جدلية "كورونا" في المغرب .. من التقارب إلى التباعد الاجتماعي

جدلية "كورونا" في المغرب .. من التقارب إلى التباعد الاجتماعي
الجمعة 3 أبريل 2020 - 02:40

يعد التقارب الاجتماعي في مجتمعات العالم عادة من عادات التآلف والتعايش، وتزداد وتيرته وتنقص بحسب البلدان والقارات والتاريخ المشترك والثقافة الموروثة، كما في بلدان المتوسط وشمال إفريقيا والشرق الأوسط التي ينتمي إليها المغرب.

إن التقارب الاجتماعي في المغرب يعد سلوكا مجتمعيا محمودا وتصرفا فرديا وجماعيا راقيا؛ لأنه يعبر عن تواضع الشخص ورفعته وحلمه في التعامل مع الآخرين. لهذا، فالمغربي ينحو، في تعاملاته وفي تداولاته ونقاشاته اليومية، منحى الالتحام الجسدي مع محاوريه ومخالطيه كأن الانتباه والإنصات وتلقي الكلام لا يمر عبر قناة الأذن بل عبر جسر الفم والتقارب والالتصاق بالآخر ومحاولة إقناعه وإفحامه وانخراطه باستعمال كذلك اليدين لملامسة جسمه. وكما يقال بالدارجة: “تيلبسو” و”داخل معاه” و”حاط راسو على راسو” و”نجمعو” “ونقرقبو الناب” و”نتهاردو” و”مخشي فيه تيهدرو”… وكلها عبارات عامية تحيل على تقارب جسدي ودنو بدني وازدحام مكاني كطقس من طقوس التمغربيت والحميمية والانتماء إلى المجموعة.

لكن هذا التقارب الاجتماعي أضحى، مع انتشار جائحة كورونا ومع نصائح وإرشادات المنظمة العالمية للصحة، خطرا كارثيا على حياة الإنسان؛ بل ومصدرا مؤكدا لانتشار العدوى والوباء. ومن ثم، صار طقس وسلوك التباعد الاجتماعي (Social distancing) الحل الوحيد والأوحد؛ بل الحل الناجع ومدخلا من بين المداخل الناجحة لمحاربة هذه الجائحة. وفي هذا السياق، حدت بعض الدول مثل كندا إلى التأكيد والالتزام بآلية التباعد الاجتماعي وترسيخها في السلوكات اليومية لمواطنيها، من خلال فرض شارة ملصقة على لباس العاملين في الفضاءات العمومية مثل الأسواق التجارية مكتوب عليها بالأحمر داخل سهمين معكوسين (” 1-2m Distance”) بما مفاده أن مسافة الأمان هي من 1 متر إلى مترين. أما في ألمانيا، ففرضت السلطات على جميع المواطنين ارتداء الكمامات الطبية لدى مغادرتهم المنزل وفي مقرات عملهم لحماية المشتغلين فيما بينهم والمحتكين مع الآخرين.

لهذا، يبدو ضروريا، للحفاظ على سلامة الفئات التي ما زالت ملتزمة بالاشتغال والتواجد الفعلي في الفضاء العمومي المغربي وفي المرافق الإدارية والصحية مثل الأطباء والممرضين ورجال السلطة العمومية والصحافيون والصيادلة وموظفي البنوك والتموين الغذائي والمتاجر الكبرى وآخرين، اتخاذ الاحتياطات اللازمة في التعامل مع المواطنين أو الزبناء أو المرتفقين؛ لأن عادة التقارب الاجتماعي عند المغاربة كطقس اعتيادي (Habitus) بحسب بورديو قد يؤدي إلى تفاقم أعداد المصابين بكورونا.

إن أغلب الفيديوهات والمتابعات والمشاهد، لا سيما فيما يخص بعض الفئات التي تتحرك في الفضاء العمومي ومنها على الخصوص أعوان ورجال السلطة، تظهرها فريسة سهلة وعرضة للإصابة بفيروس كورونا؛ لأنها تتعامل مع الجماعات والأفراد الذين لا يحترمون الحجر الصحي أو يعمدون إلى خرق حالة الطوارئ بتلقائية تنسجم وتخضع لثقافة التقارب الاجتماعي وتجعل الأجسام في دنو خائن ومحاذاة قاتلة.

كما ينضاف إلى هذه الفئات بعض الوقائع الاجتماعية، التي تشير إلى تجذر سلوك التقارب الاجتماعي عند المغاربة. ويمكن سرد، على سبيل المثال لا للحصر، ما حدث عند استلام رخصة التنقل الاستثنائية المسلمة من طرف السلطات المحلية أو عند توزيع المساعدات أو تقديم الخدمات، حيث لا يذعن الأفراد بالإجراءات الاحترازية ولا تلتزم الساكنة بالبيوت للحد من تفشي فيروس “كورونا”؛ بل يعود الأفراد والمجموعات إلى طقوسيتهم التي دأبوا عليها في معيشهم المجتمعي قبل جائحة كورونا. وهذا ما وقع في جماعة سبت أولاد النمة، كما في باقي المراكز الحضرية بإقليم الفقيه بن صالح، تزامنا مع توزيع مساعدات غذائية على الأسر المعوزة. ويمكن قياس نفس السلوك على ما حدث بجماعة تگانت بإقليم كلميم عندما تجمع أكثر من 300 شخص في نفس المكان، إثر عملية توزيع للدقيق غير مبالين بمخاطر الازدحام والتقارب البدني وعدم احترام مسافة الأمان الضرورية.

ومع تعدد وتنوع حالات التجمع والاكتظاظ من أجل الاستفادة من بعض الخدمات والانتفاع ببعض المساعدات الاجتماعية وفي خضم انطلاق عملية الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل للاستفادة من مساعدة مالية تمكنها من المعيش والتي أقرتها لجنة اليقظة الاقتصادية، يتوجب الانكباب بطريقة معمقة على رقمنة الإدارة لتتم تفاعلات المواطنين مع المرافق العمومية عن بُعد كخطوة استباقية لاحترام وضبط الشروط الاحترازية للحجر الصحي. لهذا، وفي الحالات القصوى لتحرك الفرد والمواطن من أجل حاجياته الضرورية والحيوية، وجب كذلك توعيته ليس فقط من خلال هاشتاغ ” # نبقاو فالدار” و” # خليك فدارك”؛ بل كذلك باعتماد ونشر والتشارك على نطاق واسع عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي والقنوات العمومية هاشتاغ ” # بعد مني” و” # بقا بعيد بجوج مترو” و” # احترم مسافة الأمان = 2 متر”.

‫تعليقات الزوار

6
  • mossa
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 03:14

    اقترح لكي يكون التواصل عبر وسائط الانترنيت ان تعمم على الكل ويؤدى ثمن الاستفادة منها على الشكل الدي تؤدى به فاتورة السمعي البصري التي تدمج كرسوم شهرية في فاتورة الماء والكهرباء على اساس ان لا يتعدى الثمن في كل شهر بعض الدريهمات وربما تكون الرسوم حسب دخل العائلة وهدا ما يسهل العملية في التواصل من اجل تنفيد اي اجراء .ان مجتمعنا الدي لازال يستمد قوته في الجمع بين تقاليده المترسخة وبين طموحه في التعامل مع العولمة بنجاح كان من المنطقي ان لا يصدر منه الا ماصدرفي الايام القليلة الفارطة نسبة لا باس بها من الالتزام وبعض التهور من هنا وهناك قد يكون سببه نابع من التدبدب في التواصل الدي لا زال لم يرتقي الى مرحلة قصوى في التدرج بين المهم والاهم

  • مواطن
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 04:09

    السلام عليكم، في هذه الفترة العصببة التي تمر بها البلاد، جميل أن يساعد بعضنا البعض، فهناك أسر فقيرة محتاجة لدعم المادي والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وبدلا من اعطاء الصدقات بشكل عشوائي او احراج المساكين بتصويرهم والتشهير بهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أقترح أن يقوم ائمة المساجد بهذا الدور بمساعدة أحد سكان الحي المشهود لهم بالأمانة والصدق وشيخ أو مقدم الحي، حيت تأخذ الصدقات للمسجد، ويقوم الشيخ أو المقدم بالنداء على محتاجي الحي والذين يعرفهم بطبيعة الحال، وكذا أصحاب الزكات يمكنهم أدائها للمسجد بحيث يتكلف هؤلاء بتوزيعها على المحتاجين.
    قال صلى الله عليه وسلم "يرحم الله من عباده الرحماء"

  • ابن طنجة
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 06:01

    مسافة الامان 1متر بين الشخصين لا تكفي وحدها أهم شيئ هو النظافة لان غالبية المغاربة يحبون الاكتظاظ وسلوك البدونة والبربرية في حياتهم اليومية وهذا يبدو للعيان في مظهرهم فهم لا يلتزمون بقواعد و أسس النظافة والطهارة لا من حيث الجسم ولا من ناحية ثيابهم ولباسهم الرث النظافة من الايمان والاسلام

  • على الهامش
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 08:56

    نعم يصعب أن تغير نمط عيش أمة بصفعة خاطفة أو صفعتين خاصة في الأميين البسطاء الأبرياء ، مازلت أتألم من منظر مقزز ومن البشاعة بمكان وهو إستغلال الوضع القائم لبعض الأعوان ليفرغوا شحناتهم السادية على وجنات المتسكعين الجهلة الذين خرقوا الحجر الصحي فكان هدر كرامتهم صفعات متتاليات ثمنا لها، أين هو ضبط النفس الذي درسوه في الأكاديميات وشرف خدمة المواطن مما رأيناه؟

  • nessma
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 09:12

    كقى من الاستخفاف بنا الم نرى الشلطة تعتقلالمخالفين في سطافيط مملوءة عن آخرها اليس هذا تناقض ، و بعض رجال اللسلطة همهم التمتيل من اجل الشهرة.نحن امام ازمة كارثة انستنية و وباء.
    انشري يا هسبريس ام سوف تتحفظون برأيي كالعادة.

  • Abdelghani
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 09:14

    يجب علئ رجال ونساء السلطة المحلية وخصوصا القواد والقائدات بان يعطوا مثلا عال في احترام المواطن حيث ان وباء كورونا جعل رجال السلطة يظهرون في مواقف حرجة وبهلوانية اتجاه المواطن,حيث ترئ القائد او القائدة عندما ترئ شخصا يسير في الشارع فان كلام القائد الئ المواطن غير لبق وغير محترم,فالقائد يقول هكذا وبدون اي تحية للمواطن: اجي نتا فين غادي?وقد شاهدت هذا في عدة فيديوهان وحتئ ان اعوان السلطة عندما يرون القائد او القدة يشيرون الئ مواطن ما للتفتيش فانك ترئ مدئ حماس اعوان السلطة في القبض ليه وبشراسة.يجب علئ السلطة المحلية بان تغير من تصرفاتها الغير الصحيحة اتجاه المواطن وان تكون السلطة هي من يعلمنا احترام الاخر وكيفية الكلام باحترام مع المواطن ولانريد ان نرئ تلك الصورة القبيحة والوجه العبوس لدئ رجال السلطة ظاننين انفسهم بان السلطة التي لديهم قادرة علئ دهس حقوق المواطن.لقد رايت رجال شرطة من كندا يضحكون علئ سلوكيات رجال السلطة المغربية وتصرفاتها الهمجية نحو المواطن المغربي.

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 17

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة