حول أهمية رأس المال البشري

حول أهمية رأس المال البشري
صورة: هسبريس
الأحد 14 فبراير 2021 - 14:00

ثمة أشياء لا يمكن الاختلاف حولها، كل منا يحب أن يكون له أبناء، وأن يكون هؤلاء الأبناء صالحون مصلحون، ويكونوا في الوقت نفسه جادين، مجدين، مجتهدين.

في زمن تقديم نتائج الامتحانات ترى الكل “يتقلب” في رحلة البحث عن أحسن النتائج، باعتبار هذه الأخيرة معيارا لتقييم كفاءة التلميذ والوقوف على مستواه الدراسي، وباعتبار النتائج الجيدة مدخلا كبيرا لولوج أرقى المدارس والمعاهد، والتي ستعبد الطريق لا محالة عاليا للطالب لولوج عالم الشغل، واحتلال أعلى المناصب. وبهذا يكون التعليم قد لعب دورا هاما في الرقي الاجتماعي والطبقي، ويمنحه العلامة البارزة وصفة “المصعد الاجتماعي”.

وربما من يعرف بنية العقلية الأسرية المغربية، خصوصا عقلية الأمهات والآباء، يعرف جيدا ماذا تشكل بالنسبة إليهما مسألة “الأصول” المرتبطة أساسا بحيازة العقار وأساسا حيازة “السكن اللائق”، يقي الإنسان ويحفظ به نفسه من “دواير الزمان”، حتى لا يصبح يوما ما لا قدر الله عرضة لدقات “مول الدار” يطرق فيها باب البيت يطلب فيها مصاريف الكراء، وتكون النتيجة الإفراغ والرمي في الشوارع والطرقات مع الأثاث المنزلي.

ورغم قساوة هذه المشاهد، إلا أن أسرنا باتت تبصم على بعض التحولات المجتمعية الكبيرة، حيث بدأنا نسمع من هنا وهناك لبعض الأسر التي بدأت “تبيع” أثاثها المنزلي وحتى بيوتها وشققها، وتذهب إلى بيوت الكراء وتعوض عن ذلك استثمارا في تدريس بناتها وأولادها أو إرسالهم لمتابعة الدراسة في الخارج، في نوع من الاستثمار في “أصول لامادية” من نوع جديد مرتبطة بالمهارات والمعارف والكفاءات، قد تسعفها “تعويضا عن ذلك” في حيازة وظائف أبنائها أو تفرح بهم من حيث اعتلائهم أعلى المناصب.

بنفس المنطق تقريبا أصبحت الدول تتعامل مع ملف “تكوين الرأس مال البشري”، والاستثمار في البشر، بحيث أن هذا المحور أصبح يقف ويضاهي في بعض الأحيان الأصول التقليدية الثابتة أو الطبيعية مُتمثلة في الأراضي والمباني، على اعتبار أن الموارد الطبيعية تتناقص مع الوقت، وقد يتناقص الطلب عليها بحكم التحولات الحاصلة في المجتمع، على عكس الاستثمار في الموارد البشرية التي بقدر الإنفاق والاستثمار فيها “يضاعف الإنتاجية”، ويزيد في القيمة المضافة. وهي الخلاصات التي انتهت إليها العديد من الدراسات وتقارير المؤسسات والمعاهد الدولية، خاصة البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD) وكذا منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، حيث تمت دعوة الدول إلى الاهتمام بهذا المحور، وإبراز العائد الاقتصادي الكبير سواء على مستوى “مؤشر النمو” وتكاليف الاستثمار، كما تم العمل على إصدار بعض التقارير المتضمنة لنوع من التصنيف الدولي على أساس بعض “المؤشرات المركبة” والتي تم وضعها خصيصا “للإحراج” ومتابعة مستوى التقدم على هذا المستوى، الأمر نفسه في ما يخص تضمين شروط الاقتراض بنودا مرتبطة بالاهتمام بالعنصر البشري.

من جهة أخرى، إذا كان تأثير التكنولوجيات الحديثة قد بات واضحا في إحداث التغييرات الكبيرة في حياة المجتمعات، غير أن تكوين ورعاية “الرأس مال البشري” القادر على التعامل مع هذه الآليات والمعدات قد أصبح يحظى بأهمية خاصة، وقد نعطي مثالا بسيطا من شبه المؤكد أننا قد عايشناه في تفاصيل حياتنا في الإدارة للتدليل على هذا الأمر، يحدُث أن تتوقف المطبعة فجأة عن النسخ، والمؤسف أننا سنكتشف بعد تدخل التقني، بأن “العطب كان سخيفا”، “خبرة التقني ومهارته” كانت حاسمة في إيجاد الحل لهذا المشكل البسيط، وقد تلجأ المقاولات والشركات الكبرى في بعض الأحيان إلى خدمات عقول وخبرات أجنبية للقيام بأشياء شبيهة من هذا القبيل إذا ما تعذر إيجاد حلول لدى الطاقم البشري المحلي، المؤسف أن دفع الثمن يكون هو الآخر بالعملة الأجنبية. ولذلكم وبحكم سرعة التطورات الحاصلة في العلوم والتقنيات والمعارف فقد باتت الشركات والمقاولات التي تحترم نفسها تلجأ إلى إدخال في بند الاستثمار من ميزانيتها، إخضاع طاقمها البشري لدورات تكوينية دقيقة لتجديد المعارف وتحيينها، بحكم أن هذه التدريبات تسهم في التسريع ومضاعفة الإنتاجية بنسب محترمة وهو ما يؤهلها لربح رهان التنافسية في هذا الوقت العصيب.

وإذا كانت قيمة المعارف وحجمها كبيرة جدا في الوقت الحالي، كما جاء ذلك في ما سبق، فإن تدبير “الرأس مال البشري” قد أصبح من الأهمية بمكان في منطق الإدارة والمقاولة، وذلك حتى يتسنى حسن التعامل مع هذه الخبرات والكفاءات وتوجيهها الوجهة الصحيحة والسليمة، فكم من خبير في مجال معين تجده وقد انكمش على نفسه ويتوارى إلى الخلف ما لم يجد البيئة السليمة التي تجعله “ينغمس كليا” ويعطي ما في جعبته، وهو ما يعطي راهنية لتنقية الأجواء الإدارية من الشوائب، وفسح المجال إن لم نقل إعطاء الفرص لمستحقيها حين التباري على مناصب المسؤولية مثلا لأنها تدفع في أن يعتلي “الرجل المناسب، المكان المناسب” بذل أن يلجأ إلى إفراغ بعض المقتضيات والمقررات الهامة من محتواها عبر التحايل عليها.

ومع أهمية كل هاته الجوانب، إلا أن مجال التخطيط، أصبح هو الآخر وقبل أي وقت مضى يحظى بأهمية خاصة، باعتبار توجيه الكوادر البشرية وحسن تهيئتها للمستقبل مرتبطا بشكل كبير بدراسة وتحليل حاجيات السوق المغربية وكذا الانفتاح على مهن المستقبل، حتى لا يعاد إنتاج وإغراق الساحة بشهادات وتكوينات غير ذات جدوى، تكون وبالا على حامليها وتنعكس سلبا من ناحية تضخيم أعداد البطالة خصوصا من فئة حملة الشهادات، وهو ما يولد نوعا من الإحساس وكأن الإشكال بات مرتبطا بعدد البشر، في تناس بأن الإشكال الحقيقي مرده غياب مقاربات حقيقة لحسن “استثمار وتدبير وتوجيه” هاته الإمكانيات الضخمة التي نتوفر عليها.

وربما الصين قد تفيدنا على هذا الصعيد، وقد تعطينا فكرة عن وجه الإضافة التي يمكن أن يساهم بها الرأس مال البشري، حين يحسن استثماره، وهو ما يدعونا “لاحترام الإنسان” والإيمان بقدراته وإسهاماته ليس من منظور حقوقي فقط ولكن من منظور اقتصادي أيضا، باعتبار إسهامه الكبير في تزايد الإنتاجية ودعم معدل النمو وخلق الثروة.

‫تعليقات الزوار

1
  • الراس اللي ما يدور كدية
    الأحد 14 فبراير 2021 - 18:39

    الاشجار لها جذوع و الانسان يملك اقدام و الجبال اوتاد تدور في الفلك بثبات و الرجال رجال

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين