لا يتعلمون ولا يعتبرون ولا يعتذرون!

لا يتعلمون ولا يعتبرون ولا يعتذرون!
الأربعاء 19 غشت 2020 - 17:09

مواقع التواصل الاجتماعي “بيئة اجتماعية” يعطيها طابعها الافتراضي خصائص حيوية تسمح بتسارع نمو وانتشار ظواهر اجتماعية عديدة، وبانبثاق أخرى جديدة. ومن بين الظواهر المثيرة للفضول والاهتمام، ظاهرة ترويج الأخبار الزائفة.

في هذا المقال لن نخوض كثيرا فيما يتعلق بظاهرة الترويج الآلي لتلك الأخبار في حد ذاته، بقدر ما سنتوقف عند ظاهرة مفارقة تتعلق بالكيفية التي يتصرف بها كثيرون مع الخبر الزائف بعد ظهور ما يفنده.

يمكن من خلال رصد بسيط لما يجري على شبكات التواصل الاجتماعي ملاحظة وجود قطاع عريض من روادها، إن لم نقل غالبيتهم العظمى، ينشط في “التعليق على الأخبار”، وخاصة اعتمادها في بناء تحليلات والخروج باستنتاجات، بل واتخاذ مواقف. فتتحول تلك الأخبار إلى وقود نقاشات عريضة يتحول معها الخبر إلى قضية رأي عام. وهذا يلخص بعض الأدوار الحيوية التي أصبحت تلعبها مواقع التواصل الاجتماعي في صناعة الرأي العام، والتأثير في توجهات المواطنات والمواطنين.

والمشكلة في انتشار ظاهرة “الاشتغال بالتعليق على الأخبار” في مواقع التواصل الاجتماعي في ظل الضعف الشديد في ثقافة التمحيص، هي في كونها تُخضع لآلتها كل ما يقع بين يديها من أخبار دون تمييز الزائف منها عن الحقيقي. وكما هو معلوم بالضرورة في هذا المجال، فالأخبار الزائفة تحضر في مواقع التواصل الاجتماعي ست مرات أقوى من الأخبار الصحيحة، كما أكدت دراسات عدة في هذا المجال. ومعظم الناس ثقافة تمحيص الأخبار لديهم ضعيفة جدا أو منعدمة، كما أن “الإدمان السلوكي” المتعلق بالنشر الدائم، وما يرتبط به من تنافس على السبق، ومن البحث عن الأخبار المثيرة، والسعي الحثيث إلى جلب أكبر قدر ممكن من المتابعين والمعجبين، … لا يدع فرصة للقيام بواجب التمحيص حتى عند من لديهم حد أدنى من الخبرة في ذلك، وحد أدنى من الوازع الأخلاقي أو المهني في هذا الباب. وهو ما يجعل احتمال وقوع كثير من نشطاء “التعليق على الأخبار” في فخ الأخبار الزائفة احتمالا كبيرا جدا.

والظاهرة المفارقة في انتشار “التعليق على الأخبار” سوف نلخصها في ثلاثة أمور، نفترض أنها تقع بجهل وحسن نية:

الأمر الأول يتعلق بكون عدد كبير من “المشتغلين بالتعليق على الأخبار” لا يتعلمون من أخطائهم في التعاطي مع الأخبار الزائفة بعد ظهور ما يفندها، فنراهم لا يقومون من “ورطة” في هذا الشأن إلا ليقعوا في أخرى جديدة وقد تكون أفظع. وغياب التعلم من الأخطاء مؤشر مقلق، ليس فقط على درجة وعي هؤلاء بخطورة الوضع الذي أصبحوا فيه، بل على ضعف حس النقد الذاتي لديهم، مما يحرمهم من فرص التطور والتعلم.

الأمر الثاني، وهو نتيجة للأول، يتعلق بكون هؤلاء لا يعتبرون من أخطائهم، فحتى حين يوجه إليهم النقد، كثيرا ما يلجؤون إلى الصمت، ليعودوا مرة أخرى إلى ما كانوا عليه. وهذا قد يؤشر على ضعف الحس بالمسؤولية لديهم. وهو خلق فكري أساسي في تحفيز عملية التعلم المشار إليها سابقا، وفي ترشيدها وتعزيزها، وفي استحضار العواقب التي من شأنها تشكيل حس يقظ رافض للأخبار الزائفة.

الأمر الثالث يتعلق بكون كثيرين ممن نتحدث عنهم لا يعتذرون عن أخطاء التعليق على الأخبار الزائفة حتى حين يبنون عليها أحكام قيمة قد تكون تهما ثقيلة ضد أشخاص أو مؤسسات. وغياب خلق الاعتذار أو ضعفه، رغم حصول الإضرار بالغير، أمر مقلق للغاية وينطوي على دلالات صعبة فيما يتعلق بجودة العلاقات الاجتماعية، وتعزيز احترام الحقوق، ونبذ الظلم.

“لا يتعلمون ولا يعتبرون ولا يعتذرون”؛ توصيف صادم لواقع مر تتسع رقعته يوما بعد يوم في مواقع التواصل الاجتماعي، ويكفي تخيل كل واحدة من تلك الصفات، أو تخيل اجتماع أكثر من واحدة منها في أي شخص، لندرك أننا أمام صناعة “روبوتات بشرية”، تنشط بشكل خطير وغير أخلاقي ويستعصي على المعالجة في نشر الأخبار الزائفة والإشاعات.

إنها أعراض مرض اجتماعي جديد ينتشر كالجائحة في مواقع التواصل الاجتماعي، يؤجج نار انتشار الأخبار الزائفة، ويرفع من مخاطرها المدمرة لكل شيء، للعلاقات الاجتماعية، للسياسات العمومية، للخصوصية… هذا المرض بالضبط هو من أمراض مواقع التواصل الاجتماعي التي يستثمر فيها أعداء الأوطان بشكل مميز.

‫تعليقات الزوار

6
  • الشائعة المدمرة .
    الأربعاء 19 غشت 2020 - 18:22

    إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما فتصبحوا على ما فعلتم نادمين . مروحوا الأكاذيب عدهم الله من الفساق ، والفسق هو أعلى درجات الشر والنفس الخبيثة فكم أسرة حطمتها الإشاعة وكم صداقة وكم علاقة جميلة . ترويج الأكاذيب ورمي الناس بالباطل لايقدم عليه إلا شرار الخلق ومن في قلوبهم زيغ وسواد لأن الإشاعة وعلى فظاعتها يصعب الوصول لمصدرها أو جبر الضرر الذي خلفه شيوعها خصوصا فيما يتعلق بالشرف وخصوصا بالنسبة للنساء . وهذا ما يجبر الكثير من الأسر أن تغلق الأبواب دون خروج ابنتهم المطلقة التي لن تنجوا من ألسنة الناس حتى لو استعملت وسائل النقل العمومية وحتى لو اضطرتها الظروف لدخول سوق العمل . ولأنها تشكل عبئا نفسيا عليهم فإنهم لا يترددون في تزويجها من أول طارق ولو كان في عمر أبيها أو صاحب سوابق في الإجرام .

  • مصطفى الرياحي
    الأربعاء 19 غشت 2020 - 19:05

    مما قرأت أخيرا بعناوين مختلفة هي فضيحة وزير حقوق الإنسان وزميله وزير الشغل وهل تريد تكميم الأفواه ومن وجهة نظرك هل يتوجب على اليوتوبورز أن يقدمون الإعتذار كما أني تابعت فضيحة بن كيران وبيعه هكتار مهيكل لصديقه يتيم ب 80 مليون فقط تهربا من الضرائب ودون تصريح وإذا كان كل هذا كذب كما تزعم فليرفع وزير حقوق الإنسان وزميله وزير الشغل ، يتيم وبن كيران دعوة وانتهى الأمر أو الأمر فيه إن ؟ وكل تلك الأخبار صحيحة

  • Mika
    الأربعاء 19 غشت 2020 - 20:04

    انا شخصيا اعتبر التعاليق الغير متسرعة و الهادفة و الرد باحترام على الفكرة اداة مهمة لاغناء الحوار و تطوير تفكيرنا الجماعي.
    مثلا، التعاليق التي تنشر هنا في ركن كتاب و آراء تكون غالبا على مستوى عالي و بكل أدب. و بفضل هذه التعاليق اصبح ممكنا الحديث مع النخبة المثقفة في البلاد, و إعطاء الرأي و لو كان مخالفا.
    و شكرًا

  • amaghrabi
    الأربعاء 19 غشت 2020 - 22:00

    اعتقد ان اليوم يصعب على المواطن البسيط ان يفرق بين الخبر الصحيح والخبر الكاذب,حتى اصبحنا نرى كثير من شعبنا اذا اخبرته بخبر حقيقي لا يصدقك واذا كذبت او كذب عليه احد اخر يصدقه ويتبنى الخبر الكاذب وينشره بين اصحابه ,وهذه طبيعة كانت موجودة قديما ولكن اليوم اصبح القول الماثور "خالف تعرف"هي الجاري به العمل,او "اكذب لكي تصدق",وواعد لكي تتبع ونوم الناس في الاوهام لكي تتبع,فكلما نشرت كذبة خطيرة او كذبة مضحكة مستهزئة تراها تجاوزت الحدود وفي دقيقة وصلت الى اروبا وامريكا وجنوب افريقيا,اليوم من يتقن الكذب ومن يتقن الوعود الكاذبة ومن يتقن صناعة الكذب هو القائد وهو المتبوع وهو المحبوب وهو الشخصية الكاريزمية التي تبهر البسطاء.فالانسان السوي رغم انتصار الكذابين يجب ان يكون صادقا ويتشبث بالصدق وان رأى الصدق يخلق له بالمتاعب ويهرب منه الناس ويعزلونه لانهم يبحثون على من يكذب وعلى من يفتن وعلى من يرهب وعلى من يعارض من اجل المعارضة

  • anabigha
    الخميس 20 غشت 2020 - 10:15

    "لا يتعلمون ولا يعتبرون ولا يعتذرون"؛ توصيف صادم لواقع مر تتسع رقعته يوما بعد يوم في مواقع التواصل الاجتماعي، ويكفي تخيل كل واحدة من تلك الصفات، أو تخيل اجتماع أكثر من واحدة منها في أي شخص، لندرك أننا أمام صناعة "روبوتات بشرية"، تنشط بشكل خطير وغير أخلاقي ويستعصي على المعالجة في نشر الأخبار الزائفة والإشاعات.

    إنها أعراض مرض اجتماعي جديد ينتشر كالجائحة في مواقع التواصل الاجتماعي، يؤجج نار انتشار الأخبار الزائفة، ويرفع من مخاطرها المدمرة لكل شيء، للعلاقات الاجتماعية، للسياسات العمومية، للخصوصية… هذا المرض بالضبط هو من أمراض مواقع التواصل الاجتماعي التي يستثمر فيها أعداء الأوطان بشكل مميز.

  • التغريبة
    الجمعة 21 غشت 2020 - 09:29

    2 – مصطفى الرياحي

    مقال الأستاذ في واد وأنت في واد. وهذا يوضح بالملموس أنك لا تفهم ما تقرأ. سأحاول أن أبسط لك بلغة الخشيبات لعلك تفهم. الكاتب لا ينتقد من ينشر الأخبار الزائفة وإنما ينتقد مستهلكي الأخبار الزائفة. إذن الكاتب لايدعو لتكميم الأفواه كما أملته عليك بلادتك، وإنما هو دعوة لمستهلكي تلك الأخبار لكي يتحلوا ببعض العقل النقدي ولا يجعلوا من أنفسهم فريسة سهلة لتلك الأخبار الزائفة. لكنك أنت لم تفهم لأن الإرتزاق لدى أيديولوجية التخلف القبلي العرقي لتلك الحركة المعلومة جعلتك تسير بخطى حثيثة من إنسان عاقل لكائن بليد.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة