درس من حكاية النقاب والكمامة

درس من حكاية النقاب والكمامة
السبت 4 يوليوز 2020 - 18:48

ثمة شيء من شبه المؤكد أن كورونا قد أثبته، لقد أثبت أن الزمن “دوار ويدور”، دليلنا على ذلك، ما علينا سوى تأمل قصة فرنسا مع النقاب والكمامة. في الوقت القريب جدا وفي سنة 2010 تحديدا تم حظر النقاب بفرنسا، كما تم تجريم “من تضعه” بغرامة مالية والحكم عليها بالخضوع لدورة تدريبية في المواطنة.

غير أنه، وفي غمرة الأجواء الحالية التي نعيشها مع كورونا، وبعد مضي حوالي عشر سنوات فقط من ذلكم التاريخ، نفس فرنسا أقرت بإجبارية ارتداء شيء يشبه إلى حد ما النقاب، في إشارة إلى ارتداء الكمامة، كما تم تجريم من “لا يلبسنها” من النساء في الأماكن العامة، وقد تم إلحاق بهن حتى الرجال أيضا، وتحول كذلك وضع الكمامة وارتداؤها إلى أحد التعبيرات التي ترمز إلى الوعي والمواطنة، كما تمت الدعاية الرسمية لهذا “النموذج الجديد القديم” من اللباس في القنوات الرسمية للدولة.

قد لا يظهر الفرق كبيرا بين حمل النقاب وارتداء الكمامة، باعتبار أن الأمر يتعلق بقماش صغير يغطي جزءا من الوجه، لكن وعلى ما يبدو فإن الفارق الكبير يوجد خلف دلالة ورمزية ما وراء وضع ذلكم القماش وعلى صغر حجمه. حين تم حظر النقاب في فرنسا كان ذلك بتفسير أنه يحمل “دلالة إيديولوجية”، وإلى كونه يشكل أحد أدوات تصريف تمظهر التيارات الإسلامية المتطرفة ورغبتها في الاستعراض وإبراز الوجود، وأيضا لكونه لا يعطي إمكانية للتعرف على هوية من تحمله.

بالنسبة إلى الكمامة، لقد ظهر أن لها “دلالة صحية”، ينصح باستعمالها طبيا، وقد أصبحت ضمن شروط الوقاية والسلامة الصحية، إذ من شأن عدم استعمالها أن يعطى الفرصة لفيروس كورونا أن يتسلل إلى الجسد وبإمكانه الإيقاع به، ولذلكم ينصح بتغطية مجمل المنافذ الأساسية في وجهه، هذا “التغطي مع الكمامة”، ومع أنها في بعض الأحيان قد تعيق إمكانية التعرف على الشخص إلا أن حماية الجسد من الأذى وكذا البعد الصحي قد فرض التغاضي عن ذلك اضطراريا وتم تجاوزه.

لقد تسلل النقاب عبر المسمى كمامة إلى أبرز شوارع باريس بـ Champs-Élysées، وصار التجوال لا يتم إلا عبره “وبلغة القانون”، إذ من شأن إزالته أن يوقع صاحبه أو صاحبته بغرامة مالية، تقريبا بنفس المنطق الذي كانت فيه المخالفة تحرر لمن تضعه في نفس الشارع والأماكن العامة، الغريب في الأمر أن الكمامة عند البعض، قد تحولت إلى أحد أدوات الزينة والتزين بنفس القدر الذي كانت فيه بعض حاملات النقاب يعتبرنه طريقتهن للخروج والتزين، أكثر من ذلك فلقد بدأ ارتداء الكمامة “يراود” بعض الفرنسيات إلى الحد الذي صرن فيه أكثر تشبثا بهذه الموضة و”الطوندونس”، حيث أصبحن لا يتصورن أنفسهن “خارجات” من دون وضعها ولباسها والتزين بها. حيث أصبحت جزءا من الإكسسوار الذي تم “ربحه” من محنة كورونا، من منطلق كم من محنة تخفي من وراءها منحة.

بهذا نكون مع كورونا قد عشنا لحظة فارقة “من السخرية مع القدر”، ووقفنا على حقيقة أن الزمن يدور، ربما تكون هاته الحكاية دعوة هادئة للتحلي بنوع من المرونة عموما في التوجهات والمواقف، مع دعواتنا الخالصة أن يدور الزمن في صالح البشرية جمعاء وأن يرفع الله عنا هذا الوباء اللعين، فاللهم آمين.

‫تعليقات الزوار

2
  • الزهرة
    الأحد 5 يوليوز 2020 - 19:09

    مقال جميل به حس الطرافة… اوافقك الرأي يجب التحلي بالمرونة في التوجيهات والقرارات في جميع مناص الحياة لان الدنيا دوارة… تحياتي سيدي

  • مراد
    الإثنين 6 يوليوز 2020 - 16:30

    ذكرني صاحب المقال في مسألة النقاب والكمامة، ذكرني بمسألة اللحية، فإلى عهد قريب كانت اللحية –في غالب الأحيان-رمزا للالزام الديني، وفجأة طفت على السطح موضى اللحية لدى الشباب، بحيث أصبح جل الشباب ملتحين، بل إن مشاهير للاعبي كرة القدم، والفنانين، وغيرهم أصبحوا يعفون عن لحاهم، ويتزينون بها، فلم تعد اللحية رمزا دينيا، ولم تعد شيئا قبيحا، مما يعني أن الآلة الإعلامية بمواقفها، هي التي تتحكم في عقول البشر، وتسهم في تشكيل ثقافتهم. ومما يعني أيضا –بمنطق هؤلاء- أن القبيح ما قبحه هذا الإعلام، والحسن ما حسنه هو.
    والحال أن لدى المسلمين: القبيح ما قبحه الشرع، والحسن ما حسنه الشرع.
    ولله في خلقه شؤون

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة