الكوميك البرلماني الصادم

الكوميك البرلماني الصادم
الأربعاء 21 ماي 2014 - 10:59

طالما ظلت البرلمانات مدارس حقيقية للتربية والتكوين على الديمقراطية وفضاء لممارسة ثقافة الاختلاف ومجال خصب لتبلور الأفكار والآراء والبدائل والنقاشات السياسية/البرلمانية حول مجمل مشاكل السياسات العمومية ،حيث المطارحات الفكرية والإيديولوجية تجد طريقها إلى آذان الجمهور المتتبع والتي تروي عطشه الفكري والمعرفي وتأتي به إلى مقام التفقه السياسي واكتساب المعرفة ،والتي تساهم إلى حد كبير في بناء “تثاقف برلماني مجتمعي” يمد جسور التواصل أكثر مع صناع القرار البرلماني بجانبيه التشريعي والرقابي،وغالبا ما يعبر البرلماني عن نضج سياسي راقي يضع في حسبانه تيمة أنه ممثل الأمة ،وعليه فإن أقاويله وأحاديثه وجدالاته مسموعة وسلوكياته وأفعاله منظورة ،وفي حرص شديد والتزام أكيد في الحفاظ على صورة البرلمان لدى الرأي العام حتى لا تضيع هيبة البرلمان في أعين الناس ويفقدون مسلكا يعبر عن شجونهم وانشغالاتهم ،فالبرلماني هو من يصنع البرلمان الجيد بفعل تعبيرات سلوكية جيدة ،وغير ذلك من السلوكيات المعيبة سائرة به إلى الهلاك والتهلكة.

إنها حقيقة تكسرت على واقع البرلمان المغربي ولم تجد لها موطأ قدم أو موضع للبروز والظهور بفعل “ماركات برلمانية مغربية مسجلة”،كيدها عظيم على وقع الممارسة البرلمانية لا تألوا جهدا في تبخيس وتنحيس وتنكيس أعلام سمعته.

فالبرلماني المغربي واقع في المحظور أخلاقيا وسياسيا ،ورابض في مقام تنفير الناس منه وبنوع من الإيغال ،وتبخيس الفعل والممارسة في ظل كثرة السب والقذف واستفحال الكلام النابي ،والشقاق والنفاق ولزوم تقويم الاعوجاج مغيب بفعل اختلالات سوسيو_ نفسية ، تمادت في مفعوليتها وفعاليتها ،أبطالها أهل دار البرلمان ومن سكنوه عنوة وأرادوه ملكية خاصة.

فالحراك البرلماني ما بعد دستور 2011،أصبح مقرون أكثر بالعراك والعويل والضجيج وهرطقات ما بعدها هرطقات، يزداد معها سقم البرلمان وعلته،وتضيع صنوف الآمال وتنغرس الآلام في نفوس العباد نتيجة تكلس الفعل البرلماني وتكدس العاهات،حيث مكنات التشريع تضيع ومعاول الرقابة ترتكس وتنحبس.

إن البرلمان المغربي من خلال مشهديته وخطابه يقدم نوع من الكوميديا السوداء، أو بمعنى آخر “الكوميك البرلماني الصادم” أو “التراجيكوميدي البرلماني” الذي يعري واقع الوعي البرلماني ويكشف فداحة زيفه وانحطاطه في كثير من الأحيان،نتيجة الإفراط في السخرية والضحك وجملة من التناقضات ،وهي كوميديا تبين حجم المفارقات في القيم والسلوكيات المؤطرة للعمل البرلماني ،وفي تغييب قسري لحدود المعقول البرلماني وعقلانيته، وفي انتهاك صارخ لقيم العمل البرلماني النبيل الذي يبتغي جسامة التضحيات وتوافر الإرادة الحقيقية، بما تفرضه من التزام مضني بالمسؤوليات والواجبات.

فالفعل التداولي البرلماني ينحو أكثر نحو سوق ونسج تعابير وألفاظ فجة تنزلق في كثير من الأحيان في مطبات وأغلال السوقية والاستثمار في العبث والعدم ،حيث تخرج عن المألوف البرلماني المعمول به في البرلمانات الراقية المقارنة،والإخراج البرلماني هاهنا يعتمد بالأساس على الأداء المزيف والمفتعل،وشخوص مكشوفة لا تحسن التمثيل ولعب الأدوار،حيث لا يملك المواطن إلا الضحك للهروب والتواري ولتفريغ الشحنات السلبية التي يتلقفها من هذا المصاب البرلماني،وهو يحمل في نفسه غصة من الألم نتيجة هذا الواقع البرلماني المرضي الذي يتمنع على الإصلاح والتصويب والتقويم.

فهذه “المسرحة الرديئة” للبرلمان تعبر عن حجم النواقص وأوجه القصور في الحياة الداخلية للبرلمان بكل تفاعلاته واعتمالاته، وتدل على حجم الضياع البرلماني والحكومي، أيضا باعتباره احد طرفي المعادلة في هذه الكوميديا السوداء التي تزداد سوداوية وتشاؤما بخصوص إمكانية حدوث الفرج وانفراج الهموم وانفكاك الغم البرلماني،خاصة وان “الكل البرلماني” ماض في عبثه وعدميته،والمواطن مزروع في غياهب الإحساس باللاجدوى والعدمية والعبث المزمن والركين.

فلغة البرلمان سواء من خلال البرلمانيين وأعضاء الحكومة وتفاعلاتهم سائبة إلى حد لا يطاق ولم تنفع معها حتى مضامين مدونة السلوك التي تحتويها أضلع النظام الداخلي ودخلت في معالم المحرمات أخلاقيا،بما يستتبع ذلك من خدش للحياء العام والآداب العامة.

والمشكل في ذلك بدرجة أولى طغيان أنوي’ الذات واستغراقها في صراعات شخصية لا طائل منها ولا تساهم إلا في إطالة أمد تأزيم البرلمان وتجريده من كل المقومات الممكنة لتطويره ،فعندما يكون التناطح والصراع يحوم حول مشاكل المواطن وتشتد جذوتها ،فذلك ليس بمشكل ،لكن عندما يكثر الزيغ عن المأمول وتشحذ كل الاسلحة اللغوية المشروعة وغير المشروعة للمواجهات الموجهة للصراعات الحزبية والشخصية الضيقة،فذلكم هو الوباء والوبال.

وأمام هذا الاستعصاء القائم متى يصنع البرلمان المغربي الحدث بمضامين ايجابية تخدم رهانات المواطن بالدرجة الأولى ويحدث قطيعة مفصلية مع هذه الكوميديا السوداء التي جفت بها الآمال والتطلعات المجتمعية ؟ نعم لم يعد للبرلمان لا طعم ولا رائحة .

‫تعليقات الزوار

5
  • FOUAD
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 13:08

    ا لمشكل ان البرلمانيين اصبحو يطرحون اسئلة بطريقة استفزازية فلا يوقرون الوزراء! فيكون الجواب من جنس السؤال!
    فلم الانزعاج "ضربني و بكا و سبقني و شكا"
    Mon salam

  • حميد
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 15:42

    ما هذا الرد يا صاحب التعليق الاول ؟ هل تريد أستحمارنا؟
    اذا كانت نسبة كبيرة من البرلمانيين أميون فانهم وصلوا الى قبة البرلمان بالطرق المشبوهة ،اما الوزراء فالمفروض ان يكونوا مختارين من الطبقة المتنورة وان يتحلوا بالرزانة والمسءولية امام الشعب وامام البرلمان،اما ان يرد الوزير على البرلماني باستهتار وبالنكت والتهريج والاحتقار فهذا استفزاز للشعب كله وتعبير عن العجز ومحدودية الفكر ،
    لكننا نرا عكس ما قلت الوزراء هم يجيبون عن الأسئلة بضيق الصدر وبنرفزة وبدون إقناع وبت هرب دائم من الحقيقة،ويفتعلون الأزمات داخل البرلمان ،ويستبدلونه الشعب

  • FOUAD
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 16:49

    يا صاحب التعليق 2
    يا اخي
    اني اربا بنفسي ان اعتبر من يقرؤون تعلقي حمارا او بغالا و اعوذ بالله من الكبر و العجب! انما هو رايي لكني! يا خي اكره "بنادم الحكار" و ارجوك يا اخي ان تنظر حوار الراضي مع حصاد لتدرك ان الراضي يستاسد على بنكيران و يتوادع امام حصاد لان الاول جاء به الشعب و الثاني جاء به القصر!
    قد يكون الوفا "خطا اصواب" لكنه يبقى ابن الشعب و هؤلاء يحتاجون الى المساعدة لا اللذين يعتبرون "لعروبية" قوم دون!!!
    ثم هل عندك كل المعطيات!
    و اما قصة الطبقات المتنورة فهي حيل اعداء الدمقراطيةلابعاد ابناء الشعب!
    Mon salam

  • awsim
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 19:26

    -كل ما قلته صحيح..ولان الحكومة من ابدعت في هذا النوع من الهزالة الهزلية برئاسه رئيسها سي بنكران الذي اكثر في اللامعقول بدعوى انه يخاطب الشعب بما يفهمون..وفي هذا ايضا تنقيص من قدر الانسان المغربي لان عاميته في مواطن اخرى ابلغ وابين ولاتكون بالوضاعة التي يتنابز بها نوابنا في مواجهة بعضهم البعض او بعضهم مع بعض الوزراء..والغريب ان البرلمان الحالي اسخف من البرلمانات السابقة رغم ما يشاع آنذاك من ان النواب اميون.. وفي الحقيقة اميو القراءة والكتابة ولكنهم يحترمون انفسهم ومخاطيبهم..يرتكبون الاخطاء اثناء قراءة ما يكتب لهم..ولكن يتحدثون برزانة ..والوزراء في ذلك قدوة..اليوسفي-جطو- عباس الفاسي..ولااريد ان اذكر زمان ام الوزارات..زمن تزوير الانتخابات وقمع الحريات..ولكن المشهد البرلماني الآن تغير..مشهد لايسر الا الذين يبحثون عن الفرجة ولايأبهون لخطورة الموقف..موقف الكآبة والتدمر..موقف قد يجعل نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة اقل من نسبتها سنة 2007

  • FOUAD
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 22:26

    ا لى رقم 2
    اخي انا لا اكتب كلاما لاستحمر احدا او استبغله! بل اجدني حزينا و غاضبا عندما يمارس النواب "الحكرة" على ابناء الشعب من الوزراء! و تجد العامة يصفقون! و لا يدري القوم ان الراضي يستاسد على بنكران بينما ينحني اجلالا لابن القصر حصاد!
    الوفا ليس عندي ملاكا لكن قوما اكتشفوا المبارزة و النزالا! لما وقفوا امام ولد القصبة! بينما ترتعد فرائسهم امام من يعرف ما في بطونهم!
    هذا بيت القصيد!
    و اما كاسيطة العقول النيرة فهو مخدر / بنج يستعمله علية القوم لتنويم "لعروبية"
    لسنا بصدد الاختيار بين القطار و الحافلة! بل بيننا ومن ركبوا زمانا و تركونا نمشي رجالا!
    رجالا معناها على ارجلنا!
    Mon salam

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين