شابل الليالي ما يأكلوه غير سيادي وموالي...

شابل الليالي ما يأكلوه غير سيادي وموالي...
الثلاثاء 13 يناير 2015 - 13:50

عرف مصب نهر أبي رقراق ، أو ما يصطلح عليه ب” فم الواد” أو “ريوس لمان” تعرض سفن كثيرة للغرق عبر التاريخ. خصوصا عندما يكون البحر في حالة هيجان شديد، نتيجة العواصف البحرية التي تضرب خصوصا في فصل الشتاء. مما يستعصي دخول السفن الخفيفة و ال”فلايك” إلى قاع الواد، فيبقى البحارة محاصرين وسط المحيط لساعات، و قد يطول انتظار هدوء العاصفة لأيام، مما يدفع الصيادة لركب الأخطار و المغامرة بحياتهم مرغمين، جراء نفاد المؤن خصوصا مياه الشرب، أوتعرضهم للبرد الشديد، الذي تزداد حدته بتبلل ثيابهم من كثرة الأمواج المتلاطمة.

لقد قامت الجهات المختصة في السنين الماضية ببناء حواجز حجرية للحد من “التهراس” لكن مع ذلك ما زال البحارة يشتكون. بل منهم من يرى أن” المون الكبير” في هندسته القديمة، التي شيدت منذ بداية القرن الماضي، كان أكثر نجاعة من وضعيته الحالية.

و مدخل وادي أبي رقراق شهد عبر التاريخ هجوم سفن عدوة على ثغر سلا و الرباط، انتهى بها المطاف بتوغلها وسط الرمال التي يعرفها قعرالمدخل. فبقيت محاصرة من طرف أهل العدوتين، إلى أن يرفع الغزاة الراية البيضاء، مسلمين أنفسهم ليلقوا مصيرهم. دون بدل جهد أو خوض معارك مع العدو الغاشم. فسميت المنطقة بذلك بالمحروسة بالله.

لقد كان مدخل المحروسة بالله خلال شهر يناير من كل سنة يعرف تدفق أسراب سمك الشابل لوادي أبي رقراق، ليصل إلى أماكن وضع البيوض عند المجاري المائية، بعد التوالد. ثم يعود بعض أشهر إلى البحر حيث يكتمل نموه، ليرجع في رحلة جديدة إلى النهر الذي ولد فيه. فتعترضه شباك الصيد في المرحلتين.

قال ابن الخطيب في هذا الشابل ( …و كفى بالشابل رزقا طريا، و سمك بالتفضيل حريا، يبرز عدد قطر الديم، و يباع ببخس القيم…). هذا السمك اللذيذ كان وجبة طرية لأهل سلا و الرباط، و كانت تنظم سمسرة بين السلاويين و الرباطيين ، من أجل الظفر بكراء الواد لصيده. و كان مدة الكراء تمتد لخمس سنوات. و يتواصل صيد الشابل من شهر يناير حتى شهر ماي.

لقد حظي جدي رحمه الله الحاج محمد قنديل بصفقة كراء الواد لعدة مرات. و يحكى أن العرف السائد، يقضي بأن “الصيدة الأولى” لا تباع و لا تشترى. بل تفرق على الشرفاء أولا، فالأعيان، ثم الأحباب و الفقراء. و قد أخبرتني والدتي رحمها الله، أن سكان كل حينا كانوا ينالون نصيبهم من الشابل بعد تلك “الصيدة”. كما كان جزء من الصيد يخصص بظهائر ملكية كوقف على بعض المؤسسات. أ و كعربون تقدير من السلاطين لبعض رعاياهم بمدينة سلا. و هنا أتذكر الظهير الذي أصدره السلطان الحسن بن محمد، يأمر من خلاله ناظري أحباس سلا أن يدفعوا لدار الفقيه القاضي بنخضرا سمكتين اثنتين في كل يوم، من السمك المصطاد من وادي العدوتين. كان ذلك سنة 1298 هجرية.

لقد انقرض الشابل بسن سياسة خاطئة، بعد تشييد السدود المائية التي لا تتوفر على ممرات تسمح بعبور الأسماك إلى أماكن التفريخ. فهضمت حقوق هذا الحوت، بل هضم كليا، و حرمنا لذة التمتع بهضمه. ليبقى مجرد ذكريات و موضوع أمثال شعبية، كالمثل القائل (شابل الليالي ما يأكلوه غير سيادي و موالي).

مدخل المحروسة بالله، كان يشهد تنظيم حركة التنقل بين ضفتي أبي رقراق، عبر الفلايك، و” الفلايك الجمالة” التي تنقل حتى الدواب، قبل حلول “البركاسة”، فتجد “الفلايكي” بلباس “المحصور” المزدان بشرائط حريرية مضفرة في طبقات. و حزامها عال مصنوع من الصوف أو القطن، و أحيانا من الحرير، و يسمى”الخرزية”. و يرى جون بزنسو في تعريفه بأنماط الملابس التقليدية المغربية، أن هيئة النقالين في الموانئ، هم من أدخلوا استعمال هذا اللباس إلى الحياة المغربية، و هو تأثير تركي ، وصلنا عبر المجاهدين البحريين الذين جابوا سواحل البحر الأبيض المتوسط.

واد بورقراق، أو واد الرمان أو واد أسمير بتسمياته القديمة، عرف كذلك تنظيم “نزاهات” إلى قدم شالة عبر “قاع الواد” خلال فصل الربيع. فقد كان أهل سلا يقضون يوما ممتعا، فينطلقون على متن القوارب، مصحوبين بأجواق الملحون و اللآلة، في أجواء الفرحة و الابتهاج، و يتم إعداد ما لذ و طاب من المأكولات، من المشوي و المحمر. و يتواصل النشاط بعروض من مسرح “البساط” و فنون الحلقة، تحت الخيام التي نصبت لهذه الغاية. يتواصل النشاط حتى العصر، فتقفل الجموع عائدة في أجواء الانشراح و الفرحة بقضاء يوم ممتع.

لقد كنت محظوظا خلال السنة الماضية عندما شاركت بمعية أفراد أسرتي في “نزاهة” ببورقراق. كان ذلك قبل يوم واحد من ظهور التمساح اللعين بالواد. فهل تريد التماسيح حرماننا من حق التنزه؟ بعد أن حرمنا من حق أكل الشابل.

‫تعليقات الزوار

2
  • عاشق المحروسة باللع
    الثلاثاء 13 يناير 2015 - 20:04

    شكرا لك أخي على هذا الموضوع، الذي يتطرق لأنشطة كتنوعة عرفها مصب نهر أبي رقراق. لقد كنت من هواة التزحلق مع الامواج، أو ما كنا نسميه BADAGE
    و كان راس المون من ألاماكن المفضلة لهذه السباحة. عندما يكون البحر في طريقه للجزر الكبير" الماريا الكبيرة". و كنا نرى الفلايك تدخل من جانب المون الكبير بسلا، في اتجاه البرميل الذي يرمز لوجود أحجار المون الصغير وراءه. و بالتلي يمنع دخول الفلايك وراءه. و قد شاهدت شخصيا كثيرا من الفلايك المتوسطة التي تتوغل في الرمال، لعدم معرفة البحارة الغرباء بخريطة الدخول من الفم.

  • عباس
    الأربعاء 14 يناير 2015 - 23:44

    شكرا على هذا المقال الذي عاد ببذاكرة إلى سنين خلت. أ خر مرة أكلت فيها الشامل كانت سنة 1988 لقد حرمونا من أحسن سمك والذه على الإطلاق لا سيما بينه العجيب. ذلك راجع إلى قلة الاستشارة مع المختصين الذين يعرفون الدورة الحياتية للشابل أين يعيش وأين يتوالد. مثال صريح العشوائية في اتحاد القرارات

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات