مطعم يُحوّل حياة سكان "وادي زيز" إلى جحيم

إلى وقتٍ قريب، كانتْ مساءاتُ وليالي سُكّان زنقة وادي زيز، الواقعة في حيّ أكدال وسط العاصمة الرباط، ساكنة وهادئة؛ وفجْأة انقلب الهدوء والسكينة اللذان كانا يعُمّان الزقاق إلى جحيم لا يُطاق، بعْد إقدام مستثمر إيطالي على إنشاء مَطعم حوّله إلى ملهى ليلي، دونَ الحصول على موافقة السكان.

خمور

حينَ عَلم سكان زنقة وادي زيز بأنَّ مطعما تُقدّمُ فيه الخُمور سيُنشأ في عُقر حيّهم، سارعوا إلى توقيع عريضة وجّهوها إلى والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة، فَحْواها “نُعارض بيْع المشروبات الكحوليّة في مَطعم يُرتقبُ أن يُفتتحَ في حيّنا”.

وعلّل السكان الموقعون على العريضة هذه المعارضة بـ”العواقب الوخيمة التي من شأنها أن تنجُمَ عن بيْع الخمور في الحيّ على تربية أبنائنا، وعلى هدوئنا، وأمننا، وسُمعة حيّنا، وعلى إرْثنا العائلي…”.

وأكّد السكان المعنيون رفضهم القاطع لمنْح صاحب المطعم أيّ ترخيصٍ بتقديم المشروبات الكحوليّة لزبناء مطعمه، داعين والي جهة الرباط سلا القنيطرة إلى الاستجابة لمطلبهم.

كانَ ذلك في شهر مارس سنة 2016، وفي الوقت الذي كان السكّان ينتظرون فيه من سلطات الرباط أن تتفاعلَ مع مطلبهم تفاجؤوا، أشهُرا قليلة بعد ذلك، بإقدام المستثمر الإيطالي على فتْح مطعمه. ومنذ ذلك الحين، يقول السكان، في رسالة موجّهة إلى وزير الداخلية والوالي، وجميع الجهات المعنيّة، “أضحتْ حياتُنا الاجتماعيّة جحيما لا يُطاق وأصبحنا في حيْرة من أمرنا”.

ولا تقتصر معاناة سكّان زنقة وادي زيز على تقديم المطعم المشروبات الكحولية إلى زبنائه، بل عمّقها المستثمر الإيطالي بتحويل مَطعمه إلى مَلهى ليلي، يرقصُ رُواده على إيقاعات الموسيقى الصاخبة إلى ساعات متأخّرة من الليل، وفْق ما جاء في الشكايات التي وجّهها السكان المتضررون إلى الجهات المعنية في العاصمة الرباط.

وتَسْرِدُ سيّدة تقطن جوارَ المطعم تفاصيلَ معاناة سكان زنقة وادي زيز بقولها “حْياتنا رْوعّها هاد السيد (تقصد صاحب الملهى)؛ أنا ما كانعسشْ نهائيّا بسباب الزّديح والرديح.. كنبْغي نْقرا منقدرش، كنبغي نتفرّج فالتلفزة منْقدرش”، مضيفة باستنكار: “أنا بغيت هاد الناس اللي كيعطيو الرخص يجيو يشوفو العذاب فين عايشين”.

ولا تنتهي معاناة هذه السيدة بعد توقّف أصوات الموسيقى الصاخبة التي تستمرّ إلى الثانية أو الثالثة صباحا، حسب إفادات السكان المتضررين، وتقول: “أنا بالنسبة لي الصداع ما كايساليش، كانبقا نسمع قْرابْ قْراب ديال قراعي د الشراب ملي كيجموعها… ما بقيتش كنعرف شي حاجة سميتها النعاس، وانا مريضة، عندي الطونسيون والسكري والشقيقة بْسباب هادْ المصيبة”.

حالةُ هذه السيّدة ليست سوى صورةٍ مُصغّرة لمعاناة باقي سكان زنقة وادي زيز، الذين اضطرّوا إلى خوْض وقفة احتجاجية، وكانَ أن تفاعلتْ معهم السلطات، حيثً استدعاهم وكيل الملك واحدا واحدا، وجرى الاستماع إليهم، وكان من نتائج ذلك توجيه إنذار إلى صاحب المَلهى، وجرى إغلاقه لمدّة شهر؛ غيْرَ أنه سُرعان ما أعيدَ فتْحه، وترَك السكان يتساءلون عن سرِّ النفوذ الذي يحظى به صاحبُه.

خُروقات بالجُملة

في مرآب العمارة التي يقعُ في طابقها السفلي المطعم، اختارَ المستثمر الإيطالي أنْ يضعَ مدخنة مطعمه La hotte، في كُوّة على جدران المرآب، “وهذا خرْق سافر للقانون، حيتْ خاصّو يْديرْها فالسْطح، ولكن حيتْ ما رْخّصناش لو دارها هنا”، يقول أحدُ القاطنين بالعمارة لهسبريس، ويُضيف جاره بنبرة ساخطة: “هادْ السيِّد طْغا علينا، كيْدير ما بغا، وما كاينش اللي يقدرْ يْحبسو”.

ما يُحيّر السكان المتضرّرين هُو كيف تمكّن صاحبُ المطعم من الحصول على رُخصة من الجهات المعنية، بالرُغم من عدم حصوله على موافقة السكان؟ ويتساءلون في الشكاية التي وجهوها إلى وزير الداخلية والوالي وباقي المسؤولين: “إذا كانت بعض الأنشطة التي تجلب نفعا للساكنة مثل المؤسسات التعليمية يطلب منها موافقة الجيران قبل الترخيص لها، فما بالكم بمحلّ تُستهلَك فيه الخمور”.

ولتَبْديد هذه الحيْرة توجّهَ السكان إلى ولاية جهة الرباط-سلا-القنيطرة، ليستفسروا عن سبب السماح للمستثمر الإيطالي بإعادة فتْح مطعمه بالرُغْم من أنه ما زال يبيع المشروبات الكحولية، فكان ردُّ مسؤولي الولاية، حسب إفادات السكّان، أنّ صاحب المطعم أكّد لهم أنهم لم يعد يقدّم لزبنائه الخمور، دونَ إيفاد أيّ لجنة للتأكّد من ذلك.

المواطنون الذين تحدّثوا لهسبريس قالوا إنّهم تفاجؤوا أكثر حينَ توجّهوا إلى إدارة الوقاية المدنّية، للسؤال حول ما إنْ كانَت قد سلّمتْ رُخصة إلى صاحبِ المطعم، فكان الجواب: “لم نتوصّل بأيّ ملفٍّ بهذا الشأن”؛ وهو ما يعني أنَّ صاحبَ المطعم لم يحصل على ترخيص من الوقاية المدنية، وهو ما يطرحُ سؤالا آخر يتعلّق بمدى توفّر المطعم على شروط السلامة الواجب توفّرها في أيّ مؤسسة من هذا النوع، خاصّة أنه يقع في زقاق مأهول بالسكان.

وبالرُغم من كلّ الشكايات التي وقعها عشرات السكان المتضررون ووجهوها إلى جميع السلطات والجهات المعنية، وأرفقوها بعناوينهم وأرقام بطائق هويتهم، فـ”إنّها لم تفعلْ شيئا، إلى حدّ الآن”، يقول أحدهم لهسبريس، مضيفا: “هادْ السيّد (صاحب المطعم) كيْحْسب راسو فوق القانون”، وتضيف سيّدة أخرى: “كُونْ مْشا لْبلادو والله لا خلّاوْه يدير هادشي اللي دايْر هْنا”.

“نخافُ على أبنائنا”

يضعُ سكان زنقة وادي زيز بأكدال بالرباط أياديهم على قلوبهم خوْفا على أبنائهم وبناتهم من الانحراف، جرّاء “الأفعال المُشينة التي يقوم بها مرتادو المطعم والألفاظ النابية التي يتلفظون بها وهم في حالة سُكْر، وهذه الألفاظ نسمعها داخل بيوتنا؛ وهو ما يخلق لنا تذمّرا أمام أفراد أسرنا..”، حسب ما جاء في الشكاية الموجّهة إلى وزير الداخلية.

وتُضيف سيّدة من سُكّان الحيّ: “مْلّي كيخرجو السكايْريّة مْن البار وكينوض الصداع بيناتهم فالزنقة وْلادْنا كيجريو للباكلون، وكيشوفو ديك المناظر، وحْنا خايفين عليهم يْنحارفو حتى هوما”، مضيفة: “حْياتنا تّْقلباتْ، حْنا عائلات مُحترمة، ودبا حتى الناس اللي صالحين غادين يفسدوهوم”، بينما قالَ مواطن آخر إنّه لا تمرُّ ليلة دونَ أنْ تحضر الشرطة إلى الزقاق، نظرا للفوضى التي يُحدثها مرتادو “المطعم”.

وفي ظلِّ المُعاناة اليومية التي يعيشُ على إيقاعها السكّان المتضررّون، يُروّج صاحب “المطعم” على صفحته الفيسبيوكية لأنواع الخمور التي يقدّمها، عبر تدوينات “جذابة”، يقول في واحدة منها “وأخيرا حلَّ يومُ الجمعة، لنتناولْ كأسَ نبيذ، من أجل الاسترخاء بعد يومٍ مُتعب”؛ بينما يُطالبُ السكان المجاورون من سلطات العاصمة بـ”رفْع هذا الضرر الجسيم عنّا، وتحويله إلى جهة أخرى، حِماية لنا”.