"الإشهار" وخراب الديار!!..

"الإشهار" وخراب الديار!!..
الجمعة 17 أبريل 2015 - 22:50

لقد شكل البحث عن الربح هاجس التجار الأول مند الأزل إلى يومنا هذا، وهذا شيء طبيعي في عالم التجارة فلا أحد يبحث عن الخسارة إلا المعتوه، لكن المشكل يكمن في طرق ترويج البضاعة، هنا تتعقد الأمور ويصبح الكذب”مشروعا” عند بعض التجار، بدعوى أن الصراحة في هذا المجال تعني الكساد وبوار السلعة، لهذا تجد في الأحياء الشعبية أسواقا تتعالى فيها صيحات الباعة، وهناك من يلقب سلعته بـ”اللوز” رغم أنه يبيع البصل، وآخر يقسم بأغلظ الأيمان أن سلعته أحسن ما في السوق، وآخر يقول أنه يبيع الورد “ماشي ماطيشة” مبالغة في جودتها وطراوتها، وصاحب السمك يقول أن السمك خرج لتوه من البحر رغم أن البلد يبعد بحوالي300كلم عن الشاطئ، وفي زحمة السوق وصراخ الباعة لن تكتشف العيب إلا في المطبخ أو فوق المائدة أو في “الحمام” لا قدر الله، إن هذه الطرق في ترويج البضائع تعد تقليدية، و مردودها قليل نسبيا مقارنة بطرق الترويج الحديثة، التي تستعمل آخر ما توصلت إليه تقنيات الإشهار عبر وسائل الإعلام”السمعي والبصري والمقروء”.

فخطورة الإشهار اليوم لا تكمن في ترويجه لبضائع فاسدة أو جيدة، ذلك أمر آخر يمكن الرجوع فيه إلى أصحاب الخبرة في ميدان تحليل المواد الغذائية، لكن الخطورة تكمن في استهدافه لنفسية المستهلك، وتدمير شخصيته الأولى الممانعة أو المحصنة بقيم معينة، ثم بعد ذلك يبدله بشخصية طييعة تقبل بكل ما يروج له من سلع وخدمات دون تحفظ، ويمكن إعطاء أمثلة لتتضح الأمور، ففي مجال إشهار مواد التجميل قد تظهر على الشاشة ـ:”..فتاة شقراء صاحبة ملامح غربية تقوم بطلاء مستحضر طبي لو جهها ..” إلى هنا الأمر عادي، ثم يأتي التعليق مادحا المستحضر الطبي بأنه يعطي لونا صافيا للبشرة ويزيل السواد.. ويجعلك أكثر “بياضا”، وبما أننا مغاربة ننتمي إلى إفريقيا القارة”السوداء”، فهذا الإشهار”العنصري” يريد منا أن نكره لوننا الأول”الأسمر” ويبدلنا بلون آخر، فنكره شخصيتنا الأولى و نتماهى مع الشخصية الثانية، فننجذب نحو المعيار الأوروبي في تقييم الجمال، وعندما نانهزم نفسيا أمام القصف “الإشهاري” يمكننا فعل كل شيء حتى المحذور، سنقوم ” بطلي” وبلع وشم ولبس كل ما نصحنا به”خبراء” التغدية والجمال، وسننسى كل التحذيرات إلا شيء واحد سنتذكره عند كل محل تجاري إنها “ماركة” المستحضر ولونه أو إسمه.

كما أن الإشهار يستهدف ضرب فكرة القناعة لدى المغاربة، حيث يرسخ فيهم ثقافة الاستهلاك”بلا حدود”، حيث يدفعك لتشتري وتشتري..حتى ينقطع نفسك ويصبح المستهلك يلهث وراء الجديد في السلع والخدمات، وتأملوا معي عرضهم للأثمنة بطرق خبيثة، فكل سلعة ثمنها 99درهم يوهمك بأنها أرخص من100درهم رغم أن الفرق هو درهم واحد. لقد كان المغاربة يحسنون تدبير أمورهم المالية والمعيشية، كما يقول المثل المغربي:”كل واحد يعرف قياس برادو”، أي أنه يصرف حسب مدخوله اليومي والشهري، ويقضي العطلة في البادية عند العائلة كما يختار مسكنا متواضعا وقد يتخذ دراجة عادية لتنقل، المهم يساير “الوقت” كما يقول المغاربة.

لقد أصبح المغربي اليوم محاصرا بالفوائد الربوية، فكل ما يملك جاء عن طريق الاقتراض من لأبناك وبفوائد كبيرة، مما أدخله في أزمة مالية خانقة جعلته يقترض من جديد لتسديد دين قيم، مما أحال حياته إلى جحيم لا يطاق، فالسيارة والمنزل والتجهيز بل حتى الملابس كل ذلك ملزم بدفع فتواتره شهريا، لقد أصبحت هذه المشاكل سببا رئيسيا في الطلاق و الانتحار، إن الإشهار دفع المغاربة إلى الإنفاق على السلع والخدمات بشكل مبالغ فيه إلى درجة أن الرجل يصرف مبالغ أكبر من دخله بعشرات المرات، فهو يريد فيلا ذات مسبح كبير وسيارة من النوع الفخم وكل ما شاهده في الإشهار يريده حالا، والحل موجود طبعا عند الشركات”القروض الميسرة” يعني “شي كريدي مايزيرني”، لقد أبدع المغاربة الأولون في هذا المثل يصفون به الفقير:”..عاش ما كسب..مات ما خلا”

اليوم المغربي يمكن أن يترك لورثته فواتير لأبناك كذكرى”كريمة” سيستمرون في دفع مستحقاتها زمنا طويلا، فنظرا لرغبته في تحقيق كل ما أوحي إليه في الإشهار، يقترض فوق طاقته ولتسديد كل هذه الفواتير يلزمه عمر سيدنا نوح عليه السلام … !!

أبالمعطي أش ظهرليك فصحاب لكريدي؟ أولدي قالوا زمان اللي يصرف أكثر ما ايصور على العمود يدور.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • غير الهضرة و صافي
    الأحد 19 أبريل 2015 - 02:09

    – ما لقاش عندك شي آ با المعطي واحدال 25مليون ؟
    – 25 مليون كاع !!! واش بغيتيها آ وليدي؟
    – بغيت نشري واحد الشقة نسكن فيها أنا و ليداتي .
    – وعلى شحال ديال الوقت بغيتي تردها ؟
    – 20 سنة .
    – 20 سنة ؟!! ما عنديش آ وليدي . و واخا تكون عندي . نسلفهالك على 20 سنة !!! مالك ضاربك الضو!!!
    – اش غادي ندير دابا ؟
    – سير تسلفها من البنك . البنك هو لي يقدر يسلفك على 20 سنة.
    – مشيت آ با المعطي . غادي يحسبوها ليا 46 مليون . يعني 1920 درهم في الشهر.
    – بزاااف . إيوا سير للأبناك لي ما تيديروش الفوائد ديك لي كايسميوها "البنوك الإسلامية "و شوف .
    – مشيت آ با المعطي .
    – إيوا؟
    – غادي يحسبوهاليا ب 48 مليون يعني 2000 درهم في الشهر.
    – هادو "البنوك الإسلامية" ؟ لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!!
    – كول ليا أ با المعطي هاد خيينا مول البيرييا ما يسلفناش واحد ل 25 مليون بلا فائدة و ردوها ليه على 20 سنة ؟
    – كاخ كاخ كاخ .يسلفك ؟ و سييييرآ وليدي ضبر على راسك . أما هدا و صحابو عامرين غيرهضرة !!! ماغادي يوفرو ليك السكن . ما غادي خليو لي يوفر ليك السكن يخدم . يعني غير الهضرة و صافي .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 2

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة