أُجَراء التعليم الخصوصي .. الصوت المغَيّبُ وسط الجائحة

أُجَراء التعليم الخصوصي .. الصوت المغَيّبُ وسط الجائحة
الأحد 7 يونيو 2020 - 18:20

منذ بداية الحجر الصحي والنقاش حول المدارس الخصوصية يملأ وسائط التواصل الاجتماعي والجرائد الإلكترونية، بدأ بانتشار ذلك المطلب الذي لا يمكن تسميته سوى بــ”مطلب العار”، والذي رفعته بعض الهيئات الممثلة للتعليم الخصوصي للاستفادة من صندوق كورونا، في الوقت الذي كان فيه الجميع يعبر عن تضامنه، كان المطلب سيكون مقبولا لو جاء بعد شهور من تحمل هذه “الشركات” أجور موظفيها دون مقابل.

ثم استمر النقاش بعد إقدام بعض المدارس الخصوصية بتقديم طواقمها ضمن الذين فقدوا مناصب الشغل منذ شهر مارس، رغم أن هذه المدارس منطقيا تحصلت على واجبات التمدرس من الآباء لشهر مارس، وإذا لم تتحصل فذلك مشكلتها وحدها، مع ذلك سجلت أطرها التربوية ضمن فاقدي الشغل الذين يجب أن يستفيدوا من المبلغ الجزافي الذي حدده صندوق الضمان الاجتماعي، وكان هذا الإجراء سيكون منطقيا لو انطلق منذ شهر أبريل على الأقل، بالنسبة للفئات التي توقفت فعلا عن العمل، مثل السائقين والمرافقات وعاملات النظافة، أما الأساتذة والإداريون فهم لم يفقدوا شغلهم، بل استمروا في إسداء خدمات التعليم عن بعد، كما نصت على ذلك مقررات الوزارة الوصية. ويجب أن يتوصلوا برواتبهم كاملة، سواء دفع الآباء أو لم يدفعوا، لأن ما يربطهم بالمؤسسات هو الأجر مقابل العمل.

ارتفع النقاش بعد ذلك عندما صرح الوزير في وقت غير مناسب بتاتا، بإلغاء الامتحانات الإشهادية بالنسبة للسادس ابتدائي وكذلك للمستوى الثالث إعدادي، والاكتفاء بما تم إنجازه من مراقبات في القسم، وكان من الأحسن أن يحتفظ السيد الوزير بقراره إلى حين، حتى لا تنطفئ رغبة التلاميذ في تلقي المواد التي يقدمها أساتذتهم، سواء في التعليم العمومي أو الخصوصي، أما في هذا الأخير، فقد غادر الكثير من الآباء مجموعات التعليم عن بعد بمجرد إعلان الوزير بغياب أي امتحان أو اختبار للمتمدرسين عن بعد.

ثم ارتفع الصراع بين الآباء وأرباب المدارس حول الأداء، فأرباب المدارس يتشبثون بحقهم في تلقي مستحقاتهم التي يدبرون بها مؤسساتهم، وبعض الأسر والجمعيات الممثلة للآباء تبحث عن منفذ قانوني لكي لا تدفع.

أجراء متضررون

بين كل هؤلاء الذين يدافعون عن مصالحهم، توجد فئات تم تغييبها من هذا النقاش العمومي، وهم الأجراء، تلك الفئة التي تكسب قوتها من التعليم الخصوصي، ولا أحد يستحضرها في هذا النقاش، سواء من الآباء أو المستثمرين في القطاع ولا الدولة التي من المفترض أن تحمي الفئات الهشة، في غياب أي نقابة يمكنها أن ترافع عنهم، وأغلب هذه الفئات هشة جدا، من سائقين ومساعدات وعاملات لا تتجاوز أجرتهم 1500 درهم في الشهر، تم توقيف رواتبهم من قبل عدد كبير من المدارس في المدن المغربية، وتم استثناؤهم من الاستفادة من ذلك الدعم المقدم للفئات الهشة التي فقدت عملها بسبب جائحة كورونا.

وهم لم يتوقفوا عن طيب خاطر، بل أُمروا أن يتوقفوا، ما ذنب عاملة نظافة أو سائق نقل قيل له توقف الآن حتى نرى ما العمل، فهو دائما في أهبة الاستعداد للعمل لكن أين؟ ومن أين له أن ينفق على أسرته؟

أسر متضررة

في كل مدرسة خاصة بالمغرب تجد أساتذة، إداريين، عاملات نظافة، سائقي النقل المدرسي، مرافقات النقل المدرسي، حراس، بُستانيين، ممرضة أو أكثر، ويتغير العدد بحسب حجم المدرسة وعدد التلاميذ الذين يدرسون بها. لذلك يجب أن يعي الذين يطالبون بألا تدفع الأسر ما في ذمتها، أنهم يؤثرون في مستحقات هذه الفئات مادامت الدولة لم تتكلف بأداء رواتب المتضررين.

بعض المدارس أوفت بالتزاماتها الاجتماعية تجاه شغيلتها ودفعت أجور موظفيها لاسيما الكبيرة منها، بعضها دفع أجور الطواقم التي تسهر على التعليم عن بعد فقط، والبعض الآخر تنصل من مسؤولياته تجاه الشغيلة، مهما كانت الوظيفة التي كان يؤديها الأجير داخل المؤسسة، أستاذا كان أم عامل تنظيف.

بعض المؤسسات في عدد كبير من المدن أعلنت عن إجراءَات تحفيزية بغرض تشجيع الآباء على دفع جزء من المستحقات، مثل إعلان نسب تخفيض، وتسهيلات في الأداء لمن فقد شغله من الآباء، هناك مدارس أعلنت عن تخفيض 30 في المائة عن شهور الجائحة، ومدراس أعلنت عن تخفيض 50 في المائة، وإلغاء تكاليف النقل والمطعم، وغير ذلك من الخدمات التي لا يستفيد منها التلاميذ، ومدراس أعفت الآباء من تكاليف التعليم الأولي، وغير ذلك من الإجراءَات التي لم تعط الكثير من الأُكل.

رواتب متوقفة

لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن المدارس الخصوصية لن تستطيع أداء رواتب طواقمها التربوية إذا امتنع الآباء عن الأداء، خاصة الأساتذة الذين يواصلون التعليم عن بعد، والذي يجب على الأسر أن تعي بأن رواتب الأساتذة متوقفة.

وكما كشفت الجائحة عن معدن الكثير من أرباب المدارس الخصوصية، منذ المطالبة بالاستفادة من صندوق كورونا قبل أن تتضح معالم الوباء، فقد كشفت كذلك عن معدن الكثير من الأسر التي رفضت أن تدفع ما في ذمتها رغم أن مداخلها لم تتضرر، ومنهم آباء يشتغلون في وظائف عمومية يتلقون رواتبهم كاملة بغير نقصان وهم في منازلهم، ويرفضون أن يدفعوا منها ما كانوا يدفعون للمدارس الخصوصية لقاء دراسة أبنائهم؛ وهم بالمناسبة لم يجبرهم أحد على أن يقوموا بتدريس أبنائهم في التعليم الخصوصي، فالعمومي يفتح أبوابه أمام الجميع بقوة القانون.

الجائحة تكشف

كما كشفت الجائحة أيضا تواطؤ الكثير من الأكاديميات والمديريات التعليمية التي تغض الطرف عن مراقبة المدارس الخصوصية، وكيف يتلقون كل بداية سنة لائحة بأسماء الطواقم التربوية وكافة الوثائق التي تتعلق باستفادتهم من الضمان الاجتماعي، وقد ظهر عدد كبير من الذين لم يتم تسجيلهم في هذا الصندوق في عدد من المديريات. ثم ما موقع مفتشي الشغل والمراقبين التابعين لوكالات الضمان الاجتماعي، الذين يزورون مؤسسات التعليم الخصوصي بين الفترة والأخرى، ومع ذلك يغضون الطرف عن عدم تسجيل عدد كبير من الأشخاص في العديد من المدن، كم يأخذون مقابل ذلك؟ هنيئا، بسبب ما أخذتم، فالكثير من الأشخاص حُرموا من الاستفادة من التغطية الصحية، ولم يستطيعوا إجراء عمليات ومنهم من مات.

وقد كشفت الجائحة كذلك معدن الكثير من أرباب هذه المدارس، من خلال ما ظهر في حواراتهم وفيديوهاتهم وهم يتحدثون للعموم، صحيح أنهم ليسوا من يقوم بتدريس أبناء المغاربة، لكن أرباب هذه المدارس هم من يضعون الخطط التربوية ويوجهون دفة التعليم داخل مؤسساتهم.

إن هذه الفئات التي تقوم بخدمة التلاميذ لا يجب التخلي عنها، والتلاميذ هم مغاربة في نهاية المطاف، سواء كانوا يدرسون في الخصوصي أو العمومي، ويجب على الدولة أن تضمن حقوقهم، وتستغل هذه الجائحة لما فيه خير لهذا البلد، ولشغيلتها، بضمان حقوق العاملين في قطاع يذر الملايين شهريا على بعض الأشخاص دون أن يستفيد الأستاذ والمربي والسائق وعاملة النظافة.

قد نجد ضمن كل هذا اللغط مؤسسات تعليم خصوصية مواطنة، تبرع أصحابها للصندوق، وحرص مسيروها على أن ينال الأجراء رواتبهم، وحرصت الطواقم التربوية على مصالح التلاميذ، لكن الكثير من المدارس الخصوصية التي تستفيد لسنوات من الكثير من الامتيازات والتحفيزات، رسبت في أول امتحان وضعته جائحة كورونا، واختبرت فيه وطنية الجميع.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

6
  • Kamal
    الأحد 7 يونيو 2020 - 20:04

    المشكل في كل هذا يكمن في كون الفئة التي تحرض الناس على عدم دفع المصاريف هي فئة أساتذة التعليم العمومي. لماذا، لأن هذه الفئة لم تستطيع أبدا أن تتجاوب مع التلاميذ عن بعد و كانت أول فئة تتنكر للتلاميذ بداعي أن الدولة لم توفر لهم حواسب العمل عن بعد. و كوسيلة التغاضي عن أفعالهم الشنيعة بادروا إلى حملة لتطهير عمل المدارس الخاصة. اذا كان المغاربة قاطبة يجزمون بأن التعليم عن بعد وفر فقط ما نسبته 50% من نسبة التعليم بالقطاع الخاص فقد هوت هذه النسبة إلى 20% في القطاع العام. و كضمان لمبدأ تكافؤ الفرص، يجب على الدولة أن لا تصرف الاجر كاملا الأساتذة التعليم العام لأنها لا تستحق ذلك.

  • أستاذ
    الأحد 7 يونيو 2020 - 20:46

    الواقع الذي لا يمكن اخفاؤه هو ان بعض الآباء يسجلون ابناءهم في المدارس الخصوصية لضمان نقط عالية منتفخة رغم أنهم يعرفون أن مستوى ابنائهم ضعيف؛ بالاضافة اى أن المدارس الخصوصية تضمن حراسة التلاميذ في زمنهم المدرسي من الدخول الى الخروج. وبما أنها مقاولات تهدف تحقيق ارباح أكثر فانها توظف طلبة كمدرسين غير مؤهلين وغير مكونين لكنهم طيعين ومتفهمين ، مقابل أجور ضعيفة وتتفادى استمراريتهم وتسجيلهم في صندوق الضمان لاجتماعي . أما الأساتذة الجديين والمتكونين والذين لهم تجربة سواء العاملين أو المتقاعدين فيتم التخلي عنهم في اقرب فرصة اذا كان ضميرهم لا يتوافق مع هواهم.
    لو سجل هؤلاء ابناءهم في المدارس العمومية وساهموا ب10في المائة من واجبات المدرسة الخصوصية للتكافل معبعض التلاميذ الفقراء،ودخلوا جمعية اأباء التلاميذ للمساهمة في تسيير المؤسسة التعليمية لظهر لهم جليا المستوى المرتفع للمدرسة العمومية، الذي كان ولازال. لكن يتم الترويج لأشياء معاكسة لاستقطاب آباء آمنوا بموضة المدرسة الخصوصية،هي كذبة آمن بها الأغبياء ،واستغلها الأغنياء لسرقة جيوب الفقراء.
    أعلى معدلات الامتحان الوطني للبكالوريا تسجل في العمومي

  • Abdelkarim oumelaid
    الأحد 7 يونيو 2020 - 21:25

    بصفتي أستاذ بالتعليم الخاص أود أن أشكرك على هذا المقال الغني بالمعرفة
    من جهة أخرى المجموعة التي أدرس فيها لم تدفع أساتذتها للإستفادة من الصندوق المذكور، بل صرفت جميع مستحقاتهم بشرط الإستمرار في دعم التلاميذ عن بعد

  • Asrirsouad
    الإثنين 8 يونيو 2020 - 08:55

    كلامك معقول كان على ارباب العمل التصريح فقط بالمستخدمين من عاملات النظافةو…و..ولكن جشعهم دفع بهم الى استحقاقات للجميع بدل تلك الفئةالهشةومن صندوق الضمان وليس من صندوق كوفيد ماداموا مصرح بهم ولكن غياب الاستراتيجيةالمحكمةوالحلول الترقيعيةوانعدام النظريةالتوازنيةجعلت الامورتسير الى الاسوا بل الى ماتحمدعقباه

  • مغربي
    الإثنين 8 يونيو 2020 - 18:14

    أساتذة التعليم الخاص يعانون من حيف وظلم كبير. لا يعقل أن يتقاضى أستاذ في مدرسة خاصة أقل من زميله في المدرسة العمومية. منطقيا يجب أن يكون أجر المدرس الخصوصي أعلى بكثير لأنه يقوم بمجهود أكبر ولا يتمتع بأية حماية اجتماعية. يجب إنصاف هذه الفئة.

  • فريد
    الإثنين 8 يونيو 2020 - 18:21

    مشكل التعليم الخصوصي هو "النوار" ،جل شغيلته ليست مسجلة في صندوق الضمان الاجتماعي، خصوصا الفئة التي لا تشتغل في التدريس مثل الطباخ أو عامل النظافة أو السائق…أما المدرسون فالكثير منهم يشتغل رسميا في التعليم العمومي، ويشتغل في المدرسة الخاصة بالنوار، ومن يبكي من أصحاب هاته المدارس فهو يبكي فقط على أرباحه التي تضررت ويحاول الحفاظ عليها بعدم آداء أجور شغيلته ،أي الأنانية في أحقر مظاهرها.

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 10

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير