الإعلام بين المعلومة النافعة والضارة

الإعلام بين المعلومة النافعة والضارة
الإثنين 3 ماي 2021 - 01:10

يصادف هذا اليوم الاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة وذلك تحت شعار “المعلومة كمنفعة عامة” هذه السنة. لا يفوتني ونحن نحتفي بهذا اليوم أن أتمنى لأهل الإعلام والصحافة جميعهم عاماً أنفع وأفضل. وفي مثل هذا اليوم، نستحضر سيلاً من الأسئلة منها القديم ومنها الجديد، خصوصاً وأن عالمنا يعيش تسونامياً غير مسبوق من المعلومات بسبب الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ونقول نعم، المعلومة منفعة عامة، لكن شريطة أن تكون معلومة صحيحة، فالمعلومة حين تكون زائفة تصبح ضارة، وتغدو خيانة حينما تكون منقوصة أو مُضَخَّمة. وإذا كان تعريف الصحفي والإعلامي في وقتنا الراهن تغيَّر ولم يعد مقتصراً على خريجي معاهد وكليات الإعلام والاتصال، بل يشمل العاملين في الإعلام ونقل المعلومات عبر مختلف الوسائط كافة، فإن صناعة المحتوى وتشارُكه بأمانة هو مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنية أو هوايَتِيَّة.

وبما أن الإعلام أصبح تفاعلياً أكثر من أي وقت مضى، فإن المتلقي صار يضطلع بدور كبير هو الآخر في إنتاج المحتوى الناجح والمستدام. فتفاعُله مع المحتوى الصادق هو مشاركة في صناعته، وتشجيعه يؤدي إلى المزيد من تمكين أصحابه. وعلى النحو ذاته، فإن نقد وهجر المحتوى الزائف هو مشاركة في تعجيل فشله لأن صانعه يدرك عبر ردود الجمهور أن بضاعته “المعرفية” كاسدة ومآلها إلى زوال. وهكذا فإن منتِج المحتوى يجعل هذه المعرفة التشاركية مستدامة عندما يتوخى الأمانة ويبذل جهداً في التحري والتقصي وعدم التلاعب بعقول الناس، مُدركاً أن استغباء الناس أو التقليل من احترام ذكائهم يأتي آجلاً إن لم يكن عاجلاً بنتائج عكسية. ولا شك أن في ذاكرة كل واحد منا أمثلة عن أولئك الذي هرعوا إلى صناعة محتوى بهرجي تتفيهي لتحقيق غايات في أنفسهم، فسقطوا سقطات سحيقة بمجرد أن أخضع جمهورهم محتواهم إلى اختبار العقل وغربال المنطق.

أعتقد أن إنتاج المحتوى الصحيح السليم في معناه ومبناه هو مسؤوليتنا جميعاً، أفراداً ومؤسسات. فعلى المدارس مثلاً أن تضطلع بدورها وتعمل على تجديد مقرراتها لتشمل مناهجُها تلك الأدوات والوسائل التي تساعد التلميذ على التسلح بما يفيده في عصر الثورة المعلوماتية الرقمية والفورة التواصلية الطاغية، وذلك حتى لا يغرق في طوفان زبدها الجارف الذي يجر معه كل شيء ويجعل المعلومات الدقيقة عملة تزداد نُدرة. كما على الآباء تعليم أبنائهم منذ نعومة أظفارهم إنتاج المعلومة الدقيقة وتحريها وتدريبهم على التفكير العقلاني المنطقي الناقد والقادرعلى التمحيص والتنقيح حتى لا يبلعوا أي معلومة يتعذر عليهم مضغها أو لا يستقيم منطقها. كما عليهم تشجيع أبنائهم على كثرة طرح الأسئلة كيفما كانت دون رقيب أو حسيب ليترعرعوا أحراراً في فكرهم وليتمتعوا بأعين فاحصة وعقول ناقدة تضع كل ما تتلقفه في ميزان الصحة والدقة.

وغنيٌّ عن الذكر أن من تناط به المسؤولية الكبرى هو الإعلام نفسه بوسائطه جميعها. فعليه أن يحافظ على دوره التنويري ويكون قولاً وعملاً مثالاً يحتذى ويقتدى ونبراساً يستضاء به. صحيح أن الواقع يشير للأسف إلى وجود كثير من المنابر التي نسيت مهمتها أو تناستها وانجرت وراء مطاردة كل ما هو مثير ويطلبه بعض المشاهدين ويُشبع رغبتهم في الاستزادة الدائمة من كل ما هو غرائبي فضائحي، لكن سنة الكون ومنطق التاريخ يعلمنا أن البقاء في النهاية للاصلح، وليس للاهثين وراء زيادة المتابعين بأي ثمن. فعندماتتنكر هذه المنابر لوظيفتها، تتحول من وسائل تنويرية إلى معاول تجهيلية تدميرية للعقول، وبدلاً من إسهامها في تحقيق التنمية المعرفية المستدامة، تُسهم في خلق تعمية تضليلية. ويبقى عزاؤنا والحال هذه هو الرهان على منطق التاريخ، الذي علمنا أن الاستدامة تتحقق في نهاية المطاف للمحتوى الأقوى والأقدر على احترام ذكاء المتلقي، خاصةً حين يكون هذا المتلقي من مواطني القرن الحادث والعشرين الذي يكفل له الحق في الوصول إلى المعلومة الصحيحة باعتباره أحد حقوق المواطنة الأساسية التي لا تكتمل مواطنته إلا به. وبذلك فقط يكون أكثر إقبالاً على إنتاج أفكاره بحرية وأقدر على التصالح دوماً مع ذاته والتعايش مع المختلفين معه وأكثر احتراماً لذكاء كل من هو متعطش لتلقي المعلومة النافعة، وناقداً هاجِراً لكل ما هو زائف. فكل زائف زائل.

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج