قانون مالية 2023 يخصص 10 مليارات درهم للجهوية.. تحديات تواجه التنزيل‬

يسعى ورش الجهوية، الذي انطلق بالمغرب منذ سنوات عديدة، إلى نقل عدد من صلاحيات الإدارة المركزية إلى الهيئات المنتخبة على الصعيد الجهوي؛ إضافة إلى تمكين هذه المجالس من المساهمة الفعالة في تنزيل السياسات العمومية، خاصة ما يرتبط بتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بين مختلف الجهات.

تخصيص قانون مالية 2023 حوالي 10 مليارات درهم لورش الجهوية المتقدمة ومواصلة برنامج تقليص الفوارق المجالية يعيد أسئلة التحديات التي تواجه هذا الورش والتأخر في تفعيل الجهوية، رغم ما سجلته أسماء مهديوي، الباحثة في العلوم السياسية، من تقدم في عملية البناء الجهوي ومراجعة الأدوار بين المركز والمجال.

في هذا السياق، ذكرت الباحثة اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري سنة 2018 معتبرة إياه طريقا لبناء صرح الجهوية، كما أنه يمثل منظومة للتدبير الإداري تواكب التنظيم الترابي اللامركزي المعتمِد على الجهوية المتقدمة كآلية أساسية لتفعيل السياسة العامة للدولة على المستوى الترابي.

ومن جهة أخرى، شددت مهديوي على أهمية إخراج القانون الخاص بالمراكز الجهوية للاستثمار سنة 2019 إضافة إلى المراسيم الحكومية والقرارات الوزارية التي تم نشرها لمرافقة ورش الجهوية والتي تساعد على إتمام الترسانة القانونية الخاصة بالجهات وبالتنزيل الفعلي للدستور فيما يخص الجهوية المتقدمة.

غير أن الحصيلة العملية، حسب المحللة السياسية، لم ترقَ إلى انتظارات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لأسباب جلها موضوعية، والبعض منها سياسية وذاتية؛ من بينها تمركز الكفاءات في الجهات ذات الوزن الاقتصادي والإداري في البلاد وافتقار الجهات التي تحتاج إلى مجهود تنموي كبير إلى الكفاءات اللازمة القادرة على التنزيل الفعلي لورش الجهوية. وينطبق الأمر نفسه على الإمكانيات المادية.

وسجلت أسماء مهديوي في هذا السياق أن ورش تفعيل الجهوية يحتاج إلى إرادة مركزية ودينامية جهوية مستجيبة.

فرص الشغل

لتسريع تفعيل ورش الجهوية، شدد محمد جدري، الباحث المتخصص في الاقتصاد، على ضرورة العمل على تأهيل البنيات التحتية من مدارس وجامعات وتكوين مهني وطرق ومسالك طرقية على الأقل في حدها الأدنى، حيث إنه من غير المقبول أن تتوفر جهات مثلا على كل وسائل النقل الممكنة من طرق سيارة ونقل سككي وقطار فائق للسرعة ومستشفى جامعي وجهات أخرى لا تتوفر على أقل المقومات.

من جهة أخرى، أشار جدري إلى أهمية العمل على تكوين وتحفيز حركية الموارد البشرية من أساتذة ومهندسين وأطباء وأطر عليا للالتحاق بالجهات البعيدة عن المركز؛ لأن تنزيل الجهوية المتقدمة يعتمد أساسا على التوفر على الرأسمال البشري المناسب. كما ينبغي العمل على تسريع استقلالية القرار الجهوي عن طريق تفعيل مخطط اللاتمركز، حيث إن ممثل الإدارة على المستوى الجهوي يجب أن يملك قراره دون انتظار تأشيرة المصالح المركزية بالعاصمة، مع ربط هذه المسؤولية بالمحاسبة.

أما فيما يخص التفاوتات على مستوى خلق فرص الشغل على المستوى الجهوي، فقد أكد جدري أن الحكومة ينبغي أن تبذل مجهودا من أجل تقليص معدلات البطالة، حيث سجلت أعلى معدلات البطالة في الجهات الجنوبية (%20,9) والجهة الشرقية (%18,2). وبحدة أقل، تتجاوز جهتان المعدل الوطني (%11,2)، ويتعلق الأمر بجهة الدار البيضاء-سطات (%12,8) وفاس- مكناس (%12,5). بالمقابل، سجلت جهات مراكش-آسفي وبني ملال-خنيفرة وطنجة-تطوان-الحسيمة أدنى المعدلات بنسبة %6,5 و%8,7 و%8,7، على التوالي.

ودعا الباحث المتخصص في الاقتصاد إلى استغلال مؤهلات كل جهة على حدة من أجل خلق الثروة وفرص العمل، مضيفا: “إذا كانت جهة مراكش آسفي تتميز بقدراتها السياحية فإن جهات أخرى لم تستغل كل قدراتها الفلاحية والصناعية والخدماتية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك تحولات اقتصادية مهمة، حيث إن وجدة وبني ملال وأسفي مثلا تختلف كثيرا من حيث الاستثمارات التي تم إطلاقها بعد تشييد الطريق السيار”.