وتلك “الرائحة” التي غمرتْ شارع محمد الخامس والنواحي منذ جمعة افتتاحِ خريفية البرلمان…؟

وأضافَ صاحبي متسائلاً؛ أتراه قد تمردَ حين تأكد أن البقاءَ وحيداً على السكة وعلى الطريق هو الحمق عينه أو هو جحيم القنوط في أوجه، والحال أن الطرقَ تشعبتْ بأهل البلد، وصار لكل من القائمين على شؤونه السكةَ التي يريد والمحطةَ التي يشاء والمآلَ الذي لا ينجذبُ إلا نحو المجهول، لا قدر الله…؟

قلتُ مُستدركاً واضعاً الحد لخيالِ صاحبي الجامحِ هذا، وللتشاؤمِ الذي صار يغمرنا كالسيلِ الجارفِ أو كالطريقِ الذي لا مخرج له؛ ألم نقرأ سوياً ديوان أو قصيدة محمود درويش (لماذا تركت الحصان وحيداً)؟ أو ألم يصرخ الشاعرُ فينا صرختَه الحزينةَ المدويةَ هذه، حين كانتِ الشعرةُ الأخيرةُ (وليستِ الآخرة على كل حال!) من عُرْوَتِنا وعُرُوبتنا، تُمزقُ تحت أنظار معظم حكامنا ولا أقولُ تحت طائلةِ التواطؤ وتخاذلنا المريب مثلاُ، حتى لا أدفنَ تفاؤلي بيدي…؟

ثم، ألا ترى معي يا صاحبي، أننا حين تركنا الحصان وحيداً، كاد الأعداءُ أن يبتلعواْ بلاد النيل والفرات وما بين النهرين، فزحفتْ لعنةُ الصحراء وبرودةُ نفطها قتلاً وتمزيقاً على البلاد والعباد، من “ليبيا المفروسة” إلى “اليمن المذبوحة”، ومن القدس السليبة إلى الشام الكبيرة…؟

وها نحن هنا والآن، في مغرب الشرق، قد تركنا القطار وحيداً… فما هذا، يا زمني؟

لا عليك، يا صاحبي… لعل حادثُ هذا القطار كالعادي تماماً، مثل قسوةِ مآلِ “حياة” وغيرها… مثل كل مَنْ رحلواً ويرحلون، ولعل كل مَنْ ماتواْ عندنا قد نجواْ من الحياة بأعجوبة (نقلاً مُحَوراً عن محمود درويش).. ولعل هذا القطار الثائر أيضاً، قد داخَ من فرطِ أثرِ انتقالِ الفصولِ ووقعِ المطرِ الزهيد وبعضِ التهاون والكسلِ القاتل، أو من زُعاقِ “رائحة” معظمِ السياسةِ والساسةِ في البرلمان وغيره، أو من هولِ هذا التيه الفظيعِ فينا ومن حولنا والزيغِ عن السكةِ وعن الطريق السديد… أو أليستْ فواجع “الطبيعة” أرحم، وهي التي تخشى الفراغ…؟ فما البالُ بالطريق، وقد صارتْ عندنا في عز وحدتها تنادي؛ لماذا تركت الطريق وحيداً…

لا تتركواْ القطارَ وحيدا.

لا تتركواْ الطريقَ وحيدا.

لا تتركواْ البلدَ وحيدا…

لا تتركواْ الأملَ وحيدا…

وإن تلفتمْ أو أُتلفتمْ حقا،

شُدواْ على هذه الأرضِ طويلا…

‫تعليقات الزوار

2
  • Peace
    الخميس 18 أكتوبر 2018 - 15:34

    و الله قصة حزينة ولكن بعض الاحيان نغادر لتجنب الاسوء. جئت من بلاد الغربة, متلهفة لرؤية افراد عائلتي, فبحتث عن اخي فلم اجده, و لما رجعت اتصل بي فسالته, لماذا غادر البيت و هو يعرف جيدا انني اريد رؤيته, فقال لي "الذي يحبك هو الذي يغادر" و بعدها لم اره ابدا, لانه توفي.

  • الرياحي
    الخميس 18 أكتوبر 2018 - 21:50

    زاغ القطار عن سكته وطارت عقول عدد من المواطنين فقدون لحمهم ودمهم و لما نفذ الكلام بكينا نحن في صمت وخشوع.لم يترى لحوكمتنا الأرملة السوداء أن تعلن يوم حداد ولا حتى دقيقة صمة ولم تبرق برقية تعازي وما رن تليفون.ماتت إشراق وفلت ومات عبد الجليل لأنه أصر على إنقاد الأخرين وب "أعجوبة نجا من الحياة
    وحينها علمنا أن "الروح عزيزة عند الله" في أمريكا في روسيا في أسكندفيا .. إلا عندنا
    إلا عندنا

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج