الدار البيضاء: مدينة الثقافة...بدون ثقافة

الدار البيضاء: مدينة الثقافة...بدون ثقافة
السبت 8 فبراير 2014 - 13:52

ليس لها من البياض سوى الإسم؛ دار تختزل المغرب بتعدده وتنوعه…. يعشقها أهلها مثلما يعشق الإنسان كائنا آخر يعرف عيوبه، لكن حديث قلبه يشل عقله. هكذا هي مدينة الدارالبيضاء التي يصفها الكثيرون بالعاصمة الاقتصادية، وهو وصف بقدر ما يتكلم باسم حقيقة ظاهرة ؛فإنه يخفي حقائق أخرى قد تكون الأهم والأبرز. فثروة المدينة المادية تغطي على ثروة أخرى أكثر أهمية، وأقوى رسوخا في تشكيل وجدان الإنسان،وذهنه،وقيمه؛ إنها الثقافة……

الدارالبيضاء مدينة الثقافة المغبونة في حقها،و ضحية من ضحايا تضخم (فكر الإسمنت) وجشعه الذي يبني بالهدم،والذي حول المدينة إلى مكان للإقامة( فقط)،و جعلها فضاء قوامه بنايات تخترقها الطرقات، والأسواق، والمحلات التجارية…يعيش فيها مواطنون يشتغلون في التجارة،والصناعة،والمهن المختلفة…يستيقظون…يعملون… ينامون…يكررون الأفعال الثلاثة، ثم يضجرون متسلحين بمعجم قدحي في حق مدينة البياض. يصدرون أحكاما متدبدبة بين فخرالانتماء،ولعنة ثمنه…فأن تنتمي إلى مدينة لدارالبيضاء معناه أن تؤدي ثمنا أقساه محو مقومات شخصيتك الثقافية. تلك الشخصية التي جعلتها (سابقا) ملتقى لتفاعل الثقافات الوطنية، ومدينة الانفتاح على الثقافة العالمية، و رأس المال البشري الفعال الذي أنجب مفكرين،وروائيين،وشعراء،ومسرحيين، وسينمائيين، وموسيقيين، وتشكيليين…؛ المدينة غير النمطية التي يصعب حصرها ضمن هوية ثقافية مغلقة؛لأنها مدينة التعدد الثقافي،والتنوع الاجتماعي،والغنى البشري، و(الماضي) الثقافي والفني….ولاشك أن كلمة (سابقا) مثيرة لذهن اللبيب، و مُسْتَغْرَبَة من لدن المسؤول المحلي الذي سيعدد منجزاته، وسيدخلنا لعبة إحصائية (جميلة) تقول:

إن المدينة تضم أكثر من عشرين مؤسسة جامعية، ومئات المؤسسات التكوينية والتعليمية، وبها أكبر سوق للكتاب بتواجد مقرات معظم دور النشر الوطنية، وجل المؤسسات الإعلامية،وشركات الإنتاج الثقافي والإبداعي، وبها ينظم أكبر معرض ثقافي دولي بالمغرب، وتتواجد بها أكبر مكتبة في العالم مخصصة للغرب الإسلامي، وتستقر بها جل البعثات الثقافية الأجنبية بمراكزها المتعددة، كما تنظم بها عدة مهرجانات خاصة وعمومية في ميادين ثقافية مختلفة،وتتوفر على قاعات للعرض،ومعاهد موسيقية، ومدرسة للفنون الجميلة، وعدد هائل من الجمعيات الثقافية والفنية…..

تواجه هذه المعطيات التشخيصية (الإيجابية) بمفارقة صارخة بين الرصيد الثقافي للمدينة،وإمكاناتها البشرية،وبنياتها التحتية من جهة،وبين موقع الثقافة فيها، ووضعها كما وكيفا من جهة أخرى. فهي مدينة لا تتوفر على سياسة ثقافية برؤية محددة ومضبوطة،وتفتقد لوجود مواطنين يعون قيمة الاستثمار الثقافي الذي يجعلها أكثر جاذبية،ويسرع تجديد تحضرها،ويخلق فرص العمل،ويوسع مصادر الدخل،ويقوي اعتزاز سكانها بالانتماء إليها….ويجعلها عنصرا أساسيا في الحياة،ورافعة للإبداع والتنمية والخدمات الجديدة. ويكفي أن نذكر أن مساهمة الثقافة في تقوية فرص الشغل يمكن أن تصل إلى 7 ٪ أو أكثر، وأن صانعي السياسات المحلية في مدن التدبير العقلاني يسعون إلى تشجيع الثقافة، وربطها بكل ما له مردودية وفاعلية مثل السياحة الثقافيه، والمقاطعات الثقافية، والأحياء الثقافية،وإلقاء الضوء على تأثيرها على الاقتصاد المحلي،وعلى الروابط الاجتماعية،وتجاوز اعتبار المدينة فضاء جغرافيا، وعمرانيا، واقتصاديا إلى اعتبارها فضاء ثقافيا بالأساس….هذا المعطى المجايل لنا تؤكده معطيات التاريخ، أيضا،فقد كانت المدن الإغريقية والرومانية والعربية فضاء لإنتاج الثقافة والترويج لها، بل إن ازدهار العمران كان دوما مرتبطا بالنمو الثقافي…

لا تعود معاناة الدارالبيضاء إلى طبيعة مقوماتها الثقافية أو تقاعس مثقفيها، بقدر ما ترجع إلى افتقادها التدبير العقلاني،والحكامة الرشيدة التي لا تستقيم في ظل عدم المعرفة بالحاجات الثقافية للمدينة،و تعدد المتدخلين في شأنها الثقافي، وغياب التنسيق بينهم،وتبذير فضاءاتها التاريخية،و افتقادها لسياسة ثقافية ذات أبعاد استراتيجية تتجاوز بهرجة المهرجانات العابرة،والمعارض المحدودة الأثر.

‫تعليقات الزوار

6
  • عرب الشاوية
    السبت 8 فبراير 2014 - 15:12

    لا فض فوك ,انت بيضاوي حر ,و يخالجني ما يخالجك ,الدار البيضاء كانت اكثر اشعاعا في التسعينيات من الان

  • حبحوب
    السبت 8 فبراير 2014 - 17:56

    غير بعيد عن ظنوننا تجاهك ، أصبت الرمي وأحسنت القول، كلمات رسمت حال جغرافيا تكالبت عليها الطبيعة والإنسان، باتت تئن من وطأة الإسمنت تصيح في المسؤولين مشتكية ، ولا من مجيب . عل كتابات كهذه ترشق ضمائر اولائك تحسسهم بما آل اليه الوضع.

  • omar
    السبت 8 فبراير 2014 - 19:34

    حالة البيضاء كغيرها من جل مدن المملكة, مدينة الرذائل كل الرذائل , لامجال للاخلاق والخصال والفضائل فيها, وحامل هذه يعتبر دخيلا , اما عروبي, او شلح, او بوجدي من شي مدينة أخرى . الحرية الشخصية منعدمة فيها تماما بحيث لا يمكنك ان تترجل وتجيب الهاتف وحتى اذا كنت راكبا فعليك ان تغلق النوافذ اثناء المكالمة. سيارة الاجرة هو الذي يختار الوجهة وليس الزبون ….
    المشكل ان هذه المدينة تصدر هذه الردائل الى المدن الاخرى

  • جواد البيضاوي
    السبت 8 فبراير 2014 - 21:31

    بؤس الثقافة ساكن في كل المدن،المشكل الكبير في المدن الجامعية..الأساتذة
    مشغولون ببعضهم ..لاينتجون أي شيئ…فكيف للثقافة أن تتطور؟
    تصوروا عدد هؤلاء الأساتذة وابحثوا فيما ينتجون ستعرفون أسباب البؤس…صراعات فارغة وتافهة وجري وراء المصالح …منهم لله

  • salah
    الإثنين 10 فبراير 2014 - 13:33

    لو تكلمت عن المعرض الدولي للكتاب كان أحسن، أصحاب دور النشر يأتون للبيع ولايساهمون في تطور الثقافة.
    المعرض له أهداف تجارية والندوات تكون الدعوة لها على أساس العلاقات. فكيف للثقافة أن تنجح؟

  • سعاد محبوب
    الثلاثاء 15 أبريل 2014 - 18:11

    السلام عليكم
    تحية عطرة وطيبة إلى أستاذي الفاضل والمبدع والكاتب المتميز،
    تحية أستعير شذاها من عرف الورد والريحان في حالية الربى إليكم أستاذي.
    أعجبت بما أجادته قريحتكم الأدبية والفنية والعلمية المحضة؛ بالمقال كثيرا وبأسلوبكم الراق والجميل، حول مدينة من المدن المغربية الجميلة رغم ضجيجها وتلوثها…. بالتوفيق وبالمزيد من العطاء والتألق والإستمرارية…

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات