حياة أخرى على مقاس "كورونا" ...

حياة أخرى على مقاس "كورونا" ...
صورة: أ.ف.ب
السبت 6 فبراير 2021 - 00:38

يسخر “الفيسبوكيون” كثيرا من هذا الشهر باعتباره “شهر ذي الإبرة”، وكأن “كورونا” فرض على المغاربة تقويما جديدا للتاريخ، والحقيقة أن “أيام كورونا” التي تحولت إلى شهور، ونتمنى أن لا تتحول إلى أعوام، فرضت على جميع سكان العالم نمطا جديدا من “العيش الأناني”، وصلت في بعض البلدان إلى حد تفصيل “ديكتاتوريات” على مقاس “كوفيد- 19”.

في كل البلدان ورغم التضامن المعلن، انفرد الفيروس الملعون بـ”المدنيين العزل”، واختطف دون شفقة حياة الكثيرين، على مرأى ومسمع من الأهل العاجزين عن تقديم أي مساعدة لشخص في حالة خطر، وفي بعض الحالات كان الفيروس يؤدي رسالة الموت التي يحملها بكل بشاعة، حيث كان يخطف الأب ثم الأم، ويشرع في التربص بالأولاد وسط الأجواء الجنائزية، ويا لها من قساوة، عندما تفرض الإجراءات الاحترازية لمنع انتقال العدوى دفن الميت في كيس بلاستيكي، دون تغسيل، ودون صلاة جنازة..

وكأنه “فيروس شيطاني” فرض هذا المارد، في لحظة من اللحظات، توقيف جميع طقوس التقرب إلى الله، وفرق جموع المصلين والمؤمنين بكافة الأديان، بل إن بعض الأطباء والممرضين والممرضات من جنود الصفوف الأمامية، كانوا يتولون بأنفسهم قراءة الدعاء في غرف الإنعاش، التي امتلأت عن آخرها في ذروة انتشار الوباء، وكانوا مثل الملائكة، التي تحلق في سماء الموت.. ولا شك أن إحدى أصعب المهام في العالم هي ما حكته ممرضات في بعض المستشفيات العالمية بأن البروتوكولات الصحية كانت تفرض عليهم إطفاء أجهزة التنفس لفسح المجال لدخول الموت إلى الأجساد المتهالكة والميؤوس من شفائها.

من كان يتصور أن تتحول الكمامة إلى جزء من وجه الإنسان؟ من كان يتصور أن يتحول تكميم الأفواه إلى سلوك حضاري؟ من كان يتصور ظهور جريمة “استنشاق الهواء خارج القانون”؟ من كان يتصور ظهور أنواع جديدة من “السجن الاختياري” و”العزلة الاختيارية”؟ من كان يتصور ظهور “أخطر أنواع الجشع”، حيث كان الناس يتسابقون في بداية الجائحة على تخزين قوارير الزيت، وأكياس الطحين، والمعكرونة، استعدادا لنهاية العالم، وكل واحد كان يتصور نفسه “الإنسان الأخير على وجه البسيطة”؟..

قساوة فيروس “كورونا”، وقساوة الدروس المستخلصة من الجائحة، رغم أنها لم تنته بعد، لن تمر بالتأكيد دون أعراض جانبية، فمن بإمكانه اليوم إحياء الأجواء العائلية القديمة؟ ومن سيصدق التكافل العائلي، في ظل تخلي الأخ عن أخيه، والأخت عن أختها في بعض الحالات؟.. لقد تأكد الجميع أن هناك ما هو أخطر من الفقر، وهو الفيروس القاتل. لذلك تنافست السلطات في شتى أنحاء العالم على شرعنة الخدمات عن بعد، بداية من العمل والتعليم، وصولا إلى “تبادل المشاعر عن بعد”، ويظهر أن نفوذ الإنسان بدأ يتراجع أمام “دكتاتورية الآلة” المجردة من المشاعر.

هي حياة أخرى، لا ترحم، لأجيال أخرى.. ويا لها من ورطة لأولئك الذين يحنون للزمن الجميل، زمن السينما والمسرح والعمالقة والشعراء والأدباء.. أولئك الذين يؤمنون بأن الإنسانية هي رأس المال الحقيقي.. هي حياة أخرى حتى إشعار آخر، وكل الآمال معلقة على هذا التلقيح لتحقيق مناعة شاملة للقطيع.. وكل الاعتذار للبشرية أمام هذا الانحراف اللغوي، الذي جعلنا نتحدث “عن مناعة القطيع” ونحن نقصد “مناعة الإنسان”.

‫تعليقات الزوار

2
  • badr
    السبت 6 فبراير 2021 - 01:36

    الحمد لله على كل حال وسبحان الذي يغير ولايتغير وكل شيء بأمره وهو الذي قال في محكم كتابه بعد بإسم الله الرحمان الرحيم (قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المتوكلون)والحمد لله أولا وأخيرا وإليه يرجع الأمر كله.

  • benha
    السبت 6 فبراير 2021 - 12:57

    يجب ان تتخذ العبر من هذا الوضع ، وعلى الانسان اينما كان ان يغير ما بنفسه ويراجعها ، لان الفساد استشرى ، والطغيان عم البرية ، وطغت المادة ، واصبح البشر يعبد المال ويسعى الى كسبه باية طريقة كانت ، بالنصب والاحتيال وبالنهب والسرقة ، كما انتشر الكذب والبهتان والنفاق والزور ، وهذا ما يعرض الخلق لسخط الخالق ، وكل هذا ادى ويؤدي الى تعقد الحياة وغياب الرضا والاطمءنان ، كما قد يؤدي الضغط والاختناق الممارس على الجميع من كل النواحي المادية والمعنوية الى وشك الانفجار ، ان الوضع ينبؤ بكارثة بشرية لن تبقي ولا تدر ، فقد تنفلت الامور وتفر من عقالها ، وما نشاهده ونلاحظه ونعيشه لا يبشر بخير ، فهناك استضامات في كل مكان ، وهناك سخط وتدمر عام وغليان ، وهناك مواجهات واعتداءات وهناك عدم الرضا على ما يحدث وما يقع ، وهذه علامات لا تبشر بخير للبشربة ، واذا لم نتدارك الامر قبل فوات الاوان ، وذلك بتصحيح الاخطاء ، وايجاد الحلول لكل مشكل ولو كان بسيطا ، ويجب عدم الاستهانة باي شيء ، ويجب عدم اهمال اي شيء لان الاهمال يزيد التفاقم ، ويجب اعطاء الاهمية للبسطاء والمستضعفين ، لانهم اساس و سبب الشرور التي تصيب الامم .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة