ثورة الزمان وترياق نوستالجيا الماضي

ثورة الزمان وترياق نوستالجيا الماضي
صورة: هسبريس
الثلاثاء 23 فبراير 2021 - 01:00

تمضي الأيام غير آبهة بنا ولا بمصيرنا، تنقضي فقط كما تشاء.تهفو مشرئبَّة سريعا كلِّية؛ نحو الوجهة التي تريدها.تأكل الأيام نفسها بفظاظة وشراهة ثم نتآكل معها بمجانية، حيث لا بقايا لأشلائنا. ربما لم نوجد أبدا، بالمعنى الواقعي، فالمستقبل مجرد ماض. للحاضر عدم. تتلاشى مختلف الهويات والدلالات بواسطة العدم.

ثلاثة معطيات، بدأت ترسم طبيعة علاقتنا النفسية بمجريات الزمان الحالي، لا أعرف مصدرها لكنها متداولة عموما: اتساع أسطورة رحابة وألفة “الزمان الجميل”. شدة الإحساس بأن وتيرة الوقت، غدت سريعة جدا.غلبة شعور التأفف حيال الزمان الحالي ثم جل مقومات السأم، التي ينطوي عليها.

حتما، الإنسان هو الزمان، والأخير مجرد تفعيل لممكناته. يسود هذا الإنسان الزمان، ويتحكم في تطوراته بشتى تجلياتها. قد يعترض معترض، قائلا، إن الأمر ليس كذلك، ما دام الإنسان ينتهي إلى العدم، يبقى محكوما خارج إرادته بقانون الزمان، الذي يستمر قابلا للتحقق.

تطرح إشكاليات، حين مقاربة البعد الأساسي والجوهري، لمسارات الزمان عبر وحدات الماضي، الحاضر، المستقبل، بحيث تعود في نهاية المطاف إلى موجه واحد، يحدث الخلاف بخصوص هويته ولمن تكون الأولوية: الماضي أم المستقبل؟

من الناحية النفسية، يعتبر تبلور بعدي أفق المستقبل ثم الاستكانة إلى الماضي، دعامتين لا غنى عنهما لاستمرار حياة الإنسان رغم صعوبات الحاضر وكذا مستويات التحديات التي يطرحها. يمنح المستقبل أملا ورجاء في التشبث بالبقاء، ما دام يطوي إمكانيات وجودية أخرى لازالت تنتظر التفعيل، بالتالي يخرج الفرد من رتابة الحاضر ويقدم له سياقا جديدا مختلفا عن القائم. هذا المستقبل، سرعان ما يتحول إلى حاضر ثم ينسحب نحو ماض جامد، أفصح تماما عن هويته الذاتية، وقدم على الوجه الأكمل ممكناته، من ثمة مصدر هذه الطمأنينة وجهة الماضي.

هل حقا الزمان الماضي جميل؟ هل حقا صار الزمان الحالي بلا نكهة أو مذاق؟ هل حقا صار الزمان المنساب آنيا سريعا قياسا لحقب خلت؟ أحكام أضحت جارية حاليا على الألسن، متداولة بجلاء عند الأغلبية، بحيث صارت جملة الزمن الجميل، لازمة مؤسساتية جاهزة فورا، حاضرة وفق ذات زخم ترياق سحري، يمد الأحياء بسكينة أفيون عجيبة المفعول.

مقولة اكتمل تشكلها، تحوي بكيفية تلقائية جل معطيات نظام معرفي وجمالي وقيمي”طوباوي”، معين، يحيل على مسافة زمانية تبدأ تقريبا بعشرين سنة فما فوق.هكذا، توصف كل قطعة موسيقية على سبيل التمثيل، سرى عليها قانون التقادم الزمني، بكونها منتمية إلى الحقبة الجميلة، لذلك تستحق تقبلا خاصا، رغم كونها ربما ”لم تكن جميلة” خلال سياقها.

أود تقديم مسلمتين بهذا الخصوص، ربما مثلتا ضمنيا جوابين، عن التمثل الذهني للزمان الماضي، باعتباره أرحم؛ من تطوره الحالي:

– مما لا شك فيه، اتفاق جل الحكايات سواء العالِمة أو الشفوية، بأن سنوات الستينات والسبعينات غاية منتصف الثمانينات تحديدا، تظل عموما مبهجة لإنسانية القرن العشرين، بحيث عاشت الأخيرة أفضل وأزهى سنوات عمرها، على جميع المستويات السياسية والفكرية والإيديولوجية والفنية، قياسا لما سيتحقق بعد ذلك.

بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، شكلت الفترة أفقا جديدا لتجاوز لبنات المنظومة التي أفرزت مآسي حرب عالمية ثانية مدمرة بكل دلالات الكلمة. أيضا، في ما يتعلق بدول العالم الثالث -التصنيف المألوف آنذاك- فقد اتسمت الفترة بزخم هائل على مستوى الآمال والطموحات والتطلعات الايجابية، نتيجة حوافز بناء دول حديثة، تعانق أحلام الشعوب، بعد معارك التحرر من الاستعمار.

– حدثت الثورة الرقمية والسيبرنطيقية، ثم شرعت في الترسخ والتوطد منذ أواسط التسعينات، فاكتسحت العالم قاطبة تزامنا مع حلول الألفية الثالثة، أدت إلى إحداث هزة نوعية عملت على تقويض جل مفاهيم النسق الكلاسيكي، مما أدى إلى ارتباك كبير بخصوص حقائق استمرت كبداهات طيلة عقود. ولأن الثورة المفهومية/التقنية مستمرة بقوة في تثوير(من الثورة) دون تردد جميع الميادين والحقول، تزداد في المقابل وترتفع وتيرة الارتياب والتشكيك، جراء الفجوات والقطائع النوعية، التي انطوت تماما على إطارين جديدين للزمان والمكان، لم يعد بحسبها سياق الزمكان وفق وضعه السابق، قادرا على استتباب معالم جلية بهوية أحادية المعنى والمبنى، للإحداثيات الكلاسيكية الثلاث (ماضي/ حاضر/ مستقبل).

‫تعليقات الزوار

7
  • عبور النفق .
    الثلاثاء 23 فبراير 2021 - 09:30

    مجموع السنوات التي تستهلكها في انتظار الحافلة ذهابا وأيابا من أجل الإلتحاق بالعمل إثني عشر سنة من عمرك ، نومك يستهلك ثلث عمرك ، بحثك عن عمل يستنزف عشر سنوات من البحث ، يلزمك بين ثلاثين إلى خمس و ثلاثين سنة من أجل توفير إمكانية الارتباط بشريك الحياة ، وسنتين أخرى من أجل إقناعه . سبع سنوات تستهلكها في المقهى وأنت تنتظر النادل ليحضر لك المشروب ، وثلاث سنوات تستهلكها انتظارا لفتاة أحببتها وكانت من نصيب غيرك . العشر سنوات الأخيرة تستهلك ربعها في المستشفيات والمشي خلف نعش الأصدقاء آخرهم كان دائما يضحك ملىء فيه حتى تخاله لن يموت .

  • زمان وزمان
    الثلاثاء 23 فبراير 2021 - 17:26

    عدا الزمن العادي، الإداري إن شئنا، يوجد الزمن الروحاني spirituel علينا الانتباه إليه واستثماره حتى لا يستبد بنا ويلتهمنا الزمن المقنن حد الضجر. الزمن الروحاني ممتد متواصل؛ الميلاد كما الموت محطتان فيه ليس إلا. عش الخلود الروحي ان شئت متعاليا سعيدا أو مت في الزمن الكئيب. .أما أنا فقد كسرت ساعة الجدار منذ اكتشفت الخطأ الإنساني الكبير. تحياتي سعيد واتمنى ان اقرأ لك في الموضوع.

  • Amaghrabi
    الثلاثاء 23 فبراير 2021 - 20:46

    شكرا سيدي سعيد بحيث الانسان حينما يحس ان وراءه سنين طويلة مر بها ويحس ان ما بقي امامه ليلقى ربه قليلة يجعله يعيش مع المقارنة وغالبا ما يحن الى زمن الطفولة والشباب والحياة البسيطة الجميلة التي عاشها مع اهله ومجتمعه,ولكن ما يؤلمني في حاضرنا اليوم ليس الحنين الى الزمن الجميل الذي عاشه الفرد ويتمنى رجوعه وانما يؤلمني حينما اسمع من الاسلاميين والسلفيين يتكلمون عن حياة عاشها غيرنا في مراحل من تاريخ المسلمين ويتمناها ان تعود ويعيشها هو كذلك وهي في الحقيقة سراب واوهام اخرجها من كتب التراث التي تمجد ماضي غيرنا باستعمال العواطف وشهادة الزور على شيئ غير مؤكد.وصراحة رغم ان الايام الماضية كانت صعبة اجتماعيا وماديا وسياسيا الا انها فترة مشرقة في جبين المسنين والذين تجاوزا الخمسين والستين والسبعين

  • ТОП ЗНАНИЯ
    الثلاثاء 23 فبراير 2021 - 22:51

    كلّ إنسان يأتي للطبيعة يَجُرُّ معه زمنه البيولوجي الخاص ليعيش به ذاخل الزمن الخارجي الشاسع بكل أبعاده محاولا سبر أغواره والإئتلاف معه بعض الوقت من أجل فهم خاصياته الغريبة والعصية على الفهم.الزمن الخارجي لابداية ولا نهاية له ولا صديق ولا حليف له كل شيئ فيه أزلي ولا يحتاج لمن يدافع عنه كما يتوهم الخرافيون،الزمن البيولوجي هو الذي يرسم لنفسه خارطة الزمن المستقيم على أنّ هذا ماض وهذا حاضر وهذا مستقبل إنطلاقا من تجربته البيولوجية المتحولة والمتغيرة فهو سواء عبر مايسمى بالصيرورة Becoming أو السيرورة process يبقى دائما كائن بيولوجي زمني خاضع لعملية النمو والتطور والتحول داخل الزمن الخارجي المجهول والغريب إلى حين إندثارأشلاء خليته لتصبح أسمدة أو غبارا لعوالم وكواكب أخرى عبر الإنبثاق الطبيعي أولخلية حية جديدة لكائنات أخرى لزمن بيولوجي أخر ولربما مرة أخرى بزمن مغاير لزمن وعيها السابق الذي عاش تجربة وهْمٍ كحياة إنسان ناطق عاقل.
    لهذا:/

    خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
    رُب لحدٍ قد صار لحداً مراراً ضاحكٍ من تزاحم الأضداد
    أفيقو أفيقو يا غواة فإنما ديانتكم مكر من القدماء

    شكرا للمقال

  • الزمن الجميل أمامنا لا ورائنا
    الثلاثاء 23 فبراير 2021 - 23:07

    هناك ما هو أخطر من الجمود في الزمن -و إن كان مستحيلاً- هو التصلب الموجود عند كبار السن مع إصرار عدد منهم على جعل ماتعلموه معيارا : نحن كنا كذا و كنا كذا…الغريب هو أن بعض الشباب يصدق فعلا أنهم كانوا كذلك ممكن لأنهم لم يعيشوه عن قرب و هذا ينطبق على كل مقدسي الماضي. وُلِدَ جَدِّي في أواخر القرن 19م و توفي في أواخر القرن 20م ، عاصر الفترة ما قبل الاستعمارية ثم الاستعمارية فالاستقلال حينما كانت تسأله والدتي مازحة عن أيام زمان فكان يرد ضاحكاً: “لي قال ليك ايام بكري كانت زينة قول له الله يعطيك واحد العشرة سنين” ههههه

  • يوم شتاء قصير .
    الأربعاء 24 فبراير 2021 - 00:40

    تقول الأسطورة : أن نوح الذين عمر تسع مئة سنة عندما سئل كيف تشعر بعد هذا العمر الطويل أجاب : كالذي دخل من الباب ثم عاد فخرج . وتروي الأساطير أيضاً أنه مر على عجوز تبكي على قبر ابنها بحرقة فسألها فكم عاش ، فأجابته : أنه مات شابا لم يتم الأربع مئة سنة من عمره فقال لها : هويني عليك فسوف يأتي بعدنا اقوام يعيشون بين السنين والسبعين فقالت : لو كنت من زمانهم لامضيتها في سجدة لا أقوم بعدها حتى لقاء ربي .

  • عبدالنور
    الأربعاء 24 فبراير 2021 - 13:18

    حيكت اساطير كثيرة حول الزمن حتى جاء من قال ان الزمن هو الله و امرنا الا نسبه. الزمن لا تشعر به الا اذا كنت تعيش في مكان يضيق باهله و يدفعهم لمغادرته. اما النوستالجيا فهي حسب علم النفس مجرد عرض من اعراض الشخصية النرجسية التي تتوق دوما الى زمن حضن الام.

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 4

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية