هل يجب حذف قانون الشغل؟

هل يجب حذف قانون الشغل؟
صورة: أرشيف
الأربعاء 24 فبراير 2021 - 20:23

أولا، إن العالم لا يعاني من الكثافة السكانية بتاتا بل يعاني من عدم إعمار الأرض بالتساوي، حيث يتم التركيز على مناطق بعينها في أغلبية البلدان على حساب مناطق شاسعة تظل خالية إلا من حراس الحدود.

يكفي إذا الكف عن الاستمرار في تركيز الاستثمارات في المدن المزدحمة أصلا ونواحيها، وتوجيهها إلى المناطق المنسية الخالية من أبسط المنشآت الضرورية لحل مجمل المعضلات التي تتخبط فيها الإنسانية التي يبدو أنها ما زالت تعتمد على بوصلة باتت قديمة تسير بالعالم في الاتجاه الخطأ…

وبالنسبة للبلدان النامية، فيظل المشكل الأساسي هو توفير الشغل والصحة العمومية. وأما الشغل، فالأراضي الشاسعة غير المستغلة الصناعة والفلاحة، مثلا، جديرة بتوفيره مع ضمان أجور تمكن فعلا من العيش الكريم. وأما الصحة العمومية، فتبقى من اختصاص الدولة التي تحتاج إلى يد عاملة تتمتع بصحة بدنية جيدة ونفسية متزنة.

الشغل الذي بدونه تضيع الحياة عنوان كبير عريض. لنطرح سؤالا وجيها كفيلا بالمساعدة في التحليل: ما هو مبلغ الأجر المعقول الكفيل بتوفير العيش الكريم؟ إذا أخدنا على سبيل المثال مستوى المعيشة في المغرب، فبديهي أن نقر بأن الأجر يجب أن يتجاوز 15.000 درهم بالنسبة لكل إطار شاب يلتحق بالعمل في بداية أول تجربة له في عالم الشغل في المدينة. يعني، نظرا لغلاء المعيشة، هذا هو مبلغ الحد الأدنى الذي يمكن من عيش كريم وحياة عادية في الوقت الحاضر.

ولكن هل يمكن للقطاع الخاص أن يضمن للأجراء 15.000 درهم شهريا كحد أدنى، مثلا، وهو مقيد بتلك القوانين المنظمة للعلاقة بين المشغل والأجير المستوردة من تجربة فرنسا؟ لا، أكيد. فإذا كانت فرنسا قد أرست قوانينها الصارمة في مجال الشغل، فلأنها كانت ثرية بكل ما جلبته من ثروات هائلة من مستعمراتها السابقة، ومع ذلك فتجربتها وصلت إلى حدها والدليل “السترات الصفراء”، إلى آخره… حسنا.

إن نجاح كل مخطط تنموي رهين بنجاح المقاولة المتوسطة، وما عدا ذلك كلام “فاضي”. ولكن استمرار المقاولات المتوسطة المجتهدة في خضم واقع صعب رهين بإحداث ثورة في مجال الشغل وقوانينه. فإذا كان قانون الشغل يخير المقاولات المتوسطة، مثلا، بين الاستمرار في أداء أجور مستخدميها حتى لما ينعدم الشغل وتنعدم المداخيل، وبين منح تعويضات فلكية -نسبيا- لأجرائها أو بعضهم مقابل تسريحهم، فهذا عين خراب الاقتصاد والرواج، ولب الركود والجمود.

فالمقاولات المتوسطة لا تفلت أبدا من أداء الضرائب بكل حذافيرها وزيادة، كما أنها لا تستطيع المناورة في ما يخص أداء أقساط الضمان الاجتماعي وكل ما يقتضيه قانون الشغل، وبالتالي فازدهارها من ازدهار الدولة. ولكن نظرا للأزمات المتتالية والمتصاعدة حدتها منذ عقدين تقريبا، فالأفق تظل مظلمة بالنسبة للمقاولات المتوسطة إلا في حالة إحداث تغيير جذري في نظرتنا للشغل وتنظيمه وتوفيره والمحافظة عليه.

قبل عرض أي اقتراح في ما يتعلق بقانون الشغل، لا بد من ضمان مصلحة الأجير أولا. مصلحة الأجير في أجرته، وأيضا في اجتهاده واكتساب مهارات إضافية عملية على طول مشواره المهني؛ (والحديث هنا لا يتعلق بطبيعة الحال بالقطاع غير المهيكل أو بالمقاولات التي تعمل على هامش قانون الشغل، أو بدون ترخيص إداري أو بترخيص معيب وما إلى ذلك، فذلك مشكل آخر يتعلق بضعف التنمية عامة، وبالقدرة التنافسية، وما يقتضيه واقع السوق إلى آخره…) وأما الحديث عن تعويضات المغادرة أو التسريح وما إلى ذلك من مقتضيات تكبل المقاولات المتوسطة التي لا تضمن الشغل لنفسها على الدوام -في العديد من القطاعات- فكيف لها أن تضمن الشغل لأجرائها بصفة دائمة؟

خلاصة القول، قانون الشغل الساري المفعول إلى حد الآن لا يتطابق ولا يتوافق مع ضعف النمو الاقتصادي، وإن لم يتم على الأقل تعديله فسيستمر في إحباط المقاولات المتوسطة المجتهدة، وفي عزوف الأطر والكفاءات الشابة عن خلق وتسيير مقاولات توفر الشغل. نعم، قانون الشغل يشجع الأطر والكفاءات الشابة فقط على طلب الشغل كأجراء بدل الاجتهاد والتفكير في خلق فرص الشغل… فيا له من مشكل عويص جدا يحتاج إلى حل جذري لا ترقيعي…

سيداتي سادتي، باختصار شديد، هذا موضوع يحتاج إلى دراسة مستفيضة ولبحث يستشرف المستقبل بكل واقعية، حتى نتمكن من طرح سؤال كبير عريض: “هل يجب حذف قانون الشغل بالنسبة للمقاولات المتوسطة والاكتفاء بقانون العرض والطلب (الذي من المفروض أن يؤدي إلى رفع الأجور…)، وبمفهوم الأجرة مقابل العمل (الذي سيحرر المقاولات المتوسطة من أعباء محبطة وسيشجع الأجراء على الاجتهاد…)، وذلك من أجل الخروج من دائرة التواكل التي تمنع النهضة والتنمية و المبادرة الحرة، ومن بناء اقتصاد صلب قوي كفيل بتوفير الشغل للجميع، ما دامت شركات التأمين على التقاعد والتأمين على المرض موجودة… ؟” والله أعلم.

‫تعليقات الزوار

2
  • دجاج و روكان
    الخميس 25 فبراير 2021 - 03:07

    عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما اكل احد طعاما قط خيرا من ان ياكل من عمل يده و ان نبي الله داوود عليه السلام كان ياكل من عمل يده

    رواه

  • los patos
    الخميس 25 فبراير 2021 - 03:16

    الباحثون بمراكز التكوين

    لا حديث الآن بين الأساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم العالي الجامعي وغير التابع للجامعات، وفي اللقاءات والاجتماعات النقابية، سواء الحضورية أم الافتراضية عن بعد، إلا عن مشروع النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات التعليم العالي، الذي دشنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الحوار بشأن مضامينه منذ الموسم الجامعي الفارط، حيث كان مفترضا صدوره في آخر تلك السنة، إلا أن الحوار بين الوزارة الوصية ونقابتي التعليم العالي مازال مستمرا للتوافق حول مواده وأرقامه الاستدلالية وجداول تعويضاته التي تشمل أعباء التأطير والبحث.

    ولعل الهاجس الأكبر الذي يشغل الأساتذة اليوم هو عدم تناسب مواد النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي الصادر في (19 فبراير 1997)، مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن عدم ملاءمته للوضعية الاعتبارية التي يجب أن يحظى بها الأستاذ الباحث في المجتمع، باعتبار الأيادي البيضاء التي يسديها لجميع أطر البلاد على اختلاف درجاتهم وميادين انتسابهم الوظيفي والمهني.
    محمد بنلحسن

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 1

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس