عيون الماء (1) .. بين القداسة والأساطير والتوظيف العلاجي والاقتصادي

عيون الماء (1) .. بين القداسة والأساطير والتوظيف العلاجي والاقتصادي
الخميس 17 ماي 2018 - 00:00

لا يتجادل اثنان حول أهمية الماء في الحياة، كما لا يتجادل اثنان حول أهمية العيون من بين باقي الموارد المائية؛ لكن الاستهلاك المفرط للماء وتلوث المياه في معظم بلدان العالم يدفعان إلى بروز بوادر صراعات حول الموارد المائية الضرورية لاستمرار الحياة والاستقرار والأمن؛ وفي ذلك يقول مثل أمازيغي: “أمان د لامان، أف أيتزداغ يان” (مفاد المثل أن: “الماء والأمن، شرطا الاستقرار”).

توجد بالمغرب، كما في كل بقاع العالم، وفي مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، عيون مشهورة بخواصها الروحية-القدسية (كما هو الشأن بالنسبة إلى عين زمزم بمكة، وعيون موسى الاثنتا عشرة بصحراء سينا، وعين “العذراء لورد” بفرنسا، وعيون سيوة بمصر) والأسطورية (التي من بينها عين أسردون ببني ملال، وعين ئمي ن ئفري بدمنات، وعين دادس، وعيون وادي بوكمّاز بالأطلس الكبير، وعين بومال ن دادس، والعين أقديم بتيزنيت، وعين أكلو بضواحي تيزنيت، عين تيمولاي ن ئزدّار ببويزكارن، وعين إلمكرت ضواحي ئغرم تارودانت)؛ وأخرى طبقت شهرتها الآفاق بتوظيفها العلاجي (عين مولاي يعقوب، عين سيدي حرازم، عين العاطي بأرفود، عين شالة بالرباط، عين للا تاكركوست بأمزميز نواحي مراكش، عين ئمي ن ئفري بدمنات، وغيرها)؛ أو السياحي (حامة عين الله، حامة فزوان، حامة وغيرهما)؛ أو الاقتصادي (المتمثلة أساسا في مياه العيون المعبأة في زجاجات: مياه معدنية طبيعية غير غازية، مياه معدنية طبيعية غازية، مياه العيون غير المعدنية Eaux de source ، مياه المائدة، Eaux de table مياه بنكهة فاكهة مّا eau minérale fruitée ، مياه بنكهة مّاEau aromatisée )؛ هذه العيون تشد أنظار بعض المرضى والسياح وذوي الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بحاجيات الزوار والسياح، مما يجعل من السياحة العلاجية نشاطا اقتصاديا رائجا في المغرب.

وما يميز الصنف الأول من هذه العيون (العيون بين القداسة والأساطير) هو أن “العيون المقدسة” يعود اكتشافها واستغلال مياهها إلى قوى غيبية؛ بينما العيون المؤسطرة (المرتبطة بالأساطير) قد نسجت حولها أساطير مفسرة لكيفية اكتشافها، ولتشكل نواة لاستقرار رُحَّل انتقلوا من وضع الترحال وتربية المواشي، إلى وضع الاستقرار وممارسة أشغال الزراعة، وتدبير استغلال مياهها، وتنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

أما الصنف الثاني من تلك العيون (المرتبطة بالتوظيف العلاجي والسياحي والاقتصادي)، فقد طبقت شهرتها الآفاق بتوظيفها العلاجي أو السياحي أو الاقتصادي، ومن بينها: عين مولاي يعقوب (فاس)، وعين سيدي حرازم (فاس)، وعين الله (فاس)، وعين العاطي (أرفود)، وعين فزوان (بركان)، وعين أباينو (أكلميم بالجنوب المغربي الغربي)، وعين شالة (الرباط)، وصخرة ئموران المثقوبة (ضواحي مدينة أكادير)، وعين ئمي ن ئفري (دمنات)، وللاتاكركوست (قرب أمزميز، جنوب مراكش)؛ وغيرها كثير مما سيرد في حلقات هذا الموضوع.

وهذا الصنف من العيون، وإن ارتبط أيضا بمجموعة من الأساطير تجاه ما يُنْسبُ إليها من وظائف علاجية مبنية على المتخيل الشعبي؛ فإنها أصبحت نواة لأنشطة طقوسية وعمرانية واقتصادية واجتماعية، بل وسياسية؛ ينبغي تدبيرها تدبيرا يستجيب والمتطلبات البشرية والبيئية والثقافية والطبية التي تسعى إلى تنمية عقلانية.

إن المناطق المحيطة بهذه العيون تعيش على وقع حركة ونشاط اقتصادي ملحوظ، من خلال افتتاح العديد من المنشآت السياحية، والمحال والمعارض التي تبيع لوازم الاغتسال في العيون، أو تبيع زجاجات فارغة لملئها بمياه تلك العيون؛ لكن هذه النشأة العمرانية، وهذا النشاط الاقتصادي والسياحي، وتلك الممارسات العلاجية، بل وبعض الطقوس المصاحبة أحيانا لهذه الأنشطة، هي في أمس الحاجة إلى التدبير العقلاني.

ولا يخلو الصنف الاقتصادي، المتمثل في تعبئة مياه عيون طبيعية أو معدنية أو غازية في زجاجات لأغراض صحية أو علاجية، من ضرورة مقاربته مقاربة سوسيو-اقتصادية.

نلاحظ، من خلال نماذج العيون المعتمدة، أن هذه الأخيرة (العيون) تنقسم إلى ثلاثة أنواع: عيون كونية، وعيون وطنية، وعيون محلية. وقد تم الاقتصار على عرض مجموعة من المعطيات المتعلقة بكل عين من هذه العيون كأرضية لمقاربتها، لاحقا، مقاربة أنثروبولوجية أو سوسيو-اقتصادية أو أونوماستيكية؛ وهي في حاجة إلى تحليل واستنتاجات.

وسيتم عرضها في حلقات طيلة شهر رمضان (حلقة في كل يوم) وفق المحاور التالية:

أولا: تقديم تأطيري لنماذج من عيون الماء المعتمدة بمختلف خصوصياتها ووظائفها (حلقة أولى)

– عيون “مقدسة” (4 حلقات)؛

– عيون تُحكى “أساطيرٌ مؤسِّسَة” لاكتشافها ولاستغلال مياهها (10 نموذجا)؛

– عيون معالجة، أصلا أو أساسا (5 حلقات)؛

– عيون سياحية، كخصوصية بارزة (5 حلقات)؛

– عيون اقتصادية، كخصوصية بارزة (5 حلقات).

ثانيا: على سبيل خلاصات أو استنتاجات عامة (حلقة أخيرة).

*باحث في الأنتروبولوجيا

‫تعليقات الزوار

3
  • سميرة
    الخميس 17 ماي 2018 - 09:43

    أين هي عيون جبال الريف : رأس الماء بشفشاون والآخر الذي بتازة وشلالات الشرافات وأقشور وعين طوريطا وعين الزرقاء والعوينة وعين بوعنان بتطاون والتي تتمحور حول مجموعة منها مجموعة من الأساطير ومجموعة أخرى هي مقدسة توجد بوسط المدينة لدرجة أن الجماعة الحضرية لم تستطع وضع أي تهيئة بجانبها …..

  • hafid
    الخميس 17 ماي 2018 - 11:43

    اسم هده المنطقة الى فصورة انه مكان جميل

  • الحسين أيت باحسين
    الجمعة 18 ماي 2018 - 02:27

    بالنسبة للتعليق رقم 1 باسم سميرة
    فعلا لم أتمكن من تناول نماذج من عيون منطقة الريف لسببين:
    – أولا لأنني لم أتمكن قط من زيارة المناطق الداخلية للريف، إذ اقتصرت زياراتي العديدة لمنطقة الشمال على المناطق الحضرية وشواطئها (الناضور والحسيمة وتطوان).
    – ثانيا لأن مرجعية هذه المقاربة تعود إلى مشاركتي في ندوة حول موضوع: "أنظمة السقي التقليدي بالجنوب المغربي" بموضوع تحت عنوان: "الأساطير المؤسسة لاكتشاف الموارد المائية واستغلالها (بعض عيون منطقة تيزنيت نموذجا".
    – لكن شكرا جزيلا، ماسّا سميرة، على الملاحظة وعلى التعليق، وسآخذهما بعين الاعتبار في معالجة لاحقة، اعتمادا على ستسعفني به قراءت حول الموضوع وتحريات ميدانية ممكنة.
    – شكرا مرة أخرى على ملاحظتك وتعليقك.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين