الصحافي ... من الصحافة الحرة إلى مصادرة الحرية

الصحافي ... من الصحافة الحرة إلى مصادرة الحرية
الخميس 26 شتنبر 2013 - 12:40

في ظل التوتر الحاد بين السلطة و الصحافة ، تتناسل الأسئلة و تلتبس الرؤى في توصيف ما يعتمل في بلدنا من تدهور متنام و خطير في مجال حرية الصحافة ، الجميع شاهد كيف بدأ يتصرف الرقيب على الكلمة ، حيث بدا للعيان كيف صار الرقيب يصادر الكلمة ، متنقلا من حال مقص الرقيب إلى حال مكمم الأفواه و لاجم الألسنة ، مصدر و منبع الكلمة … و ما مثال الصحافي علي أنوزلا منا ببعيد ، إذ اعتقل الصباح الباكر من الثلاثاء السابع عشر من هذا الشهر في حدود الساعة السابعة ، و جيء به إلى مقر موقعه ” لكم ” ، و صودرت ما فيه من حواسيب ، و تم تمديد احتجازه أربعة أخرى ، لتفاجِئ النيابة العامة في الأخير و تقرر إحالة ملف أنوزلا إلى قاضي التحقيق المكلف ب ” قضايا الإرهاب ” ، يا لَقِصَر نظر من سولت له نفسه هاته الفعلة الشنعاء ، و التي من شأنها أن تُرجِع المغرب خطوات إضافية إلى الوراء في مجال حرية الصحافة ، وهذا ما سيؤدي حتما إلى تزايد قتامة نظرة المنظمات الدولية المراقبة للصحافة المغربية ، ولا ندري كيف ستأتي صياغة التقارير الدولية على حال صحافة هذا البلد التواق إلى التحول الديمقراطي ، أكيد أنها ستكون صياغة قاسية لا تعتريها عمليات تجميل كما في نشرات أخبار قنواتنا الوطنية ، راكمنا خطوات تلو خطوات إلى الوراء ، حتى بِتنا لم نَحصر عدّ تلك الخطوات الراجعة القهقرى بسبب التراجع المتزايد و الرهيب … كفى من المزايدات على قيم المواطنة لقضاء حسابات شخصية انتقامية ، الكل انكشفت له أبعاد تلك الممارسات المجانية و المجانبة للعقل و الرشاد ، و التي عفا عنها الزمان ، حينما كانت فيه الصحافة حكرا على أقلام تحت الطلب ، أقلام مبرية و مقاسة على مزاج المخزنيين مع تكميم الصوت المزعج لذوي النفوذ السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي .

و حتى يتبين الأمر أكثر وضوحا خاصة بالنسبة لحال نازلة أنوزلا والتي باتت تلقي بظلالها كبقعة الزيت ، ذلك التساؤل و الإحراج الذي أبداه صاحب صحيفة الباييس سامبريرو ، وذلك من خلال حوار مدردش مع أحد أفراد الحكومة المغربية و بالتحديد وزير السياحة لحسن حداد ، في موقع التواصل الاجتماعي تويتر ، حيث قال الصحافي الإسباني : ” لمَاذَا لم يتحرّك وزير العدل الرميد لأجل متابعة هؤلاء الأمريكيّين في الوقت نفسه الذي تم اتخاذ القرار باللجوء للقضاء ضد إلبَايّيس ” ، فما كان على حداد سوى التنصل من الإجابة و تمرير الكرة إلى زميله في العدل ليقول له : ” عليك أن تسأل الرميد بهذا الخصوص ، وما يهمّني هو أنّ عدم مقاضاة هؤلاء لا تعطي غيرهم حق نشر الدعوات للقتل ” ؛ هذه الدردشة تجرنا بالـتأكيد إلى الحديث عن مفهوم مبدإ ” الوصول إلى المعلومة ” :Access to Information أو بالأحرى مبدإ ” الحصول على المعلومة ” الذي يبقى الجميع على أمل الوصول إليه ، الذي و في الوقت الذي حسمت فيه دول ديمقراطية تحترم نفسها ، لازلنا هنا في المغرب نتخبط حول تحديد مجال هذا المفهوم الغامض ، حيث لازلنا نخلط بين أمانة تغطية المعلومة و التأييد لجهة أو لتيار ما ، أو الخوض في لغط عقيم عن طبيعة النوايا ، لا جدوى منه سوى أن يكون مجرد أداة لتصفية حسابات سياسوية غير بريئة ، لا أقل و أكثر ، وهو دأب أنظمة التخلف ، كما أنه لم يتم بعد تحديد مجال ” الإستثناء ” في قانون الوصول إلى المعلومة الكبير و الفضفاض ، و ما دمنا نتحدث عن المعلومة ، والمناسبة شرط ، فلا بأس أن نفصّل قليلا في هذا المفهوم الملغوم لدينا في المغرب ، إذ لا زال قانون الوصول إلى المعلومة رهين العقليات ، التي تَعتَبِر أن أي مؤسسة عمومية لها الحق في أن ترى أن وصول المواطن إلى المعلومة داخلة في إطار ما يسمى ” السرّ المهني ” ، و لا أدل على ذلك من “علاوات” وزير الاقتصاد والمالية السابق صلاح الدين مزوار، والخازن العامّ للمملكة، نور الدين بنسودة، و التي يُتابَع فيها الموظفان اللذان سرّبا المعلومة إلى الصحافة أمام القضاء ، وفي هذا الصدد طالب إعلاميون و حقوقيون بوضع النقاط على الحروف ، و التقليص من مجال الإستثناء وإتاحة الحصول على المعلومة دون قيد أو شرط في جو يكفل مناخا من الحرية المهنية ، و بالتالي ضمان حق الجميع في معرفة ما يجري في هذا البلد ؛ و إن كانت من ثوابت مستثناة من مجال الوصول إلى المعلومة ، فهي لا تخرج عن إطار هاته العناصرالثلاثة المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصّة بالأفراد ، أما تلك الصراعات و التجاذبات الأزلية بين السلطة و الصحافة حول التضييق أو توسيع هامش حرية الأداء الإعلامي فهي تكاد تكون من السنن الكونية في الحياة ، لكن ما يجب أن يعلمه الجميع ، هو أن كلا من الغريمين يجب أن يستحضر أولا و قبل كل شيء تلك المصلحة العامة ، فليست السلطة القمعية من ستضمن العيش الكريم والآمن للمواطن ، و انظروا في ذلك إلى نماذج كثيرة من حكم العسكر ، كما أنه في الوقت نفسه ليست الحرية المطلقة هي من ستكفل المصلحة العامة للمواطن ، فهناك مجالات لا يجب المساس بها ، و هناك مسافة وسط بين الفاعليَن الإثنين . يبقى إذن على أصحاب السلطة أن يتركوا أهل السلطة الرابعة و شأنهم ، فهم سفراء الكلمة و المعلومة لدى المواطن ، الذي لا ينبغي أن يبقى في الأخير بمعزل عن سياق الشأن العمومي ، الذي يجب أن تكون من أوكد اهتماماته دون تعتيم أو تضليل ، و إلا فسنكون أسرى سياسة تنضبط بإيقاع عقلية تحكمية لا تريد أن تَسمع إلا صوتَها ، أو أصواتا مأجورة ، دورها ينحصر في وضع مساحيق تجميل على سطح عَفِن ، و التي لا تنطلي بالتأكيد على ذكاء المواطن … على الجميع أن يفهم أن من يريد الإستئساد و امتلاك الحقيقة و الواقع معا ، و إمساك العصا من الوسط ، فإن تلك العصا حتما ستضيع منه يوما ما ، و تنقلب عليه . و لكن من يفهم أن من سنن الحياة ، تكامل الأدوار و توزيعها ، فإن ذلك من شأنه وضع حد للظلم و الجور و الفساد ، و إشاعة مناخ من العدل ، الذي يبقى هو أساس الإستقرار و الحكم الراشد …

‫تعليقات الزوار

2
  • حسن المولوع
    الجمعة 27 شتنبر 2013 - 00:09

    أولا أكون مسرورا عندما أقرأ مقالات لنخبة من الشباب المغربي الذين سيتركون بصمة بكل تأكيد في الحقل الإعلامي وسعد ناصر واحد من هؤلاء الذين أعتز بهم واشعر عند قراءة سطوره المليئة بالمعلومات التي تغب أحيانا عني.
    وإذ اجدد تهانئي الحارة والصادقة لصديقنا واخانا سعد ناصر أقول له تبراك الله عليك.

  • elmoslah
    الأحد 29 شتنبر 2013 - 18:31

    بلاغ رقم ………من قائد الانقلاب !

    إيها الشعب العظيم .
    إن من تمام المواطنة في عهدنا السعيد ، قبول وتصديق كل ما تشاهدونه على شاشات إعلامنا الحر النزيه. و عدم ألاكثرات لما تروجه القنوات المعارضة لنا الخارجة عن طوعنا ; و عن مراقبة أجهزة أمننا العظيمة , من مشاهد التقتيل و الاعتقالات وقمع للحريات في بلدنا السعيد الحر .
    ونهيب بكافة مواطنينا أن لا يشاهدوا إلا ما يرونه على شاشات إعلامنا و لا يتلقوا
    الخبر إلا من أفواه صحفيينا , الذين لا يديعون إلا ألاخبار الصادقة التي يمليها عليهم مراقبونا العسكريون كلمة كلمة.
    ومن يسلك مسلكا غير هذا أو يعارض خطواتنا وخططنا وإن بطريقة سلمية, فسيعتبر إرهابيا ، يحق لنا إستضافته في زنازننا وإن اقتضى الحال سنستضيفه في مقابر هذا البلد الشامخ.
    وبه وجب الاعلام و كل انقلاب وانتم بخير.

    ألا مضاء / قائد الانقلاب حبيب الشعب!
    ملحوظة : ان كل ما جاء في هذا المقال من نسج الخيال وكل تشابه في الاشخاص او البلدان فهو بمحض الصدفة!

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة