لشكر وبلا فريج.. أو الداء والدواء للممارسة السياسية !

لشكر وبلا فريج.. أو الداء والدواء للممارسة السياسية !
الإثنين 5 أبريل 2021 - 01:08

في الآونة الأخيرة انتشر خبَران يهُمان أسرة اليسار بالمغرب، ويقدمان ويصِفان بشكل جلي وضعيةَ الأسرة اليسارية حاليا، بل والأسرة السياسية ببلادنا عموما؛

الخبر الأول يفيد أن النائب البرلماني والقيادي في الحزب الاشتراكي الموحد، السيد عمر بلا فريج، يعتزم عدم الترشح للانتخابات المقبلة، بل وقرر أن يعتزل العمل السياسي بصفة نهائية؛ وهو الخبر الذي أحزن كثيرين من اليساريين، ومن المغاربة عموما، لِما رأوا في الخطوة، في حال إقدام صاحبها على تفعيلها، ليس خسارة فقط لليساريين، بل للمغاربة كلهم وللوطن!

والخبر الثاني انتشر بدوره مؤخرا كالنار في الهشيم، ولخّصته تصريحات غاضبة ومؤلِمة، للقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي، حسن نجمي؛ اتهم فيها القيادة الحالية لحزب الشهداء الأفذاذ، المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون والآخرين.. بِبيع التزكيات للترشح باسم الحزب لغرباء على الأسرة الاتحادية، ومنهم حتى “الشناقة” و”البزناسة”، وهي التصريحات التي لم تزد جُرح الجسد الاتحادي إلا نكْأً وقد أوشك يتقيّح!!

في واقع الأمر، يُجسد هذان الخبران ويلخصان، بعُمق، صورةَ السياسة والسياسيين، في وطننا المغرب، وهي الصورة الناطقة، بكل تعابيرها الصارخة؛ من جهة أولى، مشيرة إلى الانحدار الشديد إلى الهاوية، الذاهبة إليه بعض المؤسسات الحزبية، ولاسيما منها تلك التي جسدت في أحلك الأزمنة، التي سميت بسنوات الرصاص، صوتَ المواطن وصوت القوات الشعبية، أمام الظلم والطغيان والتسلط وتغول الدولة أو المخزن؛ حيث كانت تستباح كلُّ الأدوات والممارسات، بما فيها الاغتيالات السياسية، وبما فيها بلقنة الساحة السياسية بأحزاب تابعة للإدارة، لحبك والتلاعب في نتائج الانتخابات، التي كانت في كثير من المناسبات شبه محسومة مُسبقا..

ومن جهة ثانية، جعلنا أحد الخَبَرين، كمُتابِعين ومواطنين، لا نفقد آخر خيط رفيع بالأمل في غد أفضل، من حيث الممارسة السياسية، عندما فوجئنا برجل سياسي نزيه، في هذا الزمن السياسي الأرعن والأجبن والأفسد، يعلن أمام الأشهاد، وهو في أوج عطائه الخلّاق والمتفرد، كنائب برلماني وكمستشار جماعي وكحزبي وسياسي، يعلن أنه قد قرر “الطلاق” مع السياسة، وفي ثنايا إعلانه غصة غضب، على تحويل السياسيين، أو غالبيتهم، المهمةَ النيابية إلى وظيفة، وهو ما لا يستقيم والعمل السياسي النزيه، بحسبه !

الخَبرانِ/الحَدثَان، أعادا إلى ذاكرة المغاربة، وبحسرة، تلك الصورة الصافية لمناضلي السياسة في “الزمن الجميل” (من حيث جمال التنظيم السياسي والعمل بداخله)، عندما كان السياسيون يزهدون في المناصب ويُولونها الأدبار. ولا يهمهم إلا أن يكونوا صوت الكادحين من المواطنين، ومن أي موقع، حتى ولو في المناطق النائية، وفي دشور الجبال ومنحدراتها، وفي فيافي الصحارى؛ وقتها كان حِزبٌ كالاتحاد الاشتراكي، وبالرغم من كل الاضطهاد والحرب الإعلامية والأمنية ضده، يخرج قادته، ويعلنونها بكل جرأة، عبر منابرهم الإعلامية، بأن الأيادي الآثمة للسلطة، عبثت في صناديق الاقتراع ! وبأن تلك السلطة لا تريد أو غير جدية في الذهاب بمغرب ما بعد الاستقلال، إلى مصاف الدول الديمقراطية !

إنه الحزب، الذي تخرّج من مقراته البسيطة، في المناطق النائية، وفي الأحياء الشعبية، زعماء من طينة الشهداء السالفي الذكر وكثيرين من أمثالهم؛ هو الحزب نفسه الذي تحول اليوم إلى “دُكّان” يبيع ويشتري التزكيات، للغرباء والسماسرة، ولِمن يدفع أكثر كثمن بالدراهم، بحسب تصريحات بعض أبنائه القياديين، الذين لم يصبروا على كتم شهادتهم للتاريخ وللوطن؛ وهي الوضعية الذميمة والمُحزنة، التي وصل إليها الحزب، عندما بات يقوده شخص اسمه إدريس لشكر، الذي يتهمه الاتحاديون أنفسهم، بأنه حوّل حزب الوردة إلى “إقطاعية” تابعة له، يتصرف فيها كما شاء وأنّى شاء، وبِعبث وجحود وتنكّر، مثير لأكثر من علامة استفهام كبرى !

وما أقدم على حَكْيه، حسن نجمي، في لقاء مبثوث خلال ندوة إلكترونية، بأن “حاكِم” “إقطاعية” “القوات الشعبية”، القابع في البناية الزجاجية بشارع العرعار بحي الرياض الراقي وسط العاصمة، بات يستبعد كل منتقد لطريقة تدبيره المزاجية للحزب، ويُقرب حواليه فقط مَن يُشبهونه في تحجّر عقليته وتكلّسها، وفي تهافته على التصفية الرمزية والمعنوية لمخالفيه، من خلال تهميشهم وإقصائهم، بشتى الوسائل، بما فيها حبك المكائد وترويج الأكاذيب؛ كل ما صرّح به نجمي، وسبقه إلى ذلك قياديون آخرون، قبل أن يعلنوا انسحابهم من الحزب، لهو دليل ناصع على أن العنوان الأبرز للمرحلة السياسية الراهنة هو الإفلاس في أبشع صوره !

إن النموذجين اللذين أثارا الجدال هذه الأيام، وبالرغم من أنهما يهمان العائلة اليسارية، بالدرجة الأولى، إلا أن قوة الرسالة وطبيعة خطابها، تعكس واقع حال السياسة والسياسي ببلادنا؛ الذي يغلبه عليه طابع الانتهازية والوصولية، وغياب ملكة الإبداع، وانتفاء تداول المهام الحزبية بين الكفاءات ولاسيما الشباب، مقابل استمرار نفس الوجوه الكالحة في الواجهة رغم عجزها العُمْري والإبداعي، وتهافُتِها وزبانيتها على اقتسام الغنائم والمكاسب الريعية، وهو واقع الحال الذي لن يؤدي، بكل تأكيد، إلا إلى مزيد من العزوف، من طرف المواطنين، على السياسية والعمل السياسي، بل والكُفر بذلك إذا ما استمر واقع الحال هذا !

بيد أنه في خضم هذه الصورة القاتمة والكئيبة، في المشهد الحزبي والسياسي ببلادنا، يسطع بريق أمل في الأفق، يجسده رجال شرفاء، ولو قلّ وندر وجودهم، من طينة السيد بلا فريج، الذي وهو يُذكّر الرأي العام باعتزاله السياسة، الذي لا رجعة فيه، على الأقل في الأفق القريب والمتوسط، فإنه لم ينس، أيضا، تذكيرنا والسياسيين، بمدرسة الزعيم عبد الرحيم بوعبيد في السياسة، والتي كانت تُصِر على الالتزام بالأخلاق في الممارسة السياسية؛ فلا سياسة بلا أخلاق، بحسبه؛ وهي وجهة النظر التي تُدحِض النظرية الميكيافيلية الحاضّة على استبعاد الأخلاق من السياسة. والتي من منطلق “الغاية تبرر الوسيلة”، باتت أحزاب عريقة كـ”الاتحاد” تُباع وتُشترى فيها التزكيات للترشح للانتخابات، ولِمَن يدفع أكثر !

‫تعليقات الزوار

6
  • فريد
    الإثنين 5 أبريل 2021 - 08:21

    اليسار بدأت مرحلة موته بعد أحداث يونيو 1981 بالدار البيضاء التي بعدها سمح الملك الحسن لهاته الأحزاب بالفوز بتدبير بعض الجماعات ليُمكنها ذلك من التأقلم مع إستغلال المناصب للحصول على البقع الأرضية،بعد ذلك جاءت حكومة التناوب ولإنقاد البلاد قرر وزير ماليتها فتح الله ألعلو إخلاء الإدارة العمومية من خيرة أطرها بالمغادرة الطوعية لتبقى الرداءة سيدة الميدان،ثم قام بتحويل شركة التكرير الوحيدة إلى العامودي مقابل 4 مليار درهم وبتواطء مع المصالح الجمركية تمكن هذا من التهرب من دفع 45 مليار درهم كضرائب مستحقة،لنرث اليوم شركة متوقفة(لكن عمالها يتلقون أجورهم على حساب دافعي الضرائب) ولا يمكن للدولة تأميمها لأن خبراءنا فضلوا المتابعة القضائية.ومن ضمن منجزات هذا الوزير رفع أجور رجال التعليم(قاعدة اليسار)لتمتص الأجور 90% من الميزانية التي تمثل 25% من الميزانية العامة،اليوم عدد السكان في إزدياد أي مزيد من المدارس والأطر ولكن إرتفاع الأجور ترغمنا على الحلول الترقيعية خصوصا في البوادي.واليوم من يهمه مصير اليسار الراديكالي الذي لايُساير الواقع،أو اليسار المخزني الذي لايختلف عن باقي الأحزاب المخزنية.

  • محمد حجاجي.
    الإثنين 5 أبريل 2021 - 11:38

    أقدر النائب البرلماني السيد عمر بلافريج، وأحترم موقفه، لكني أتساءل في نفس الوقت: أليس انسحاب النزهاء والأكفاء وذوي المبادئ والقيم الوطنية والإنسانية النبيلة من الساحة هو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه من تدني الفعل السياسي؟ هل الانسحاب هو الحل؟ هل ترك الساحة فارغة هو السلوك الوطني الأسلم؟ ألا نساهم بذلك في تأزيم الوضع؟
    أمور تسائلنا عن قدرتنا على التصدي والمواجهة، عن استعدادنا لتقديم التضحيات اللازمة، عن جدوى الكراسي الفارغة، عن عدم تقديم الهدايا الثمينة لترك القبرة تبيض وتصفر في أمان…

  • Amaghrabi
    الإثنين 5 أبريل 2021 - 12:26

    صراحة أعتقد أن من يدخل السياسة في المغرب له حاجة في نفس يعقوب بحيث يضع في الدرجة الاولى مصلحته الخاصة سواء كانت مادية ام معنوية وهذا له دليل واضح في تاريخ حكام المسلمين بصفة عامة بحيث اقوالهم كانت دائما تخالف اعمالهم رغم انهم كانوا يدعون الى التضحية بالمصالح الخاصة من اجل الحصول عن رضى الله وكانوا يجوعون انفسهم من اجل التضامن مع فقراء المسلمين والامام علي نموذج واضح بحيث كان يعيش بادام واحد ولو خبزا مع الملح واقول هذا رغم انني اشك في هذا التاريخ المزور.الصحابة تقاتلوا من اجل الحكم وكيف لا يتقاتل اليوم على السياسة من اجل المصالح الخاصة وبالتالي اكاد اجزم ان منذ نشأة الاحزاب السياسية لم تكن ابدا ديموقراطية ولن تكن ابدا في هذا الوضع الواقعي ديموقراطية ابدا وانما الاقصاء هو سيد المواقف والتنافس باستعمال المؤامرات من اجل اقصاء المنافس الذي يزعج مصالح الاغالبية هو السائد ويبقى سائدا حتى تتقوى الديموقراطية ويتوعى الشعب المغربي بما يقوم به السياسيين من تنويم الشعب في الاوهام والاحلام من اجل مصالحهم ولا شيئ اخر سوى المصالح الخاصة

  • Amaghrabi
    الإثنين 5 أبريل 2021 - 13:28

    صراحة لا بلفريج ولا منيب ولا لشكر ولا الاحزاب الاسلامية ولا الزعماء الوطنيين القدماء بوعبيد بنبركة اليوسفي وهلم جرا ,يمكن ان يكونوا مثاليين او قدوة للمواطنين المغاربة لان الساسة منذ الاستقلال ولدت عوجاء معاقة وما زال الحاضرون يتمتعون باعوجاجها التي تحقق الماصالح الشخصية او المصالح الحزبية,فالمرض المعاق للتنمية السياسية في نظري هي البلقنة السياسية بحيث كثرة الاحزاب يدل ان اللعبة السياسية هي لعبة المصالح والغريب في الامر بدل ان يتدارك رؤساء الاحزاب وينتقلون الى الاسلوب المثالي الذي يبرز الحزب القوي والذي يقود الحكومة بالاغلبية والقضاء على التوافق والبلقة نرى ومع الاسف الاحزاب التي عارضت الدولة لسنين طويلة وتلاعب في الاساليب الانتخابية وازعجت الدولة منذ الاستقلال بمعارضتها التي كانت تعرقل المسيرة الديموقراطية والمسيرة التنموية اصبحت هي نفسها من تتجه الى الاسلوب الذي يكرس البلقنة ويزيد في توسيع البلقة بشكل فظيع.وهذا سبب واضح يبين انتهازية الاحزاب الوطنية وانانيتها لتبقى ولو بفتات الكراسي تحكم المغاربة بتوسيع المشاركة بين الاحزاب السياسية واعتقد انه في الحكومة المقبلة سنرى اكثر من 5احزاب تش

  • ضحك كأنه البكا .
    الثلاثاء 6 أبريل 2021 - 00:07

    سأقولها صراحة ودون مواربة . مادامت الأيادي الخفية للدولة العميقة تتحكم في خيوط اللعبة فلن تكون عندنا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية ولا مساواة ولا شفافية وسوف نبقى في خانة الدول المتخلفة سياسيا برغم المكياج الذي يزين جسدا مثخنا بكل الأمراض المزمنة من فصيلة الرشوة الملعونة والمحسوبية النجسة والظلم شديد . ساستنا تجار مآسي الشعب بضاعتهم .

  • م قماش
    الأربعاء 7 أبريل 2021 - 00:25

    بلافريج ولشكر ونجمي
    يذكرني السيد عمر بلافريج بالمرحوم المهدي المنجرة عندما استقال من الرئاسة الشرفية للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان أبرز مؤسسيها بعد مؤتمرها التأسيسي؛ كان الدكتور المهدي مندفعا ظننته ناشطا حقوقيا يضيف إلى هذا الحقل ممارسات وأفكارا تجوده بتكاثف خبرات ومجهودات الحقوقيين. السيد حسن نجمي أظن أنه لم يستوعب الدرس عايش أهم الأحداث المؤسفة أضعفت الحزب وشبيبتة وكدش وأوطم وإتحاد كتاب المغرب وكل الواجهات التي ينشط فيها مناضلوه؛ يدرك الأدوار المخربة لبنيان التنظيم الحزبي التي لعبها السيد إدريس لشكر بشكل مكشوف لا داعي لتفصيل أفعاله وذكر أشباهه المساهمين الفعليين في تشردم وإضعاف حزب القوات الشعبية.
    عن أية مصالحة يتحدث السيد لشكرتنعش الإتحاد برجوع بعض الفاعلين؟ ماذا أنجز السيد حسن نجمي عضو القيادة تميز الحزب عن باقي الدكاكين السياسية؟ لماذا سكت عن رئاسة مجلس النوب دون أغلبية ولماذا يتحالف مع البيجدي؟
    السيد عمر بلافريج لا تستعجل إنصهار مكونات فدرالية اليسار الإنفعال لن يساعد على تحقيق نسبي لهذا المشروع الطموح أرجوك أن ترحب بدعوات من يناشدك التراجع عن خطوتك كالصديق محمد حفيض وآخرين.

صوت وصورة
ليالي رمضان في العيون
الجمعة 29 مارس 2024 - 15:57

ليالي رمضان في العيون

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج