حكومة بنكيران الثانية: بين منطقي جبر الخواطر وأسلوب الابتزاز

حكومة بنكيران الثانية: بين منطقي جبر الخواطر وأسلوب الابتزاز
الجمعة 11 أكتوبر 2013 - 13:43

يبدو من خلال مقالي الأخير و المعنون ب ” ِلنَنْسَ مغرب ما قبل دستور 2011 ” قد سبق أوانه ، و أخذ نصيبا من التفاؤل فوق ما يستحق ، و ذلك عملا بقول الشاعر ” أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها *** ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ ” والتي دائما نبقى أوفياء و مجددين التعاقد معها، فالحياة بلا أمل لا معنى على الإطلاق ، لذلك فالمقال قد سبق أوانه باعتبار السياق الوطني الذي لم يتأهل بعد لوصول مرحلة النضج و التأقلم مع دستور 2011 الجديد,

هذا الدستور الذي صرفت من أجله مئات الملايين من الدراهم لتعبئته سياسيا و اجتماعيا و إعلاميا ، قبل أن يكتشف الجميع بعدئذ أنه لم يحن الوقت بعد لنحيا و لو للفترة الأولية للإستعداد النفسي و المعنوي لفتح كناشه و قراءة ما فيه و لو حتى ديباجته ، التي تبدو ثقيلة على البعض ، هذا البعض الذي استهوته فترات ما قبل 2011 ، فترات تسمح له بالتصرف كيف يشاء ، و متى شاء ، و أين ما شاء … و ما طبيعة ولادة مخاض النسخة الثانية من حكومة بنكيران المثيرة للجدل و طويلة الأمد ، إلا تجسيد صارخ للصورة المزاجية التي لا زال بعض ساستنا يَسِيرُون وِفْقَها وعلى هديها ، فضلا عن أسلوب الابتزاز الذي طبع سيناريو تشكيل الحكومة منذ بداية مفاوضاتها.

بالنسبة للطبيعة المزاجية التي تمت من خلالها عملية تشكيل النسخة الثانية من الحكومة ، فتتجلى بداية في توزير أسماء جديدة ، أو إسنادها حقائب منتدبة لدى وزارت معينة أو لنقل بعبارة أدق وزارات مكرَّرَة مرتين ، أو تجزيء وزارة إلى وزارتين أو ثلاث ، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لوزارة الطاقة و المعادن والماء و البيئة، و الوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة و المعادن و الماء و البيئة المكلفة بالبيئة ، و الوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة و المعادن و الماء و البيئة المكلفة بالماء، و مما يتجلى أيضا في الطابع المزاجي لحكومة بنكيران الثانية توزيرُ أسماء كانت حاضرة في النسخة الأولى لكنها نزعت منها حقائبها الأولى ، و أسندت لها أخرى كما في حالة محند العنصر مثلا، الذي نزعت منه وزارة الداخلية الشائكة لحساب الوزير محمد حصاد المحسوب على التكنوقراط غير المنتمي لِطَيْف سياسي معين ، لتمنح للعنصر وزارة التعمير و إعداد التراب الوطني.

وهكذا تكون الداخلية ضمنيا قد خَلَعت عنها رداء الحزبية الضيق عليها ، و لو على الأقل في هاته الفترة الراهنة من الحكومة الحالية ، كما لو أنها عادت ، و لو في سياق مغاير ، إلى سَعَة أحضان الوزارات السيادية بعد غياب قصير دام زهاء السنتين ، و من حالات المزاجية التي تجسدت أيضا في حكومة بنكيران الثانية أنها حكومة التسعة و الثلاثين وزيرا ، و التي لم تسع عدسة المصورين الصحافيين التقاطها في صورة واحدة ، و ذلك بعد فترة سابقة دار فيها نقاش طويل قبل ميلاد حكومة بنكيران الأولى ، حول ضرورة اختزال عدد الوزراء ، إسوة بتجارب كبريات الدول الديمقراطية في العالم الأول ، قبل أن يكتشف الجميع أخيرا أننا نبتعد عنها بدورات في الوصول إلى حلبة التنافس …

أما الوجه الآخر وراء تشكيل حكومة النسخة الثانية و هو الابتزاز ، الذي حضر بقوة و الحالةَ الراهنة لحكومة بنكيران الثانية ، فَبَطَلُهُ بالتأكيد الحزب الوافد حزب التجمع الوطني للأحرار ، والذي لا ينكر أحد تاريخ هذا الحزب العتيد و ما أنجب و لا زال من مهرة و أكفاء ، و لكن حزب الحمامة هذه المرة ، و بالرغم من طبيعتها المتسمة بالوداعة ، إلا أن تعاملها مع الظرفية الراهنة كان أشرس من الصقر ، لدرجةٍ وصلت معها إلى الابتزاز ، و استغلال الظرفية الدقيقة للحراك السياسي الوطني و الإقليمي ، إذ كيف بحزب محتل للرتبة الثالثة بعد كل من حزبي العدالة و التنمية و الاستقلال ، ب53 مقعدا فقط.

أن يحصل على ثمانية مقاعد بديلا عن سلفه الاستقلال المحتل للرتبة الثانية ب 60 مقعدا ، و الحاصل في النسخة الأولى من الحكومة الحالية على ستة مقاعد ، و لكن ليت الأمر يقف عند هذا الحد ، وذلك لطبيعة الحقائب التي حصل عليها حزب التجمع الوطني للأحرار ، و التي هي من الأهمية بمكان ، إذ كانت من ضمن الثمانية حقائب حقيبتي المالية و الخارجية ، إنه الوجه الأخر للعبة السياسية الماكرة ، التي تدير ظهرها لأصوات الناخبين من المواطنين ، و التي وجد فيها بعض ساستنا الممجَّدين مرتعا خصبا لحصد مكاسبهم ، من خلال ثقافة المزاجية و الابتزاز ، و الذي أذكاه الوهن و الإرهاق السياسي الذي أصاب رئيس الحكومة ، بفعل الاحتجاجات الشعبية من ارتفاع للأسعار و كذا نظام المقايسة المثير للجدل ، كل هاته الإرهاصات من شأنها تمديد فترات إضافية أخرى من زمن مغرب ما قبل دستور 2011 .

‫تعليقات الزوار

1
  • حسن المولوع
    الجمعة 11 أكتوبر 2013 - 22:43

    رسب رئيس الحكومة في الإمتحان وسقط بين مخالب الذئاب الذين أرادو ابعاد خبرة وحنكة سياسية مشهود لها وأقصد من كلامي السيد سعد الدين العثماني….هذه الحكومة في طبعتها الثانية ستكون فاااشلة إن شاء الله لأن الفساد لا يراد به الاصلاح وإنما الفساد من أجل الفساد………..تبارك الله عليك أستاذ سعد ناصر

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز